المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌العبادات مبناها على التوقيف والاتباع - جامع المسائل - ابن تيمية - ط عطاءات العلم - جـ ٧

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌مسائل أهل الرَّحبةلشيخ الإسلام ابن تيمية

- ‌ الرّجُل وقعت عليه جنابة، والوقت بارد، إذا اغتسل فيه يؤذيه

- ‌ إذا عَدِم الماء وبَيْنه نحو الميل، إذا أخَّر الصلاة خرج الوقت

- ‌ الذي يحلف بالطلاق أنه لا يفعل شيئًا ثم يفعله هل يلزمه الطلاق

- ‌ العبد هل يكفر بالمعصية أم لا

- ‌ مافي المصحف هل هو نفس القرآن أو كتابته، وما في صدور القُرَّاء

- ‌الذي يُصلي وقتًا ويترك الصلاةَ كثيرًا أو لا يصلي

- ‌ الكفار هل يُحاسبون يوم القيامة أم لا

- ‌ الشفاعة في أهل الكبائر من أمَّة محمد صلى الله عليه وسلم وهل يدخلون الجنة

- ‌ المطيعون من أمة محمد هل هم أفضل من الملائكة

- ‌ الميزان هل هو عبارة عن العدل أم له كِفَّتان

- ‌سؤال عن الله تعالى هل أراد المعصية من خلقه أم لا

- ‌ الباري سبحانه هل يُضل ويهدي

- ‌ المقتول هل مات بأجله أو قَطَع القاتلُ أجلَه

- ‌ الغلاء والرُّخْص هل هما مِنَ الله تعالى أم لا

- ‌ السؤال عن المعراج، هل عُرِج بالنبيّ صلى الله عليه وسلم يقظة أو منامًا

- ‌ المبتدعة هل هم كفار أو فسَّاق

- ‌ غسل الجنابة هل هو فرض؟ وهل يجوز لأحد الصلاة جنبًا

- ‌ مَلك(2)الموت، هل يُؤتَى به يوم القيامة ويُذْبح أم لا

- ‌من اعتقد الإيمان بقلبه ولم يقر بلسانه، هل يصير مؤمنًا

- ‌ البئر إذا وقع بها نجاسة هل تنجس أم لا، وإن تنجست كم ينزح منها

- ‌ شهر رمضان هل يصام بالهلال أو بالحساب والقياس

- ‌ الصبي إذا مات وهو غير مطهَّر هل يقطع ختانه بالحديد

- ‌ رَشاش البول وهو في الصلاة أو في غيرها ويغفل عن نفسه

- ‌ المقتول إذا مات وبه جراح فخرج منها الدم، فهل يُغسَّل ويُصلى عليه أم لا

- ‌ رجل يقرأ القرآن للجهورة ما عنده أحدٌ يسأله عن اللحن

- ‌ القاتل خطأ أو عمدًا هل ترفع الكفارةُ المذكورة في القرآن ذنبَه

- ‌ الخمر والحرام هل هو رزق الله للجهال، أم يأكلون ما قدّر لهم

- ‌ الإيمان هل هو مخلوق أو غير مخلوق

- ‌ الإمام إذا استقبل القبلة في الصلاة هل يجوز لأحد أن يتقدم عليه

- ‌في قتل الهوام في الصلاة

- ‌ الدابة إذا ذُبحت والغَلْصَمة(3)مما يلي البدن هل يحل أكلها

- ‌ الصلاة في طريق الجامع والناس يصلون برَّا

- ‌ تارك الصلاة من غير عذرٍ هل هو مسلم في تلك الحال

- ‌ الجُبّة الضيِّقة الكُمّين

- ‌ الفَرُّوج

- ‌ السراويل

- ‌ لبس الطيالسة(2)على العمائم

- ‌قاعدة في الفَنَاء والبَقَاء

- ‌سلامةُ القلب المحمودةُ

- ‌النوع الثاني: الفناء عن شهود السّوى

- ‌الرسالة في أحكام الولاية

- ‌ولاية أمور الإسلام(1)من أعظم واجبات الدين

- ‌ولاية الشرطة والحرب من الولايات الدينية

- ‌كتاب الشيخ إلى بعض أهل البلاد الإسلامية

- ‌ الأموال السلطانية

- ‌صورة كتاب عنابن عربي والاعتقاد فيه

- ‌مسألة فيتفسير قوله تعالى: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ .. }وتفسير آيات أخرى

- ‌مسألة في الرَّمي بالنُّشَّاب

- ‌الرمي بالنُّشّاب من الأعمال الصالحة

- ‌لم يكن السلف يرمون بالبندق

- ‌[مسائل فقهية مختلفة]

- ‌ الدّعاء بعد الصلوات

- ‌ الكلب إذا ولغ في اللبن أو غيره

- ‌ التوضؤ من لحوم الإبل

- ‌مسألة في باب الصفاتهل فيها ناسخ ومنسوخ أم لا

- ‌مسألة: في قول أبي حنيفةفي "الفقه الأكبر" في الاستواء

- ‌مسألة في العلو

- ‌ معنى حديث: «من تقرَّب إليَّ شِبرًا

- ‌الوجه الثاني:

- ‌مسألة في إثبات التوحيد والنبواتبالنقل الصحيح والعقل الصريح

- ‌تعريف الرسل على وجهين:

- ‌قاعدة مختصرةفي الحُسْن والقُبْح العقليين

- ‌فصل في الحكم العقلي

- ‌مجموعةُ فتاوى من:الدُّرَّةِ المضِيَّة في فتاوى ابنِ تيميَّة

- ‌[مسألة: في الجهر بالنية والتكبير والدعاء

- ‌[مسألة في شرائط الصلاة، وصفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، والسنن الرواتب]

- ‌مسألةفي زيارة القدس أوقات التعريف

- ‌العبادات مبناها على التوقيف والاتباع

- ‌مَسْألة في عَسْكَر المنصور المتوجِّهإلى الثغور الحلبية سنة 715 هـ

- ‌سَعْي المسلمين في(1)قَهْر التتار والنصارى والروافض مِنْ أعظم الطاعات والعبادات

- ‌صورة مكاتبة الشيخ تقي الدينللسلطان الملك المنصور حسام الدين لاجينسنة ثمان وتسعين وستمائة

- ‌[مسألة في الداء والدواء]

- ‌فصلفيما يجمع كليات المقاصد

- ‌الإعانة على الإثم والعدوان

- ‌الغيرة التي يحبها الله

- ‌[مسائل فقهية مختلفة]

- ‌ فيمن ينوي الغسل، فتوضأ، ثم اغتسل هل يجزيه، أم يتوضأ ثانيًا

- ‌ هل تجب أن تكون [النية] مقارنةً للتكبير

- ‌ في رجلٍ إذا صلّى بالليل ينوي ويقول: أصلّي لله نصيب الليل

- ‌ في إمام مسجد يصلي فيه دائمًا، وينوب في مسجد آخر، فصلاته الثانية تكون قضاء أم إعادة

- ‌[سؤال عن حراسة المكان وقت صلاة الجمعة]

- ‌ في رجل حلف بالطلاق ثلاثًا: إن لفلان على امرأتي

- ‌ع ما يُحْدِثه الناس في أعياد الكفار

- ‌مسألة: في جماعة من النِّساء قد تظاهرنَ بسلوك طريق الفُقَرَاء

- ‌ عادم الماء إذا لم يجد ترابًا، فإنه يتيمم

- ‌في بلدة ليس فيها حمّام والمغتَسَل خارج البلد، وإذا طلع الرجل وقت صلاة الصبح يجد مشقَّة من البرد

- ‌السفر الذي يُقْصَر فيه ويفطر فيه، فيه قولان:

- ‌ رفع اليدين في الصلاة

- ‌[مسألة في إجبار البكر البالغ]

الفصل: ‌العبادات مبناها على التوقيف والاتباع

أدركته الصلاة فيه فليصلّ وإلا فليمض

(1)

.

ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم أفضل الخلق، ولم يتخذ

(2)

الصحابة شيئًا من آثاره مسجدًا، ولا يزار غير ما بناه من المساجد. ولم يكونوا يزورون غار حراء الذي [ق 75] نزل عليه فيه الوحي، ولا غار ثور المذكور في قوله تعالى:{ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ} [التوبة: 40]. ولا مكان ولادته، ولا الشِّعب الذي حُوصر فيه، وأمثال ذلك.

وكذلك إبراهيم الخليل عليه السلام؛ إنما اتخذوا من آثاره ما شَرَعه الله لهم من المناسك، ومقامه الذي قال الله فيه:{وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125] مع أنهم لم يكونوا يقبِّلون المقام ولا يتمسّحون به.

و‌

‌العبادات مبناها على التوقيف والاتباع

لا على الهوى والابتداع، كما قال تعالى:{أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى: 21]. ولهذا قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما استلم الحجرَ الأسود: والله إني لأعلم أنك حَجَر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يُقبِّلك ما قبلتك

(3)

.

(1)

أخرجه ابن أبي شيبة (7632)، وابن وضّاح في "البدع والنهي عنها" (ص 87 - 88). وصححه المصنف في "الفتاوى":(1/ 281).

(2)

الأصل: "يتخذوا".

(3)

أخرجه البخاري (1597)، ومسلم (1270).

ص: 425

هذا، و

(1)

الحديث والزيارة المنسوبة إلى علي رضي الله عنه ليست ثابتة.

وقد أنكر

(2)

السلف على من سافر لزيارة الطور الذي كلَّم الله عليه موسى، وهو الوادي المقدَّس والبقعة المباركة

(3)

. فكيف بغيره من مقامات الأنبياء؟ حتى إن قبر النبي صلى الله عليه وسلم لم يثبت عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم لفظٌ

(4)

بزيارته؛ وإنما صحّ عنه الصلاةُ عليه والسلام موافقةً لقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56] ولقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي في "سنن أبي داود"

(5)

: "ما من رجل يُسلِّم عليَّ إلّا ردَّ الله عليَّ روحي حتى أردّ عليه السلام". وفي "سنن أبي دود"

(6)

عنه عليه السلام أنه قال: "أكثروا عليَّ مِنَ الصلاة يوم الجمعة وليلة

(1)

الأصل: "في" ولعلها ما أثبت.

(2)

رسمها في الأصل: "أنك".

(3)

يعني في قصة أبي هريرة لما ذهب إلى الطور، فلما رجع لقي بصرة بن أبي بصرة الغفاري، فقال: من أين أقبلتَ؟ فقلتُ: من الطور، فقال: لو أدركتُكَ قبل أن تخرج إليه ما خرجتَ إليه، سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"لا تعمل المطي إلا إلى ثلاثة مساجد .. ". أخرجه أحمد (23848)، والنسائي (1430)، وابن حبان (2772) وغيرهم.

(4)

الأصل: "لفظًا".

(5)

رقم (2043) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(6)

رقم (1049) من حديث أوس بن أوس رضي الله عنه. ووقع في الأصل: "السنن أبي داود".

ص: 426

الجمعة فإن صلاتكم معروضةٌ عليّ". قالوا: يا رسول الله كيف تُعرض صلاتنا عليك وقد أرِمْتَ؟ أي: بَليتَ، قال: "إنّ الله حرَّم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء".

وأما الأحاديث التي يرويها بعضُ الناس، مثل ما يروون

(1)

أنه قال: "من زارني وزار أبي في عام واحد ضمنتُ له على الله الجنة"

(2)

. و"من زارني وزار اليسع

"

(3)

ونحو ذلك= فهي أحاديث مكذوبة موضوعة، وكذلك اللفظ فيه:"من زارني بعد مماتي فكأنما زارني في حياتي، ومن زارني بعد مماتي ضمنتُ له على الله الجنة، ومن حجَّ ولم يزرني فقد جفاني"

(4)

. وكلُّ هذه الأحاديث ضعيفة بل موضوعة.

وقد كره مالك وغيره من أهل العلم أن يقول القائل: زرتُ قبر النبي صلى الله عليه وسلم؛ وذلك يبين

(5)

أنّ هذا اللفظ كان بدعة عند أهل المدينة، الذين هم أعلم الناس بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأشدّهم تعظيمًا لقدره. ولهذا لم يكن

(1)

الأصل: "يرون".

(2)

لم أجده مسندًا، وقد سئل عنه النووي فقال: باطل موضوع. "الفتاوى"(ص 291). وانظر "تذكرة الموضوعات"(ص 76)، و"تنزيه الشريعة":(2/ 213).

(3)

لم أجده.

(4)

أخرجه ابن حبان في "المجروحين": (3/ 73)، وابن عدي في "الكامل":(7/ 14) وغيرهما. في ترجمة النعمان بن شبل، قال ابن حبان:"يأتي عن الثقات بالطامات، وعن الأثبات بالمقلوبات".

(5)

الأصل: "تبيين"!.

ص: 427

على عهد الصحابة والتابعين مشهدٌ يزار، لا على قبر نبيّ ولا غير نبيّ، فضلاً عن أن يُسافَر إليه؛ لا بالحجاز ولا الشام ولا اليمن ولا العراق ولا مصر ولا المشرق، وإنما حدثت هذه الأمور بعد انقراض خيار القرون. وذلك لأنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن هذه الأمور، كما في "الصحيحين"

(1)

عن [عائشة]

(2)

[ق 76] عنه أنه قال في مرضه الذي مات فيه: "لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يُحَذّر ما فعلوا". قالت عائشة: لولا ذلك لأبرز قبره، ولكن كره أن يُتَّخَذ مسجدًا.

وفي "صحيح مسلم"

(3)

عن جندب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال قبل أن يموت بخمس: "إنّ مَن كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد؛ ألا فلا تتخذوها مساجد فإني أنهاكم عن ذلك".

وفي "المسند" و "صحيح أبي حاتم" عنه أنه قال: "إنّ من شِرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء، والذين يتخذون القبور مساجد"

(4)

.

(1)

أخرجه البخاري (1390)، ومسلم (529) من حديث عائشة رضي الله عنها.

(2)

الأصل: "أبي حاتم"، تحريف.

(3)

(532).

(4)

أخرجه أحمد (3844)، وابن حبان (2325)، وابن خزيمة (789) وغيرهم من حديث ابن مسعود رضي الله عنه. والحديث صححه ابن خزيمة وابن حبان، وقال المصنف في "الاقتضاء":(2/ 286): بإسناد جيد.

ص: 428

ولهذا لم يذكر الله تعالى في كتابه إلا المساجد دون المشاهد فقال: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [الجن: 18]. ولم يقل: المشاهد. وقال: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ} [التوبة: 18]. وقال: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [البقرة: 114]. وأمثال ذلك.

وأصل دين الإسلام: أنهم ليس لهم بقعة يقصدونها بالعبادة فيها؛ إلا أن يكون مسجدًا. فليس من دينهم قصد مغارةٍ بجبل ولا أثر نبي ولا غير ذلك، ولكن جُعِلت الأرضُ كلها لهم مسجدًا. وبحكم العموم والإباحة فلهم أن يصلوا حيث شاءوا من غير قصد تخصيص بقعة إلا المواضع المنهي عنها

(1)

كأعطان الإبل والمقبرة والحمام.

ثم المساجد قد حرَّم الله عليهم أن يبتنوها على قبر، وأن يتخذوا القبر مسجدًا؛ فإن ذلك من أصول الشرك، كما قال تعالى:{وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا (23) وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا} [نوح: 23 - 24] قال طائفة من السلف: هؤلاء كانوا

(1)

الأصل: "عنه".

ص: 429

قومًا في قوم نوح فلما ماتوا عكفوا على قبورهم وصوَّروا تماثيلَهم، ثم طال عليهم الأمد فعبدوهم

(1)

.

ولهذا كانت زيارة القبور على وجهين: زيارة شرعية، وزيارة بدعية.

فالزيارة الشرعية: مقصودها السلام على الميت والدّعاء إن كان الميت مؤمنًا، وتذّكر الموت سواء كان مؤمنًا أو كافرًا، كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح:"استأذنتُ ربي في أن أستغفر لأمي فلم يأذن لي، واستأذنته في أن أزور أمي فأذن لي؛ فزوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة"

(2)

.

وكان يعلِّم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقول أحدهم: "السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، ويرحم الله المستقدمين مِنّا ومنكم والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية"

(3)

.

والزيارةُ لقبر المؤمن ــ نبيًّا كان أو غير نبيّ ــ من جنس الصلاة على جنازته، يُدعى

(4)

له إذا صُلّي على جنازته

(5)

.

(1)

أخرجه البخاري (4920) عن ابن عباس رضي الله عنهما.

(2)

أخرجه مسلم (976) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(3)

أخرجه مسلم (975) من حديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه.

(4)

كذا في الأصل.

(5)

عبارة: "يدعى له إذا صلى على جنازته" تكررت في الأصل.

ص: 430

وأما الزيارة البدعية: فمن جنس زيارة النصارى المشركين، مقصودها الإشراك [ق 77] بالميت؛ مثل طلب الحوائج منه، أو التمسّح بقبره وتقبيله، أو السجود له ونحو ذلك. وهذا ونحوه لم يأمر الله به ولا رسوله، ولا استحبّه أحدٌ من أئمة المسلمين، ولا كان أحدٌ من السلف يفعله لا عند قبره

(1)

صلى الله عليه وسلم ولا عند غيره.

بل قد أجدبوا واستسقوا، ولم يكونوا يأتون إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم يدعون عنده لا في ذلك الوقت ولا غيره. بل ثبت في "الصحيح" أنهم لما أجدبوا على عهد عمر رضي الله عنه استسقى بهم فقال: اللهم إنا إذا كنا أجدبنا توسّلنا إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسَّلُ إليك بعمّ نبينا فاسقنا، فيُسقون

(2)

.

فكانوا في حياته يتوسّلون إلى الله عز وجل بدعائه وشفاعته، فلما مات صلى الله عليه وسلم بقوا يتوسلون بدعاء العباس.

ولم يكونوا يُقْسمون على الله بأحد من خلقه لا نبيّ ولا غيره، ولا يسألون ميتًا ولا غائبًا، ولا يستعينون بميت ولا غائب، سواء كان نبيًّا أو غير نبي. بل كان فضلاؤهم لا يسألون غير الله شيئًا؛ تحقيقًا لقوله:

(1)

الأصل: "القبر".

(2)

تصحفت في الأصل إلى: "فسيقون". والحديث أخرجه البخاري (1010) من حديث أنس رضي الله عنه.

ص: 431

{فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} [الشرح: 7 - 8]. وقال النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس: "إذا سألت فاسأل الله، وإذا استغنت فاستعن بالله"

(1)

.

وفي "المسند"

(2)

أن أبا بكر الصديق كان يسقط السوط من يده فلا يقول لأحدٍ: ناولني إياه، ويقول: إن خليلي أمرني أن لا أسأل الناسَ شيئًا. وكذلك كان عوف الأشجعي وغيره ممن وصّاهم النبي صلى الله عليه وسلم: أن لا تسأل الناسَ شيئًا

(3)

.

وهذا لأن جِماع

(4)

الدين أن لا يعبدَ

(5)

الناسُ إلا الله، وأن يعبدوه بما شرع، لا يعبدوه بالبدع، كما قال الفُضَيل بن عياض في قوله عز وجل:{لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الملك: 2] قال الفُضَيل: أخْلَصه وأَصْوَبه. قالوا: يا أبا علي ما أخلصه وما أصوبه؟ قال: إن العمل إذا كان خالصًا ولم يكن صوابًا لم يُقبل، وإذا كان صوابًا ولم يكن خالصًا لم

(1)

أخرجه الترمذي (2516)، وأحمد (2669) وغيرهما من طرق كثيرة عن ابن عباس رضي الله عنهما. قال الترمذي: حسن صحيح. وحسن إسناده ابن رجب في "نور الاقتباس"(ص 31).

(2)

(65).

(3)

أخرجه مسلم (1043). وكذلك أوصى أبا ذر أخرجه ابن أبي شيبة (35491)، والطبراني في "الكبير":(2/ 212). وأوصى ثوبان أخرجه أحمد (22835)، وابن ماجه (1837).

(4)

الأصل: "إجماع"، تحريف.

(5)

الأصل: "يعبدوا" ولها وجه، لكن ليست من أسلوب المؤلف.

ص: 432

يُقبل حتى يكون خالصًا صوابًا، والخالصُ: أن يكون لله، والصواب: أن يكون على السنَّة

(1)

.

وهذه المسائل مبسوطة في غير هذا الموضع

(2)

.

وأما خروج النساء إلى المساجد مظهرات الزينة، فإنّ ذلك منهيٌّ عنه باتفاق الأئمة؛ إذا كانت خارجة إلى صلاة الجماعة. وأما خروجهن في المجامع المبتدَعَة، مثل التعرِيف ببيت المقدس وأمثال ذلك مع

(3)

إظهار الزينة والطيب؛ فهذا منكر من وجوهٍ عدةٍ، وليس لزوجها ولا أبيها ولا نحوهما تمكينها من ذلك، بل عليهم أن يمنعوها من ذلك فضلاً عن إعانتها على ذلك.

وأما زيارة المرأة لبيت

(4)

المقدس في غير موسم من غير سفر

(5)

فلا بأس بذلك.

(1)

أخرجه أبو نعيم في "حلية الأولياء": (8/ 95).

(2)

انظر "الاقتضاء": (2/ 267 - 275).

(3)

الأصل: "من"، والصواب ما أثبت.

(4)

الأصل: "البيت".

(5)

الأصل: "سر"، ولعله ما أثبت.

ص: 433