المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ الأموال السلطانية - جامع المسائل - ابن تيمية - ط عطاءات العلم - جـ ٧

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌مسائل أهل الرَّحبةلشيخ الإسلام ابن تيمية

- ‌ الرّجُل وقعت عليه جنابة، والوقت بارد، إذا اغتسل فيه يؤذيه

- ‌ إذا عَدِم الماء وبَيْنه نحو الميل، إذا أخَّر الصلاة خرج الوقت

- ‌ الذي يحلف بالطلاق أنه لا يفعل شيئًا ثم يفعله هل يلزمه الطلاق

- ‌ العبد هل يكفر بالمعصية أم لا

- ‌ مافي المصحف هل هو نفس القرآن أو كتابته، وما في صدور القُرَّاء

- ‌الذي يُصلي وقتًا ويترك الصلاةَ كثيرًا أو لا يصلي

- ‌ الكفار هل يُحاسبون يوم القيامة أم لا

- ‌ الشفاعة في أهل الكبائر من أمَّة محمد صلى الله عليه وسلم وهل يدخلون الجنة

- ‌ المطيعون من أمة محمد هل هم أفضل من الملائكة

- ‌ الميزان هل هو عبارة عن العدل أم له كِفَّتان

- ‌سؤال عن الله تعالى هل أراد المعصية من خلقه أم لا

- ‌ الباري سبحانه هل يُضل ويهدي

- ‌ المقتول هل مات بأجله أو قَطَع القاتلُ أجلَه

- ‌ الغلاء والرُّخْص هل هما مِنَ الله تعالى أم لا

- ‌ السؤال عن المعراج، هل عُرِج بالنبيّ صلى الله عليه وسلم يقظة أو منامًا

- ‌ المبتدعة هل هم كفار أو فسَّاق

- ‌ غسل الجنابة هل هو فرض؟ وهل يجوز لأحد الصلاة جنبًا

- ‌ مَلك(2)الموت، هل يُؤتَى به يوم القيامة ويُذْبح أم لا

- ‌من اعتقد الإيمان بقلبه ولم يقر بلسانه، هل يصير مؤمنًا

- ‌ البئر إذا وقع بها نجاسة هل تنجس أم لا، وإن تنجست كم ينزح منها

- ‌ شهر رمضان هل يصام بالهلال أو بالحساب والقياس

- ‌ الصبي إذا مات وهو غير مطهَّر هل يقطع ختانه بالحديد

- ‌ رَشاش البول وهو في الصلاة أو في غيرها ويغفل عن نفسه

- ‌ المقتول إذا مات وبه جراح فخرج منها الدم، فهل يُغسَّل ويُصلى عليه أم لا

- ‌ رجل يقرأ القرآن للجهورة ما عنده أحدٌ يسأله عن اللحن

- ‌ القاتل خطأ أو عمدًا هل ترفع الكفارةُ المذكورة في القرآن ذنبَه

- ‌ الخمر والحرام هل هو رزق الله للجهال، أم يأكلون ما قدّر لهم

- ‌ الإيمان هل هو مخلوق أو غير مخلوق

- ‌ الإمام إذا استقبل القبلة في الصلاة هل يجوز لأحد أن يتقدم عليه

- ‌في قتل الهوام في الصلاة

- ‌ الدابة إذا ذُبحت والغَلْصَمة(3)مما يلي البدن هل يحل أكلها

- ‌ الصلاة في طريق الجامع والناس يصلون برَّا

- ‌ تارك الصلاة من غير عذرٍ هل هو مسلم في تلك الحال

- ‌ الجُبّة الضيِّقة الكُمّين

- ‌ الفَرُّوج

- ‌ السراويل

- ‌ لبس الطيالسة(2)على العمائم

- ‌قاعدة في الفَنَاء والبَقَاء

- ‌سلامةُ القلب المحمودةُ

- ‌النوع الثاني: الفناء عن شهود السّوى

- ‌الرسالة في أحكام الولاية

- ‌ولاية أمور الإسلام(1)من أعظم واجبات الدين

- ‌ولاية الشرطة والحرب من الولايات الدينية

- ‌كتاب الشيخ إلى بعض أهل البلاد الإسلامية

- ‌ الأموال السلطانية

- ‌صورة كتاب عنابن عربي والاعتقاد فيه

- ‌مسألة فيتفسير قوله تعالى: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ .. }وتفسير آيات أخرى

- ‌مسألة في الرَّمي بالنُّشَّاب

- ‌الرمي بالنُّشّاب من الأعمال الصالحة

- ‌لم يكن السلف يرمون بالبندق

- ‌[مسائل فقهية مختلفة]

- ‌ الدّعاء بعد الصلوات

- ‌ الكلب إذا ولغ في اللبن أو غيره

- ‌ التوضؤ من لحوم الإبل

- ‌مسألة في باب الصفاتهل فيها ناسخ ومنسوخ أم لا

- ‌مسألة: في قول أبي حنيفةفي "الفقه الأكبر" في الاستواء

- ‌مسألة في العلو

- ‌ معنى حديث: «من تقرَّب إليَّ شِبرًا

- ‌الوجه الثاني:

- ‌مسألة في إثبات التوحيد والنبواتبالنقل الصحيح والعقل الصريح

- ‌تعريف الرسل على وجهين:

- ‌قاعدة مختصرةفي الحُسْن والقُبْح العقليين

- ‌فصل في الحكم العقلي

- ‌مجموعةُ فتاوى من:الدُّرَّةِ المضِيَّة في فتاوى ابنِ تيميَّة

- ‌[مسألة: في الجهر بالنية والتكبير والدعاء

- ‌[مسألة في شرائط الصلاة، وصفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، والسنن الرواتب]

- ‌مسألةفي زيارة القدس أوقات التعريف

- ‌العبادات مبناها على التوقيف والاتباع

- ‌مَسْألة في عَسْكَر المنصور المتوجِّهإلى الثغور الحلبية سنة 715 هـ

- ‌سَعْي المسلمين في(1)قَهْر التتار والنصارى والروافض مِنْ أعظم الطاعات والعبادات

- ‌صورة مكاتبة الشيخ تقي الدينللسلطان الملك المنصور حسام الدين لاجينسنة ثمان وتسعين وستمائة

- ‌[مسألة في الداء والدواء]

- ‌فصلفيما يجمع كليات المقاصد

- ‌الإعانة على الإثم والعدوان

- ‌الغيرة التي يحبها الله

- ‌[مسائل فقهية مختلفة]

- ‌ فيمن ينوي الغسل، فتوضأ، ثم اغتسل هل يجزيه، أم يتوضأ ثانيًا

- ‌ هل تجب أن تكون [النية] مقارنةً للتكبير

- ‌ في رجلٍ إذا صلّى بالليل ينوي ويقول: أصلّي لله نصيب الليل

- ‌ في إمام مسجد يصلي فيه دائمًا، وينوب في مسجد آخر، فصلاته الثانية تكون قضاء أم إعادة

- ‌[سؤال عن حراسة المكان وقت صلاة الجمعة]

- ‌ في رجل حلف بالطلاق ثلاثًا: إن لفلان على امرأتي

- ‌ع ما يُحْدِثه الناس في أعياد الكفار

- ‌مسألة: في جماعة من النِّساء قد تظاهرنَ بسلوك طريق الفُقَرَاء

- ‌ عادم الماء إذا لم يجد ترابًا، فإنه يتيمم

- ‌في بلدة ليس فيها حمّام والمغتَسَل خارج البلد، وإذا طلع الرجل وقت صلاة الصبح يجد مشقَّة من البرد

- ‌السفر الذي يُقْصَر فيه ويفطر فيه، فيه قولان:

- ‌ رفع اليدين في الصلاة

- ‌[مسألة في إجبار البكر البالغ]

الفصل: ‌ الأموال السلطانية

وأما‌

‌ الأموال السلطانية

؛ فإن الله تعالى جعلها لمن يجلب للمسلمين المنفعة في دينهم ودنياهم، ويدفع عنهم المضرَّة في دينهم ودنياهم، ولذوي السوابق والحاجات من المسلمين.

فأهل المنفعة مثل: ولاة الأمور، [و] ولاة الحرب، وولاة الحكم، وولاة الديوان، والمشايخ والعلماء، وأئمة المساجد والمؤذِّنين، وكل من تولى في مصلحة المسلمين. ومثل الجند المقاتلة الذين ينصرونَ الله ورسولَه، ويجاهدون في سبيل الله بسيوفهم.

وذوو

(1)

السوابق مثل: بني هاشم، وبني [ق 4] المطَّلِب من أقارب النبيّ صلى الله عليه وسلم.

ومثل أولاد الجُنْد الصغار الذين مات آباؤهم [أ] وقُتلوا، فإنه يجب أن يُرْزَق أولاد الجندية حتى يبلغوا ويصيروا من المقاتلة، أو يخرجوا عن ذلك، ويُنْفَق على النساء حتى يتزوجن.

وذوو الحاجات هم: فقراء المسلمين، فإذا كان الرجل فيه الحاجة والمنفعة للمسلمين كان استحقاقه أوكد.

(1)

الأصل: "وذو".

ص: 234

وأما الحكم بين الناس فهو في الحدود والحقوق:

فالحدود؛ كلُّ من تعدَّى حدودَ الله فإنه يُعاقَب بما شرعه الله ورسوله، مثل إقامة الحدود على قُطَّاع الطريق، وشُرَّاب الخمور، والمعلنين بالفواحش المحرَّمة، والمظهرين للبدع المخالفة للكتاب والسنة.

والحقوق؛ مثل ما بين الناس من الدِّماء والأموال والأعراض والأبضاع ونحو ذلك.

والمقصود بذلك كلّه أن يكون الدين كله لله، وأن تكون كلمة الله هي العليا، فإن الله تعالى يقول في كتابه:{وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} [الأنفال: 39].

ولهذا أوجب على المسلمين أن يقاتلوا من خرج عن شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن ادعى الإسلام، كما قاتل أبو بكر الصديق وأصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم مانعي الزكاة.

وقال عمر بن الخطاب ــ رضي الله عنه ــ لأبي بكر الصديق ــ رضي الله عنه ــ: كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أُمِرْت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقّها وحسابهم على الله". فقال له أبو بكر: فإن الزكاة مِنْ حقِّها. قال

ص: 235

عمر: فوالله ما هو إلا أنْ رأيتُ الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعلمتُ أنه الحق

(1)

.

واتفق الصحابة على قتال أقوام كانوا يصلّون ويصومون شهر رمضان إذا خرجوا عن بعض شرائع الإسلام، وقد تواتر في الصحاح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر الخوارج فقال: "يَحْقِر أحدُكم صلاتَه مع صلاتهم، وصيامَه من صيامهم، وقراءته مع قراءتهم، يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السَّهم من الرَّمِيَّة، أينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قَتْلهم أجرًا لمن قتلهم عند الله يوم القيامة، لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل

(2)

عاد"

(3)

. وهؤلاء قاتلهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب مع الصحابة.

فإذا كان هؤلاء مع كثرة صومهم وصلاتهم وقراءتهم قد أمر النبيُّ صلى الله عليه وسلم بقتالهم، لخروجهم عن شرائع المسلمين [ق 5] ......

(4)

[{وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ][ق 6] لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} [النساء:125]. وقال

(1)

أخرجه البخاري (1399)، ومسلم (20) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(2)

الأصل:"قتلة".

(3)

أخرجه البخاري (3611)، ومسلم (1066) من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وتقدم.

(4)

سقطت ورقة [5] من الأصل.

ص: 236

تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110].

فالمسلم يفعل ذلك إيمانًا واحتسابًا؛ إيمانًا بأنَّ الله تعالى أمرَه بذلك، واحتسابًا بالأجر على الله، كما قال عمر بن الخطاب ــ رضي الله عنه ــ:"لا عمل لمن لا نية له، ولا أجر لمن لا حِسْبة له"

(1)

.

فإن الإنسان إذا أطاع ذا سلطان

(2)

أو نصح الأمة؛ للرغبة إلى الخلق والرهبة منهم= كان عبد السوط والدرهم. كما ثبت في "الصحيح" عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "تَعِسَ عبدُ الدرهم، تَعِسَ عبد الدينار، تَعِس عبد الخميصة، تَعِس عبدُ القطيفة، تَعِس وانتكس، وإذا شِيْك فلا انتقش، إن أُعْطيَ رضي، وإن لم يُعْطَ سَخِط"

(3)

.

والخميصة: كساء يُلبس. والقطيفة: ما يُجْلس عليه.

فدعا على من يكون عبد النفقة والكسوة، وإنما المؤمن عبد الله،

(1)

أخرجه ابن أبي الدنيا في "التقوى" ــ كما في كنز العمال: 16/ 155 ــ بإسناد منقطع، كما في جامع العلوم والحكم:(1/ 69 - 70) ــ لابن رجب. وأخرجه البيهقي عن أنس مرفوعًا في "الكبرى": (1/ 41)، والخطيب في "الجامع":(693)، وغيرهما. قال الحافظ في "التلخيص":(1/ 150): "في سنده جهالة". وله شاهد من حديث أبي ذر عند الديلمي.

(2)

"أطاع ذا سلطان" غير واضحة، ولعلها ما أثبت.

(3)

أخرجه البخاري (2887) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 237

يعبد الله تعالى بامتثال أوامره واجتناب نواهيه. وإذا كان ذا

(1)

ولاية عَدَّ ما يفعله من العدل والإحسان عبادةً لله تعالى يتقرَّب بها إليه. وإن كان من الرعية عدّ طاعتَه في طاعة الله، ونصيحتَه عبادة

(2)

لله يَتَقرَّب بها إلى الله، وذلك كله داخل في قوله تعالى:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [المائدة: 2].

وإذا كان الله تعالى قد أمر ولاة الأمور بأداء الأمانات والحكم بالعدل؛ والأمانات هي: الولايات والأموال، فالأصل في الولايات القوة والأمانة، وإذا تعذَّر ذلك عمل الممكن، فإن الله لا يكلِّف نفسًا إلا وُسْعها، قال الله تعالى:{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16]. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا أمرتكم بأمرٍ فاتوا منه ما استطعتم"

(3)

.

وأصلُ ذلك أن يولِّي الرجلُ أصلحَ من يقدر عليه، وإن لم يوجد الأصلح إلا وفيه نوعٌ من العجز أو الفجور؛ فهذا هو الواجب، بخلاف من قدَّم المفضول لجهلٍ أو هوى. قال النبي صلى الله عليه وسلم:"من قلَّدَ رجلاً عملاً على عصابة وهو يجد في تلك العصابة من هو أرضى لله منه، فقد خان الله وخان رسوله وخان المؤمنين" رواه الحاكم في "صحيحه"

(4)

.

(1)

الأصل: "ذو".

(2)

"عبادة" ملحقة في الهامش.

(3)

أخرجه البخاري (7288)، ومسلم (1337) وتقدم.

(4)

سبق تخريجه (ص 231 ــ 232).

ص: 238

وأما الأموال المشتركة كلها؛ من مال الفيء، والصدقات المفروضة، والصدقات الموقوفة، والأموال التي يقبضها الولاة لبيت المال من أموال الرعية بتأويل أو ظلم وتعذَّر ردُّها إلى مستحقّيها.

فمالُ الفيء الذي أفاء الله على رسوله من أهل القرى، مثل أكثر الأرض السلطانية الداخلة في الإقطاعات وما لها من خراجٍ قديم أو جديد هو مثل الحَكْر، ومثل مال الجِزْية، وما [ق 7] يُقبض من أموال أهل الحرب بصلح أو بتجارة.

والصدقات مثل عُشور الغلَّات، وزكاة الماشية التي قد كتبها العدَّاد، وزكاة أموال التجار التي تُؤخذ من المسافرين بِدُور الزكاة.

وسائر الأموال السلطانية معروفة، والأموال الموقوفة التي يتقلّدها غالبًا الحاكم أو ناظر حاضرٌ، كأوقاف المساجد والمدارس، والرُّبُط والزوايا، وما يطلق أيضًا من بيت المال لهذه الجهات.

كل

(1)

هذه الأموال المشتركة تُسْتحقُّ بأحد ثلاثة أسباب: منفعة الرجل للمسلمين، أو حاجته، أو سابقته

(2)

.

(1)

هنا تعليق في الهامش لم يظهر كاملاً.

(2)

جعلهم المصنف هنا ثلاثة أقسام، وفي "السياسة الشرعية"(ص 72) جعلهم أربعة، إذ جعل هنا (منفعة الرجل للمسلمين) قسمًا واحدًا شاملًا للرجل وغنائه والرجل وبلائه، وهناك جعلهما قسمين: من يغني عن المسلمين في جلب المنافع كالساسة والعلماء، ومن يبلي حسنًا في دفع الضرر عنهم، كالمجاهدين والأجناد.

ص: 239

وقد ذكر عمر بن الخطاب أمير المؤمنين ــ رضي الله عنه ــ ذلك فقال: "إنه ليس أحدٌ بأحقّ بهذا المال من أحدٍ، إنما هو الرجلُ وغَناؤه، والرجلُ وبلاؤه، والرجلُ وفاقته، والرجلُ وسابقته"

(1)

. فهذا ذَكَرَه في مال الفيء ونحوه من الأموال السلطانية.

فالرجلُ وبلاؤه؛ هم المقاتِلَة في سبيل الله حُمَّال السلاح، يُرْزقون من مال الله تعالى ــ مال الفيء وغيره ــ ما أعطاهم اللهُ ورسولُه.

والرجلُ وغَناؤه؛ مثل ولاة الأمور، [و] ولاة الحرب، مثل نُوَّاب السلطان، ووالي الشرطة، الذين يقيمون الحدود، ويخلِّصون الحقوق، ويحفظون الطرقات، ويدفعون ظلم الظالم عن المظلوم، وهم الشادّون لأمر الله ورسوله الذي جاء به الكتاب والسنة.

ومثل ولاة الأموال من الكُتَّاب والجُباة وغيرهم من العُمَّال، كما ذكرهم الله تعالى في كتابه.

ومثل ولاة الحكم والقضاة الذين يَفْصِلون الخصومات، ويتولون ما يتولونه من العقود والفسوخ، وحفظ أموال اليتامى والغائبين، والنظر في الأوقاف وإجرائها على شروط واقفيها، وغير ذلك من مصالح المسلمين.

(1)

أخرجه أحمد (292)، وأبو داود (2950)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى:(6/ 346). وصحح إسناده أحمد شاكر في تعليقه على "المسند": (1/ 281). وفي إسناده مقال.

ص: 240

وكذلك أمر المساجد والمؤذنين

(1)

، والمُفْتون والمعلِّمون، ومُقْرئو القرآن، ومبلِّغو الأحاديث النبوية، والمشايخ الذين يؤدِّبون الناس، ويأمرونهم بما أمر الله به ورسولُه= كلُّ هؤلاء لهم غَناء عن المسلمين، لقيامهم في مصالح دينهم ودنياهم.

والقسم الثاني: الفقراء والمحاويج، والغارمون، وأبناء السبيل، وغيرهم، فيُعْطَون لحاجتهم وفقرهم.

والثالث: ذوو السابقة الذين استحقوا بالنسب، كاستحقاق ذوي القُرْبى، قربى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخمس والفيء. واستحقاق ذرية الأجناد إذا مات أباؤهم، فإنه يُنفَق على صغار ولده، حتى يبلغ ذَكَرُهم وتتزوَّج أُنثاهم، وعلى امرأته حتى تتزوج.

ومثل الوقف الموقوف على بني فلان، [ق 8] إما رجل وقف على ذرّيته أو ذرّية غيره، كرجل صالح أو صاحب له أو غير ذلك.

فأهل الزكوات إما من يأخذ لحاجته كالفقراء والغارمين وابن السبيل، أو لمنفعته كالعامل والغازي.

وكذلك أهل الأوقاف الحكمية، مستحقّها إما صاحب منفعة كالإمام والمؤذن والمدرِّس، وإما محتاج كالمُوْقَف على الفقراء والمساكين، وكذلك أموال الفيء وغيره من المصالح.

(1)

كذا في الأصل، ولعلها:"أئمة المساجد والمؤذنون".

ص: 241

هذا هو الأصل الذي دلَّ عليه الكتابُ والسنة، وهو الذي يعتمده ولاة الأمور في أداء الأمانات إلى أهلها. وبذلك تنتظم مصلحتهم في الدنيا والآخرة، وما لا يُدْرَك كلُّه لا يُترَك كُلّه.

فهذه قاعدة كليّة جامعة لولاة أمور المسلمين، فإنَّ جميع هذه الأمور داخلة في حُكم الكتاب والسنة، وسنة الخلفاء الراشدين.

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتولى بنفسه في المدينة المصالح العامة؛ من تعليم

(1)

العلم، والقضاء والجهاد، واستيفاء الحساب على العمال، حتى ثبت عنه في "الصحيح"

(2)

أنه استعمل رجلًا على الصدقة، فلما رجع حاسبه، وهو استيفاء الحساب.

وكان له من هو بمنزلة صاحب الشرطة؛ ففي "الصحيح"

(3)

عن أنس بن مالك ــ رضي الله عنه ــ قال: كان قيس بن سعد بن عُبادة من النبي صلى الله عليه وسلم بمنزلة صاحب الشرطة من الأمير.

وكان له الكُتَّاب يكتبون الوحي والعلم، ويكتبون العهود والشروط، ويكتبون الرسائل والعطايا والولايات. كتب له أبو بكر رضي الله عنه، وعمر رضي الله عنه، وعثمان وعلي رضي الله عنهما، وزيد بن ثابت،

(1)

الأصل: "تعلم".

(2)

أخرجه البخاري (1500)، ومسلم (1832) من حديث أبي حميد الساعدي رضي الله عنه.

(3)

البخاري (7155). وفيه "صاحب الشّرَط".

ص: 242

ومعاوية وغيرهم رضي الله عنهم أجمعين.

فكُتَّاب الوحي يُشْبِههم من بعض الوجوه كُتَّاب العلم في هذا الزمان. وكُتَّاب العهود والشروط يُشبِهُهم كُتَّاب الشروط التي بين الناس عند الحكام وغيرهم. وكُتَّاب الرسائل والعطايا والولايات يُشْبِههم كُتّاب الإنشاء.

وكان يؤمِّر الأمراء على البلاد، فلما انتشرت الرعيّة في زمن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ــ رضي الله عنه ــ وضَعَ الديوان ديوان العطايا والنفقات، وديوان الخراج الأول مثل ديوان المجاهدين، وديوان الذرِّية الذين ليسوا بمجاهدين من النساء والصبيان، وديوان الخراج الذي يجمع الأموال المستخرجة.

وجعل له على المِصْر ثلاثة ولاة: والي الحرب، ووالي المال، ووالي الحكم. كما استعمل على الكوفة ثلاثة؛ فولى عمار بن ياسر على الحرب. وأمير الحرب هو الذي كان يصلي بالناس. وعبد الله بن مسعود على القضاء وبيت المال، وعثمان بن حنيف على الخراج، وهو المال. وكان زيد بن ثابت على ديوان [ق 9] الجيش والعطاء.

وهذه الولايات الثلاثة هي قوام الأمة، لكن دخل في ذلك زيادة ونقصان وتغيير، تارةً بحسب الرأي والمصلحة، وتارةً بحسب الهوى والشهوة، وتارةً بمجموعهما.

ص: 243

فالله تعالى يوفِّق ولاة أمور المسلمين وعامتهم لما يحبه ويرضاه من القول والعمل، ويعينهم على مصالح الدنيا والآخرة.

وحامل هذه التحية الشيخ القدوة تقيّ الدين ابن الشيخ محمد بن الشيخ الكبير الشيخ عثمان ..

(1)

هو وإخوته أهل بيت خير ودين ومنفعة للناس في دينهم ودنياهم، وقد لزمهم بسبب حاجتهم وبسبب خدمتهم للناس ديونٌ، ولهم حقٌّ في الأموال المشتركة الثلاثة، تارةً من جهة حاجتهم، وتارة من جهة منفعتهم، وتارة من جهة سابقتهم. فإذا عُومل هؤلاء بما لهم وأوصِلَ إليهم ما يستحقونه= كان ذلك مما يجلب لصاحبه الدعاء المستجاب، والثناء المستطاب، وجزيل الأجر والثواب، فخير المعروف ما وافق محلّه.

والله هو المسؤول أن يعين ولاة الأمور وسائر المسلمين على مصالح الدنيا والآخرة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

كتبه لنفسه محمد بن أحمد بن علي الخطيب

(2)

في رابع عِشْري شهر رمضان سنة ست وثلاثين وسبعمائة، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد النبي وآله وسلم تسليمًا.

(1)

كلمة لم أتمكن من قراءتها، وكتب في الهامش مقابلها كلمة لم تتضح.

(2)

غير واضحة في الأصل، لكنها واضحة في رسالة أخرى بخط الناسخ نفسه ستأتي هنا.

ص: 244