الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذلك بعض الناس، مثل ابن شُكْر المصري
(1)
ونحوه، فهذا كلام جاهل بالكتاب والسنة وكلام السلف.
وقد زعم طائفة أن المعراج كان مرتين: مرة منامًا، ومرة يقظةً. ومنهم من جعله ثلاث مرات، والصواب أنه كان مرةً واحدةً، وتلك الليلة فُرِضَت الصلوات الخمس، ولم يكن هذا إلا مرة واحدة لم تُفرض مرتين، ولكن بعض الناس غلط في بعض ما نقله؛ فقيل: إنه كان قبل النبوّة منامًا، وأن تلك الليلة فُرضت الصلوات الخمس قبل فرضها بعد النبوّة، وهذا غلط.
فصل
* وأما
المبتدعة هل هم كفار أو فسَّاق
؟
والجواب: أنَّ المبتدعةَ جنسٌ تحته أنواع كثيرة، وليس حكم جميع المبتدعة سواء، ولا كل البدع سواء، ولا مَن ابتدع بدعةً تخالف القرآن والحديث مخالفةً بيِّنةً ظاهرةً، كَمَن ابتدع بدعةً خفيّةً لا يُعلم خطؤه فيها
(1)
هو: علي بن شكر بن أحمد بن شكر، القاضي أبو الحسن المصري الشافعي (ت 616)، له مؤلفات في السنة والصفات، ترجمته في «التكملة»:(2/ 470)، و «تاريخ الإسلام»:(13/ 480 - ط. دار الغرب). وفي المتحف البريطاني (ملحق 170) رسالة بعنوان «شرح اعتقاد أحمد بن حنبل» منسوبة إليه. ومنها نسخة في مركز الملك فيصل (ب 8370). وانظر كلام المصنف على ابن شكر في «مجموع الفتاوى» : (16/ 433 - 434) وهو قريب مما هنا مع زيادة فوائد.
إلا بعد نظر طويل، ولا مَن كثر اتِّباعه السنة إذا غلط في مواضع كثيرة، كمن كثر مخالفته للسنة وقلّ متابعته لها، ولا من كان مقصوده اتباع الرسول باطنًا وظاهرًا، وهو مجتهد في ذلك، لكنه يخفى عليه بعض السنة أحيانًا، كمن هو مُعرِضٌ عن الكتاب والسنة، طالب الهدى في طرق الملحدين في آيات الله وأسمائه، المتبعين لطواغيتهم من أئمة الزندقة والإلحاد وشيوخ الضلال والأهواء. فقد جعل الله لكل شيء قدرًا.
فمن كان من أهل البدع والتحريف للكلم عن مواضعه
(1)
والإلحاد في أسماء الله وآياته {وَمَنْ يُشَاقِقِ [ق 50] الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: 115].
ومن كان مفرِّطًا في طلب ما يجب عليه من العلم والسنة، متعصِّبًا لطائفة دون طائفة، لهواه ورياسته، قد ترك ما يجب عليه من طلب العلم النبوي وحُسْن القصد، ولكنه مع ذلك مؤمن بما جاء به الرسول، إذا تبين له ما جاء به الرسول لم يكذبه، ولا يرضى أن يكون مشاقًّا للرسول متبعًا لغير سبيل المؤمنين، لكنه يتبع هواه ويتكلم بغير علمٍ، فهذا قد يكون من أهل الذنوب والمعاصي وفساقهم، الذين حُكْمُهم حكم أمثالهم من المسلمين أهل الفتن والفُرقة والأهواء والذنوب.
(1)
الأصل: «مضعه» .
ومن كان قصده متابعة الرسول باطنًا وظاهرًا، يقدِّم رضا الله على هواه، مجتهدًا في طلب العلم الذي بعث الله به رسوله باطنًا وظاهرًا، لا يقدّم طاعةَ أحدٍ على طاعة الرسول، ولا يوافق أحدًا على تكذيب ما قاله الرسول، ولو كان من أهل قرابته أو مدينته أو مذهبه أو حِرْفته
(1)
، لكنه قد خفي عليه بعض السنة، إما لعدم سماعه للنصوص النبويّة أو لعدم فهمه
(2)
لما أراده الرسول، أو لسماع أحاديث ظنها صدقًا وهي كذب، أو لشبهات ظنها حقًّا وهي باطل، كما قد وقع في بعض ذلك كثير من علماء المسلمين وعُبَّادهم. وأكثر المتأخرين من
(3)
العلماء والعُبَّاد لم يَخْلصوا من أكثر ذلك، فهؤلاء ليسوا
(4)
كفّارًا ولا فسّاقًا، بل مخطئون خطأ يغفره الله لهم، كما قال تعالى على لسان المؤمنين:{رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286]. وقد ثبت في «الصحيح»
(5)
أنّ الله أستجاب هذا الدعاء.
وثبت في «الصحيح»
(6)
من غير وجهٍ أنّ الله تعالى غفر للذي قال:
(1)
الأصل «خرقته» تصحيف.
(2)
الأصل: «يهيبه» خطأ!
(3)
«المتأخرين من» تكررت في الأصل.
(4)
الأصل: «ليس»
(5)
أخرجه مسلم (125) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(6)
أخرجه البخاري (3478)، ومسلم (2756) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
«إذ أنا متّ فأحرقوني واسحقوني واذروني في اليَمِّ، فوالله لئن قَدَر الله عليَّ ليعذّبَنّي [ق 51] عذابًا لا يعذّبه أحدًا من العالمين» . فهذا مؤمنٌ ظنّ أنّ الله لا يقدِر على إعادته، وأنه لا يعيده إذا فعل ذلك، وقد غفر الله له هذا الخطأ بخشيته منه وإيمانه.
وقد أنكر كثيرٌ من السلف أشياء خالفوا بها السنة، ولم يكفرهم أحدٌ من أئمة الدين، فقد كان غير واحدٍ يكذِّب بأحاديث ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم ويغلِّط رواتها؛ لما ظنه معارضًا لها من ظاهر القرآن، أو أنكر
(1)
خبرًا، كما أنكرت عائشةُ عدة أخبار، وأبو بكر وعمر وعليّ وزيد وغيرهم بعض الأخبار، وأنكر غير واحدٍ بعض الآيات التي لم يعلم أنها من القرآن، وهؤلاء من سادات المسلمين، وخيار أهل الجنة وأفضل هذه الأمة، وقد اختلفوا أختلافًا آل بهم إلى الاقتتال بالسيف والتلاعن باللسان، ومع هذا فالطائفتان من أهل العلم والإيمان، مبرؤون عند أهل السنة من الكفر والفسوق.
وقد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم الحديث في الخوارج من وجوهٍ كثيرة، قال أحمد بن حنبل: صحَّ فيهم الحديث من عشرة أوجه
(2)
.
(1)
الأصل: «أخبر» تحريف، والصواب ما أثبت.
(2)
ذكره المصنف في عدد من كتبه، انظر «الفتاوى»:(3/ 279، 7/ 479، 10/ 393)، و «جامع المسائل»:(5/ 157).
وقد رواها مسلم ــ صاحب أحمد ــ في «صحيحه»
(1)
، وروى البخاري
(2)
قطعةً منها، فثبت بالنصّ وإجماع الصحابة أنّ الخوارج مارقون ومبتدعون مستحقّون القتال، فقد قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم:«يحقِر أحدُكم صلاتَه مع صلاتهم، وصيامَه مع صيامهم، وقراءتَه مع قراءتهم، فيقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرَهم، يمرقون من الإسلام كما يمرُق السهمُ من الرَّمِيَّة، أينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإنَّ في قتلهم أجرًا عند الله لمن قتلهم يوم القيامة»
(3)
. ومع هذا فلم يكفِّرهم الصحابة، بل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب الذي قاتلهم حكم فيهم بحكمه في المسلمين الجاهلين الظالمين، لا بحكمه في الكافرين المشركين وأهل الكتاب، وكذلك الصحابة كسعد بن أبي وقاص ذكروا أنهم من المسلمين، هذا مع أن الخوارج كفّروا عثمان وعليًّا ومَنْ والاهما، وكانوا [ق 52] يقتلون أهلَ الإسلام ويدَعون أهلَ الأوثان، وقد قتلوا من المسلمين ما شاء الله.
(1)
من حديث جابر (1063)، ومن حديث أبي سعيد الخدري (1064) ومن حديث علي بن أبي طالب (1066)، ومن حديث أبي ذر ورافع بن عمرو (1067)، ومن حديث سهل بن حنيف (1068) رضي الله عنهم.
(2)
من حديث أبي سعيد الخدري (3344)، ومن حديث علي بن أبي طالب (6930)، ومن حديث سهل بن حنيف (6934)، ومن حديث عبد الله بن عمر (6934) رضي الله عنهم.
(3)
أخرجاه من حديث علي بن أبي طالب، انظر الحاشيتين السالفتين.