المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وأما‌ ‌ الجُبّة الضيِّقة الكُمّين ؛ ففي "الصحيحين" (1) عن المغيرة بن شُعبة - جامع المسائل - ابن تيمية - ط عطاءات العلم - جـ ٧

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌مسائل أهل الرَّحبةلشيخ الإسلام ابن تيمية

- ‌ الرّجُل وقعت عليه جنابة، والوقت بارد، إذا اغتسل فيه يؤذيه

- ‌ إذا عَدِم الماء وبَيْنه نحو الميل، إذا أخَّر الصلاة خرج الوقت

- ‌ الذي يحلف بالطلاق أنه لا يفعل شيئًا ثم يفعله هل يلزمه الطلاق

- ‌ العبد هل يكفر بالمعصية أم لا

- ‌ مافي المصحف هل هو نفس القرآن أو كتابته، وما في صدور القُرَّاء

- ‌الذي يُصلي وقتًا ويترك الصلاةَ كثيرًا أو لا يصلي

- ‌ الكفار هل يُحاسبون يوم القيامة أم لا

- ‌ الشفاعة في أهل الكبائر من أمَّة محمد صلى الله عليه وسلم وهل يدخلون الجنة

- ‌ المطيعون من أمة محمد هل هم أفضل من الملائكة

- ‌ الميزان هل هو عبارة عن العدل أم له كِفَّتان

- ‌سؤال عن الله تعالى هل أراد المعصية من خلقه أم لا

- ‌ الباري سبحانه هل يُضل ويهدي

- ‌ المقتول هل مات بأجله أو قَطَع القاتلُ أجلَه

- ‌ الغلاء والرُّخْص هل هما مِنَ الله تعالى أم لا

- ‌ السؤال عن المعراج، هل عُرِج بالنبيّ صلى الله عليه وسلم يقظة أو منامًا

- ‌ المبتدعة هل هم كفار أو فسَّاق

- ‌ غسل الجنابة هل هو فرض؟ وهل يجوز لأحد الصلاة جنبًا

- ‌ مَلك(2)الموت، هل يُؤتَى به يوم القيامة ويُذْبح أم لا

- ‌من اعتقد الإيمان بقلبه ولم يقر بلسانه، هل يصير مؤمنًا

- ‌ البئر إذا وقع بها نجاسة هل تنجس أم لا، وإن تنجست كم ينزح منها

- ‌ شهر رمضان هل يصام بالهلال أو بالحساب والقياس

- ‌ الصبي إذا مات وهو غير مطهَّر هل يقطع ختانه بالحديد

- ‌ رَشاش البول وهو في الصلاة أو في غيرها ويغفل عن نفسه

- ‌ المقتول إذا مات وبه جراح فخرج منها الدم، فهل يُغسَّل ويُصلى عليه أم لا

- ‌ رجل يقرأ القرآن للجهورة ما عنده أحدٌ يسأله عن اللحن

- ‌ القاتل خطأ أو عمدًا هل ترفع الكفارةُ المذكورة في القرآن ذنبَه

- ‌ الخمر والحرام هل هو رزق الله للجهال، أم يأكلون ما قدّر لهم

- ‌ الإيمان هل هو مخلوق أو غير مخلوق

- ‌ الإمام إذا استقبل القبلة في الصلاة هل يجوز لأحد أن يتقدم عليه

- ‌في قتل الهوام في الصلاة

- ‌ الدابة إذا ذُبحت والغَلْصَمة(3)مما يلي البدن هل يحل أكلها

- ‌ الصلاة في طريق الجامع والناس يصلون برَّا

- ‌ تارك الصلاة من غير عذرٍ هل هو مسلم في تلك الحال

- ‌ الجُبّة الضيِّقة الكُمّين

- ‌ الفَرُّوج

- ‌ السراويل

- ‌ لبس الطيالسة(2)على العمائم

- ‌قاعدة في الفَنَاء والبَقَاء

- ‌سلامةُ القلب المحمودةُ

- ‌النوع الثاني: الفناء عن شهود السّوى

- ‌الرسالة في أحكام الولاية

- ‌ولاية أمور الإسلام(1)من أعظم واجبات الدين

- ‌ولاية الشرطة والحرب من الولايات الدينية

- ‌كتاب الشيخ إلى بعض أهل البلاد الإسلامية

- ‌ الأموال السلطانية

- ‌صورة كتاب عنابن عربي والاعتقاد فيه

- ‌مسألة فيتفسير قوله تعالى: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ .. }وتفسير آيات أخرى

- ‌مسألة في الرَّمي بالنُّشَّاب

- ‌الرمي بالنُّشّاب من الأعمال الصالحة

- ‌لم يكن السلف يرمون بالبندق

- ‌[مسائل فقهية مختلفة]

- ‌ الدّعاء بعد الصلوات

- ‌ الكلب إذا ولغ في اللبن أو غيره

- ‌ التوضؤ من لحوم الإبل

- ‌مسألة في باب الصفاتهل فيها ناسخ ومنسوخ أم لا

- ‌مسألة: في قول أبي حنيفةفي "الفقه الأكبر" في الاستواء

- ‌مسألة في العلو

- ‌ معنى حديث: «من تقرَّب إليَّ شِبرًا

- ‌الوجه الثاني:

- ‌مسألة في إثبات التوحيد والنبواتبالنقل الصحيح والعقل الصريح

- ‌تعريف الرسل على وجهين:

- ‌قاعدة مختصرةفي الحُسْن والقُبْح العقليين

- ‌فصل في الحكم العقلي

- ‌مجموعةُ فتاوى من:الدُّرَّةِ المضِيَّة في فتاوى ابنِ تيميَّة

- ‌[مسألة: في الجهر بالنية والتكبير والدعاء

- ‌[مسألة في شرائط الصلاة، وصفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، والسنن الرواتب]

- ‌مسألةفي زيارة القدس أوقات التعريف

- ‌العبادات مبناها على التوقيف والاتباع

- ‌مَسْألة في عَسْكَر المنصور المتوجِّهإلى الثغور الحلبية سنة 715 هـ

- ‌سَعْي المسلمين في(1)قَهْر التتار والنصارى والروافض مِنْ أعظم الطاعات والعبادات

- ‌صورة مكاتبة الشيخ تقي الدينللسلطان الملك المنصور حسام الدين لاجينسنة ثمان وتسعين وستمائة

- ‌[مسألة في الداء والدواء]

- ‌فصلفيما يجمع كليات المقاصد

- ‌الإعانة على الإثم والعدوان

- ‌الغيرة التي يحبها الله

- ‌[مسائل فقهية مختلفة]

- ‌ فيمن ينوي الغسل، فتوضأ، ثم اغتسل هل يجزيه، أم يتوضأ ثانيًا

- ‌ هل تجب أن تكون [النية] مقارنةً للتكبير

- ‌ في رجلٍ إذا صلّى بالليل ينوي ويقول: أصلّي لله نصيب الليل

- ‌ في إمام مسجد يصلي فيه دائمًا، وينوب في مسجد آخر، فصلاته الثانية تكون قضاء أم إعادة

- ‌[سؤال عن حراسة المكان وقت صلاة الجمعة]

- ‌ في رجل حلف بالطلاق ثلاثًا: إن لفلان على امرأتي

- ‌ع ما يُحْدِثه الناس في أعياد الكفار

- ‌مسألة: في جماعة من النِّساء قد تظاهرنَ بسلوك طريق الفُقَرَاء

- ‌ عادم الماء إذا لم يجد ترابًا، فإنه يتيمم

- ‌في بلدة ليس فيها حمّام والمغتَسَل خارج البلد، وإذا طلع الرجل وقت صلاة الصبح يجد مشقَّة من البرد

- ‌السفر الذي يُقْصَر فيه ويفطر فيه، فيه قولان:

- ‌ رفع اليدين في الصلاة

- ‌[مسألة في إجبار البكر البالغ]

الفصل: وأما‌ ‌ الجُبّة الضيِّقة الكُمّين ؛ ففي "الصحيحين" (1) عن المغيرة بن شُعبة

وأما‌

‌ الجُبّة الضيِّقة الكُمّين

؛ ففي "الصحيحين"

(1)

عن المغيرة بن شُعبة قال: كنت مع النبيّ صلى الله عليه وسلم ذات ليلة في سفر. فقال: "أمَعَك ماءٌ؟ " قلت: نعم. فنزل عن راحلته فمشى حتّى توارى عني في سواد الليل. ثم جاء، فأفرغتُ عليه الإداوة، فغسَل وجهَه ويديه وعليه جُبّة من صوف، فلم يستطع أن يخرج ذراعيه منها ــ وفي رواية: جبّة شاميّة، فذهب يخرج يديه من كميّه فكانا ضيّقين ــ فأخرج يديه من أسفل الجبّة، فغسل ذراعيه ثم مسح برأسه، ثم أهْويتُ لأنزع خفيّه. فقال:"دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين". فمسح عليهما.

وأما‌

‌ الفَرُّوج

؛ ففي "الصحيحين"

(2)

عن عُقْبة بن عامر أنه قال: أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فرُّوج حرير، فلبسه ثم صلى فيه، ثم انصرف، فنزعه نزعًا شديدًا كالكاره له، ثم قال:"لا ينبغي هذا للمتَّقين". وإنما نزعه لكونه حريرًا.

قال البخاري: الفَرُّوج هو القَبَاء، ويقال: هو الذي له شقّ من خلفه

(3)

.

وأما‌

‌ السراويل

وغيره؛ ففي "الصحيحين"

(4)

عن ابن عمر قال: سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يلبس المُحْرم من الثياب؟ فقال: "لا يلبس القميص،

(1)

أخرجه البخاري (5799)، ومسلم (274).

(2)

أخرجه البخاري (375)، ومسلم (2075).

(3)

الصحيح، كتاب اللباس، (12) باب القباء وفرّوج حرير

(4)

أخرجه البخاري (1542)، ومسلم (1177).

ص: 135

ولا العمائم، ولا البرانِس، ولا السراويلات، ولا الخِفاف".

وفي "سنن أبي داود"

(1)

: أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم اشترى رِجْل سراويل وهناك وزَّان يَزِن بالأجر، فقال:"زِنْ وأرْجِح، فإنّ خيرَ الناس أحسنُهم قضاء". وفي لفظ: "أنه اشترى سراويل".

وقد قال العلماء: الأفضل أن يلبس مع القميص السراويل، ومع الرِّداء الذي يكون على المَنكِبين يلبس الإزار؛ لأن السراويل تُبدي حجمَ الأعضاء، والقميص يستر ذلك، ولا يستره الرّداء.

وكان أغلب ما يلبسه النبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابُه ما يُنْسَج من القطن، وربما لبسوا ما يُنْسَج من الصوف وغيره. كما روى أبو الشيخ الأصبهاني

(2)

بإسنادٍ صحيح عن جَليسٍ لأيوب

(3)

قال: دخل الصَّلتُ بن راشد على

(1)

(3338). وأخرجه أحمد (19098)، والترمذي (1305)، والنسائي (4592)، وابن ماجه (2220)، والحاكم:(4/ 192) وغيرهم من حديث سويد بن قيس رضي الله عنه. قال الترمذي: حسن صحيح. وقال الحاكم: صحيح الإسناد.

وقوله: "رِجْل سراويل" قال في "النهاية": (2/ 494): "هذا كما يقال اشترى زوج خفّ، وزوج نعل، وإنما هما زوجان، يريد رجلي سراويل؛ لأن السراويل من لباس الرجلين".

(2)

في "أخلاق النبي وآدابه"(ص 107). وأخرجه ابن المبارك في "الزهد ــ زوائد نعيم بن حماد"(224) وفيه: "حماد بن زيد قال: حدثني رجل أن الصلت

".

(3)

الأصل: "بن أيوب"، وفي "زاد المعاد":(1/ 143): "جابر بن أيوب" وكذا في المخطوط. وكلاهما خطأ، والتصحيح من كتاب أبي الشيخ.

ص: 136

محمد بن سيرين وعليه جبّة صوف وإزار صوف وعمامة صوف، فاشمأزَّ منه محمد بن [سيرين] وقال: أظنّ أنّ أقوامًا يلبسون الصوف يقولون: قد لبسه عيسى بن مريم، وقد حدثني من لا أتهم: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد لبس الكتان والقطن واليمنية

(1)

، وسنة نبينا أحقّ أن تُتَّبع.

ومقصود ابن سيرين بهذا: أنّ أقوامًا يرون أنّ لبس الصوف دائمًا أفضل من غيره، فيتحرّون ذلك تزهُّدًا وتعبّدًا، كما أنّ أقوامًا يرون أنّ ترك أكل اللحم وغيره من الطيّبات دائمًا أفضل من غيره، فيتحرّون [ق 58] ذلك، ويحرِّمون على أنفسهم طيِّبات ما أحلَّ الله لهم، حتى يروا التبتُّل أفضل من التأهّل، ونحو ذلك.

وهذا خطأ وضلال، بل يجب أن يُعْلَم أنّ خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هَدْي محمد. كما ثبت في "الصحيح"

(2)

أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب يوم الجمعة بهذا فيقول: "إنّ خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد، وشرّ الأمور محدثاتها، وكلّ بدعةٍ [ضلالة] ".

وفي مثل هؤلاء أنزل الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (87) وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ} [المائدة: 87 - 88].

(1)

عند أبي الشيخ "اليمنة"، وفي "الزاد":"الكتان والصوف والقطن".

(2)

أخرجه مسلم (867) من حديث جابر رضي الله عنه.

ص: 137

وفي "الصحيحين"

(1)

عن أنس بن مالك قال: جاء ثلاثةُ رَهْط إلى بيوت أزواج النبيّ صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبيّ صلى الله عليه وسلم، فلما أُخْبِروا كأنّهم تقالُّوها. فقالوا: وأين نحن من النبيّ صلى الله عليه وسلم، قد غفر الله له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر!

فقال أحدهم: أمَّا أنا فإنّي أصلي الليل أبدًا.

وقال الآخر: أنا أصوم الدّهر أبدًا.

وقال الآخر: أنا أعتزل النساء، فلا أتزوّج أبدًا.

فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أنتم الذين

(2)

قلتم كذا وكذا، أما والله إني أخشاكم لله، وأتقاكم له، لكنِّي أصوم وأفطر، وأصلِّي وأرْقُد، وأتزوّج النساء، فمن رَغِب عن سُنتي فليس منّي".

رواه البخاري وهذا لفظه.

ومسلم أيضًا ولفظه: عن أنس أنّ نفرًا من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم سألوا أزواج النبيّ صلى الله عليه وسلم عن عمله في السّرّ؟

فقال بعضهم: لا أتزوّج النساء، وقال بعضهم: لا آكل اللحم، وقال بعضهم: لا أنام على فراش. فحمد الله وأثنى عليه وقال: "ما بال أقوامٍ قالوا كذا وكذا، لكنّي أصلي وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوّج النّساء، فمن رَغِب عن سُنّتي فليس منّي".

(1)

أخرجه البخاري (5063)، ومسلم (1401).

(2)

الأصل: "الذي".

ص: 138

وفي "الصحيحين"

(1)

عن سعد بن أبي وقَّاص قال: "ردّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على عثمان بن مَظْعون التَّبَتُّل، ولو أذِن له لاخْتَصينا".

والراغب عن سنّته هو الذي يعدِل عنها إلى غيرها تفضيلًا لذلك الغير عليها، ولهذا تبرّأ منه النبيّ صلى الله عليه وسلم، كما قال:"من غشَّنا فليس مِنّا، ومَن حمل علينا السّلاح فليس مِنّا"

(2)

.

وأما إذا لم يرغب عنها، بل فعل المفضول مع كونه مُفَضِّلًا لهدي النبيّ صلى الله عليه وسلم باعتقاده ومحبّته، فهذا لا يأثم إلا أن يترك واجبًا أو يفعل محرّمًا.

وقد ثبت عنه في "الصحيح"

(3)

أنه قال: "أفضل القيام قيام داود، كان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه، وينام سدسه، وأفضل الصيام صيام داود، كان يصوم يومًا ويفطر يومًا".

وكذلك ثبت عنه في "الصحيح"

(4)

أنه نهى عبد الله بن عَمْرو

(5)

عن سَرْد الصيام، والمداومة على قيام الليل كله، وأخبره أنَّ أفضل الصوم وأعدله صيام يوم وفِطْر يوم.

(1)

أخرجه البخاري (5074)، ومسلم (1402).

(2)

أخرجه مسلم (101) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(3)

أخرجه البخاري (1131)، ومسلم (1159) من حديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنه.

(4)

الحديث السالف.

(5)

في الأصل: "عمر" والتصحيح من الصحيحين.

ص: 139

فيجب أن يُعْلَم أنّ هذا أفضل مما فعله كثيرٌ من السلف [ق 59] والخلف بصلاة الصّبح بوضوء العشاء الآخرة كذا كذا سنة

(1)

، ومن صيام الدّهر حتى لا يفطروا إلا الأيام الخمسة

(2)

، ومن التبتل ونحو ذلك. وإن كان كثير من فقهائنا وعُبَّادنا يرون هذا أفضل من غيره، فهذا غلطٌ منهم.

والصواب أنّ أفضل الطريق طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم التي سنّها وأمر بها ورغَّب فيها، وأمر بها

(3)

، والتي داوم عليها.

وكان هديه في اللباس: أن يلبس ما تيسَّر من اللباس، من قُطْن، أو صوف، أو غيرهما.

فالذي رغب عمّا أباحه الله من لباس القطن والكتان وغيرهما تزهُّدًا وتعبّدًا، هم نظير الذين يمتنعون أيضًا عن لباس الصوف ونحوه، ولا يلبسون إلا أعلى الثياب ترفُّهًا وتكبّرًا، كلاهما مذموم.

(1)

جاء ذلك في تراجم جماعة من العلماء، مثل: وهب بن منبه، وسليمان التيمي، وأبي حنيفة، وهُشَيم بن بشير، وابن عبدوس. انظر "سير النبلاء":(4/ 547، 6/ 197، 8/ 290، 13/ 64) على التوالي.

(2)

جاء ذالك في تراجم جماعة من العلماء، مثل: الأسود بن يزيد، وعروة بن الزبير، وابن جريج، وشعبة، ووكيع، وأبي بكر النجاد. انظر "سير النبلاء":(4/ 52، 436، 6/ 333، 7/ 209، 9/ 142، 15/ 503) على التوالي.

(3)

كذا تكررت "أمر بها" ولعل أحدهما: "وأقرها". والله أعلم.

ص: 140

ولهذا قال بعض السلف: كانوا يكرهون الشهرتين من الثياب: العالي والمنخفض

(1)

.

وقد روى أبو داود والنسائي وابن ماجه عن ابن عمر يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من لبس ثوبَ شُهرة ألبسه الله يوم القيامة ثوبًا مِثْلَه"

(2)

.

وفي رواية: "ثوب مذَلَّة ثم تلتهب فيه النار"

(3)

.

وهذا لأنه قَصَد به الاختيال والفخر، فعاقبه الله بنقيض ذلك فأذلَّه. كما يعاقب الذي يطيل ثوبه خيلاء بأن خَسَف به الأرض ونحو ذلك، كما فعل بقارون.

وفي "الصحيحين"

(4)

عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "بينما رجلٌ يجرُّ إزاره خُيَلاء خَسَف الله به الأرض فهو يتجَلْجَل فيها إلى يوم القيامة".

وفي "الصحيحين"

(5)

عن عبد الله بن عُمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(1)

أخرجه ابن أبي الدنيا في "إصلاح المال"(383)، "والتواضع والخمول" (64) عن سفيان الثوري. وروي مرفوعًا أخرجه البيهقي:(3/ 273) ولا يصح.

(2)

أخرجه أبو داود (4029) بهذا اللفظ. وبلفظ: "ثوب مذلّة" أخرجه أحمد (5664) والنسائي "الكبرى"(9487)، وابن ماجه (3606).

(3)

يعني بزيادة "ثم تلتهب فيه النار" عند ابن ماجه (3607) ولفظه: "ثم ألهب فيه نارًا".

(4)

أخرجه البخاري (5789)، ومسلم (2088) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وهو من حديث ابن عمر عند البخاري (3485)، ومسلم (2088).

(5)

أخرجه البخاري (3665)، ومسلم (2085).

ص: 141

"من جرّ ثوبَه خُيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة".

وقد روى أبو داود والنسائي وابن ماجه عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الإسبال في القميص والإزار والعمامة، مَن جرّ منها شيئًا خُيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة"

(1)

.

وروى أبو داود

(2)

عن ابن عمر قال: ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإزار فهو في القميص

(3)

".

وكذلك لبس الدنيء مِن الثياب مكروه، ولبسه تواضعًا محمود، كما أن لبس الرفيع تكبرًا مذموم، ولبسه إظهارًا لنعمة الله وتجمّلًا محمودٌ. ففي "صحيح مسلم"

(4)

عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل الجنة من كان في قبله مثقال حبة خَرْدل من كبر، ولا يدخل النار من كان في قلبه مثقال حبة خردلٍ من إيمان". فقال رجل: يا رسول الله! إني أحبّ أن يكون ثوبي حسنًا، ونعلي حسنًا، أفَمِن الكبر ذلك؟ فقال:"لا، إن الله جميل يحب الجمال، الكِبْر بَطَر الحق وغَمْط الناس".

(1)

أبو داود (4094)، والنسائي (5334)، وابن ماجه (3576). وأخرجه ابن أبي شيبة (25337) ونقل ابن ماجه عن ابن أبي شيبة أنه قال: ما أغربه. وصححه النووي في "رياض الصالحين"(ص 427).

(2)

(4095). وأخرجه أحمد (5891).

(3)

كانت في الأصل:"في القميص فهو الإزار". ثم كتب فوق الكلمتين حرف (م) يعني مقدم ومؤخر. وهو كذلك في المصادر.

(4)

(91).

ص: 142

وقد ذكرنا الحديث الصحيح الذي في البخاريّ وغيره: أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم لبس في السفرِ جُبَّةً من صوف

(1)

.

وعن أبي بُرْدة بن أبي موسى الأشعري قال: قال أبي: يا بني! لو رأيتنا ونحن مع نبيّنا وقد أصابتنا السماء، حسبت أنّ ريحنا ريح الضأن. رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي [ق 60] وقال:"صحيح"

(2)

.

وكذلك الشعر، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه مِرْط مُرَحَّل

(3)

من شَعْر أسود. رواه مسلم وغيره

(4)

.

وفي "الصحيحين"

(5)

عن أبي بُرْدة قال: دخلتُ على عائشة فأخرجَتْ إلينا إزارًا غليظًا مما يُصْنَع باليمن، وكساءً من التي يسمّونها المُلَبَّدة

(6)

. فأقسَمَتْ بالله أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قُبِضَ في هذين الثوبين.

لكن كان المنسوج من القطن ونحوه أحبَّ إليه من الصّوف، كما

(1)

انظر (ص 135).

(2)

أخرجه أبو داود (4033)، والترمذي (2479)، وابن ماجه (3562)، وأحمد (19652)، وابن حبان (1235)، وابن خزيمة (1761)، والحاكم:(4/ 187) وصححه على شرط مسلم.

(3)

الأصل: "مرجل". بالجيم. ومعنى "مرحّل": عليه صورة رحال الإبل. انظر "شرح مسلم": (14/ 58) للنووي.

(4)

(2081).

(5)

أخرجه البخاري (5818)، ومسلم (2080).

(6)

الأصل:"المبلدة". خطأ.

ص: 143

أخرجاه في "الصحيحين"

(1)

عن قتادة قال: قلنا لأنس: أيّ اللباس كان أحبّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أعجب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: الحِبَرَة.

والحِبَرَة: برود اليمن، فإن غالب لباسهم كان من نَسْج اليمن؛ لأنها قريبة منهم.

وربما لبسوا ما جُلِب

(2)

من الشام ومصر، كالقَبَاطيّ المنسوجة من الكتّان التي ينسجها القِبْط، وقد روي ذلك في "السنن"

(3)

.

وكذلك كانت سيرته في الطعام: لا يردُّ موجودًا، ولا يتكلَّف مفقودًا، فما قُرِّب إليه شيء من الطيّبات إلا أكله، إلا أن تعافَه نفسُه. وما عاب طعامًا قط، إن اشتهاه أكله وإلا تركه، كما ترك الضبّ؛ لأنه لم يكن قد اعتاد أكلَه ولم يحرِّمه على النّاس، بل أُكِل على مائدته وقال:"ليس بحرام، ولكن لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه"

(4)

.

وكان يحبُّ الحلواء والعَسَل، ويأكل القثَّاء بالرُّطَب، ويأكل لحم الدَّجاج وغيره.

(1)

البخاري (5812)، ومسلم (2079).

(2)

يحتمل: "يجلب".

(3)

أخرجه أبو داود (4116)، والبيهقي:(2/ 234) من حديث دحية الكلبي. وأخرجه أحمد (5727) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. وفيهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم كسا كلًا منهما قبطية.

(4)

أخرجه البخاري (5400)، ومسلم (1945) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

ص: 144

وكان أحيانًا يربط على بطنه الحجَرَ من الجوع، ويُرَى الهلال فالهلال فالهلال لا يوقَد في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم نار.

وكان أيضًا يلبس العمامة على القَلَنْسوة، وكذلك أصحابه، وكانوا مع ذلك يركبون الخيل ويطردونها، ويقاتلون في سبيل الله، ولهذا كانوا يديرون العمائم تحت أذقانهم، ويسمّى ذلك: التَّلَحِّي.

وفي "غريب أبي عبيد"

(1)

: أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم أمر بالتَّلَحِّي ونهى عن الاقتعاط.

وفسَّر أبو عبيد "الاقتعاط" عن أبي نُعَيم: ولا يدير عمامته تحت ذقنه.

وقد رُوِي عن غير واحد من الصحابة والتابعين كراهة هذه العِمَّة، وكان أهل الشام لمحاربتهم للعدوّ ومقاتلتهم

(2)

إيّاه محافظين على هذه السنّة، كما ذكر ذلك الإمام أحمد وغيره

(3)

.

والتَّلَحِّي ليس هو التلثُّم على الفم والأنف، فإنّ ذلك مكروه في الصلاة، ولكن التَّلَحِّي: أن يشدَّ العمامة ويربطها على الحَنَك بحيث تثبت العمامة على الرأس، وهي نظير الكلاليب والخيوط التي تتخذها الأجناد في زمننا لشدِّ عمائمهم على رؤوسهم.

(1)

(3/ 120).

(2)

يحتمل: "ومقابلتهم".

(3)

انظر "مسائل أبي داود"(ص 351)، و"مسائل الكوسج":(9/ 4780 ــ 4782) مع هامش التحقيق.

ص: 145

وقد استفاضت الأحاديث الصحيحةُ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم بأنه مسح على عمامته، ورخَّص في المسح على العمامة

(1)

، حتّى قال عمر بن الخطاب: من لم يطهّره المسح على العمامة فلا طهَّره الله

(2)

.

فظنّ طائفة [ق 61] من العلماء أنّ ذلك كان مع مسح النّاصية، ولكن قد جاءت الأحاديث الصحيحة بمسح العمامة بلا ناصية.

وقال طائفة منهم الإمام أحمد: إنّ ذلك في العمائم التي على السنّة، وهي العمائم التي تُدَار تحت الذّقَن؛ لأنها السنة، ولأنّه يشقّ خلعها. وفي ذات الذؤابة بلا تلحِّي خلاف. وقال طائفة منهم إسحاق بن راهويه: إن ذلك في العمائم مطلقًا

(3)

.

وإرخاء الذؤابة بين الكتفين معروف في السنة، كما روى مسلم في "صحيحه"

(4)

وأهل السنن الأربعة

(5)

عن عَمْرو بن حُريث قال: رأيت

(1)

في الصحاح والمسانيد، وقد رواه عدد من الصحابة. انظر "جامع الترمذي":(1/ 170)، و"شرح العمدة"(ص 263).

(2)

عزاه ابن قدامة في "المغني": (1/ 380)، والمصنف في "شرح العمدة"(ص 263) إلى الخلال، وأخرجه ابن حزم في "المحلى":(2/ 84)، وذكره في "كنز العمال":(9/ 470) معزوًّا إلى عباس الرافعي في جزئه.

(3)

انظر "مجموع الفتاوى": (21/ 187)، و"شرح العمدة"(ص 269 ــ الصلاة).

(4)

(1359).

(5)

أبو داود (4077)، والترمذي في الشمائل (115، 116)، والنسائي (5346) ووقع فيه "عمرو بن أمية" وصوابه "عمرو بن حريث" كما في "الكبرى"(9674)، وابن ماجه (1104، 3584).

ص: 146

النبيّ صلى الله عليه وسلم على المنبر، وعليه عمامة سوداء، قد أرخى طرفها بين كتفيه.

ورووا ــ أيضًا ــ عن جابر بن عبد الله أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم دخل عام الفتح مكّة وعليه عمامة سوداء

(1)

. ولم يذكر في هذا الحديث ذؤابة، وذلك أنه يوم الفتح كان قد دخل وعليه أُهْبَة القتال، والمِغْفَر على رأسه، فلبس في كلّ موطن ما يناسبه.

وأما شدّ الوسط؛ فقد كان من الصحابة من يشدّ وسطه بطرف عمامته، ومنهم من كان يقاتل بلا شدّ وسط

(2)

.

وقد جاء ذكر المِنْطَقة في آثار، والمنطقة: هي الحياصة، ولكن لم يبلغنا أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كان يشدّ وسطه بمنطقة.

وأما المهاميز؛ فما كانوا يحتاجون إليها، فإنَّ الخيل العربية مع الراكب الخبير بالركوب لا يحتاج إلى مِهْماز

(3)

، ولهذا لم يُنقل في الحديث أنهم كانوا يركبون بمهاميز، وإنما اتخذها من اتخذها للحاجة إليها.

وكذلك ــ أيضًا ــ لم يكن النبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابُه يتّخذون الأكمام الطِّوال ولا الواسعة سَعَة كبيرة، بل قد تقدّم أنّ كمّ قميص النبيّ صلى الله عليه وسلم كان

(1)

مسلم (1358)، وأبو داود (4076)، والترمذي (1735)، والنسائي (2869)، وابن ماجه (2822،3585).

(2)

انظر "مسائل الكوسج": (9/ 4849)، و"شرح العمدة"(5/ 359 ــ 360) للمصنف.

(3)

المِهماز: ما يُهْمَز به، وهو حديدة في مؤخرة حذاء الفارس أو الرائض. "المعجم الوسيط":(2/ 994).

ص: 147