الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأحاديث
(1)
.
ومن هذا الباب أن الجنة يبقى فيها فضلٌ، فيُنشِئُ الله لها أقوامًا يُدخِلهم الجنَة بفضلِ رحمته
(2)
، وأما النار فإنه يُضيِّقها على من فيها مِن الجِنَّةِ والناسِ أجمعين.
الوجه الخامس
…
(3)
.
وأما المقادير فإن
التفاوت في الحسنات والسيئات يقع من ثلاثة أوجه:
أحدها: العمل المباشر، وإن لم يرتب عليه في الظاهر أمر مصلحة ولا مفسدة، بل كان أثره في نفس صاحبه.
الثاني: ما تولد عن العمل من المصالح والمفاسد، وإن كان العمل قليلاً.
الثالث: من مجموع الأمرين.
فالأول كما ذكرناه من تأثير النيات والعزائم الصادقة.
والثاني كقوله سبحانه: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ
(1)
انظر الأحاديث الواردة في هذا الباب والكلام عليها في: طريق الهجرتين (ص 865 ــ 872).
(2)
كما في حديث أنس الذي أخرجه البخاري (7384) ومسلم (2848).
(3)
هنا بياض في الأصل.
وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (120) وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [التوبة: 120، 121]. فذكر في الآية الأولى أنه يكتب لهم بما تولد عن عملهم عملٌ صالحٌ، وذكر في الثانية أن نفس العمل والإنفاق يكتب لهم. ولهذا كان الصواب أن العمل المتولد ليس هو خارجًا عن فعل العبد وقدرته بكل حال، كما يقوله طائفة من متكلمي أهل الإثبات، ولا هو أيضًا فعلاً للعبد محضًا، كما يقوله المعتزلة، بل هو مشترك بين العبد الذي فعل سببه وبين السبب الخارج المعين على تمامه. فالعبد فاعل بعضه، ولهذا استحق الثواب والعقاب، قال تعالى:{لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ} [النحل: 25]، وقال تعالى:{وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ} [العنكبوت: 13].
وقال صلى الله عليه وسلم: "من دَعَا إلى هُدًى كان له من الأجر مثلُ أجورِ من اتبعَه من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن دعا إلى ضلالةٍ كان عليه من الوزر مثل أوزار من اتبعَه مِن غيرِ أن ينقص من أوزارهم شيء"
(1)
. وقال صلى الله عليه وسلم: "لا تُقتَل نفسٌ ظلمًا إلا كان على ابن آدم كِفْلٌ من ذنبها؛ لأنه أولُ
(1)
أخرجه مسلم (2674) عن أبي هريرة.
من سَنَّ القتلَ"
(1)
. وقال صلى الله عليه وسلم: "إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ما يظنُّ أن تبلُغَ ما بلغتْ، يكتبُ الله له بها رضوانَه إلى يوم يلقاه. وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سَخَطِ اللهِ ما يظنُّ أن تبلُغَ ما بلغتْ، يكتب الله له بها سَخَطَه إلى يومِ يلقاه"
(2)
. قال زيد بن أسلم: كانوا يَرَون ذلك في الكلمة عند الأمراء، وذلك لعموم نفعِ الكلمة وعمومِ مضرَّتِها.
فهذا الباب كلُّه إنما الجزاءُ فيه على عمل الإنسان، وذلك المتولد من عمله وعمل غيره، أو من سببٍ غير عمل غيره، هو بمنزلةِ الولد المتولد من الأبوين، هو مشترك بينهما ويُضاف إلى كلٍّ منهما إضافةً كاملة، فإنه لا يمكن وقوعُها إلّا كذلك، لا يمكن أن تنفرد به قدرة العمل وعمله، فإن قدرته لا تُؤثِّر تأثيرًا مستقلًّا إلا في محلِّها، فلما كان هذا هو الممكن منه في مثل هذا العمل كان عاملاً كاملاً كالعازم العاجز وأولى.
فصارت المراتب الثلاثة: العازم العاجز، والعازم المعين العاجز عن الانفراد، والفاعل المستقل، وللثلاثة جزاءٌ كامل، والحمد لله وحده، وصلى الله على محمد وآله وسلم تسليمًا.
(1)
أخرجه البخاري (3335، 6867) ومسلم (1677) عن ابن مسعود.
(2)
أخرجه مالك في الموطأ (2/ 985) والترمذي (2320) عن بلال بن الحارث المزني. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.