الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
آخر. ولم لم يزدرع هذه الأرض هل كان يزدرعها غيره أم كانت تكون مواتًا لا زرع بها؟ وهذا الذي تعلَّم القرآنَ مِن هذا لو لم يتعلّمْه هل كان يتعلّمه من هذا
(1)
، أم لم يكن يتعلم القرآن البتة؟ ومثل هذا كثير.
فصل
(2)
* وأما
الغلاء والرُّخْص هل هما مِنَ الله تعالى أم لا
؟
فالجواب: أنّ جميع ما سوى الله من الأعيان وصفاتها وأحوالها مخلوقةٌ لله، مملوكةٌ لله، وهو ربها وخالقها ومليكها ومدبّرها، لا ربَّ لها غيره، ولا إله سواه لها، له الخلق والأمر، لا شريكَ له في شيء من ذلك ولا مُعين، بل هو كما قال سبحانه:{قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ (22) وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} [سبأ: 22 ــ 23].
أخبر سبحانه أنَّ ما يُدعَى من دونه ليس له مثقال ذرَّةٍ في السماوات ولا في الأرض، ولاشرك في ملك، ولا إعانة على شيء، وهذه الوجوه الثلاثة هي
(3)
التي يثبت بها حقّ، فإنه إما أن يكون مالكًا للشيء
(1)
(ف): «من غيره» وهو الأنسب.
(2)
هذا السؤال في «مجموع الفتاوى» : (8/ 519 - 523).
(3)
الأصل: «وهي» والمثبت من (ف).
مستقلًّا
(1)
بملكه، أو يكون مشاركًا فيه له فيه نظير
(2)
، أو لا ذا ولا ذاك، فيكون معينًا لصاحبه كالوزير والمشير والمعلّم والمنْجِد والناصر، فبين سبحانه أنه ليس لغيره ملك مثقال ذرةٍ في السماوات ولا في الأرض، ولا لغيره شرك في ذلك لا قليل ولا كثير، فلا يملكون شيئًا، ولا لهم شرك في شيء، ولا له سبحانه ظهير، وهو المظاهر المعاون، فليس له وزير ولا معين ولا مشير ونظير، وهو كما قال سبحانه:{وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا} [الإسراء: 111].
فإنَّ المخلوق يوالي المخلوق لذلّه؛ فإذا كان له من يواليه [عز بوليه]
(3)
، والرّبُّ تعالى لا يوالي [ق 44] أحدًا لذلّته
(4)
تعالى عن ذلك، بل هو العزيز بنفسه، و {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا} [فاطر:10]، وإنما يوالي عبادَه المؤمنين لرحمته
(5)
ونعمته وحكمته، وإحسانه وجوده، وتفضُّله وإنعامه.
(1)
الأصل: «مشتغلًا» والصواب ما أثبت.
(2)
الأصل: «نظيرًا» .
(3)
ما بين المعكوفين من (ف).
(4)
الأصل: «القاه» تحريف، والمثبت من (ف).
(5)
الأصل: «رحمه» .
وحينئذٍ فالغلاء بارتفاع الأسعار والرُّخص بانخفاضها، هما
(1)
من جملة الحوادث التي لا خالق لها إلا الله وحده، ولا يكون شيءٌ منها إلا بمشيئته وقدرته، لكن هو سبحانه قد جعل بعضَ أفعال العباد سببًا في بعض الحوادث، كما جعل [قتل] القاتل سببًا في موت المقتول، وجعل ارتفاع الأسعار قد يكون بسبب ظلم بعض العباد، وانخفاضها قد يكون بسبب إحسان بعض الناس، ولهذا أضاف من أضاف من القدريَّة المعتزلة وغيرهم الغلاءَ والرخصَ إلى بعض الناس، وبنوا ذلك على أصولٍ فاسدة.
أحدها: أنَّ أفعال العباد ليست مخلوقة لله.
والثاني: أنَّ ما يكون فعل العبد سببًا له، يكون العبد هو الذي أحدثه.
والثالث: أنّ الغلاء والرُّخْص إنما يكون بهذا السبب.
وهذه أصول باطلة، فإنه قد ثبت
(2)
أنّ الله خالق كلّ شيء من أفعال العباد وغيرها، ودلت على ذلك الدلائل الكثيرة السمعية [والعقلية]، وهذا متفق عليه من السلف والأئمة، وهم مع ذلك يقولون: إن العباد لهم قدرة ومشيئة، وأنهم فاعلون لأفعالهم، ويثبتون ما خلقه الله من الأسباب، وما خلق له
(3)
من الحِكَم.
(1)
الأصل: «وهما» ، والمثبت من (ف).
(2)
في الأصل زيادة «في الصحيح» وليست في (ف). ولعلها مقحمة، والسياق يدل على ذلك.
(3)
(ف): «الله» .
ومسألة القدر مسألةٌ عظيمة ضلَّ فيها طائفتان من الناس
(1)
:
طائفة أنكرت أنَّ الله تعالى خالق كلِّ شيء، أو أنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، كما أنكرت ذلك المعتزلة. وطائفة أنكرت أن يكون العبد فاعلًا لأفعاله، أو أن يكون له قدرة لها تأثير في مقدورها، أو أن يكون في المخلوقات ما هو سببٌ لغيره، أو أن يكون الله خلق شيئًا لحكمة، كما أنكر ذلك الجهم بن صفوان [ق 45] ومن اتبعه من المُجْبرة الذين ينتسب كثيرٌ منهم إلى السُّنة. فالكلام على هذه المسألة مبسوط في مواضع أخر.
وأما
(2)
الثاني: وهو أنّ ما كان فِعْلُ العبد أحدَ أسبابه، كالشبع والرِّي الذي يكون بسبب الأكل، وزهوق النفس الذي يكون بسبب القتل، فهذا قد جعله أكثر المعتزلة فعلًا للعبد، والجبرية لم يجعلوا لفعل العبد فيه [تأثيرًا، بل ما]
(3)
تيقّنوا أنه سبب، قالوا: إنه عنده لا به. وأما السلف والأئمة فلا يجعلون للعبد فعلًا
(4)
لذلك كفعله لِمَا قام به من الحركات، ولا يمنعون أن يكون مشاركًا أسبابه، وأن يكون الله جعل فعل العبد مع غيره أسبابًا في حصول مثل ذلك.
(1)
كتب أولًا «المسلمين» ثم ضرب عليها.
(2)
تكررت في الأصل.
(3)
العبارة في الأصل: «الفعل للعبد فيه ناسا بل» ! والتصحيح من (ف).
(4)
(ف): «يجعلون العبد فاعلًا» .
وقد ذكر الله في كتابه النوعين بقوله: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (120) وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [التوبة: 120 ــ 121].
والإنفاق والسير هو نفس أعمالهم القائمة بهم فقال فيها: {إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ} ولم يقل: «إلا كُتب لهم به عمل صالح» فإنها بنفسها عمل، بنفس كتابتها يتحَصَّل بها المقصود، بخلاف الظمأ والنَّصَب والجوع الحاصل بغير
(1)
الجهاد، وبخلاف غيظ الكفار وبما نيل منهم؛ فإن هذه ليست نفس أفعالهم، وإنما هي حادثة عن أسباب منها أفعالهم، فلهذا قال تعالى:{إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ} . فبيَّن
(2)
أنَّ ما يحدث من الآثار عن أفعال العبد يُكْتب لهم بها عمل؛ لأن أفعالهم كانت سببًا فيها، كما قال صلى الله عليه وسلم: «من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه، من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الوِزْر [ق 46] مثل أوزار من اتبعه من غير أن ينقص
(1)
رسمها في الأصل: «بسفر» ، والمثبت من (ف).
(2)
(ف): «فتبين» .