الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسألة في باب الصفات
هل فيها ناسخ ومنسوخ أم لا
؟
[ق 111] مسألة: في آيات الصفات هل فيها ناسخٌ ومنسوخٌ أم لا؟ وإذا تكلم فيها الإنسان عليه إثمٌ أم لا؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين.
ليس فيها ناسخٌ ولا منسوخٌ باتفاق المسلمين، وفي سائر ما أخبر الله به عن مخلوقاته، كقَصَص الأنبياء، ومن آمن بهم واتبعهم، وأمثال ذلك من الأخبار. فإن الخبر عن ذلك لو دَخَله نسخٌ لكان كذبًا، والله سبحانه وتعالى مُنَزَّه عن ذلك سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوًّا كبيرًا.
ولكنَّ النسخ يدخل في الأمر والنهي، والخبر الذي في معنى الأمر والنهي، كقوله تعالى:{وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] ونحو ذلك.
وأما الخبر الذي هو بمعنى الوعيد كقوله: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} [البقرة: 284] فقد تنازع الناس هل يدخل فيه النسخ كما نُقِل عن كثير من السلف والخلف أو
(1)
لا يدخله كما قاله طائفة من الناس؟ على قولين.
ولكن آيات الصفات فيها ما قد يَفْهم بعضُ الجُهّال منه خلافَ مراد الله ورسوله، مثل من يفهم مِنْ قوله:{وَهُوَ مَعَكُمْ} [الحديد: 4] أن الله
(1)
الأصل: "و".
ممتزج بالخلق، أو يفهم من:{أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك: 16] أن الله في جوف الأفلاك، أو يفهم من قوله:{ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف: 54] أنه مفتقرٌ إلى العرش لحمله، أو يفهم من صفاته ما هو مُماثل لصفات المخلوقين، مثل أن يفهم من قوله:{وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11] أنه كسَمْع المخلوق وبصره، أو في قوله:{غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ}
(1)
[المجادلة: 14] أنه غَلَيان دم القلب لطلب الانتقام
(2)
. وأمثال ذلك مما قد يظنّ بعض الناس أن هذا هو مدلول الخطاب وظاهره.
فيجب أن يُنسخ من قلب هذا الجاهل ما ألقى الشيطانُ في نفسه من القول الباطل الذي ظنّ أنّه مدلول كتاب الله، ثم يُبيَّن له أن هذا ليس هو مراد الله من كتابه، ولا هو مدلول خطابه، ولا مدلول هُداه وبيانه. قال الله تعالى:{فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ} [الحج: 52]
فمن كان في نفسه اعتقاد باطل
(3)
من آيات الصفات، وجَبَ أن ينسخَ من قلبه ذلك الاعتقاد الفاسد، ويُبيَّن له أنّ كتابَ الله هدًى وشفاء ونورٌ وبيان، لم يدلّ على ذلك المعنى الفاسد.
(1)
الأصل: "عضب عليهم".
(2)
تحرفت في الأصل إلى: "الاستعانة" والصواب ما أثبت، وانظر "الفتاوى":(3/ 17، 5/ 353، 569 وغيرها).
(3)
الأصل: "اعتقادًا باطلا" خطأ.
ومن تكلم بآيات الصفات كما جاءت على طريقة سلف الأمة وأئمتها فلا شيء عليه، ومن تكلم فيها بالباطل؛ إما بالتحريف والتعطيل، وإما بالتكييف والتمثيل، فإنه يُنْهى عن ذلك، فإن لم ينته
(1)
وإلا عوقب
(2)
على ذلك حتى ينتهي. إذ الواجب في ذلك أن يُوصفَ الله بما وصف به نفسَه وبما وصفَه به رسولُه، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل.
قال نُعيم بن حماد الخزاعي: من شبَّه الله بخلقه فقد كفر، ومن جَحَد ما وصف الله به نفسَه فقد كفر، وليس ما وصفَ الله به نفسَه ولا رسولُه تشبيهًا
(3)
.
فمذهب السلف بين مذهب الجهمية المعطِّلة النافية للصفات، وبين مذهب الممثِّلة التي تمثِّل الخالق بالمخلوقات.
والله تعالى بعثَ رُسُله يخبرون عنه بإثبات مفصَّل ونفي مُجمل، وأعداء الرسل من المتفلسفة ونحوهم يصفونه بنفيٍ مفصَّل وإثبات مجمل.
كما أخبر الله في كتابه: أنه {بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} ، {وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} ،
(1)
الأصل: "ينتهي".
(2)
كذا، وهذا الأسلوب جرى عليه الشيخ رحمه الله، وبحذف "وإلا" يستقيم السياق، وسبق التنبيه على مثله.
(3)
أخرجه اللالكائي في "شرح الاعتقاد": (3/ 532). ووقع في الأصل: "لما" والمثبت من المصدر، و"الفتاوى":(2/ 126، 5/ 110، 196).
وأنه {غَفُورٌ رَحِيمٌ} ، وأنه {عَزِيزٌ حَكِيمٌ} ، وأنه {سَمِيعٌ بَصِيرٌ} ، وأنه {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} ، وأنه كلم موسى تكليمًا، وأنه يحبّ المتقين، ويغْضَب على الكافرين، وأمثال ذلك من آيات الإثبات.
وقال تعالى في النفي: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11]{هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم: 65]{وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص: 4]{فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا} [البقرة: 22] وأمثال ذلك.
وأما أعداء الرسل فيقولون: ليس بكذا ولا كذا ولا كذا، ثم يقولون في الإثبات: إنه موجودٌ مطلقٌ لا يتميز عن
(1)
غيره بصفةٍ ولا نعت، أو ذات بلا صفات.
والعقل الصريح يعلم أنّ الوجود المطلق أو الذات المجرَّدة عن الصفات لا حقيقة لها في الخارج عن الذهن، ولا يُتصوّر وجود شيء مطلق، لا آدمي ولا فرس مطلق ولا حيوانٌ مطلق! فمن قال: إنّ الربّ سبحانه وتعالى هو وجودٌ مطلق، فقد عَطَّله وأبطل أن يكون سبحانه وتعالى موجودًا، وكان في الحقيقة موافقًا لفرعون الذي قال:{وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 23]. وهذا مبسوطٌ في غير هذا الموضع
(2)
، والله أعلم.
(1)
تكررت في الأصل.
(2)
انظر "مجموع الفتاوى": (3/ 5 ــ وما بعدها) و (6/ 66).