الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سبيل الجزاء على الآخر والثواب له، وأن الأول شرطٌ لغوي
(1)
، وهو سبب معنوي، والمسبّب من جنس السبب.
فهذا التركيب والتأليف يوجب أن لا
(2)
يدلّ الثاني ولا يُفْهِم ما يُعْلَم أنّ الأوّل لم يدلّ عليه ولم يُفْهِمه. فكيف يُظنّ أن يكون ظاهر ما حكاه عن ربّه هو ما يُنزِّه نفسَه عنه؟!
الوجه الثاني:
أنا نحن فقد
(3)
قدّمنا
(4)
تقرُّب الله من عبده وقربه منه، وأن ذلك جائز عند السلف وأكثر الخلف من أهل الحديث والفقهاء ومتكلِّميهم، والأشعري وغيرهم
(5)
، وذكرنا بعض الألفاظ في ذلك، وإتيانه ومجيئه ونزوله ودنوّه وغير ذلك، فلم يكن القُرْب عليه ممتنعًا، [وهو]
(6)
عندهم في الجملة حقّ.
وإذا كان كذلك سلكوا الجوابَ المركَّب، فقالوا: أيّ نصّ فُرِض، فإما أن يكون
(7)
ظاهره يدلّ على القرب، أو لا يكون ظاهره يدلّ على
(1)
ترك الناسخ بعده مقدار كلمة.
(2)
كان في الأصل: «أن لا يكون» ، ثم ضرب على «يكون» .
(3)
كذا في الأصل. و «نحن» كتبت فوق السطر.
(4)
لم يتقدم في هذه الرسالة شيء، فلعل هذا المبحث فصل من كتاب، وانظر المقدمة. وانظر الإحالة السالفة على «بيان التلبيس» .
(5)
الأصل: «وغيرهما» .
(6)
زيادة يستقيم بها السياق.
(7)
الأصل: «كان» والصواب ما أثبته.
القرب، فإن كان الأول، لم يكن حَمْله على ظاهره ممتنعًا، ولم يكن صَرْفه واجبًا. وإن كان ظاهره لا يدلّ على قربه بنفسه، لم يكن أيضًا محتاجًا إلى الصرف عن الظاهر الذي يسمونه: التأويل، فلا يَرِد عليهم نقض
(1)
على التقديرين.
فيقال: هذا الحديث إن كان ظاهره قُرْب الرّب بنفسه، فذاك ممكن، فإن لم يكن هذا ظاهره، فلا حاجة إلى صرفه عن ظاهره.
ثم كثير منهم يقولون: ليس ظاهره القرب بنفسه، وإنما هو مَثَلٌ ضربه؛ لأن
(2)
جزاءه أعظم من عمل العبد. وأخرج ذلك على وجه المقابلة فقال: «من تقرَّب إليّ شبرًا تقرّبت إليه ذراعًا» والذراعُ ضِعْف الشّبْر. «ومن تقرّب إليَّ ذراعًا تقرَّبت إليه باعًا» والباع ضعف الذراع. «ومن أتاني يمشي أتيته هرولة» والهرولة ضعف المشي.
قالوا: ومعلومٌ أنَّ إتيان العبدِ ربَّه وتقرّبه إليه لا يحتاج إلى مشيه، فقد يكون بإيمانٍ وعِلْم. وهذا قول كثير ممن يفرّ عن هذا الحديث، ويقول: هذا الحديث معناه ظاهر ليس من أحاديث الصفات.
ومنهم من يخالف هؤلاء
(3)
.
(1)
الأصل: «نقضًا» .
(2)
الأصل: «لأنه» .
(3)
كتب الناسخ في هامش الصفحة: «إلى هاهنا نقلته ووجدته من خط شيخ الإسلام رحمه الله، في .. خامس جمادى الأولى
…
». ثم ترك نصف الصفحة فارغًا، وابتدأ الورقة الأخرى بما سيأتي.
ومن أهل العلم والكلام الناصرين للسنة من يقول في هذا الحديث ونحوه: إنه مصروفٌ عن ظاهره، كما ذكره عبد العزيز المكي في «الرد على الجهمية الزنادقة»
(1)
.
قال عبد العزيز: باب الأحاديث التي نزعوها من القرآن وجهلوا معناها. فمن ذلك ما رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم مما حُمِل على أليق المعاني به، ولم يُحْمَل على ظاهره: قوله صلى الله عليه وسلم: «الولد للفراش وللعاهر الحجر»
(2)
، قال: فلم يُحْمَل على ظاهره؛ لأن العرب تَعْقل أنَّ الفراشَ لا ولد له ولا والد، لكن المعنى فيه عندنا
(3)
: أن الولد لصاحب الفراش، لا يشكّ فيه أحدٌ.
ومثله ما رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يقول الله تعالى: لو أتاني عبدي بقراب الأرض خطيئة أتيته بقرابها ــ أي ملئها ــ مغفرة ما لم يشرك بي شيئًا، ومن دنى منِّي شبرًا دنوت منه ذراعًا، ومن دنا مني ذراعًا دنوت منها باعًا، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة»
(4)
. فعقلوا ما خاطبهم به النبي صلى الله عليه وسلم: أنّ العبد لا يمشي إلى ربّه، وربّه لا يهرول إليه، وإنما أريد بذلك:
(1)
وهذا الكتاب نقل منه شيخ الإسلام فصولاً طويلة في كتبه، انظر «بيان تلبيس الجهمية»:(1/ 30 ــ 35)، و «درء التعارض»:(6/ 115 ــ 119). وهو غير كتابه الآخر «الحيدة» . وانظر «موارد شيخ الإسلام العقدية» (ص 43) للبراك.
(2)
أخرجه البخاري (6749)، ومسلم (1457) من حديث عائشة رضي الله عنها.
(3)
الأصل: «عندها» .
(4)
تقدم تخريجه.
من دنا منّي بالعمل الصالح بقدر شبرٍ أتيته بالثواب قدر ذراع، والذراع أكثر من الشبر وكذلك من الباع. وقال:«من أتاني يمشي» ، يقول: يسارع إليّ بالعمل الصالح، أسرعتُ إليه بالثواب. يريد بالهرولة الثواب، لا أن الهرولة أسرع من المشي، يقول: ثوابي أكثر من عمله.
فهذا مما لا يُحْمَل على ظاهره وما كان مثله؛ فمن الحديث ما يكون معناه في باطنه، ومنه ما يكون معناه في ظاهره.
فهذا الذي قاله في معناه تقوله طائفةٌ من الناس وتُنازِعُهم فيه طوائف، فيجعلون معنى الحديث قدرًا زائدًا على الثواب، كما تقدم في القُرْب.
وأما كون ذلك وَفْق الظاهر أو خلاف الظاهر ففيه أيضًا نزاع، كما تنازعوا في أن ما ظهر معناه في العقل هل يقال: إنه خلاف الظاهر؟ كما في قوله: {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} [النمل:23]، كما ظهر معناه بالتركيب والسياق.
كذلك ما ذكره من حديث الفراش، فإنه قد ثبت في «الصحيح»:«الولد لصاحب الفراش»
(1)
، وأحد اللفظين يفسّر الآخر، والمعنى من الحديث ظاهر، بل نصٌّ لا يحتمل معنيين، ولكن بعض الفقهاء اعتقد أن الفراش اسم للزوج خاصة، حتى أخرجَ السيدَ المتسرّي، وجمهور
(1)
البخاري (6750) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
الفقهاء على العموم لهما، كما جاء ذلك منصوصًا في تنازع سعد بن أبي وقاص وعَبْد بن زَمْعة في ابن وليدة زمعة، فأشهر الأحاديث وأصحها التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم:«الولد للفراش» ، كان في سيّدٍ واطئ وليدةٍ لا في زوج، فلا يجوز إخراج ذلك من الحديث.
ولكن وجه دلالة اللفظ على المعنى هل هو من باب حذف المضاف أو من باب الاستعارة وتسمية صاحب الفراش: فراشًا، كما تسمى المرأة: إزارًا، ويسمى كلٌّ من الزوجين لباسًا للآخر؟
أو أن تكون الإضافة على ظاهره، وإضافته إلى الفراش تقتضي أن يكون لصاحبها؟ هذه الأمور مما تكلم الناس فيها من غير أن يكون ظاهر الحديث الذي يظهر للمستمعين: أنّ الفراشَ وَلَدت الولدَ.
وفي الجملة فتَنازُع الناس في مثل هذه المعاني هل هو مخالفٌ للظاهر أو موافقُه معروف؟ فإن كانت مخالفة للظاهر، فلا بدَّ أن يكون في الأدلة الشرعية ما يدلُّ على المعنى الصحيح.
وقد قدمنا غير مرة: أن ما تُرِكَ ظاهرُه من القرآن والحديث بقرآنٍ أو حديثٍ، فهذا مما لا
(1)
نزاع فيه، وهو مما تسميه السلف: الناسخ والمنسوخ، فهذا هذا. والله أعلم.
***
(1)
الأصل: «لا فيما» ولعله ما أثبت.
قال الناسخ: نُقِل من خط الشيخ الإمام شيخ الإسلام الشيخ تقي الدين أحمد ابن تيمية بحضور ترجمانه ولسان قلمه: الشيخ شمس الدين أبي عبد الله بن رُشَيِّق
(1)
، والمقابلة عليه وهو مُمْسِك بأصل الشيخ رحمه الله، والشيخ سليمان يقرأ، وذلك في ثالث شهر جمادى الأولى من شهور سنة ست وثلاثين وسبعمائة.
(1)
هو أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أحمد سِبْط ابن رُشيّق المالكي (ت 749) قال ابن كثير: «[كان] أبصر بخط شيخ الإسلام منه، إذا عزب شيءٌ منه على الشيخ استخرجه أبو عبد الله هذا، وكان سريع الكتابة لا بأس به، دينًا عابدًا كثير التلاوة حسن الصلاة، له عيال وعليه ديون، رحمه الله وغفر له» . انظر ترجمته في مقدمة «الجامع لسيرة ابن تيمية» (ص 59 - 61).