الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأمثالَه عن ذلك، فإن المسلمين متفقون على أن أكلَ الحيات ليس مما أمر الله به ورسولُه، ولا هو من كرامات الأولياء، بل ذلك محرَّم عند جمهور علماء المسلمين. وقد ثبت في الصحيحين
(1)
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «خمسُ فواسقَ يُقتَلنَ في الحلّ والحرم» ، وذكر منها الحية والعقرب. وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه أمر بقتل الحيّات
(2)
، ولم يتقدم لأحدٍ من أهل الخير أمرٌ لأحدٍ من أتباعهم بأكل الحيات.
ومن أكلَ الحياتِ والعقارب والزنابير والميتةَ والعذراتِ وغير ذلك من هؤلاء المنتسبين إلى الفقر والتولُّه، فإن الشيطان يَدخلُ فيهم حتى يأكلوا ذلك، ثم يفعلوا ما حرَّمه الله ورسولُه، فلا يأكلون طيبًا ولا يعملون صالحًا. وهؤلاء خالفوا أمر الله، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال
(3)
: «إن الله تعالى أمرَ المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة: 172]، وقال تعالى:{يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا} [المؤمنون: 51]. وهؤلاء خالفوا أمرَ الله، فلم يأكلوا طيبًا ولم يعملوا صالحًا.
وكذلك
من أمرَ مُريديه بدخول النار فهو شيخٌ ضالٌّ مبتدع
، غايته أن
(1)
أخرجه البخاري (1829) ومسلم (1198) عن عائشة. وفيه ذكر الحدأة لا الحية. وقد جاء ذكر الحية في حديث ابن عباس في مسند أحمد (1/ 257).
(2)
أخرجه مسلم (1200) عن ابن عمر عن إحدى نسوة النبي صلى الله عليه وسلم.
(3)
أخرجه مسلم (1015) عن أبي هريرة.
يكون معه شياطين تلبس المريدَ حتى يدخل النار، ولهذا إنما يدخلونها عند أهل الجهل والضلال الذين ليس عندهم من الإيمان شيء واليقين ما يحضر معه الملائكة الذين يطردون الشياطين، فإذا حضر هؤلاء عند أهل العلم والإيمان بالله ورسولِه، المُتَّبِعين لمحمد صلى الله عليه وسلم باطنًا وظاهرًا، فدخلَ أحدُهم النارَ احترقَ، لأن شياطينه التي كانت تلبسه تهربُ حينئذٍ، وإذا قرأ عليهم الصادقُ آيةَ الكرسي مرّاتٍ بقلبٍ صادق هربت شياطينُهم وأحرقتْهم النار، كما قد جَرى مثلُ ذلك لغيرِ واحد من الصالحين معهم. هذا إن كان أحدهم يأكل الحية ويدخل النارَ بالحال الشيطاني.
وأما من يفعل ذلك بالمحال البهتاني، فهؤلاء يصنعون حِيَلًا وأدويةً كحجر الطَّلْق ودهن الضفادع وقُشور النارنج وغير ذلك من الأدوية المعروفة عند من يُعاني ذلك. وكذلك ما يُظهرونه من الدم والزعفران واللاذَن
(1)
والسمن مَن يكون عن حالٍ شيطاني، ومن يكون عن حالٍ بهتاني.
وأما تَولِيْهُ النساء والصبيان والرجال بحيث يزول عقلُ أحدهم ويبقَى مسلوبَ العقل، فهذا من المحرَّمات التي يستحق فاعلُها غليظَ العقوبات. فكل من قصدَ أن يُزيل عقلَه بسببٍ من الأسباب فإنه آثمٌ عاصٍ معتدٍ، حتى قد حرَّم الله ما يُزيل العقلَ بعضَ يومٍ كشراب الخمر، وحرَّم قليلَ الخمر وإن كان لا يُسكِر لأنه يدعو إلى كثيرها، مع ما في
(1)
هو شيء من رطوبة يكون على شجرة القيسوس، يُستخرج منه صمغ راتينجي، يُعلَك ويُستعمل عطرًا ودواءً. انظر: المعتمد في الأدوية المفردة (ص 439) والمعجم الوسيط (لذن).
الخمرة من اللذة والمنفعة، فكيف إذا أزيل العقل بلا منفعة؟
ولهذا إنما يتولَّهُ أحدُهم إذا لبسه الشيطان، وإن تمكَّن منه صارَ لا يعقل، وإن كان يعتريه بعضَ الأوقات أو يعتريه في حالِ السماع كان بمنزلةِ المجنون الذي يُصرَع في بعض الأوقات. ولهذا يتكلم الشياطين على لسانِ أحدِهم إذا أخذه الحالُ الشيطاني وقتَ السماع، كما يتكلم الجني على لسان المصروع، ويتكلم أحدهم بكلامٍ لا يَعرِفُه بلغاتٍ لا يُحسِنها كما يسمع من المصروع، وإذا فارقَه الحالُ الشيطاني لم يَدرِ ما تكلم على لسانه، ولكن الحاضرون يقولون له: قلتَ كذا وقلتَ كذا، وهو لايعرف بشيء من ذلك، كما يقول للمصروع: قلت كذا وقلت كذا، والمصروع لا يعرف شيئًا مما تكلم به الشيطانُ على لسانِه.
ولهذا لا تأتيهم الأحوال الشيطانية عند أمر الله به ورسوله، مثل الصلوات الخمس وقيام الليل وقراءة القرآن بالتدبر والطواف بالبيت، بل تأتيهم عند المنكرات التي لا يحبها اللهُ ورسولُه. وكلَّما كان الشرُّ أعظمَ كان الحالُ الشيطاني أقوى، فإذا سمعوا مزاميرَ الشيطان، وحرَّكوا الأردانَ، وتراقصوا كالدِّباب، ومزَّقوا الثياب، وارتفعت الأصواتُ كرُغاءِ البعير وخُوارِ الثِّيران، وثارتِ الأرواحُ المنتنةُ وحَضَر النساءُ والمردان= تنزَّلت عليهم الشياطينُ وجُندُ إبليس اللعين، فسقاهم الشرابَ الشيطاني، وسَلَبَهم الحالَ الإيماني، حتى لو أراد أحدُهم أن يذكر الله ويقرأ القرآن ويصلي بخشوعٍ لما أطاقَ ذلك، بل كثير منهم يُعيِّطون في الصلوات بالشَّخير والنَّخِير والصوت الذي يُشبه نَهِيقَ الحمير، وإن
صَلَّوا صَلَّوا بقلوبٍ غافلةٍ لاهية، صلاةً لا يذكرون الله فيها إلا قليلًا، يَنقُرونَها نَقْرًا، كما ثبتَ في الصحيح
(1)
عن النبي صلى الله عليه وسلم: «تلك صلاةُ المنافق، تلك صلاةُ المنافق، تلك صلاةُ المنافق، يَرقُب الشمسَ حتى إذا كانت بينَ قَرنَي الشيطان قامَ فنَقَرها أربعًا، لا يذكر الله فيها إلا قليلًا» .
ثم من هؤلاء من يُباشِر النجاساتِ، ويأوي إلى القمامين والمراحيض والحمامات، ومنهم من يُعاشِر الكلاب والحيّات، وهم مُقصِّرون فيما أمر الله به ورسولُه من الطهارةِ طهارةِ الحدث والخبث، ومن قراءة القرآنِ وتدبر معانيه، ومعرفةِ حديثِ النبي صلى الله عليه وسلم واتباع سنتِه، وقد قال تعالى:{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: 31]، فأمرَ من ادَّعَى محبةَ الله باتباعِ نبيه، وضَمِنَ لمن اتبعَ نبيَّه أن يُحِبَّه. وهؤلاء من أبعد الناس عن متابعة الرسول، وهم بأعداء الله الملحدين أشبهُ منهم بأوليائه المتقين، ووصفُ ما في هؤلاء من العيوب والقبائح لا يتسع له هذا المكتوب.
فمن اعتقد في هؤلاء أنهم من أوليائه المتقين وحزبه المفلحين وجندِه الغالبين، فهو من أضلِّ العالمين، وأبعدِهم عن دين الإسلام، الذي بُعِث به محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، ولكن التبستْ أحوالُهم على كثير من الناس لما يرونه أحيانًا من أحدهم من نوع مكاشفةٍ وتصرُّفٍ خارج عن العادة، وهم في ذلك من جنس الكهان والسحرة التي كانت الشياطين تنزل عليهم. قال تعالى: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى
(1)
أخرجه مسلم (622) عن أنس بن مالك.