الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فصل]
قوله في حديث الكرب الذي رواه أحمد
(1)
الربيع هو المطر المُنبِت للربيع
، ومنه قوله في دعاء الاستسقاء:«اللهمَّ اسْقِنا غيثًا مُغِيثًا ربيعًا مَرِيْعًا»
(2)
. وهو المطر الوسميّ الذي يَسِمُ الأرضَ بالنبات، ومنه قول [مالك بن دينار]
(3)
: القرآن ربيعُ المؤمن.
فسأل الله أن يجعلَه ماءً يحيا به قلبُه كما تَحيَا الأرضُ بالربيع، ونورًا لصدره، و
الحياةُ والنورُ جماعُ الكمال
، كما قال: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا
(1)
في المسند (1/ 391، 452)، وصححه ابن حبان (979) والحاكم (1/ 509) انظر الكلام عليه في علل الدارقطني (5/ 200، 201) وتعليق المسند (3712). وتعليق الداء والدواء (ص 22، 23).
(2)
أخرجه أحمد (4/ 235، 236) وابن ماجه (1269) عن كعب بن مرة، وصححه الحاكم (1/ 328). وإسناده منقطع، فإن سالم بن أبي الجعد لم يسمع من شرحبيل بن السمط. ولفظ الحديث:«مَرِيعًا مَرِيئا» .
(3)
هنا بياض في الأصل، وكأنه أراد أن يذكر القائل، وهو مالك بن دينار، أخرجه عنه أحمد في الزهد (ص 319) ومن طريقه أبو نعيم في الحلية (2/ 358).
فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ} [الأنعام: 122]. وفي خطبة أحمد بن حنبل
(1)
: «يُحيُون بكتاب الله الموتى، ويُبَصِّرون بنورِ الله أهل العَمَى» ، لأنه بالحياة يخرج عن الموت، وبالنور يخرج عن ظلمة الجهل، فيصير حيًّا عالمًا ناطقًا، وهو كمال الصفات في المخلوق، وكذلك قد قيل في الخالق. حتى النصارى فسَّروا الأب والابن وروح القدس بالموجود الحيّ العالم. والغزالي ردَّ صفاتِ الله إلى الحيّ العالم
(2)
، وهو موافق في المعنى لقول الفلاسفة: عاقل ومعقول وعقل. لأن العلم يستتبع الكلام الخبري، ويستلزم الإرادة والكلام الطلبي، لأن كلَّ حيٍّ عالمٍ فله إرادةٌ وكلام، ويستلزم السمع والبصر.
لكن هذا ليس بجيد، لأنه يقال: فالحيُّ نفسه مستلزمٌ لجميع الصفات، وهو أصلها، ولهذا كان أعظم آيةٍ في القرآن:{اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة: 255]، وهو الاسم الأعظم، لأنه ما من حيٍّ إلا وهو شاعر مريد، فاستلزم جميع الصفات. فلو اكتُفِي في الصفات بالتلازم لاكتُفِي بالحيّ. وهذا ينفع في الدلالة والوجود، لكن لا يصحُّ أن يُجعَل معنى العالم هو معنى المريد، فإن الملزوم ليس هو عين اللازم، وإلّا فالذات المقدسة مستلزمة لجميع الصفات.
فإن قيل: فلم جمع في المطلوب لنا بين ما يوجب الحياة والنور فقط، دونَ الاقتصار على الحياة أو الازدياد من القدرة وغيرها؟
قيل: لأن الأحياء الآدميين فيهم من يهتدي إلى الحق، وفيهم من لا يَهتدي، فالهداية كمال الحياة، وأما القدرة فشرط في التكليف لا في السعادة، ولا يضرُّ فقدُها، ونور الصدر يمنع أن يريد سواه.
ثم قوله: «ربيع قلبي ونور صدري» لأنه ــ والله أعلم ــ الحيا لا يتعدى محلَّه، بل إذا نزل الربيع بأرضٍ أحياها، أما النور فإنه ينتشر ضوؤه عن محله. فلما كان الصدر حاويًا للقلب جُعِل الربيعُ في القلب والنورُ في الصدر لانتشاره، كما قوَّته المشكاة في قوله:{مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ} [النور: 35]، وهو القلب.