الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرَّحِيمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ بِسْمِ
مسألة من كلام شيخ الإسلام وقدوة الأنام، تقي الدين ــ عُرِف بابن تيمية ــ في قول الله تعالى:{أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} [النساء: 78].
الجواب:
الحمد لله.
قوله تعالى: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} نزلت في سياق الأمر بالجهاد والترغيب فيه، قال تعالى:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا (77) أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} الآية [النساء: 77 - 78].
فأخبر ــ سبحانه ــ أنَّ كلَّ أحدٍ لا بدَّ أن يموت، ولو كان في بروجٍ مشيَّدة، ولا ينفع الفرار من الموت والجهاد.
ثم قال: {وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} [النساء: 78].كان المنافقون إذا
أصابهم نصر ورزق يقولوا: هذا من عند الله، وإن أصابتهم محنة تنقص في الرزق أو تخوّف من العدوّ قالوا: هذه من عندك يا محمد بشؤمِ الذي جئتَ به، فإنّك أمرتنا بمعاداة الناس وغير ذلك مما يوجب الضرر؛ فقال الله تعالى:{فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا (78)} أي: لا يفقهون القرآن الذي أُرسلتَ به، وما فيه من الخير والهدى والشفاء
(1)
والبيان، وأنه لا شرَّ فيه
(2)
.
ثم قال تعالى: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ} أي: من نصر ورزق ونحو ذلك {فَمِنَ اللَّهِ} نعمةً أنعم بها عليك. {وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ} من خوفٍ ونقص رزقٍ واستيلاء عدوٍّ {فَمِنْ نَفْسِكَ} أي: بذنبك، كما قال تعالى:{وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: 30]. وقال تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال: 33]. وقال تعالى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} [آل عمران: 165] ونحو ذلك.
فالمراد بالسيئات والحسنات هنا: النِّعَم والمصائب، كما قال
(1)
لم يظهر آخر الكلمة وهكذا استظهرتها.
(2)
انظر "معالم التنزيل": (1/ 564) للبغوي.
تعالى: {وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ} [الأعراف: 168]. وكما قال: {إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا} [آل عمران: 120]، والله أعلم.
***
مسألة من كلام الشيخ تقيّ الدين ابن تيمية في قوله تعالى عن سليمان عليه السلام: {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي
(1)
مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [ص: 35]. وسليمان كان مُنَزَّهًا عن الدنيا لم يتناول منها شيئًا، فلِمَ تمنَّى الملك؟
الجواب: الحمد لله.
قد قيل: إنّ سليمان ــ عليه السلام ــ إنما سأل ذلك معجزةً وآيةً لنبوّته، كما أنّ من الأنبياء من كانت آيته الناقة، ومنهم من كانت آيته العصا، والحيَّة، وفَلْق البحر، وغير ذلك. ومنهم من كانت آيته إحياء الموتى، وإبراء الأكْمَه والأبرص، وغير ذلك. فكذلك آية سليمان هي الملك
(2)
.
وقيل: إنّ سليمان سأل ذلك ليتمكَّن به من طاعة الله تعالى.
وقيل: إنَّ ذلك من باب المباح إذا لم يكن فيه معصية، كما أنّ نبينا
(1)
الأصل: (رب هب لي).
(2)
انظر "مفاتيح الغيب": (26/ 209) للرازي.
- صلى الله عليه وسلم خُيِّر بين أن يكون عبدًا رسولًا، وبيَّن أن يكون ملكًا نبيًّا، فاختار أن يكون عبدًا نبيًّا، وهذا أعلى. وسليمان اختار أن يكون نبيًّا ملكًا، قيل له فيه:{هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [ص: 39]. فهذا جائز والأول أفضل، وهي حال نبينا صلى الله عليه وسلم، والله أعلم
(1)
.
***
مسألة
(2)
من كلام الشيخ تقيّ الدين ابن تيمية في تفسير قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا} [التحريم: 8]. هل هذا اسم رجلٍ كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وما معنى
(3)
قوله: (نصوحًا)؟
الجواب:
الحمد لله.
قال عمر بن الخطاب وغيره من الصحابة والتابعين: التوبة النصوح: أن يتوب العبد من الذنب ثم لا يعود إليه
(4)
.
(1)
انظر "الجامع لأحكام القرآن": (15/ 133) للقرطبي.
(2)
هذه المسألة في "الفتاوى": (16/ 57 - 59).
(3)
(ف): "وأيشٍ معنى".
(4)
أخرجه ابن أبي شيبة (35632)، والطحاوي في "شرح المشكل":(4/ 290). وأخرجه ابن أبي شيبة (35702)، والبيهقي في "الشعب"(6635) عن ابن مسعود رضي الله عنهما.
ونصوح: هو صفة للتوبة، وهو مشتقٌّ من النُّصْح والنصيحة.
وأصل ذلك هو الخلوص، يقال: فلان ينصح لفلان، إذا كان يريد له الخير إرادةً خالصة لا غشّ فيها. وفلان يغشّه إذا كان باطنه يريد السوء، وهو يظهر إرادة الخير، كالدرهم المغشوش.
ومنه قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ} [التوبة: 91]. أي: أخلصوا لله ورسوله قصدَهم وحبَّهم.
ومنه قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: "الدّينُ النصيحةُ، الدّين النصيحة"
(1)
، قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: "لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم"
(2)
.
فإنَّ أصلَ الدّين هو حُسْن النية وإخلاص القصد
(3)
؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: "ثلاثٌ لا يغلّ عليهنّ قلبُ مسلم: إخلاصُ العمل لله، ومناصحةُ ولاة الأمور، ولزومُ جماعة المسلمين، فإنَّ دعوتهم تُحيط مِن ورائهم"
(4)
. أي هذه الخصال الثلاث لا يحقد عليها قلب المسلم، بل
(1)
(ف): "الدين النصيحة ثلاثًا".
(2)
أخرجه مسلم (55) من حديث تميم الداري رضي الله عنه. بدون تكرار قوله: "الدين النصيحة" وبتكرارها أخرجه أحمد (7954) وغيره.
(3)
كتبها أولًا: "القلب" ثم أصلحها.
(4)
أخرجه أحمد (21590)، وأبو داود (3660)، والترمذي (2656)، وابن ماجه (230)، وابن حبان (680)، وغيرهم، كلهم من حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه. قال الترمذي: حديث حسن. وصححه ابن حبان.
وله شاهد من حديث أنس أخرجه أحمد (13350)، وابن ماجه (236).
يحبّها ويرضاها.
فالتوبة النصوح: هي الخالصة من كلِّ غشّ. وإذا كانت كذلك كانت ثابتةً
(1)
، فإنَّ العبدَ إنّما يعود إلى الذنب لبقايا في نفسه، فمتى
(2)
خرج من قلبه الشبهة والشهوة لم يَعُد إلى الذنب. فهذه التوبة النصوح. وهي واجبة كما
(3)
أمر الله تعالى.
ولو تاب العبد ثم عاد إلى الذنب قَبِل الله توبتَه الأولى، ثم إذا عاد استحقّ العقوبة، فإن تاب تاب الله عليه أيضًا. ولا يجوز للمسلم إذا تاب ثم عاد أن يصرّ، بل يتوب ولو عاد في اليوم مائة مرة. فقد روى الإمام أحمد فى"مسنده"
(4)
عن عليٍّ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إنّ الله يحبّ العبدَ
(1)
(ف): "كذلك كائنة".
(2)
(ف): "فمن".
(3)
(ف): "بما".
(4)
(605)، وفي "فضائل الصحابة"(1191)، وأبو يعلى في "مسنده"(483) من حديث علي رضي الله عنه مرفوعًا. وفي إسناده عبيدة بن عبد الرحمن أبو عمرو البجلي، قال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الثقات، لايحل الاحتجاج به. "المجروحين":(2/ 199)، وانظر"تعجيل المنفعة":(2/ 515). والمفتّن ــ بتشديد التاء ــ يعني: الممتَحَن بالذنب.
المُفَتَّن التوَّاب"، وفي حديث آخر: "لا صغيرةَ مع إصرار، ولا كبيرةَ مع استغفار"
(1)
. وفي حديث آخر: "ما أصرَّ من استغفر ولو عاد في اليوم مائة مرة"
(2)
.
ومن قال من الجهّال: إنّ (نصوحًا) اسم رجل كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أُمِرَ الناسُ أن يتوبوا كتوبته، فهذا رجل مفترٍ كذَّاب جاهل بالحديث والتفسير، جاهل باللغة ومعاني القرآن، فإنّ هذا امرؤٌ لم يخلقه الله تعالى، ولا كان من
(3)
المتقدّمين أحد اسمه (نصوح)، ولا ذَكَر هذه القصة أحدٌ من أهل العلم. ولو كان كما زعم الجاهل لقيل: توبوا إلى الله توبةَ نصوحٍ، وإنما قال:{تَوْبَةً نَصُوحًا} . فالنصوح هي التوبة لا التائب
(4)
.
(1)
روي مرفوعًا وموقوفًا على ابن عباس رضي الله عنهما، فأخرج المرفوع ابنُ أبي الدنيا في "التوبة"(166)، والقضاعيُّ في "مسند الشهاب"(795). وأخرج الموقوف البيهقي في "الشعب"(6882).
(2)
أخرجه أبو داود (1516)، والترمذي (3559) من حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه. قال الترمذي:"هذا حديث غريب إنما نعرفه من حديث أبي نُصَيرة، وليس إسناده بالقوي". والبزار (93) وفيه: "سبعين مرة". وقال: "وهذا الحديث لا نحفظه عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجه من الوجوه إلا عن أبي بكر بهذا الطريق
…
وأبو نصيرة ومولى أبي بكر فلا يعرفان". وروي من حديث ابن عباس عند الطبراني في "الدعاء" (1797).
(3)
(ف): "في".
(4)
(ف): "والنصوح هو التائب".
ومن قال: إن المراد بهذه الآية رجل أو امرأة اسمه (نصوح)، وأنه كان على عهد عيسى عليه السلام أو غيره؛ فإنه كاذب يجب عليه أن يتوب من هذا، فإن لم يتب وجب عقوبتُه بإجماع المسلمين، والله أعلم.
تمت.
***
مسألة من كلام شيخ الإسلام وعلامة الزمان تقي الدين ابن تيمية الحراني في قوله تعالى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ} [المائدة: 90].
الجواب:
الحمد لله.
الخمر: هي المُسكر، كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"كلُّ مُسْكر خمر وكلُّ خمر حرام"
(1)
، وقال:"كلُّ مُسكر خمر وكلُّ مسكر حرام"
(2)
. وقال: "كل شراب أسكر فهو حرام"
(3)
.
فكلُّ ما أسكر كثيرُه فقليله حرام وهو خمر، سواء كان من العنب أو التمر أو الحنطة أو الشعير أو العسل أو لبن الخيل أو غير ذلك.
(1)
رواه مسلم (2003/ 75).
(2)
رواه مسلم (2003/ 74). من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(3)
أخرجه البخاري (242)، ومسلم (2001) من حديث عائشة رضي الله عنها.
وأما المَيسِر: فهو القِمار، وهو يجمع معنيين:
أحدهما: أكْل المال بالباطل، كبيع الغرر، فإنه من الميسر.
والثاني: الأعمال التي فيها مغالبة بلا منفعة، تصدُّ عن ذكر الله وعن الصلاة، وتوقع العداوة والبغضاء، سواء كانت بعِوَض أو بغير عِوَض؛ كاللعب بالنَّرْد والشِّطْرنج ونحوهما، فإن ذلك كله من الميسر، كما فسَّر الآيةَ بذلك علماءُ السلف من الصحابة والتابعين.
وأما الأنصاب: فهي ما يُنْصب من التماثيل التي تُعبد من دون الله.
وأما الأزلام: فهي ما يُسْتَقْسَم به، أي يَطلب العبدُ عِلم ما قَسَم الله له به، كما كانت العرب تستقسم بالحصى وبالقِداح، وهي نُشّاب لا نصل
(1)
له ولا ريش. وكما يستقسم ناسٌ بالقرعة المأمونية المكتوب عليها (أب ج د) فإن خرج الفرد غالبًا قالوا: (سَعْد)، وإن خرج الزوج غالبًا قالوا:(نَحْس).
وهذا من فروع النجوم، فإن الكواكب إذا اتصلت على شكل مثلَّث أو مسدَّس، بأن يكون بين الكوكبين ستون درجة أو مئة وعشرون درجة= جعلوا ذلك علامة على السعادة.
وإن كان على شَفْع، مثل أن يكون بينهما تسعون درجة= فيقولون:
(1)
رسمها في الأصل: "أصل" والصحيح ما أثبت.
"ربعة"، أو مئة وثمانون درجة، فيقولون:"قابلة"
(1)
.
أو يكونان على درجة واحدة، فيقولون:"قارنة"، جعلوا ذلك بخلاف الوتر، حتى إذا كتب أحدهم:(ورنة)
(2)
قَطَعَ حَرْفَها لتصيرَ مثلَّثة، فهذا من الاستقسام بالأزلام.
وكذلك الضرب بالشعير والحصى لطلب علم ما يكون. وكذلك النظر في الألواح. فهذا وشِبْهه من الاستقسام بالأزلام. وهذه الأربعة كما قال تعالى: {رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ} .وقد أمرنا تعالى باجتناب هذا الرجس بقوله: {فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة: 90] والله أعلم
(3)
.
***
مسألة من كلام الشيخ تقي الدين ابن تيمية في قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} إلى قوله: {وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ} [المائدة: 3].
الجواب:
الحمد لله.
(1)
انظر "الفتاوى": (6/ 548 ــ الرسالة العرشية).
(2)
غير واضحة في الأصل.
(3)
انظر "مجموع الفتاوى": (23/ 67 - 68)، (35/ 171 - 172).
الميتةُ: ما مات حتف أنفه.
والدم: هو الدم المسفوح يحرم أكله.
ولحم الخنزير: أُريد به تحريم أكل الخنزير، ولهذا ذَكَر اللحم، فإنه لو قيل:(والخنزير) لظن أنه أريد تحريم قتله وأكله، كما في قوله:{وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ} [المائدة: 96].
والمنخنقة: وهي الشاة والعنز ونحوهما تنخنق بالحبل وغيره.
والموقوذة: وهي البهيمة والطائر يضرب بمُثَقَّل، كالحجر والطُّومار
(1)
ونحو ذلك مما يَقْتل بثقله لا بحدِّه.
والمتردية: هي الدابة تتردَّى من مكان عالٍ، كرأس الجبل والسطح.
والنطيحة: الدابة تنطحها أخرى، فتموت من النطح.
وما أكل السّبُع: هي الدابة يأكلها ذئب ونحوه، فلا يُباح ما بقي منها إذا ماتت بأكله.
فإن كان في شيءٍ من ذلك حياةٌ مستقرَّة، فذُكِّي، فجرى دَمُه وتحرّك بعضُ أعضائه أُبيح.
(1)
الطومار: هو مجموعة الورق الكاملة، يكون لها ثقل قد تقتل به. "مآثر الإنافة":(1/ 325)، و"اللسان":(4/ 502).
والأزلام: قد فُسِّرت في جواب الآية الأخرى
(1)
. والله أعلم
(2)
.
(1)
(ص 283).
(2)
بعد الفتوى ذكر الناسخ أو غيره حديثًا عن رطن (كذا والمعروف: رتن) الهندي يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم!! وقد علق أحد القراء في الهامش بقوله: رتن هذا كذاب ظهر بعد الستمئة ببلاد الهند وادعى الصحبة ووضع أحاديث رواها عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقد ساق الصفدي في الجزء الثامن من "تذكرته" قصة رؤيته للنبي، لكن الحفاظ الثقات لا يثبتونه اهـ. ثم كتب اسمه:"لمحرره أحمد الخضر". وانظر كلام الذهبي عنه في "الميزان": (2/ 45).
مسألة في
قوله صلى الله عليه وسلم: "لا عدوى ولا طِيَرة
…
"
وتسع مسائل أخرى
الرَّحِيمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ بِسْمِ
* سئل الشيخ الإمام العالم العلامة، الورع الزّاهد أبو العباس أحمد ابن تيمية عن قوله صلى الله عليه وسلم:"لا عَدْوى ولا طِيَرة، ولا هامةَ ولا صَفَر"
(1)
مع ضبطهما.
* وهل حديث: "مَنْ كذبَ عليَّ متعمِّدًا فليتبوَّأ مَقْعَدَه من النّار"
(2)
متواتر اللفظ والمعنى؟
* وهل القرآن متواتر بأحرفه؟
* وهل قراءة هؤلاء القرَّاء المشهورين متواترة أم لا؟
* وهل قراءة أبي جعفر ويعقوب متواترة؟
* وهل تُبْطِل الصلاةَ القراءةُ بالشاذِّ؟
* وهل لو حلف رجلٌ بالطلاق أن مذهبَ الشافعي خيرٌ من المذاهب الأربعة، وكذا المالكي والحنفي والحنبلي، كلٌّ منهم حَلَف أن مذهبه خير من المذاهب الأربعة، فهل يحنث واحدٌ من هؤلاء أم يحنثوا جميعًا؟ وما الحكم فيهم؟
(1)
أخرجه البخاري (5707)، ومسلم (2220) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(2)
أخرجه البخاري (110)، ومسلم (3) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وقد رواه جمع غفير من الصحابة أكثر من سبعين، وهو حديث متواتر كما قال المصنف.
* وهل النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربَّه سبحانه وتعالى ليلةَ أُسْريَ به بعيني رأسه أم بعين قلبه، ومع ذلك جَمْع اختلاف العلماء فيه بمذاهبهم؟
* وهل تجوز اللعنة على اليهود والنصارى والرّافضة وأهل البدع؟ وهل تجوز لعنة كلّ شخص من هؤلاء بعينه واسمه؟
أجاب:
الحمد لله.
* لفظ الحديث: "ولا هامَةَ ولا صَفَرَ"
(1)
. ويجوز في إعرابه ما يجوز في إعراب: "ولا طِيَرة". إن شئت قلت: "ولا هامةَ ولا صَفَرَ"، وإن شئت قلت:"ولا هامةٌ ولا صَفَرٌ".
والهامة: ما كان بعض الجاهلية يعتقده من أن الميّت إذا لم يُؤخَذ ثأرُه من قاتله يخرج من قبره هامة
(2)
. فنفى النبي صلى الله عليه وسلم ذلك في بيان ما نفاه من اعتقادات الجاهلية، وهو العدوى والطِيَرة. وكذلك قوله:"ولا صَفَر ولا غُول"
(3)
.
وفي "الصَفَر" وجهان:
أحدهما: أنه الشيء الذي كان أهلُ الجاهلية يفعلونه، فيؤخِّرون
(1)
كتب بعدها في النسخة: "وإن شئت قلت" ثم ضرب عليها.
(2)
انظر هذا التفسير وغيره في "فتح الباري": (10/ 241).
(3)
هذا اللفظ أخرجه مسلم (2222) من حديث أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه.
المحرّم إلى صفر.
والثاني: أنه داء من الأدواء يصيب بطن الإنسان
(1)
.
* وأما قوله: "من كذب عليَّ متعمدًا فليتبوَّأ مقعدَه من النار" فمتواتر لفظًا ومعنى، لكنه متواتر عند الخاصّة، وهم أهل العلم بالحديث، كما تواتر عندهم سجود السهو، وفرائض الصلوات ونُصُبُها، ونحو ذلك.
بخلاف الصلوات الخمس وعدد ركعاتها، وتعيُّن البيت المحجوج إليه، والشهر المفروض صومه، ونحو ذلك= فإنّ هذا من التواتر العام. كما تواتر أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كان بمكة، وهاجر إلى المدينة، ومات بها، ونحو ذلك.
* فصل
(2)
: والقرآن الذي بين لوحي المصحف متواتر، فإنّ هذه المصاحف المكتوبة اتفق عليها الصحابة، ونقلوها قرآنًا عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهي متواترة من عهد الصحابة، فعُلِم
(3)
علمًا ضروريًّا أنها ما غُيِّرت.
(1)
ذكر مسلم بعد روايته للحديث تفسير الصَّفَر عن ابن جريج قال: "وسمعت أبا الزبير يذكر أن جابرًا فسَّر لهم قوله: "ولا صَفَر". فقال أبو الزبير: الصفر: البَطْن. فقيل لجابر: كيف؟ قال: كان يقال: دوابّ البَطْن. قال: ولم يفسِّر الغول. قال أبو الزّبير: هذه الغول التى تغوّل". وانظر "فتح الباري": (10/ 171).
(2)
هذا الفصل في "الفتاوى": (12/ 569 - 570).
(3)
(ف): "نعلم".
والقراءة المعروفة عن السلف الموافِقة للمصحف تجوز القراءةُ بها بلا نزاع بين الأئمة، ولا فرق عند الأئمة بين قراءة أبي جعفر ويعقوب وخَلَف، وبين قراءة حمزة والكِسائي وأبي عَمْرو و [ابن أبي]
(1)
نعيم.
ولم يقل أحد من سلف الأمة وأئمتها: إن القراءة مختصَّة بالقرَّاء السبعة، فإن هؤلاء إنما جمع قراءاتِهم أبو بكر بن مجاهد
(2)
بعد ثلاثمئة سنة من الهجرة، واتّبعه الناسُ على ذلك، وقَصَد أن ينتخب قراءة سبعة من قرَّاء الأمصار. ولم يقل هو ولا أحدٌ من الأئمة: إنَّ ما خرج عن هذه السبعة فهو باطل، ولا إن قولَ النبيّ صلى الله عليه وسلم:"أُنْزِل القرآنُ على سبعة أحرف"
(3)
أُريد به قراءة هؤلاء السبعة. ولكن هذه السبعة اشتهرت في أمصار لا يعرفون غيرَها كأرض المغرب، فأولئك لا يقرؤون بغيرها لعدم معرفتهم باشتهار غيرها
(4)
.
(1)
الأصل و (ف): "ونعيم" والصواب ما أثبت. وهو: نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم الليثي المدني المقرئ (ت 169) أحد القراء السبعة.
(2)
هو: أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد أبو بكر البغدادي، صاحب كتاب "السبعة". (ت 324). ترجمته في "معرفة القراء":(1/ 333 - 337)، و"غاية النهاية":(1/ 139 - 142).
(3)
أخرجه البخاري (2419)، ومسلم (818) من حديث عمر رضي الله عنه. وهو معدود في الأحاديث المتواترة، انظر "قطف الأزهار":(ص 163).
(4)
حتى قال ابن الجزري في "منجد المقرئين"(ص 99): "بلغنا عنهم (أي بلاد المغرب والأندلس) أنهم يقرؤون بالسبع من طرق الرواة الأربعة عشر فقط، وربما يقرؤون ليعقوب الحضرمي، فلو رحل إليهم أحد من بلادنا لأسدى إليهم معروفًا عظيمًا".
فأما من اشتهرت عندهم هذه كما اشتهر غيرها، مثل
(1)
أرض العراق وغيرها، فلهم أن يقرؤوا بهذا وهذا
(2)
.
* والقراءةُ الشاذَّةُ، مثل ما خرج عن مصحف عثمان، كقراءة من قرأ (الحيّ القيَّام) [البقرة: 255]، و (صراط مَنْ أنعمتَ عليهم) [الفاتحة: 7]، و (إن كانت إلا زَقْيَةً واحدة) [يس: 29]، (والليل إذا يغشى * والنهار إذا تجلى * والذكر والأنثى) [الليل: 1 - 3]، وأمثال ذلك= فهذه إذا قُرِئ بها في الصلاة ففيها قولان مشهوران للعلماء، هما روايتان عن الإمام أحمد
(3)
:
أحدهما: تصحّ الصلاة بها؛ لأن الصحابة الذين قرؤوا بها كانوا يقرؤونها في الصلاة ولا يُنكر
(4)
عليهم.
والثاني: لا؛ لأنها لم تتواتر إلينا. وعلى هذا القول، فهل يقال: إنها كانت قرآنًا فنُسِخ، ولم يَعرِف الذي قرأ بها الناسخَ. أو لم تُنسَخ ولكن كانت القراءة بها جائزة لمن ثبتت عنده دون من لم تثبت، أو لغير ذلك؟
(1)
الأصل: "غيره من" والمثبت من (ف).
(2)
انظر "مجموع الفتاوى": (13/ 389 - 403)، و"منجد المقرئين":(ص 92 - 99، 108 - 110، 213 - 222 - بتحقيقي) لابن الجزري.
(3)
انظر "المغني": (2/ 166)، و"الإنصاف":(2/ 43). وذكر في الأخير أن القول بصحة الصلاة اختيار شيخ الإسلام، وقال: إنه أنصّ الروايتين.
(4)
كتبت في الأصل: "ينكرو" ثم ضرب على الواو فيما ظهر لي.
هذا فيه نزاع مبسوط في غير هذا الموضع.
* وأما من قرأ بقراءة أبي جعفر ويعقوب ونحوهما، فلا تبطل الصلاة بها باتفاق الأئمة، ولكن بعضُ المتأخِّرين من المغاربة ذكر في ذلك كلامًا وافقه عليه بعضُ من لم يعرف أصل هذه المسألة.
* فصل
(1)
: وأما حَلِف كلِّ واحد أن أفضل المذاهب مذهب فلان، فهذا إن كان كلٌّ منهم يعتقد أن الأمر كما حلف عليه؛ ففيها قولان، أظهرهما: لا يحنث واحدٌ منهم، والثاني: يحنثون إلا واحدًا منهم، فإنَّ حنثه مشكوك فيه، لجواز أن يكون صادقًا، ولجواز كونهم سواء فيحنثون كلهم.
وإذا حَنِثوا إلا واحدًا منهم وقد وقع الشكُّ في عينه؛ فهل هو كما لو قال أحدُ الرجلين
(2)
: إن كان غرابًا فزوجته طالق، وقال الآخر: إنْ لم يكن غرابًا فزوجته طالق، وهذه فيها قولان في مذهب أحمد وغيره
(3)
:
أحدهما: لا يقع بواحد منهما طلاق، وهو مذهب الشافعي وغيره، لكن يكفّ كلٌّ منهما عن وطء زوجته، قيل: حتمًا، وقيل: ردعًا.
(1)
وهو في "مجموع الفتاوى": (20/ 205 - 206).
(2)
(ف): "فهي كما لو قال أحد الزوجين" خطأ.
(3)
انظر "المغني": (10/ 518)، و"الإنصاف":(9/ 106 - 107). وذكر أن اختيار شيخ الإسلام وقوع الطلاق. و"روضة الطالبين": (8/ 100).
والقول الثاني: أنه يقع بأحدهما، كما لو كان الحالف واحدًا وأوقعه بإحدى زوجتيه، وعلى هذا فهل تخرج المطلّقة بالقُرْعة، أو يقف الأمر؟ على قولين أيضًا في مذهب أحمد، والوقف قول الشافعي. والصحيح: أن من حلف على شيء يعتقده كما
(1)
حلف عليه فتبيَّن بخلافه؛ فلا طلاق عليه.
وأما مالك فإنه يُحنِّث الجميع ولو تبين صدق الحالف، بناء على أصله فيمن حلف على ما لا يعلم صحته
(2)
، كما لو حلف أنه يدخل الجنة. والنزاع فيها كالنزاع في أصل تلك المسألة.
وجمهور العلماء لا يوقعون الطلاق لأجل الشكّ، ومالك يوقعه لعدم علم الحالف بما حلف عليه، فهذه كما لو حلف واحد على ما لا يعلمه ولم يناقضه غيره، مثل أن يحلف أن مذهب فلان أفضل، وهو غير عالم بذلك.
* فصل
(3)
: وأما الرؤية؛ فالذي ثبت في "الصحيح"
(4)
عن ابن عباس أنه قال: رأى محمدٌ ربَّه بفؤاده مرتين. وعائشة أنكرت الرؤية
(5)
،
(1)
(ف): زيادة "لو" وهي تفسد المعنى.
(2)
انظر: "تهذيب المدونة": (2/ 360).
(3)
وهو في "مجموع الفتاوى": (6/ 509 - 511).
(4)
أخرجه مسلم (175/ 285).
(5)
أخرجه البخاري (4855)، ومسلم (177).
فمن الناس من جمع بينهما فقال: عائشة أنكرت رؤية العين، وابن عباس أثبت رؤية الفؤاد. والألفاظ الثابتة عن ابن عباس هي مُطْلقة أو مقيَّدة بالفؤاد، تارة يقول: رأى محمد ربَّه، وتارة يقول: رأى محمد. ولم يثبت عن ابن عباس لفظ صريح بأنه رآه بعينه.
وكذلك الإمام أحمد تارة يطلق الرؤية، وتارة يقول: رآه بفؤاده، ولم يقل أحدٌ إنه سمع أحمد يقول: رآه بعينه، لكن طائفة من أصحابه سمعوا بعضَ كلامه المطلق ففهموا منه رؤية العين، كما سمع بعضُ الناس مطلق كلام ابن عباس ففهم منه رؤية العين.
وليس في الأدلة ما يقتضي أنه رآه بعينه، ولا ثبت ذلك عن أحد من الصحابة، ولا في الكتاب والسنة ما يدلُّ على ذلك، بل النصوص الصحيحة على نفيه أدلُّ، كما في "صحيح مسلم"
(1)
عن أبي ذر قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل رأيتَ ربَّك؟ فقال: "نورٌ أنَّى أراه".
وقد قال تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الإسراء: 1]. ولو كان قد أراه نفسَه بعينِه لكان ذِكْر ذلك أولى.
(1)
(178).
وكذلك قوله: {أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى} [النجم: 12]، {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} ولو كان رآه بعينه لكان ذِكْر ذلك أولى.
وفي "الصحيحين"
(1)
عن ابن عباس في قوله: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ} [الإسراء: 60] قال: هي رُؤيا عينٍ أُرِيَها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ليلة أُسريَ به.
وهذه رؤيا الآيات؛ لأنه أخبر الناسَ بما رآه بعينه ليلة المعراج، فكان ذلك فتنة لهم حيث صدَّقه قومٌ وكذَّبه قوم، ولم يخبرهم بأنه رأى ربَّه بعينه، وليس في شيء من أحاديث المعراج الثابتة ذِكْر ذلك، ولو كان قد وقع ذلك لذَكَره كما ذَكَر ما هو دونه.
وقد ثبت بالنصوص الصحيحة واتفاق سلف الأمة: أنه لا يرى الله أحدٌ في الدنيا بعينه
(2)
، إلا ما نازع فيه بعضُهم من رؤية نبينا صلى الله عليه وسلم خاصة. واتفقوا على أنَّ المؤمنين يرون الله يوم القيامة عيانًا كما يرون الشمس والقمر.
* واللعنة تجوز مطلقًا لمن لعنه الله ورسوله، وأما لعنة المُعَيَّن فإن
(1)
كذا في الأصل و (ف) ولم أجده إلا في البخاري (3888). وعزاه المصنف للصحيح في "جامع المسائل": (1/ 213).
(2)
"بعينه" كانت في الأصل مقدمة على "في الدنيا"، وعليها علامة (مـ) إشارة إلى تقديمها. وانظر ما سيأتي (ص 312) في الدليل على ذلك، ونقل الإجماع.
عُلِم أنه مات كافرًا، جازت لعنته.
وأما الفاسق المعيَّن فلا تنبغي لعنته؛ لنَهْي النبيّ صلى الله عليه وسلم أن يُلْعن عبدُ الله حمارٌ الذي كان يشرب الخمر
(1)
، مع أنه قد لعن شارب الخمر عمومًا. مع أن في لعنة المعيَّن إذا كان فاسقًا أو داعيًا إلى بدعة نزاعًا
(2)
. وهذه المسألة قد بُسِط الكلامُ عليها في غير هذا الموضع
(3)
، ولكن هذا ما وسعته الورقة، والله أعلم.
(1)
أخرجه البخاري (6780) من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
(2)
الأصل: "نزاع".
(3)
انظر "منهاج السنة": (4/ 344 ــ 347) و"مجموع الفتاوى": (3/ 412).