الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
(1)
*
العبد هل يكفر بالمعصية أم لا
؟
الجواب: أنه لا يَكْفُر بمجرَّد الذنب؛ فإنه قد ثبَت بالكتاب والسُّنَّة وإجماع السّلَف أنّ الزّاني غير المحصن يُجلد ولا يُقتل، والشارب يُجلد، والقاذف يُجلد، والسارق يُقطع، ولو كانوا كفارًا لكانوا مرتدّين ووجب قتلهم، وهذا خلافُ الكتابِ والسنةِ وإجماع السلف.
فصل
(2)
*
مافي المصحف هل هو نفس القرآن أو كتابته، وما في صدور القُرَّاء
هل هو نفس القرآن أو حفظه؟
الجواب: أنّ الواجبَ أن نطلق ما أطلقه الكتاب والسُّنة، كقوله تعالى:{بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (21) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} [البروج: 22]، وقوله:{إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (78) لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 97]، وقوله:{وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ (2) فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ} [الطور: 3]، وقوله:{يَتْلُو صُحُفًا [ق 32] مُطَهَّرَةً} [البيِّنة:2]، وقوله:{كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ (11) فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (12) فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (14) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) كِرَامٍ بَرَرَةٍ} [عبس: 16].
(1)
هذا السؤال في «مجموع الفتاوى» : (4/ 307).
(2)
هذا السؤال في «مجموع الفتاوى» : (12/ 564 - 568).
وكذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يُسافَر بالقرآن إلى أرض العدوّ»
(1)
. وقوله: «استذكروا القرآن [فلهوَ أشدُّ تفصِّيًا]
(2)
مِن صدور الرجال مِن النَّعَم في عُقُلها
(3)
»
(4)
، وقوله: «[الجوف]
(5)
الذي ليس فيه شيء من القرآن كالبيت الخَرِب
(6)
»
(7)
. وقد صحّحه الترمذي.
فمن قال: القرآن في المصحف والصدور؛ فقد صدق. ومن قال: فيهما حفظه وكتابته؛ فقد صدق. ومن قال: القرآن مكتوب في المصاحف محفوظ في الصدور؛ فقد صدق.
ومن قال: إن المداد والورق أو صفة العبد أو فعله أو صوته قديم أو غير مخلوق؛ فهو مخطئ ضال. ومن قال: إنَّ ما في المصحف ليس هو كلام الله، أو: ما في صدور القرّاء ليس هو كلام الله، أو قال: إنّ القرآن العربي لم يتكلَّم به الله ولكن هو مخلوق أو صفة جبريل
(8)
أو محمد،
(1)
أخرجه البخاري (2990)، ومسلم (1869) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(2)
تحرفت في الأصل: «أشذ فلهذا يتقصا» .
(3)
الأصل: «من عقلها عقلها» !
(4)
أخرجه البخاري (5032)، ومسلم (790) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.
(5)
الأصل «عقلها الجواب البيت» ثم ضرب على (الجواب).
(6)
الأصل: «الخراب» تحريف.
(7)
أخرجه أحمد (1947)، والترمذي (2913) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. والعبارة بعده في (ف):«قال الترمذي: حديث صحيح» . وفي مطبوعة الترمذي: حسن صحيح. وتكلم عليه في «بيان الوهم والإيهام» : (4/ 660).
(8)
«ولكن هو» تكررت في الأصل. والعبارة في (ف): «إن القرآن العزيز
…
أو صنفه جبريل
…
».
أو قال: إن القرآن في المصاحف كما أنّ محمدًا في التوارة والإنجيل؛ فهذا أيضًا مخطئ ضال، فإن القرآن كلام الله، والكلام
(1)
نفسه يكتبُ في المصحف بخلاف الأعيان، فإنه إنما يُكتَب اسمها وذكرها، فالرسول مكتوب في التوارة والإنجيل ذكره ونعته وكتابة المسميات
(2)
، كما أنّ القرآن في زُبُر الأوَّلين، [وكما أنّ أعمالنا في الزُّبُر، قال تعالى: {وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ} [الشعراء:196]]
(3)
، وقال:{وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ} [القمر: 52].
فمحمد مكتوب في التوارة والإنجيل، كما أنَّ القرآن في تلك الكتب، وكما أن أعمالنا في الكتب، وأما القرآن فهو نفسه مكتوب في المصاحف، ليس المكتوب ذكره والخبر عنه، كما يكتب اسم الله في الورق، ومَنْ لم يفرِّق بين كتابة الأسماء والكلام وكتابة المسميات والأعيان ــ كما جرى لطائفة من الناس ــ فقد غلط غلطًا سوَّى فيه بين الحقائق المختلفة، كما قد يجعل مثل هؤلاء الحقائق المختلفة شيئًا واحدًا [ق 33] كما قد جعلوا جميع أنواع الكلام معنى واحدًا.
وكلامُ المتكلِّم يُسمع تارةً منه وتارةً من المبلِّغ عنه، فالنبيّ صلى الله عليه وسلم لما
(1)
الأصل: «وكلام» . وفي الفتاوى: «القرآن كلام والكلام
…
».
(2)
«وكتابة المسميات» ليست في (ف).
(3)
ما بين المعكوفين مستدرك من (ف).
(1)
.
فهذا الكلام قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم بلفظه ومعناه، فلفظه لفظ الرسول، ومعناه معنى الرسول، فإذا بلَّغه المبلِّغ عنه بلَّغَ كلامَ الرسول بلفظه ومعناه، ولكن صوت الصحابي المبلِّغ ليس هو صوت الرسول صلى الله عليه وسلم.
فالقرآن كلامُ الله لفظه ومعناه، سمِعَه منه جبريل، وبلَّغه عن الله إلى محمد، ومحمد سمِعَه من جبريل، وبلَّغه إلى أمته، فهو كلام الله حيث سُمع وكُتب وقُرئ، كما قال تعالى:{وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} [التوبة: 6]. وكلام الله تكلَّم الله به بنفسه، تكلّم به باختياره وقدرته، ليس مخلوقًا بائنًا عنه، بل هو قائم بذاته، مع أنه تكلّم به بقدرته ومشيئته، ليس قائمًا به بدون قدرته ومشيئته، والسلف قالوا: لم يزل الله متكلِّمًا إذا شاء.
فإذا قيل: كلام الله قديم، بمعنى أنه لم يَصِر متكلّمًا بعد أن لم يكن متكلمًا، ولا كلامه مخلوق، ولا معنى واحد قديم [قائم]
(2)
بذاته، بل لم يزل متكلمًا إذا شاء، فهذا كلام صحيح. ولم يقل أحدٌ من السلف: إن نفس الكلام المعين قديم، وكانوا يقولون: القرآن كلام الله منزل غير
(1)
أخرجه البخاري (1)، ومسلم (1907) من حديث عمر رضي الله عنه.
(2)
من (ف).
مخلوق، منه بدأ وإليه يعود. ولم يقل أحدٌ منهم: إن القرآن قديم، ولا قالوا: إن كلامه معنى واحد قائم بذاته، ولا قالوا: إن القرآن أو حروفه وأصواته قديمة أزلية قائمة بذات الله، [وإن كان جنس الحروف لم يزل الله متكلمًا بها إذا شاء]
(1)
بل قالوا: إن حروف القرآن غير مخلوقة، وأنكروا على من قال [ق 34]: إن الله خلق الحروف.
وكان أحمد وغيره من السلف ينكرون على من يقول: لفظي بالقرآن مخلوق أو غير مخلوق. ويقولون: من قال: هو مخلوق فهو جهمي، ومن قال: غير مخلوق فهو مبتدع. فإن اللفظ يُراد به مصدر لفظ يلفظ لفظًا، ويُراد باللفظ الملفوظ به، وهو نفس الحروف المنطوقة.
وأما أصوات العباد ومداد المصاحف فلم يتوقف أحد من السلف في أن ذلك مخلوق، وقد نصَّ أحمد على أن أصوات القارئ صوت العبد، وكذلك غير أحمد من الأئمة، وقال أحمد:«من قال: لفظي بالقرآن مخلوق ــ يريد به القرآن ــ فهو جهمي»
(2)
.
والإنسان وجميع حركاته وأفعاله وأصواته مخلوقة، وجميع صفاته مخلوقة، فمن قال عن شيء من صفاته: إنها [غير] مخلوقة أو قديمة فهو مخطئ ضال.
ومن قال عن شيء من كلام الله أو صفاته: إنه مخلوق فهو مخطئ
(1)
ما بين المعكوفين من (ف).
(2)
انظر «السنة» : (7/ 72) للخلال.