الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[مسألة في الداء والدواء]
(1)
الحمد لله
(2)
.
سئل شيخ الإسلام رضي الله عنه وأثابه الجنة
(3)
: ما دواء من تحكَّم فيه الداء، وما الاحتيال فيمن تسلَّط عليه الخَبَال، وما العمل فيمن غلب عليه الكسل، وما الطريق إلى التوفيق، وما الحيلة فيمن سطت عليه الحيرة؟ إن قَصَد التوجُّه إلى الله مَنَعَه هواه، وإن رام الادِّكار غلب عليه الافتكار، وإن أراد يشتغل لم يطاوعه الفشل
(4)
.
غلب الهوى فتراه في أوقاته
…
حيران صاحي بل هو السكران
(5)
إن رام قربًا للحبيب تفرَّقت
…
أسبابُه وتواصل الهجران
هجر الأقارب والمعارف عَلَّه
…
يجد الغنى وعلى الغناء يُعان
ما ازداد إلا حيرةً وتوانيًا
…
أكذا بِهِم
(6)
مَنْ يستجير يُهان
(1)
العنوان للتوضيح. وهذه المسألة في "مجموع الفتاوى": (10/ 136 - 137) لكنها ناقصة، تبدأ من قوله:"مثل آخر الليل .. " وسقط منها نص السؤال برمته وبعض الجواب.
(2)
(ب) زيادة: رب العالمين.
(3)
(ب): "أبو العباس ابن تيمية رحمة الله عليه" و (ج) بدون الاسم.
(4)
(ب): "الكسل" وبعده: "وقيل في معناه".
(5)
هذا البيت ليس في (ب).
(6)
(أ، ج): "الذي"، و (ب):"أكرا بهم".
فأجاب رضي الله عنه:
دواؤه الالتجاء إلى الله تعالى، ودوام التضرُّع إلى الله سبحانه
(1)
، والدعاء بأن
(2)
يتعلم الأدعية المأثورة، ويتوخَّى الدعاء في مظان
(3)
الإجابة؛ مثل آخر الليل، وأوقات الأذان والإقامة، وفي سجوده
(4)
، وفى أدبار الصلوات.
ويضم إلى ذلك الاستغفار؛ فإنه من استغفر الله ثم تاب إليه [97] متَّعه متاعًا حسنًا إلى أجلٍ مسمّى.
وليتخذ وِرْدًا من الأذكار طَرَفَي النهار ووقت النوم، وليصبر على ما يعرض له من الموانع والصوارف، فإنه لا يلبث أن يؤيّده الله بروح منه، ويكتب الإيمان في قلبه. وليحرص على إكمال الفرائض من الصلوات الخمس بباطنه وظاهره، فإنها عمود الدين. ولتكن هِجِّيراه
(5)
: "لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(6)
"، فإنه بها يُحْمَل الأثقال، ويُكابد
(1)
"إلى الله سبحانه" من (ب).
(2)
(ب): "وأن".
(3)
العبارة في (ب): "ويترجى
…
مظنات".
(4)
"في سجوده" ليست في (ب).
(5)
(ب)"مجيراه" تحريف.
(6)
"العلي العظيم" ليست في (ب)
الأهوال، وينال رفيع الأحوال
(1)
.
ولا يسأم من الدعاء والطلب، فإن العبد يُستجاب له ما لم يَعجَل فيقول: قد دعوتُ فلم يستجَبْ لي. وليعلم أن النصرَ مع الصبر، وأنَّ الفَرَج مع الكرب، وأن مع العُسر يسرًا، ولم ينل أحدٌ شيئًا من جسيم
(2)
الخير ــ نبيٌّ فمَن دونه ــ إلا بالصبر.
والحمد لله رب العالمين
(3)
.
(1)
"وينال رفيع الدرجات" ليست في (ب).
(2)
(أ، ب): "ختم" والمثبت من (ب).
(3)
خاتمة (ب): "والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأزكى تحياته، والحمد لله وحده، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم".
رسالة في الكلام في الحلَاّج
تكلم في الحلاج وأمثاله شيخُ الإسلام ــ بحرُ
(1)
العلوم، بقية السلف الكرام، آخر المجتهدين وقدوة المتأخرين، تاج العارفين ولسان المتكلمين، تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيمية الحراني رحمه الله ورضي عنه وأثابه الجنة بفضل رحمته وإيانا أجمعين إنه على كل شيء قدير، وحسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة [111] إلا بالله العزيز الحكيم ــ[و] على الفِرَق من الطوائف المختلفة كلامًا طويلاً، ثم قال في أثناء كلامه ــ والسياق أصله في الحلاج ــ:
فصل
وأما حكم الله في حقّ هذا المعيَّن، فلا ريب أن الأقوال التي ذُكِر أنه قُتل عليها؛ من الاتحاد، ودعوى الإلهية كفرٌ باتفاق المسلمين. فمن اعتقد في نفسه ما يعتقد النصارى في المسيح، فهو كافر بالله باطنًا وظاهرًا، ولو كان أعْبَد الناس وأزْهَد الناس؛ فإن أنواع العبادات والزهادات، وأنواع الرياضات والمجاهدات لا تُقبل إلا مع الإيمان بالله ورسوله.
وقد علم بالاضطرار من دين الإسلام أن اليهود والنصارى كفّار وإن كانوا من أعبد الناس. وأنَّ رهبان النصارى لا يقبل الله عباداتهم وزهاداتهم؛ لأنهم خارجون عن دين الإسلام، مع أن معهم من العبادات والزهد ما هو أبلغ.
(1)
الأصل: "تكلم شيخ الإسلام في الحلَّاج وأمثاله بحر العلوم .. " فأصلحتها ليزول اللبس.
وكذلك المشركون في عبادة الأصنام؛ كعبّاد
(1)
الهند الذين يعبدون الأبداد
(2)
وغيرهم كفار بإجماع المسلمين وإن كانوا عُبَّادًا زهَّادًا.
وقد قال الله تعالى: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104) أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} [الكهف: 103 - 105].
وقد سُئل
(3)
عن هؤلاء سعد بن أبي وقاص فقال: هم أهل الصوامع والزيارات. وسئل عنهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال: هم أهل حروراء. يعني الخوارج
(4)
.
وقد ثبت في "الصحيح"
(5)
في الخوارج: "يحقر أحدُكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، وقراءته مع قراءتهم، يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرميَّة، أينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجرًا عند الله لمن قتلهم يوم القيامة".
وهؤلاء قاتلهم أميرُ المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه بأمر
(1)
الأصل: "كعبادة".
(2)
الأصل: "الأنداد" والصواب ما أثبت. وانظر "الاقتضاء": (2/ 159، 167). وهو جمع (بُدّ) وهو الصنم. "القاموس"(بدد).
(3)
الأصل: "قال" ولعلها ما أثبت.
(4)
انظر الآثار في "تفسير الطبري": (15/ 425 ــ 427).
(5)
تقدم.
النبي صلى الله عليه وسلم، وقتلهم مع كثرة صلاتهم وصيامهم وقراءتهم، فإذا كان هؤلاء يخرجونهم عن السنة والجماعة، فكيف بمن خرج عن أهل الدين بما ينافي التوحيد والرسالة، ودخل فيما عليه النصارى ونحوهم من الضلالة؟
ولو كان لمثل
(1)
هذا من خوارق العادات ماذا عسى أن يكون، فإنه [إن] لم يلتزم طاعة الله ورسوله باطنًا وظاهرًا فإنه ضالٌّ مفتون. وقد اتفق أهل طريق الله على أن خوارق العادات مع الخروج عن الكتاب والسنة
(2)
لا تغني عن صاحبها شيئًا، وأنَّ الرجل لو طار في الهواء [112] أو مشى على الماء، فلا تغتر به حتى تنظر وقوفه عند الأمر والنهي.
وقد ثبت في "الصحيح"
(3)
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا قعد أحدكم في التشهد فليستعذ بالله من أربع: من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال".
والدجال يدَّعي أنه الله ويقول للسماء: أمطري فتمطر، وللأرض أنبتي فتنبت، وللخِرْبة أخرجي كنوزك فيخرج معه كنوز الذهب والفضة، ويقتل الميت ثم يعيش. ومع هذا كله فهو كافر بالله العظيم. فمن اتبع أحدًا في ضلالة لأجل ما يظهر عنه من خارق؛ فقد أصابته فتنة الدجال.
(1)
الأصل: "كمثل" والصواب ما أثبت.
(2)
العبارة في الأصل: "والسنة فإنه ضال مفتون لا تغني
…
" وما تحته خط مقحم، وبحذفه يستقيم السياق.
(3)
أخرجه مسلم (589) من حديث عائشة رضي الله عنها.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لابن صياد: "إني قد خَبَأتُ لك خبيئًا" فقال: الدُّخ، فقال: "اخسأ فلن تعدوَ قَدْرَك
(1)
"
(2)
أي: أنت كاهن. وهذه قاعدة مبسوطة في غير هذا الموضع.
وعامة هؤلاء الخارجين عن شريعة الإسلام؛ كالسهروردي المقتول الحلبي، وابن سبعين
(3)
وأمثالهم كانوا يتعاطون السيمياء التي هي من السحر، وحكاياتهم في ذلك مشهورة، وهي من أنواع التخييل. وكانوا فلاسفة يميلون إلى طريقة الحلَّاج وأمثاله. ولابن سبعين خِرْقَة مجهولة الرجال متصلة بالحلَّاج.
وقد استفاض مِن نَقْل العلماء ونصوصهم أنّ الحلَّاج كانت له مخاريق، فلا يجوز لأحدٍ أن يستدلّ بمخارقه على أنه ولي لله، وأنه قُتِل مظلومًا. فإن كثيرًا من الجُهَّال من يفعل هذا، ويبني عليه ثلاث مقدمات باطلة:
أحدها
(4)
: أنه كانت له كرامات.
والثانية: أن صاحب الكرامات التي هي خرق العادات وليّ لله.
والثالثة: وليّ الله لا يقول إلا حقًّا ولا يعمل إلا خيرًا. فهذه الثلاثة
(1)
تحرف النص في الأصل: "قد جنات لك حنيا .. فلن يعلو".
(2)
أخرجه البخاري (1354)، ومسلم (2930) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(3)
الأصل: "ابن سفين". تحريف.
(4)
كذا في الأصل.
باطلة في حقه وحق أمثاله.
أما الأولى، أنه
(1)
كانت له كرامات، فأكثر ما يُحكَى يكون كذبًا من باب الحيل والمخاريق، كما ذكر الناس
(2)
في أخبار الحلَّاج أنه كان صاحب مخاريق، فيكون ما يدعيه من خرق العادات كذبًا، وما كان منه صدقًا كان له من الأسباب، كالسحر والعين والأحوال الفاسدة، ما يخرجه عن أن يكون من جنس كرامات أولياء الله.
وبهذا يظهر فساد المقدمة الثانية، وهو أنه ليس كلّ من كان له خرق عادة يكون وليًّا لله، كالدجال وأمثاله.
وأما الثالثة، فليس من شرط وليّ الله أن يكون معصومًا، بل يجوز عليه الخطايا والذنوب، وكلّ واحدٍ يؤخذ من قوله ويُترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأولياء الله هم الذين ذكرهم الله تعالى في قوله تعالى: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس: 62 - 63]. والتقوى هي: أداء الواجبات وترك المحرَّمات، وقد يكون معها صغيرة بلا إصرار [113] وكبيرة مع توبة واستغفار.
(1)
الأصل: "وإن".
(2)
الأصل: "النّا"!
وإذا عُرِف ذلك، فمن اعتقد ذلك، أو قال قولًا يخالف دين الإسلام؛ من الاتحاد الذي قُتِل
(1)
عليه الحلَّاج وأمثاله، مثل قوله: إني أنا الله، ونحو ذلك، إن عاقلًا يعلم ما يقول، وإن كان مخالفًا لدين الإسلام= فلا ريبَ أنه كافر باطنًا وظاهرًا. وإن كان قد غُلِب على عقله لفساد مزاجه أو حالٍ ورد عليه، فجُعِل كالسكران وأوقعه في الفتن والاصطلام= فهذا ارتفع عقله بسبب يُعْذَر فيه [و] لم يكن مأثومًا، فإنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال:"رُفِعَ القلم عن المجنون حتى يفيق"
(2)
.
فإذا كان زوال عقله لسماع القرآن ونحوه، كان معذورًا، كما يكون المُغْمى عليه بالمرض معذورًا.
وإن كان زوال عقله بسبب محظور، كالسماع المنهيّ عنه؛ كمن زال عقله بشُرْب محرَّم كالخمر والحشيش. وهذا إذا تكلم بالكفر في تلك الحال فهل يكفر؟ على قولين مشهورين للعلماء في السكران، لكن الأظهر أنه لا يكفر.
(1)
الأصل: "الاتخاذ الذي قتلى"!
(2)
أخرجه أحمد (24694)، وأبو داود (3998)، والنسائي (3432)، وابن ماجه (2041)، وابن حبان (142)، والحاكم:(2/ 59) وغيرهم من حديث عائشة رضي الله عنها. والحديث صححه ابن حبان، والحاكم على شرط مسلم. وله شواهد من حديث علي بن أبي طالب وأبي قتادة. انظر "نصب الراية":(4/ 162)، و"الإرواء"(297).
ثم منهم من فرَّق بين من يزول عقله بسبب يُشْتَهى كالخمر، وسبب لا يُشتهى كالبنج، وهذا قول أصحاب أبي حنيفة، وهو المنصوص عن أحمد، [ومنهم من لم يُفرِّق]
(1)
كالشافعي، وهو قول طائفة من أصحاب أحمد كأبي الخطاب. وبكلِّ حال فإذا صحا من سُكْره وتاب مما قال تاب الله عليه باتفاق العلماء.
فمن خرج في سُكْره إلى شطحٍ هو كفر، وكان زوال عقله بسبب يُعْذَر فيه فلا إثم عليه. وإن كان بسبب محظور ثم تاب تاب الله عليه. وأما من أصرَّ على ذلك في حال صحوه وحضور عقله، فهذا كافر زنديق باطنًا وظاهرًا، وهذا هو الذي ثبت في حال الحلَّاج وأمثاله. وقد عُلِم أنه قُتِل على الزندقة، فإذا تاب قبل أن يموت فيما بينه وبين الله [تاب الله عليه]
(2)
باتفاق المسلمين، وهذا مما يُشكّ فيه في حال الحلّاج، فإنه يمكن أن يكون قبل الموت تاب فيما بينه وبين الله، ويمكن أنه لم يتب، فإن تاب قَبِل الله توبته على صالح عمله.
وأيضًا فالزندقة ليست صفة لازمةً للعبد، فقد يكون في حال مؤمنًا وفي حال منافقًا، ففي حال نفاقه متكلم بالكفر وفي حال إيمانه يتوب منه. وهذا الحال يشبه حال أبي العلاء المعرِّي وأمثاله ممن ثبت عنه أنه
(1)
الأصل: "عن أحمد على قوله بأن الشافعي" وما أثبته يستقيم به السياق، وانظر "مجموع الفتاوى":(14/ 117 ــ 118).
(2)
زيادة يستقيم بها السياق.
تكلم بكلمات كفرية، مع تكلّمه بكلمات إيمانية تنافي ذلك.
والواحد من هؤلاء قد تكون عاقبته باعتبار أحوال إيمانه
(1)
، ومن ذمّه فباعتبار نفاقه واستصحابٍ لحال
(2)
نفاقه إلى الموت، وتفاصيل أحوالهم المعيَّنة إلى الله، لكن يجب الجزم بكفر الكلام المنقول عنهم الذي يخالف دين الإسلام من مقالات [114] أهل الاتحاد
(3)
ونحوها.
فإذا تبيَّن هذا فالذي لا ريب فيه أن الحلَّاج بدا منه من الأقوال ما هي محرَّمة في دين الإسلام، موجِبة للقتل باطنًا وظاهرًا، وأن الرجل لم يكن على الصراط المستقيم، ولا ملازمًا
(4)
لطريقة الكتاب والسنة، ولا هو ممن يجوز الاقتداء به ولا اتخاذه إمامًا، ولا يجوز التعصُّب له والانتصار له بدعوى ضد ذلك بكون
(5)
كان له عبادات وزهادات، فيمكن أنه تاب فيما بينه وبين الله مما هو كفر، فيكون قد مات على الإيمان وهو من أهل الكبائر، ويمكن أنه لم يتب من ذلك فيكون منافقًا، ويمكن أنه تاب من الكفر والبدعة والفسوق فمات تائبًا لا ذنب له، ويمكن أنه لم يتب من ذلك فيكون حكمه
(6)
حكم فساق أهل الملة إن
(1)
الأصل: "إيمانية" ولعل الصواب ما أثبت.
(2)
الأصل: "فاعتبار نفاقه واستصحا بالحال" ولعل الصواب ما أثبت.
(3)
الأصل: "الاتخاذ"! وستكرر كذلك.
(4)
غير واضحة في الأصل ولعلها ما أثبت.
(5)
الأصل: "لكن" والعبارة غير مستقيمة، فلعلها ما أثبت.
(6)
الأصل: "حكمهم".
شاء الله عذَّبه وإن شاء غفر له. ويمكن أنه بقي مصرًّا على خطأ هو ذنب أو خطأ هو مغفور.= فهذه كلها أقسام ممكنة
(1)
، والجزم بواحد منها بلا دليل قولٌ بغير علم، [و] هو كلام فيما لا يعنينا. فإن الذي يجب علينا أن نثبت
(2)
ما أثبته الكتاب والسنة وننكر ما أنكره الكتاب والسنة، وهذا يظهر بذكر الحكم فيما يُنْقل عنه من الأقوال نظمًا ونثرًا.
فنقول: إنه قد نُقِل عن الحلَّاج من المقالات أنواع كثيرة لا ريب أن كثيرًا منها كذب عليه، فإنه قد صار له شهرة، فمن الناس من قد يبالغ في ذمه حتى يَنْقل عنه ما لم يقله، ومن الناس من يريد ينفق المقالات الباطلة فيحكيها عنه ليقبلها من يحسن الظن.
وهذا قد فُعِل بغير الحلَّاج من علماء الدين وأئمة الهدى، نُقِل عنهم من الكلمات المكذوبة أنواع، تارةً بغرض
(3)
الذمّ وتارة بغرض المدح، وتارة بغرض القبول لقول سيَّد
(4)
ولد آدم رسول الله صلى الله عليه وسلم! وكذلك نُقِل عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه من الأكاذيب ما الله به عليم، وعن جعفر بن محمد الصادق، وغير هؤلاء من أئمة الهدى.
وينقل عن يزيد والحجاج وأمثالهما من الأكاذيب في الذمِّ ما لم
(1)
الأصل: "ممكن".
(2)
الأصل: "نفي بما".
(3)
الأصل في المواضع الثلاثة: "تعرض"، تحريف.
(4)
الأصل: "لقبول القول فسيد"، والصواب ما أثبت.
يقولوه ولم يفعلوه، وإن كان لهما ما لهما فما الشر ما يقع مثل هذا
(1)
.
وكذلك الحلَّاج نُقِل عنه نظمًا ونثرًا من مقالات الاتحاد ومقالات أهل الاتحاد ما
(2)
الله به عليم، وصار ذلك فتنةً لمن يظنه من أولياء الله المتقين، وعلوم الأسرار والحقائق
(3)
، بمنزلة ما نُقِل عن علي رضي الله عنه من هذه الأحاديث، وبمنزلة ما نُقِل عن أبي يزيد إما كذبًا عليه وإما غلطًا منه.
لكن إذا نُقِل عن رجل له قبول في الإسلام، كان الضلال به أكثر بخلاف [115] ما يُنقل عن الحلاج وأمثاله، فإن القائل قد قُتل على الزندقة، ومن قُتل على الزندقة سقطت حُرمة أقواله.
وينبغي أن يكون عند المسلم من هذا قاعدة عامة، وهو أن الرسول صلى الله عليه وسلم معصوم لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، لا يقول على الله إلا الحق، ولا يخرج من بين شفتيه إلا حق، وهو حجة الله على عباده. هذا قول مالك بن أنس الإمام رضي الله عنه: كلُّ
(4)
أحد يؤخذ من قوله ويُترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأنه ليس لأحدٍ من المشايخ والعلماء أو
(1)
كذا العبارة في الأصل.
(2)
الأصل: "وما".
(3)
كذا في الأصل. ولو كانت: "
…
أهل الاتحاد وعلوم الأسرار والحقائق ما الله به عليم" لاستقام السياق.
(4)
الأصل: "وكل".
الملوك أو الأمراء أو غيرهم طريق إلى الله غير اتباعه [ومن ظنَّ أن لأحدٍ من أولياء الله طريقًا إلى الله غير متابعة محمد صلى الله عليه وسلم باطنًا وظاهرًا فلم يتابعه]
(1)
فهو كافر.
ومن زعم أن من أولياء الله
(2)
من يخرج عن اتباعه وطاعته كما خرج الخضر عن اتباع موسى وطاعته فإنه كافر. فإن موسى لم يكن مبعوثًا إلى الخضر بل كان نبيًّا إلى بني إسرائيل، ومحمد صلى الله عليه وسلم رسول الله إلى جميع العالمين عربهم وعجمهم، وجنهم وإنسهم. مع أنَّ الذي فعله الخضر لم يكن خارجًا عن الشريعة، بل كان له أسباب إذا عَلِمها العبد تبيَّن له أنه جائز في الشريعة، ولهذا لما بيَّن الخضر
(3)
تلك الأسباب لموسى عَلِم موسى أن تلك الأفعال جائزة في الشريعة.
ومن زعم أن من [أهل] الصُّفَّة من خرج عن طاعة النبي صلى الله عليه وسلم أو قاتَلَه
(4)
أو سمع ما أُلقي إليه ليلة المعراج؛ فهو ضالٌّ مفترٍ.
ولا يكون العبدُ مؤمنًا حتى يكون كما قال الله تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ
(1)
ما بين المعكوفين ساقط من الأصل، وأثبته ليستقيم المعنى. "الفتاوى":(11/ 263).
(2)
الأصل: "اسر"!
(3)
الأصل: "لم يتبين للخضر". ولعل صواب العبارة ما أثبت.
(4)
الأصل: "قايله" خطأ. وانظر "الفتاوى": (11/ 47).
حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65].
وقد قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: 36] وقال تعالى: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} [النور: 51].
وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا} [النساء: 64]. وقال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [آل عمران: 31]. ومثل هذا في القرآن كثير في نحو أربعين موضعًا.
فالإسلام أصلان: شهادة أن لا إله إلا الله، وشهادة أن محمدًا رسول الله. وإذا أقرَّ بذلك فليعلم أن القرآن والسنن الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هي الحق وما خالفها باطل، فإنَّ هذا نقلٌ مصدَّق عن قائل معصوم، وما يخالف هذا من أقوال أو أفعال تُحكى عن بعض المشايخ أو العلماء وغيرهم فقد يكون الناقل غير مصدَّق، وإن كان الناقل صادقًا فالقائل غير معصوم في مخالفة الناقل المصدَّق عن القائل المعصوم.
فهذا القول يجب على المؤمن أن يعتصم به، ويَزِن جميع ما يَرِد عليه [116] على هذا الأصل. فما يجده من التنازع
(1)
في بعض المشايخ
(1)
الأصل: "فيما يحده من الشارع" تحريف.
والعلماء والملوك أو غيرهم في حمده وذمّه، فلا يخلو إما أن يكون المراد به معرفة حقيقة ذلك الرجل عند الله، فهذا لا حاجة بنا إلى معرفته، وقد لا يمكن معرفته. وإما أن يكون المراد حُكْم ما يُذْكَر عنه من أقوال وفعال. فهذا كله معروض على الكتاب والسنة، فما وافقه فهو الحق، وإن كان ذلك القائل فاسقًا أو زنديقًا، وما خالفه فهو الباطل وإن كان ذلك القائل صالحًا بل صدِّيقًا، كما كان معاذ بن جبل رضي الله عنه يقول في وصيته: "اقبلوا الحقَّ مِنْ كلّ مَن جاء به وإن كان كافرًا و
(1)
احذروا زيغة الحكيم" فقالوا: كيف نعرف أن الكافر يقول الحق؟ وأن الحكيم يزيغ؟
(2)
فقال: "إن على الحقّ نورًا"
(3)
. يريد: أن الحق معه مِنَ البرهان ما يتبين أنه حق، فهذا مقبول من كل قائل.
و
(4)
كثير من الناس يزن الأقوال بالرجال، فإذا اعتقد في الرجل أنه معَظَّم قَبِل أقوالَه وإن كانت باطلةً مخالفةً للكتاب والسنة، بل لا يصغي حينئذ إلى مَنْ يردّ
(5)
ذلك القول بالكتاب والسنة. بل يجعل صاحبه كأنه
(1)
الأصل: "أو".
(2)
الأصل: "الحق تزيغ" ولعل الصواب ما أثبت.
(3)
أخرجه أبو داود (4613)، والحاكم:(4/ 460)، والبيهقي:(10/ 210) وصححه الحاكم على شرط الشيخين.
(4)
الأصل: "أو".
(5)
الأصل: "يريد" خطأ.
معصوم
(1)
. وإذا ما اعتقد في الرجل أنه غير معَظَّم ردَّ أقوالَه وإن كانت حقًّا، فيجعل قائل القول
(2)
سببًا للقبول والرد من غير وزن بالكتاب والسنة.
وقد قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه للحارث بن حوط
(3)
لما قال له: يا عليّ أتظن أن طلحة والزبير كانا على باطل وأنت على حق؟ [فقال]: لا [يا] حارِ
(4)
إنه ملبوس عليك، اعرف الحق تعرف أهله، إن الحق لا يُعرف بالرجال، وإنما الرجال يُعرفون بالحق
(5)
.
وكلّ من اتخذ شيخًا
(6)
أو عالمًا متبوعًا في كلّ ما يقوله ويفعله، يوالي على موافقته ويعادي على مخالفته غير رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فهو مبتدع ضالّ خارج عن الكتاب والسنة، سواء كان من أهل العلم والدين؛
(1)
بعده في الأصل: "قال هو محفوظ ومعنى القولين واحد" والظاهر أنه مقحم في السياق.
(2)
الأصل: "فليجعل القول إلى القول" محرفة!
(3)
الأصل: "خلده" تحريف. وحوط بالحاء المهملة، وقيل بالمعجمة. انظر:"شرح نهج البلاغة": (19/ 149).
(4)
الأصل: "لا جاو" تحريف، والصواب ما أثبت، و"حارِ" ترخيم "حارث".
(5)
ذكره اليعقوبي في "تاريخه": (1/ 192)، وابن أبي الحديد في "شرح نهج البلاغة":(19/ 148).
(6)
تحرفت في الأصل: "شيئًا".
كالمشايخ والعلماء [أ] وكان من أهل الحرب والديوان؛ كالملوك والوزراء.
بل الواجب على جميع الأمة طاعة الله
(1)
ورسوله، وموالاة المؤمنين على قدر إيمانهم، ومعاداة الكافرين على قدر كفرهم، كما قال تعالى:{إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55) وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} [المائدة: 55 - 56]، وقال تعالى:{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة: 71].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "مَثَل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو واحد
(2)
تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر"
(3)
. وقال: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدّ بعضه بعضًا وشبَّك بين أصابعه"
(4)
.
[117]
وفي "الصحيح"
(5)
عنه أنه قال صلى الله عليه وسلم: "إنّ الله يرضى لكم
(6)
ثلاثًا: أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئًا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعًا ولا
(1)
الأصل: "لله".
(2)
الأصل: "عضوًا واحدًا" خطأ.
(3)
تقدم تخريجه.
(4)
تقدم تخريجه.
(5)
مسلم (1715) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(6)
الأصل: "لنا".
تفرقوا
(1)
، وأن تناصحوا من ولَّاه الله أمركم". {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105) يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (106) وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [آل عمران: 105 - 107].
قال ابن عباس: تبيضُّ وجوه أهل السنة والجماعة، وتسودُّ وجوه أهل البدعة والفرقة
(2)
.
وهذا هو الأصل الفارق بين أهل السنة والجماعة، وبين أهل البدعة والفرقة. فإنّ أهل السنة والجماعة يجعلون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الإمام المطلق، الذي يتبعونه في كلِّ شيء ويوالون من والاه ويعادون من عاداه. ويجعلون كتاب الله هو الكلام الذي يتبعونه كلَّه ويصدِّقون خبره كلَّه، ويطيعون أمره كلّه. ويجعلون خير الهدي والطريق والسنن والمناهج هي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأما أهل البدعة فينصبون لهم إمامًا يتبعونه، أو طريقًا يسلكونه، يوالون عليه ويعادون عليه، وإن كان فيه ما يخالف السنة، حتى يوالوا
(1)
بعدها في الأصل: "واختلفوا"! سبق قلم إلى الآية الآتية.
(2)
تقدم تخريجه.
مَن وافقهم مع بُعْدِه عن السنة، ويعادون من خالفهم مع قُرْبه من السنة.
فإذا عُرِف الصراط المستقيم لم يكن بنا حاجة إلى معرفة حقيقة هؤلاء الرجال الذين اشتهوا عنهم
(1)
. وبالله التوفيق ولا حول ولا قوة إلا الله العزيز الحكيم.
آخر الفصل، والحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
(1)
كذا في الأصل، ولعلها:"اشتبه أمرهم" أو نحوها.