الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فأما الحدّ بمعنى حقيقة الشيء التي هو بها يتميز عن غيره، فلا ريبَ بين المسلمين أن الله له حقيقة وذات؛ فذلك حدُّه الذي لا يعلمه غيرُه، كما جاء في الأثر:"يا من لا يعلم ما هو إلا [هو]، ولا يبلُغ قدرتَه غيرُه"
(1)
.
وهل يقال: له ماهيةٌ لا يعلمها غيرُه، ولا تجرِي ماهيتُه في مقال؟ أو يقال: لا ماهيةَ له؟ على قولين لأصحابنا وغيرهم. والأول قولُ أكثرهم.
وأما الحدّ بمعنى القول، فله أسماء تُميِّزه عن غيره، وله حدودٌ بخواصِّه التي تُميِّزه عن [غيره]، كقولنا: رب العالمين، وخالق السماوات والأرض، والأول الآخر، والظاهر الباطن.
و
أما الحدُّ المركب من الجنس والفصل فلا يجوز في حق الله
تعالى.
فأما حدّ عينه الذاتية فيُراد به: حدّ بذاته، وحدّ بصفاته، وحدّ بمقداره.
فأما الأول فهو بمعنى انفصاله عن غيره وتميُّزه عنه، بحيث لا يختلط به. وهذا داخلٌ فيما قصده ابن المبارك وغيره، خلافًا للجهمية الذين يجعلونه مختلطًا بالمخلوقات. ولهذا قال: بائنٌ من خلقِه بحدٍّ؛ فإن الحدَّ هو الفصل والتمييز بينه وبين غيره. والحدّ بهذا المعنى متفق
(1)
أخرجه ابن أبي الدنيا في الفرج بعد الشدة (ص 34) عن إبراهيم بن خلاد الأزدي قال: نزل جبريل عليه السلام على يعقوب، فشكا إليه ما هو فيه، فعلَّمه هذا الدعاء.
عليه بين أهل السنة القائلين بأن الله فوقَ العرش، بل وعند الذين يقولون: لا داخلَ العالم ولا خارجَه أيضًا؛ فإن الأعراض المختلفة كالطعم واللون والريح إذا قامت بجسم واحدٍ كانت متميزةً بخصائصها وحدودها، وليست متميّزة بأعيانها وذواتها
(1)
.
وأما الثاني فهو بمعنى صفاته القائمة به المميِّزة له عن غيره، كما يقال في حلية الموصوف ونُعوته، فله حدٌّ بهذا الاعتبار.
وأما الحدّ بمعنى المقدار والنهاية فهذا مورد النزاع، فقيل: لا حدَّ له ولا غايةَ ولا مقدارَ. وقيل: له حدٌّ من جانب العرش فقط. وقيل: له حدٌّ ونهاية لا يعلمها غيرُه؛ إذ لا يُعقَل موجودٌ بدُونِ ذلك. وقد يقال: إن ابن المبارك وغيره قصدوه؛ إذ لو لم يريدوا ذلك لم يكن حاجة إلى قولهم: على عرشه، بل يكفي أن يقال: هو منفصل عن خلقِه متميز عنهم.
(1)
بعدها في الأصل عبارات مطموسة.