الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
(1)
* وأما
تارك الصلاة من غير عذرٍ هل هو مسلم في تلك الحال
؟
الجواب: أما تارك الصلاة، فهذا إذا لم يكن معتقدًا وجوبها فهو كافر بالنص والإجماع، لكن إذا أسلم ولم يعلم أن الله أوجب عليه الصلاة، أو أوجب بعض أركانها، مثل أن يصلي بلا وضوءٍ، ولا يعلم أن الله أوجب الوضوء، أو يصلي [ق 82] مع الجنابة ولا يعلم أن الله أوجب عليه غسل الجنابة، فهذا ليس بكافرٍ إذا لم تقم عليه الحجة، لكن إذا علم الوجوب هل يجب عليه القضاء؟ فيه قولان للعلماء في مذهب أحمد ومالك وغيرهما، قيل: يجب عليه القضاء، وهو المشهور عن أصحاب الشافعي، وكثير من أصحاب أحمد.
وقيل: لا يجب عليه القضاء، وهذا هو الظاهر. [و] عن أحمد في هذا الأصل روايتان منصوصتان، فيمن صلى في معاطن الإبل، ولم يكن عَلِم النهي ثم عَلِم
(2)
.
ومن صلى ولم يتوضأ من لحوم الإبل، ولم يكن علم النهي ثم علم، هل يعيد؟ على روايتين منصوصتين.
(1)
هذا السؤال في «مجموع الفتاوى» : (22/ 40 - 49). وتقدم سؤال نحو هذا (ص 22).
(2)
في (ف): «ثم علم، هل يعيد؟ على روايتين
…
».
وقيل: يجب عليه الإعادة إذا ترك الصلاة جاهلًا بوجوبها في دار الإسلام دون دار الحرب، وهو المشهور من مذهب أبي حنيفة.
والصائم إذا فعل ما يفطِّره جاهلًا بتحريم ذلك، فهل عليه الإعادة؟ على قولين هما وجهان في مذهب أحمد، وكذلك مَنْ فعل محظورَ الحجِّ جاهلًا.
وأصل هذا: أن حكم الخطاب هل يثبت في حقّ المكلَّف قبل أن يبلغه؟ فيه ثلاثة أقوال في مذهب أحمد وغيره، قيل: يثبت، وقيل: لا يثبت، وقيل: يثبت المبتدأ دون الناسخ.
والأظهر أنه لا يجب قضاء شيء من ذلك، ولا يثبت الخطاب إلا بعد البلاغ؛ لقوله تعالى:{لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [الأنعام: 19]، وقوله:{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء:15]، وقوله:{لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: 165]، ومثل هذا في القرآن متعدد، بيَّن سبحانه أنه لا يعاقب أحدًا حتى تُبَلّغه الرسل.
ومن علم أن محمدًا رسول الله، فآمن بذلك، ولم يعلم كثيرًا مما جاء به، لم يعذّبه الله على مالم يبلغه، فإنه إذا لم يعذِّبه على ترك الإيمان إلا بعد البلاغ، فأنْ
(1)
لا يعذبه على بعض شرائعه
(2)
إلا بعد البلاغ أولى وأحرى.
(1)
الأصل و (ف): «فإنه» ، والصواب ما أثبت. وسقطت «إلا» من (ف).
(2)
(ف): «شرائطه» .
وهذه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم المستفيضة عنه في أمثال ذلك؛ فإنه قد ثبت في «الصحيح»
(1)
أن طائفةً [ق 83] من أصحابه ظنوا أنَّ قوله تعالى: {الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} [البقرة: 187] هو الحبل الأبيض من الحبل الأسود، فكان أحدهم يربط في رجله حبلًا ثم يأكل حتى يتبين هذا من هذا، فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن المراد بياض النهار وسواد الليل، ولم يأمرهم بالإعادة.
وكذلك عمر بن الخطاب وعمار أجنبا، فلم يُصَلِّ عمر حتى أدرك الماء، وظنّ عمار أن التراب يصل إلى حيث يصل الماء، فتمرَّغ كما تتمرغ الدابة، ولم يأمر أحدًا منهما بالقضاء
(2)
.
وكذلك أبو ذرٍّ بقي جُنبًا مدةً لم يصلِّ، ولم يأمره بالقضاء بل أُمِر بالتيمم في المستقبل
(3)
.
وكذلك المُسْتحاضة قالت له: إني أُسْتَحاض حيضةً شديدة منعتني الصلاةَ والصومَ. فأمرها بالصلاة من دم الاستحاضة، ولم يأمرها بقضاء ما تركت قبل ذلك
(4)
.
والله لما أمر باستقبال الكعبة كان من غاب من المسلمين يُصلون
(1)
تقدم تخريجه.
(2)
تقدم تخريجه.
(3)
تقدم تخريجه.
(4)
تقدم تخريجه.
إلى بيت المقدس حتى بلغهم الخبر، ولم يأمرهم بالقضاء
(1)
.
ولما حَرُم الكلام في الصلاة تكلّم معاوية بن الحكم السّلَمي في الصلاة بعد التحريم جاهلًا وقال له: «إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الآدميين»
(2)
، ولم يأمره بإعادة الصلاة.
ولما زِيْد في صلاة الحضر حين هاجر إلى المدينة كان من كان بعيدًا عنه ــ مثل من كان بمكة وبأرض الحبشة ــ يصلون ركعتين، ولم يأمرهم بإعادة الصلاة.
ولما فُرض شهر رمضان في السنة الثانية من الهجرة، ولم يبلغ الخبر إلى من كان في الحبشة من المسلمين حتى فات ذلك الشهر، ولم يأمرهم بإعادة الصيام.
وكان بعض الأنصار لما ذهبوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة قبل الهجرة، قد صلى إلى الكعبة معتقدًا جواز ذلك، قبل أن يُؤمروا باستقبال الكعبة ــ وكانوا حينئذٍ يستقبلون الشام ــ فلما ذكر ذلك للنبي صلى [ق 84] الله عليه وسلم، أمر باستقبال الشام، ولم يأمر بإعادة ما كان صلى.
وثبت عنه في «الصحيحين»
(3)
: أنه سُئل ــ وهو بالجِعْرانة ــ عن
(1)
ما تركت قبل
…
بالقضاء» سقط من (ف).
(2)
أخرجه مسلم (537).
(3)
البخاري (1536)، ومسلم (1180) من حديث يعلى بن أمية رضي الله عنه.
رجل أحرم بالعمرة عليه جُبَّة وهو متضمِّخ بالخَلُوق، فلما نزل عليه الوحي قال له:«انزع عنك الجبّة، واغسل عنك أثر الخَلُوق، واصنع في عمرتك ما كنت صانعًا في حجك» . وهذا قد فعل محظور الحج جاهلًا، وهو لُبْس الجبَّة، ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم عن
(1)
ذلك بدمٍ، ولو فعل ذلك مع العلم لزمه دم
(2)
.
وثبت عنه في «الصحيحين»
(3)
أنه قال للأعرابي المسيء في صلاته: «ارجع فصلِّ فإنك لم تصل» مرتين أو ثلاثًا، فقال: والذي بعثك بالحق ما أُحْسِن غير هذا فعلمني ما يجزيني في الصلاة. فعلمه الصلاة المجزئة، ولم يأمره [بإعادة ما صلى قبل ذلك، مع قوله: «ما أُحْسِن غير هذا». وإنما أمره]
(4)
أن يعيد تلك الصلاة؛ لأن وقتها باق، [فهو مخاطَب بها، والتي صلاها لم تبرأ بها الذمة ووقت الصلاة باق].
ومعلوم أنه لو بلغ صبيٌّ أو أسلم كافرٌ أو طهرت حائض أو أفاق مجنون والوقت باق؛ لزمتهم الصلاة أداءً لا قضاءً، وإن كان بعد خروج الوقت فلا إعادة
(5)
عليهم، فهذا المسيء الجاهل إذا علم وجوب
(1)
(ف): «على» .
(2)
هذا التعبير جارٍ على لسان الفقهاء، وإلا فالأصل أنه مخيَّر بين الصيام والإطعام والدم.
(3)
تقدم تخريجه (ص 13).
(4)
ما بين المعكوفين هنا وما بعده من (ف).
(5)
(ف): «إثم» .
الطمأنينة في أثناء الوقت، فوجبت عليه الطمأنينة حينئذٍ، ولم تجب عليه قبل ذلك، فلهذا أمره بالطمأنينة في الصلاة ذلك الوقت دون ما قبلها.
وكذلك أمره لمن صلّى خلف الصفِّ أن يعيد
(1)
، ولمن ترك لمعة مِن قدمه أن يعيد الوضوء والصلاة
(2)
.
وقوله له أولًا: «صل فإنك لم تصل» بيَّن أن ما فعله لم يكن صلاةً، ولكن لم يعرف أنه كان جاهلًا بوجوب الطمأنينة، فلهذا أمره بالإعادة ابتداءً، ثم علَّمَه إياها لما قال: والذي بعثكَ بالحق لا أُحسن غير هذا.
فهذه نصوصه صلى الله عليه وسلم في محظورات الصلاة والصيام والحج مع الجهل، وفي ترك واجباتها مع الجهل.
وأما أمْرُه لمن صلى خلف الصف أن يعيد؛ فذلك لأنه لم يأت بالواجب مع بقاء الوقت. فثبت [ق 85] الوجوب في حقّه حين أمره النبي صلى الله عليه وسلم لبقاء وقت الوجوب، لم يأمره بذلك بعد مضيّ الوقت.
وأما أمْرُه لمن ترك لمعةً من رجله لم يصبها الماء بالإعادة؛ فلأنه كان ناسيًا، فلم يفعل الواجب، كمن
(3)
نسيَ الصلاة وكان الوقت باقيًا، فإنها قضيّة معيّنة لشخصٍ بعينه، لا يمكن أن تكون في الوقت وبعد الوقت، بمعنى أنه رأى في رِجْل رَجُلِ لمعةً لم يصبها الماءُ، فأمره أن
(1)
تقدم تخريجه.
(2)
تقدم تخريجه.
(3)
الأصل: «فمن» والمثبت من (ف).
يعيد الوضوء والصلاة
(1)
.
وأما قوله: «ويل للأعقاب من النار»
(2)
ونحوه، فإنما يدل على وجوب تكميل الوضوء، ليس في ذلك أمر
(3)
بإعادة شيء.
ومن كان يعتقد أن الصلاة تسقط عن العارفين، أو المشايخ الواصلين، أو عن بعض أتباعهم، أو أن الشيخ يصلي عنهم، أو أن لله عبادًا سقطت عنهم الصلاة، كما يوجد كثيرٌ من ذلك في كثير من المنتسبين إلى الفقر والزهد، وأتباع بعض المشايخ، ودعوى
(4)
المعرفة، فهؤلاء يُستتابون باتفاق الأئمة، فإن أقروا بالوجوب وإلا قتلوا، وإذا أصروا على جحد الوجوب حتى قُتِلوا، كانوا مرتدين، ومن تاب منهم وصلى لم يكن عليه إعادة ما ترك قبل ذلك في أظهر قولَي العلماء، فإن هؤلاء إما أن يكونوا مرتدين وإما [أن] يكونوا مسلمين جاهلين بالوجوب.
(1)
بعده في الأصل و (ف): «رواه أبو داود، وقال أحمد بن حنبل: حديث جيد» . ويغلب على الظن أنها مقحمة، فالسياق لا يناسبها، فربما رآها الناسخ في الهامش فأقحمها.
(2)
أخرجه البخاري (60)، ومسلم (241) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه.
(3)
الأصل: «أمرًا» .
(4)
(ف): «المشايخ والمعرفة» .
فإن قيل:
(1)
[إنهم مرتدون عن الإسلام، فالمرتد إذا أسلم لا يقضي ما تركه حال الرِّدة عند جمهور العلماء، كما لا يقضي الكافر إذ ا أسلم ما ترك حال الكفر باتفاق العلماء، ومذهب مالك وأبي حنيفة وأحمد في أظهر الروايتين عنه، والأخرى يقضي المرتد، كقول الشافعي، والأول أظهر.
فإنّ الذين ارتدوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كالحارث بن قيس، وطائفة معه أنزل الله فيهم:{كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ} [آل عمران: 86] الآية، والتي بعدها، وكعبد الله بن أبي سرح، والذين خرجوا مع الكفار يوم بدر، وأنزل فيهم:{ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} [النحل: 110] فهؤلاء عادوا إلى الإسلام.
وعبد الله بن أبي سرح عاد إلى الإسلام عام الفتح، وبايعه النبي صلى الله عليه وسلم
(2)
. ولم يأمر أحدًا منهم بإعادة ما ترك حال الكفر في الردة، كما لم يكن يأمر سائر الكفار إذا أسلموا. وقد ارتد في حياته خلق كثير اتبعوا الأسود
(1)
بعده في الأصل: «إنهم كانوا مرتدين عن دين الإسلام، والمرتدّ لا يكون إلا كافرًا، والله أعلم» وبه انتهت الرسالة في الأصل، وبقية الرسالة بين معكوفين من (ف).
(2)
أخرجه أبو داود (2685)، والنسائي (4067)، والحاكم:(3/ 47) وصححه على شرط مسلم، والبيهقي:(7/ 40) من حديث مصعب بن سعد عن أبيه.
العنسي الذي تنبَّأ بصنعاء اليمن، ثم قتله الله، وعاد أولئك إلى الإسلام، ولم يؤمروا بالإعادة. وتنبَّأ مسليمة الكذاب، واتبعه خلق كثير، قاتلهم الصديق والصحابة بعد موته حتى أعادوا من بقي منهم إلى الإسلام، ولم يأمر أحدًا منهم بالقضاء، وكذلك سائر المرتدين بعد موته.
وكان أكثر البوادي قد ارتدوا ثم عادوا إلى الإسلام، ولم يأمر أحدًا منهم بقضاء ما ترك من الصلاة. وقوله تعالى:{قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38] يتناول كلَّ كافر.
وإن قيل: إن هؤلاء لم يكونوا مرتدين، بل جهالًا بالوجوب، وقد تقدّم أنّ الأظهر في حقّ هؤلاء أنهم يستأنفون الصلاةَ على الوجه المأمور، ولا قضاء عليهم. فهذا حكم من تركها غير معتقدٍ لوجوبها.
وأما من اعتقد وجوبَها مع إصراره على الترك: فقد ذكر عليه المفرِّعون من الفقهاء فروعًا:
أحدها: هذا يُقْتَل
(1)
عند جمهورهم ــ مالك والشافعي وأحمد ــ وإذا صبر حتى يُقتل فهل يُقتل كافرًا مرتدًّا، أو فاسقًا كفسَّاق المسلمين؟ على قولين مشهورين، حُكيا روايتين عن أحمد.
وهذه الفروع لم تنقل عن الصحابة، وهي فروع فاسدة، فإن كان مقرًّا بالصلاة في الباطن، معتقدًا لوجوبها، يمتنع أن يصرَّ على تركها
(1)
(ف): «فقيل» ولعل الصواب ما أثبت.
حتى يقتل وهو لا يصلي، هذا لا يعرف من بني آدم وعادتهم؛ ولهذا لم يقع هذا قط في الإسلام، ولا يُعرف أن أحدًا يعتقد وجوبها، ويقال له: إن لم تصل وإلا
(1)
قتلناك، وهو يصرّ على تركها، مع إقراره بالوجوب، فهذا لم يقع قط في الإسلام.
ومتى امتنع الرجل من الصلاة حتى يُقتل، لم يكن في الباطن مقرًّا بوجوبها، ولا ملتزمًا بفعلها، وهذا كافر باتفاق المسلمين، كما استفاضت الآثار عن الصحابة بكفر هذا، ودلت عليه النصوص الصحيحة؛ كقوله صلى الله عليه وسلم:«ليس بين العبد وبين الكفر إلا ترك الصلاة» رواه مسلم
(2)
. وقوله: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة؛ فمن تركها فقد كفر»
(3)
.
وقول عبد الله بن شقيق: «كان أصحاب محمد لا يرون شيئًا من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة»
(4)
. فمن كان مصرًّا على تركها حتى
(1)
بحذف «وإلا» يستقيم السياق، وهذا أسلوب درج عليه المؤلف، وسيأتي نحوه في عدة مواضع.
(2)
(82) من حديث جابر رضي الله عنه بنحوه.
(3)
أخرجه أحمد (22937)، والترمذي (2621)، والنسائي (463)، وابن ماجه (1079)، وابن حبان (1454)، وغيرهم من حديث بريدة رضي الله عنه. قال الترمذي: حسن صحيح غريب، وصححه الحاكم، وقال المصنف في «الفتاوى»:(7/ 613): هو ثابت. وصححه على شرط مسلم في «شرح العمدة ــ الصلاة» (ص 74).
(4)
أخرجه الترمذي (2622). قال ابن الملقن: بإسنادٍ رجاله رجال الصحيح. «البدر المنير» : (5/ 398).
يموت لا يسجد لله سجدة قط، فهذا لا يكون قطُّ مسلمًا مقرًّا بوجوبها، فإن اعتقاد الوجوب، واعتقاد أن تاركها يستحق القتل، هذا داعٍ تام إلى فعلها، والداعي مع القدرة يوجب وجود المقدور، فإذا كان قادرًا ولم يفعل قط، عُلِم أن الداعي في حقّه لم يوجد، والاعتقاد التام لعقاب التارك باعث على الفعل، لكن هذا قد يعارضه أحيانًا أمور توجب تأخيرها وترك بعض واجباتها، وتفويتها أحيانًا.
فأما من كان مُصرًّا على تركها لا يصلي قط، ويموت على هذا الإصرار والترك، فهذا لا يكون مسلمًا؛ لكن أكثر الناس
(1)
يصلون تارة، ويتركونها تارة، فهؤلاء ليسوا يحافظون عليها، وهؤلاء تحت الوعيد، وهم الذين جاء فيهم الحديث الذي في «السنن»: حديث عبادة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «خمسُ صلوات كتبهنَّ الله على العباد في اليوم والليلة، من حافظ عليهنّ كان له عهدٌ عند الله أن يدخله الجنة، ومن لم يحافظ عليهنّ لم يكن له عهد عند الله، إن شاء عذَّبه وإن شاء غفر له»
(2)
.
فالمحافظ عليها: الذي يصليها في مواقيتها، كما أمر الله تعالى. والذي
(3)
يؤخِّرها أحيانًا عن وقتها، أو يترك واجباتها، فهذا تحت مشيئة
(1)
يعني: التاركين للصلاة.
(2)
أخرجه أحمد (22693)، وأبو داود (1420)، والنسائي (461)، وابن ماجه (1401)، وابن حبان (1732)، وغيرهم. والحديث صححه ابن عبد البر وابن حبان وابن الملقن. انظر «البدر المنير»:(5/ 389 ــ 392).
(3)
(ف): «والذي ليس
…
» والصواب حذف «ليس» ليستقيم السياق.
الله تعالى، وقد يكون لهذا نوافل يكمِّل بها فرائضه، كما جاء في الحديث]
(1)
.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
(2)
.
(1)
آخر الاستدراك من (ف) وأوله (ص 116).
(2)
جاء في آخر نسخة الأصل: «وكتب في سادس عشرين (كذا) ذي الحجة سنة ثمان وعشرين وسبعمائة، على يد الفقير محمد بن عيسى بن أبي الفضل الشافعي، غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين» .
القَرَمانية
[ق 53] جواب فُتيا في لبس النبي صلى الله عليه وسلم -
الرَّحِيمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ بِسْمِ
ربّ أَعِن يا كريم
ما يقول أئمة الدين علماء المسلمين في رجلين تكلّما في لبس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي آلته، وفي آلة حَرْبه، مثل: الحياصة التي تُحزم في الوسط، والسيف، والتركاش ــ وهي الكنانة ــ والقوس، والنُّشّاب، والجِمال، والبغال، والخيل، والغنم.
وملابسه من القِماش مثل: الجَوشن، والخفّ، والمِهماز، وغيره من آلة الحرب، هل كان يتخذ ذلك؟ وهل كان يجمع من ذلك شيئًا كثيرًا؟ وفي لبَاسِهِ
(1)
أصحابه أيضًا، وما يُباح ويحرُم من ذلك، من الذهب والفضة والحرير؟
الحمد لله وحده، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم.
الحمد لله ربّ العالمين.
كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يتّخذ السيفَ، والرّمحَ، والقوسَ، والكِنانةَ، التي هي الجُعبة
(2)
للنُّشّاب، وهي من جلود.
وكان يلبس على رأسه البيضة ــ التي هي الخُوذة ــ، والمِغْفَر. وعلى بدنه الدِّرْع، التي يقال لها: السّرديّة والزّرديّة.
(1)
كذا ضبطها في الأصل، وكتب فوقها "صح" فيما بدا لي، أو لعلها تضبيب.
(2)
كان بعدها كلمة "من" لكن يظهر أنها مضروب عليها.
ويلبس القميصَ، والجُبّة، والفَرُّوج، الذي هو نحو القَبَاء
(1)
، والفَرَجيّة، ولبس القَباء أيضًا.
ولبس في السفر جُبّة ضيّقة الكُمّين، ولبس الإزار والرداء، واشترى رِجْل سروايل، وكانوا يلبسون السراويلات أيضًا بإذنه.
وكان يلبس الخُفّين ويمسح عليهما، ويلبس النِّعال التي تسمّى: التواسم.
وكان يركب الخيل والإبل والحمير، وركب البغلة أيضًا، وكان يركب الفرس تارة عُرْيًا، وتارة مُسْرَجًا، ويطرده، وكان يُرْدِف خلفَه، [ق 54] وتارة يردف خلفَه وقُدّامه، فيكونون ثلاثة على دابّة.
وكان يتّخذ الغنم أيضًا.
وكان له الرقيق أيضًا.
ولم يكن يجتمع في ملكه في الوقت الواحد من هذه الأمور شيء كثير، بل لمَّا مات لم يكن عنده من ذلك إلا شيء يسير. خَلّف درعَه وكانت مرهونة عند يهودي على ثلاثين وَسْقًا من شعيرٍ ابتاعها لأهله.
وفي "صحيح البخاري"
(2)
عن عَمْرو بن الحارث ــ خَتَن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخي جُوَيريَة بنت الحارث ــ قال: "ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1)
وفيه شقّ من خلفه. "تاج العروس"(فرج). وسيأتي نقله من كلام البخاري في الصحيح.
(2)
(4461).
عند موته دينارًا ولا درهمًا، ولا عبدًا ولا أمةً، ولا شيئًا إلا بغلتَه البيضاء، وسلاحَه، وأرضًا جَعَلها صدقة".
وفي "صحيح مسلم"
(1)
عن عائشة قالت: "ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم دينارًا ولا درهمًا، ولا شاةً، ولا بعيرًا، ولا أوصى بشيء".
وعن ابن عباس: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم مات ودِرْعه رَهْنٌ عند يهوديّ بثلاثين ــ وروي: بعشرين ــ صاعًا من شعير، أخذه لأهله.
رواه أهل السنن
(2)
، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
وفي "الصحيحين"
(3)
عن عائشة: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترى من يهوديٍّ طعامًا إلى أجل، ورَهَنَه دِرْعًا له من حديد.
وكذلك في "البخاري"
(4)
عن أنس بن مالك قال: قد رَهَن النبيّ صلى الله عليه وسلم درعَه بشعير.
فهذه الأحاديث تبيّن أنّه حين الموت لم يكن عنده خيل، ولا إبل، ولا غَنَم، ولا رقيق، وإنما ترك البغلةَ والسِّلاحَ، وبعضُ السلاح مرهون، ولكن مَلَك هذه الأمور في أوقات متفرِّقة.
(1)
(1635).
(2)
أخرجه الترمذي (1214) ولفظه: "بعشرين صاعًا"، والنسائي (4651)، وابن ماجه (2439). وأخرجه أيضًا البخاري (2916، 4467)، وأحمد (25998) وغيرهما.
(3)
أخرجه البخاري (2068)، ومسلم (1603).
(4)
(2508).
والمعروف أنّه كان يكون عنده الواحد من ذلك، فيكون له فرس واحدٌ، وناقةٌ واحدةٌ.
ولم يملك من البغال إلا بغلة واحدة، أهداها له بعض الملوك
(1)
. ولم تكن البغال مشهورة بأرض العرب. بل لمَّا أُهْديت له البغلة، قيل له: ألا نُنْزِي الخيلَ على الحُمُر؟ فقال: "إنما يفعل ذلك الذين لا يعلمون"
(2)
.
وكذلك آلات السّلاح، كالسّيف والرّمح والقوس، لم يُذْكَر عنه أنه كان يقتني لنفسه أكثر من واحد.
وأما الغنم؛ فقد رُوِيَ أنه اقتنى مئة شاة، وقال:"إنّ لنا مئة شاة، لا نريد أن تزيد، فكلما ولَّدَ الراعي بهمةً ذبحنا مكانها أخرى"
(3)
.
وقد ذكر الله تعالى آلات الحرب في كتابه، فقال في "السيف":{سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} [الأنفال: 12]. وقال: {فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ} [العنكبوت: 61]. وهذا الضرب للأعناق وبنان الأصابع هو بالسيف.
(1)
هو مَلِك أيْلة كما في "صحيح البخاري"(1481).
(2)
أخرجه أحمد (785)، وابن أبي شيبة (34389)، وأبو داود (2565)، النسائي (3580)، وابن حبان (4682) وغيرهم من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وإسناده صحيح.
(3)
أخرجه أحمد (16384)، وأبو داود (143)، وابن حبان (1045)، والحاكم:(4/ 110) وصحح إسناده، والبيهقي:(7/ 303). وغيرهم من حديث لقيط بن صبرة رضي الله عنه.
وقال في القوس والنُّشّاب: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} [العنكبوت: 61]. وفي "صحيح مسلم"
(1)
عن عُقبة ابن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ على المنبر: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} ثم قال: "ألا إنَّ القُوّة الرمي، ألا إنّ القوَّة الرمي، ألا إنّ القوَّة الرّمي".
وفي "صحيح مسلم" عنه أيضًا أنه قال: "ارموا واركبوا، وأن ترموا أحبّ إليَّ من أن تركبوا، ومن تعلَّم الرمي ثمَّ [ق 55] نسيه فليس منّا". وفي رواية: "فهي نعمة جَحَدها"
(2)
.
(1)
(1917).
(2)
ساق المؤلف هذا اللفظ مساق حديثٍ واحد، وهما حديثان: فالشطر الأول: "ارموا واركبوا، وأن ترموا أحبّ إليَّ من أن تركبوا" أخرجه أحمد (17300)، وأبو داود (2513)، والترمذي (1637)، والنسائي (3578)، وابن ماجه (1811)، والحاكم:(2/ 95) وغيرهم من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه. وفي سنده اختلاف، والحديث قال فيه الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وقال الحاكم: صحيح الإسناد. والشطر الثاني: "ومن تعلَّم الرمي ثمَّ نسيه فليس منّا" أخرجه مسلم (1919) من حديث عقبة أيضًا.
وقوله: وفي رواية: "فهي نعمة جَحَدها" جزء من حديث عقبة المتقدم في "السنن" لكن بلفظ: "فإنها نعمة تركها أو قال: كَفَرَها". ولفظ المؤلف جاء من حديث أبي هريرة أخرجه الطبراني في "الصغير": (1/ 197)، والخطيب في "تاريخ بغداد":(7/ 452) وغيرهم. قال أبو حاتم الرازي في "العلل"(939): هذا حديث منكر.
وكذلك الرّماح، قال الله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ} [العنكبوت: 61]. قد فُسِّرت بالرّماح المتّصلة باليد، وفُسِّرت بالنُّشّاب أيضًا.
وكذلك الدّرع، قال تعالى في قصّة داود:{وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ} [الأنبياء: 80].
وقال: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَاجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (10) أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ} [سبأ: 10 - 11]. فكان الحديد في يده بمنزلة العجين
(1)
.
والسّابغات: هي الدّروع الكاملة التي تكون لها أيدي وأفخاذ.
وقد جاء ذِكر هذه الأمور في الأحاديث عن النبيّ صلى الله عليه وسلم مُفرَّقًا.
فأما السيف؛ ففي "الصحيحين"
(2)
عن أنس قال: كان النبيّ صلى الله عليه وسلم
(1)
أخرجه ابن المنذر عن ابن عباس، وابن أبي حاتم عن الحسن، كما في "الدر المنثور":(5/ 427).
(2)
أخرجه البخاري (6033)، ومسلم (2307).
أحسن النّاس، وأشجع النّاس، وأجود النّاس. ولقد فَزِعَ أهلُ المدينة فَزَعًا، فخرجوا نحو الصّوت، فاستقبلهم النبيّ صلى الله عليه وسلم، وقد استبرأ الخبر، وهو على فرس لأبي طلحة عُرْيٍ، وفي عنقه السّيف، وهو يقول:"لم تُراعوا، لم تُراعوا". ثم قال: "إن وجدناه لبحرًا". أو قال: "إنه لبحر".
وعن ابن عباس: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم تنفَّل سيفَه "ذا الفِقَار" يومَ بدر. رواه الإمام أحمد وابن ماجه والترمذي
(1)
. وقال: "حديث حسن"
(2)
.
وأما ما يذكره بعض النّاس أنّ "ذا الفِقَار" كان سيفًا مُنزَّلًا من السماء، وأنه كان لعليٍّ، وكان يطول إذا قاتل به= فكلُّ هذا كذب باتفاق أهل المعرفة بهذه الأمور
(3)
.
وكذلك ما يذكره بعضُ الناس من أنه كان للنبيّ صلى الله عليه وسلم سبعة أسياف= لا أصل له
(4)
.
(1)
أحمد (2445)، والترمذي (1561)، وابن ماجه (2808). وأخرجه الحاكم:(2/ 141) وصححه.
(2)
في مطبوعة الترمذي، و "البدر المنير":(7/ 458): حسن غريب.
(3)
انظر "منهاج السنة": (5/ 38، 8/ 73) للمصنف.
(4)
الظاهر أن المصنف ينفي أنه اجتمعت للنبي صلى الله عليه وسلم سبعة أسياف في وقت واحد، لا أنه قد ملك في مجموع عمره سبعة أو تسعة أسياف. وقد ذكر غير واحد أسماءَ سيوف النبي صلى الله عليه وسلم وأنها تسعة. انظر "خلاصة السيرة"(ص 174) للمحب الطبري، و"المختصر"(ص 79) لابن جماعة، و"زاد المعاد":(1/ 130).
وأما الرمح؛ فقال البخاري في "صحيحه"
(1)
: ويُذْكَر عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم: "جُعِل رِزْقي تحت ظلِّ رُمْحي، وجُعِل الذّلّةُ والصَّغَار على من خالف أمري".
رواه الإمام أحمد في "مسنده"
(2)
عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بُعِثْت بين يدي السّاعة بالسّيف حتى يُعْبَد الله تبارك وتعالى وحدَه لا شريك له، وجُعِل رزقي تحت ظلِّ رُمحي، وجُعِل الذِّلّة والصّغَار على من خالف أمري، ومن تشبَّه بقومٍ فهو منهم".
روى أبو داود بعضَه.
وقد روى الطبراني في "معجمه"
(3)
حديثًا جامعًا في أسماء آلاته عن
(1)
قبل حديث (2914).
(2)
رقم (5114). وأخرجه أبو داود (4031) مختصرًا كما ذكر المصنف، وابن أبي شيبة (19747)، والطحاوي في "شرح المشكل"(231) وغيرهم من طريق عبد الرحمن بن ثوبان، عن حسّان بن عطية، عن أبي مُنِيب الجُرَشي عن ابن عمر به. وفيه ابن ثوبان مختلَفٌ فيه، ومدار الحديث عليه. والحديث احتجَّ به الإمام أحمد، وجوَّده المصنف في "الاقتضاء":(1/ 269)، وقال الذهبي في "السير":(15/ 509): إسناده صالح. وصححه العراقي في" تخريج الإحياء": (1/ 217)، وحسنه ابن حجر في "الفتح":(10/ 282). لكن ضعف سنده السخاوي في "المقاصد": (ص 407) من أجل ابن ثوبان، ومال إلى تقويته بشواهده، فله شواهد من حديث حذيفة وأبي هريرة وأنس، ومن مرسل طاووس. والمرسل حسَّنه الحافظ في "الفتح":(6/ 116)، و"التغليق":(3/ 446).
(3)
"الكبير": (11/ 111). قال ابن كثير في "البداية والنهاية": (8/ 381): "هذا غريب جدًّا". أقول: وفي سنده علي بن عروة، متهم بالوضع. وانظر "مجمع الزوائد":(5/ 325 - 326)، و"السلسلة الضعيفة"(4225).
ابن عباس قال: "كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم سيفٌ قائمته فضّة، وقَبِيعته من فضّة، وكان يسمّى: ذا الفِقَار، وكان له قوس يسمّى: السَّداد، وكانت له كِنانة تسمى: الجمع، وكانت له درع موشَّحة بالنّحاس تسمّى: ذات الفضول، وكانت له حربة تسمى: النبعاء، وكان له مِجَنّ يسمى: الدقن
(1)
، وكان له تُرْس أبيض يسمى: الموجز، وكان له فرس أدهم يُسمى: السَّكَب، وكان له سَرْج يسمى: الراح
(2)
، وكانت له بغلة شهباء [ق 56] يقال لها: دُلْدُل، وكانت له ناقة تسمى: القَصْواء، وكان له حِمَار يسمّى: يعفور، وكان له بساط يسمى: الكرد
(3)
، وكانت له عَنَزَة تسمى: النمر، وكانت له ركوة
(4)
تسمى: الصادر، وكانت له مِرْآة تسمى: المرآة، وكان له مِقْراض يسمى: الجامع، وكان له قضيبُ شَوحَطٍ يسمى: الموت
(5)
".
(1)
كذا في الأصل و"الزاد ــ مخطوط"، وعند الطبراني وابن كثير:"الذقن"، وفي "المجمع":"الدفن".
(2)
كذا في الأصل و"الزاد ــ مخطوط". وفي الطبراني وابن كثير: "الداج". وفي "المجمع": "الداح" ..
(3)
كذا في الأصل و"الزاد ــ مخطوط". وفي الطبراني والمجمع وابن كثير: "الكر".
(4)
الأصل: "زكوة".
(5)
كذا في الأصل و"الزاد ــ مخطوط". وفي الطبراني: "المشوق"، وفي المجمع وابن كثير:"الممشوق".
وفي "صحيح البخاري"
(1)
عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
(2)
يوم بدر وهو في قبة: "اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك، اللهم إن شئت لم تُعْبَد بعد اليوم".
فأخذ أبو بكر بيده، فقال: حَسْبُك يا رسول الله، فقد ألححت على ربك، وهو في الدِّرْع، فخرج وهو يقول:{سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (45) بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ} [القمر: 45 - 46].
وروى أهل السنن: "أن النبي صلى الله عليه وسلم ظاهَرَ يوم أُحدٍ بين دِرْعَين"
(3)
.
وفي "الصحيحين"
(4)
عن سهل بن سعد
(5)
: أنه سُئل عن جُرْح النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد؟ فقال: جُرِحَ وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكُسِرت رَباعيته، وهُشِمَت البيضة على رأسه. فكانت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم تغسل الدم، وكان عليّ بن أبي طالب يسكُب عليها بالمِجنّ. فلما رأت فاطمة أنّ الماء لا يزيد الدم إلا كثرة أخذت قطعةَ حصير، فأحرقته حتى صار
(1)
(2915).
(2)
تكررت في الأصل.
(3)
أخرجه أحمد (15722)، وأبو داود (2590)، والنسائي في "الكبرى"(8529)، والبيهقي:(9/ 46) وغيرهم من حديث السائب بن يزيد رضي الله عنه. قال البوصيري في "مصباح الزجاجة": (2/ 115): "هذا إسناد صحيح رجاله ثقات على شرط البخاري".
(4)
أخرجه البخاري (2911)، ومسلم (1790).
(5)
الأصل: "أسعد" خطأ.
رمادًا، ثم ألصقته بالجرح فاسْتَمْسك الدّم". أخرجاه في "الصحيحين".
وعن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عام الفتح وعلى رأسه المغْفَر، فلما نزعه جاء رجل فقال: ابن خَطَل متعلِّق بأستار الكعبة، فقال:"اقتلوه". أخرجاه في "الصحيحين"
(1)
.
وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: كان أحبّ الثياب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم القميص. رواه أهل السنن
(2)
، وقال الترمذي:"حديث حسن"
(3)
.
وروى أهل السنن أيضًا عن أسماء بنت يزيد قالت: كان يدُ كُمّ قميص رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الرُّسْغ
(4)
. قال الترمذي: "حديث حسن"
(5)
.
وفي "الصحيحين"
(6)
وغيرهما عن المِسْوَر بن مَخْرَمة رضي الله عنه أنه قال: "قَسَم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أقْبِيةً، ولم يُعط مخرمة شيئًا. قال
(1)
أخرجه البخاري (1846)، ومسلم (1357).
(2)
أخرجه أحمد (26695)، وأبو داود (4025)، والترمذي (1762)، وابن ماجه (3575)، والحاكم:(4/ 192) وغيرهم. قال الحاكم: صحيح الإسناد.
(3)
في المطبوعة، و"تحفة الأشراف":(13/ 14): "حسن غريب، إنما نعرفه من حديث عبد المؤمن تفرد به".
(4)
أخرجه أبو داود (4027)، والترمذي (1765)، والنسائي "الكبرى"(9587)، وإسحاق بن راهويه في "مسنده"(2284). وفي سنده شهر بن حوشب، مختلف فيه.
(5)
في المطبوعة، و"تحفة الأشراف":(11/ 264): "حسن غريب".
(6)
أخرجه البخاري (2599)، ومسلم (1058).
مخرمة: يا بُني انطلق بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانطلقت معه. قال: ادخل فادعه لي. قال: فدعوته، فخرج إليه وعليه قَباء منها. فقال:"خَبَأتُ هذا لك". قال: فنظر إليه. قال: رضي مخرمة".
وذِكْر الإزار والرّداء له في أحاديث كثيرة مشهورة. وكذلك ذِكْر القميص.
مثل ما في "الصحيحين"
(1)
عن جابر بن عبد الله قال: "أتى النبيُّ صلى الله عليه وسلم عبدَ الله بن أُبَيّ بعدما أُدْخِل قبره، فأمَر به فأُخْرِج ووُضِع على ركبتيه، ونَفَث عليه من ريقه، وألبسه قميصه". والله أعلم.
وفيهما
(2)
عن عبد الله بن عُمر قال: لما توفي عبد الله بن أُبّي جاء ابنُه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أعطني قميصك أُكفّنه فيه، وصلّ عليه واستغفر له. فأعطاه قميصَه، وقال:"إذا فرغتَ [ق 57] فآذِنَّا" فلما فرغ آذنه به، فجاء ليصلي عليه. فجذَبَه عمر فقال: أليس قد نهاك الله أن تصلي على المنافقين؟ فقال: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ}
(3)
[التوبة: 80]. فنزلت: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} [التوبة: 84]. فترك الصلاة عليهم.
(1)
أخرجه البخاري (5795)، ومسلم (2773).
(2)
أخرجه البخاري (1269)، ومسلم (2400).
(3)
تكررت في الأصل: {إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} .