الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلى الرُّسْغ، وهذه الزيادة سَرَف. وأيضًا فالمقاتل لا يتمكّن من القتال بذلك.
وبعضُ الناس يقول: إنما اتخذها بعض المنتمين إلى العلم لأجل حَمْل الكتب فيها، وما يروى عن بعض الأئمة أنّ أحد كمّيه كان واسعًا، والآخر ضيقًا فهو كذب
(1)
.
وكذلك إطالة الذُّؤابة كثيرًا، فهو من الإسبال المنهيّ عنه.
واعتياد
لبس الطيالسة
(2)
على العمائم
لا أصل له في السنة، ولم يكن من فِعْل النبيّ صلى الله عليه وسلم والصحابة. بل قد ثبت في "صحيح مسلم"
(3)
عن النوَّاس بن سَمعان عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في حديث الدّجّال أنه يخرج معه سبعون ألف مُطَيلس من يهود أصبهان.
وكذلك جاء في غير هذا الحديث أنَّ الطيالسة من شعار اليهود
(4)
،
(1)
جاء ذلك في تراجم بعض العلماء كأبي داود صاحب "السنن" كما في "السير"(13/ 217)، فينظر في ثبوته.
(2)
جمع طيلسان ــ فارسي معرّب ــ وهو: ضرب من الأوشحة يُلبس على الكتف أو يحيط بالبدن خال من التفصيل والخياطة. "المعجم الوسيط": (2/ 561).
(3)
(2944).
(4)
أخرج البخاري (4208) عن أبي عمران الجوني قال: نظر أنسٌ إلى الناس يوم الجمعة فرأى طيالسة فقال: كأنهم الساعة يهود خيبر. وانظر "فتح الباري": (10/ 274 ــ 275).
ولهذا كره من كره لبسها، لما رواه أبو داود وغيره عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال:"من تشبَّه بقومٍ فهو منهم"
(1)
.
وفي الترمذي
(2)
أنه قال: "ليس منَّا من تشبَّه بغيرنا".
وأما التقنُّع الذي جاء ذِكره في حديث الهجرة: أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم جاء [ق 62] إلى أبي بكر متقنِّعًا بالهاجرة
(3)
؛ فذاك فَعَله النبيّ صلى الله عليه وسلم تلك الساعة ليختفي بذلك، فَفَعَله [إذن]
(4)
للحاجة، ولم تكن عادته التقنُّع.
وليس التقنُّع هو التطيلس، بل التقنُّع لغير حاجة يُنهى عنه الرِّجال؛ لأنّه تشبّه بالنّساء، وقد ثبت في الصّحاح عن النبيّ صلى الله عليه وسلم من غير وجهٍ: أنه لعن الرّجال المتشبّهين بالنّساء، ولعن النّساء المتشبِّهات بالرّجال
(5)
.
فصل
وأما الحِلْية بالذّهب والفضّة ولبس الحرير، ففي "الصحيحين"
(6)
عن حُذيفة بن اليمان أنَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "لا تشربوا في آنية الذّهب والفضّة ولا تأكلوا في صِحافها، فإنّها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة".
(1)
تقدم تخريجه (ص 130).
(2)
(2696).
(3)
أخرجه البخاري (3906).
(4)
لحق لم يظهر، ولعله ما أثبت.
(5)
أخرجه البخاري (5775) وغيره من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(6)
البخاري (5426)، ومسلم (2067).
وفي "الصحيحين"
(1)
عن أمّ سلمة زوج النبيّ صلى الله عليه وسلم قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الذي يشرب في إناء الفضّة
(2)
إنما يُجَرْجِر في بطنه نار جهنّم".
وفي "الصحيحين"
(3)
عن البراء بن عازب قال: "أمَرَنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبعٍ، ونهانا عن سبعٍ، أمرنا بعيادة المريض، واتباع الجنازة، وتشميت العاطس، وإبرار القسم أو المقسم، ونصر المظلوم، وإجابة الداعي، وإفشاء السلام. ونهانا عن خواتيم أو تختّم بالذهب، وعن شُرْب بالفضة، وعن المياثر، وعن القَسّي، وعن لُبْس الحرير والاستبرق والدّيباج".
وفي "الصحيحين"
(4)
عن عمر بن الخطّاب قال: سمعت النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تلبسوا الحرير، فإنّه مَن يلبَسْه في الدنيا لم يلبَسْه في الآخرة".
وعن حذيفة بن اليمان قال: "نهانا النبيّ صلى الله عليه وسلم أنّ نشرب في آنية الذّهب والفضّة، وأن نأكل فيها، وعن لبس الحرير والدّيباج، وأن نجلس عليه". رواه البخاري
(5)
.
(1)
البخاري (5634)، ومسلم (2065).
(2)
كتب: "الذهب" ثم ضرب عليها. وبقيت واو العطف قبل (الفضة) نسي أن يضرب عليها.
(3)
البخاري (1239)، ومسلم (2066).
(4)
البخاري (5834)، ومسلم (2069).
(5)
(5837).
وعن عليّ ــ عليه السلام
(1)
ــ قال: "نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن جلوسٍ على المياثر، والمياثر شيءٌ كانت تجعله النساء لبعولتهنّ على الرّحْل كالقطائف الأرجوان". رواه مسلم
(2)
.
وعن عليّ بن أبي طالب أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ حريرًا فجعله في يمينه، وأخذ ذهبًا فجعله في شماله ثم قال:"إنّ هذين حرام على ذكور أمتي "
(3)
. رواه أبو داود والنسائي وغيرهما.
وعن أبي موسى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أُحِلّ الذّهب والحرير لإناث أمّتي وحُرّم على ذكورها"
(4)
. رواه النسائي والترمذي وقال:
(1)
كذا في الأصل، ولعله من الناسخ؛ قال الحافظ ابنُ كثير في "تفسيره":(6/ 2858): "وقد غلب هذا (يعني استعمال عليه السلام، وكَرَّم الله وجهه) في عبارة كثير من النُّسّاخ للكتب، أن يُفْرَد علي رضي الله عنه بأن يقال: "عليه السلام" من دون سائر الصحابة، أو "كرم الله وجهه"، وهذا وإن كان معناه صحيحًا، لكن ينبغي أن يُساوى بين الصحابة في ذلك، فإن هذا من باب التعظيم والتكريم، فالشيخان وأمير المؤمنين عثمان أولى بذلك منه، رضي الله عنهم أجمعين" اهـ.
(2)
(2078).
(3)
أخرجه أبو داود (4057)، والنسائي (5144)، وابن ماجه (3595)، وأحمد (750، 935)، وغيرهم. قال ابن المديني: حديث حسن رجاله معروفون. نقله عبد الحق في أحكامه. وقال ابن دقيق العيد: مختلف في إسناده. وله شواهد كثيرة. انظر "البدر المنير": (1/ 640 ــ 650).
(4)
النسائي (5148)، والترمذي (1720). وأخرجه أحمد (19502)، والطيالسي (508) وغيرهم. وانظر الموضع السالف من "البدر المنير".
حديث حسن صحيح.
وقد ثبت في "الصحيح"
(1)
عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه نهى عن الحرير إلا موضع إصبعين أو ثلاث أو أربع.
فلهذا رخَّص العلماء في مقدار أربع أصابع مضمومة، كالسّجاف ولبنة الجيب والأزرار والخيوط ونحوهما.
وثبت ــ أيضًا ــ في "الصحيح"
(2)
أنه أرخص للزّبير بن العوَّام وعبد الرحمن بن عوف لبس الحرير من حكَّة كانت بهما. [ق 63] فلهذا رخصوا في أصحّ القولين لبسه للحاجة كالتداوي به ونحو ذلك، وثبت عن جماعة من الصحابة.
وروي مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم الرخصة في لبس الخَزّ، وهو صوف ينسج بالحرير. فلهذا قال العلماء: إذا نُسِج مع الحرير غيره، وكان ذلك الغير أظهر وأكثر جاز، وإن كان الحرير أقل وأظهر ففيه نزاع بين العلماء.
وتنازع العلماء في لبس الحرير حين القتال، ومن رخَّص به احتج بأن عمر بن الخطاب أذن في ذلك. قالوا: ولأنه في حال الحرب يُحبّ الله الاختيال. كما في "سنن أبي داود"
(3)
عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال: "إنّ من
(1)
مسلم (2069).
(2)
البخاري (2919)، ومسلم (2076).
(3)
(2659) من حديث جابر بن عتيك رضي الله عنه. وأخرجه النسائي (2558)، وأحمد (23747)، وابن حبان (295)، والحاكم:(1/ 578) وصححه. وفيه عبد الرحمن بن جابر بن عتيك وهو مستور.
الخُيلاء ما يحبها الله، ومن الخُيَلاء ما يبغضها الله، فأما الخيلاء التي يحبها الله، فاختيال الرجل نفسه في الحرب والصدقة. وأما الخُيلاء التي يبغضها الله، فالخيلاء في الفخر والبغي".
واختال أبو دُجانة يوم أحدٍ بين الصَّفّين، قال النبيّ صلى الله عليه وسلم:"إنها لَمِشْية يبغضها الله إلا في هذا المقام"
(1)
.
وأما الحلية؛ فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه اتخذ خاتمًا من فضة
(2)
. وعن عرفجة بن أسعد أنه قُطِعَ أنفه يوم الكُلاب، فاتخذ أنفًا من وَرِق فأنتن عليه، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتخذ أنفًا من ذهب
(3)
.
وعن أنس بن مالك قال: كانت قبيعة
(4)
سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم فضّة
(5)
. رواهما أبو داود والنسائي والترمذي، وقال عن كلّ منهما:
(1)
أخرجه الطبراني في "الكبير": (7/ 104). قال الهيثمي في "المجمع": (6/ 112): "فيه مَن لم أعرفهم".
(2)
أخرجه البخاري (65)، ومسلم (2092) من حديث أنسٍ رضي الله عنه، وأخرجاه أيضًا من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(3)
أخرجه أحمد (19006)، وأبو داود (4233)، والترمذي (1770)، والنسائي (5161)، وابن حبان (5462) وغيرهم. قال الترمذي:"حديث حسن (غريب) إنما نعرفه من حديث عبد الرحمن بن طَرَفه". وصححه ابن حبان، وضعَّفه ابن القطان. انظر "البدر المنير":(5/ 570 ــ 573).
(4)
رسمها: "قميعة".
(5)
أخرجه أبو داود (2583)، والترمذي (1691)، والنسائي (5374) وغيرهم من حديث قتادة عن أنس به. قال الترمذي:"حديث حسن غريب". وخطّأ جمع من الحفاظ هذا الطريق، وأن الصواب عن قتادة عن سعيد بن أبي الحسن مرسلًا. انظر "البدر المنير":(1/ 635 ــ 640).
"حديث حسن".
وفي "السنن" ــ أيضًا ــ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: "أنه نهى عن الذّهب إلا مُقطَّعًا"
(1)
.
وعن أنس بن مالك: أن قَدَح رسول الله صلى الله عليه وسلم انكسر فاتخذ مكان الشّعب سلسلة من فضة. رواه البخاري هكذا
(2)
.
ثم رواه
(3)
عن عاصم قال: رأيتُ قدح النبيّ صلى الله عليه وسلم عند أنس بن مالك، وكان قد انصدع فسَلْسَله بفضة، فقيل: إنّ الذي سلسله أنس بن مالك.
فلهذه الآثار قال العلماء: يباح من الذّهب ما تدعو إليه الضرورة، كاتخاذ أنفٍ منه، ويباح خاتم الفضة، وتباح حلية السيف بفضة.
وأما حلية المِنْطقة بفضة والخُوذة والجوشن والخُودة
(4)
والرّان ونحو ذلك من لباس الحرب، ففيه قولان للعلماء بخلاف لباس الخيل
(1)
أبو داود (4239)، والنسائي (5149)، وأحمد (16844) من حديث معاوية رضي الله عنه. وله شاهد من حديث ابن عمر. انظر "السلسلة الضعيفة"(4722).
(2)
(3109).
(3)
أي البخاري (5638).
(4)
كذا تكرر ذكرها في الأصل. و"الرّان" كالخفّ إلا أنه لا قَدَم له، وهو أطول من الخف "القاموس".
كالسرج واللجام.
وكذلك تنازعوا في حلية الذهب، فقيل: لا يباح منه شيء، وقيل: يباح يسير الذهب مطلقًا، وقيل: يباح في السلاح، وقيل: في السيف خاصة. وهذه الأقوال الأربعة في مذهب أحمد وغيره.
وفي الترمذي
(1)
حديث غريب عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه كان في سيفه ذهب وفضة.
وكذلك عثمان
(2)
بن حنيف أحد أجلَّاء الصحابة كان في سيفه مسمار [ق 64] من ذهب
(3)
.
ونَهْيُ النبي صلى الله عليه وسلم عن الذَّهب إلا مُقَطَّعًا يدلّ على جواز ذلك، فلذلك جَوَّزه كثير من العلماء كأحمد في الأرجح عنه وغيره. والله سبحانه أعلم
(4)
.
(1)
(1683).
(2)
كذا في الأصل، والذي في "المصنف":"سهل".
(3)
أخرجه ابن أبي شيبة (25691).
(4)
جاء في آخرها: "تمت بحمد الله وعونه ومنّه وكرمه، والحمد لله وحده، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم"، ثم كتب على الهامش:"قوبل فصح".