الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقالت طائفة: إنما يحرم في الأصناف المنصوصة الستة، وهو قول قتادة وداود وأصحابه. وابنُ عقيل قد رجَّح في آخر عمره في كتابه في الخلاف هذا، وضَعَّف ماعُلِّلتْ به الأصناف الستة كلها، وقد بَسَطَ القول عليه، وبيَّن أنه إنما حُرِّم لسدِّ الذريعة فقط، كما قال صلى الله عليه وسلم:«لا تبيعوا الدرهم بالدرهمين فإنّي أخاف عليكم الرَّمَاء»
(1)
. فربا النسيئة حُرّم لما فيه من الفساد والظلم، وأما ربا الفضل فإنما حرم لسدِّ الذريعة.
وأقرب الأقوال قول مَن قال: لا يُحَرَّم إلا في المطعوم المماثل المكيل والموزون، وهو قول سعيد بن المسيب والشافعي في قول وأحمد في إحدى الروايات اختارها أبومحمد. ومذهب مالك قريب من ذلك، بل هو أرجح في ربا الفضل وربا النسيئة في اعتبار المقاصد، لكنه بالغ في سدِّ الذريعة، حتى حرَّمها مع صحة القصد ورجحان المصلحة. وأحمد يوافقه على بطلان الحِيَل وعلى سدّ الذرائع إلا إذا ترجحت المصلحة. وهذا أعدل الأقوال.
و
الفرق بين الحيل وسدّ الذرائع
أن الحيلة تكون مع قصد صاحبها ما هو محرم في الشرع، فهذا يجب أن يُمنَع من قصده الفاسد. وأما سدُّ الذرائع فيكون مع صحة القصد خوفًا أن يُفضِي ذلك إلى الحيلة. والشارع قد سدَّ الذرائع في مواضع، كما بسطتُ ذلك في كتاب:«بيان الدليل على بطلان التحليل»
(2)
، ولكن يُشترط أن لا تفوت مصلحة
(1)
سبق تخريجه.
(2)
(ص 256) تحقيق حمدي عبد المجيد السلفي.
راجحة، فيكون النهي عما فيه مفسدة وليس فيه مصلحة راجحة، فأما إذا كان فيه مصلحة راجحة كان ذلك مباحًا، فإن هذه المصلحة راجحة على ما قد يُخاف من المفسدة. ولهذا يجوز النظر إلى الأجنبية للخِطبة لرجحان المصلحة، وإن كان النظر لغير حاجة لم يجز.
وكذلك سفر المرأة مع غير ذي محرم منهيٌّ عنه، ويجوز لرجحان المصلحة، كسفر عائشة مع صفوان بن المعطّل لما كانت وحدها
(1)
، وكان سفرها معه خيرًا من أن تبقى ضائعةً.
وكذلك هجرتها بلا محرم، كهجرة أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط بلا محرم
(2)
، وزينب بنت النبي صلى الله عليه وسلم أرسل لها رجالًا جاءوا بها.
وقد تنازع الفقهاء في الحج، والأقوى أنه إذا تعذَّر حجها مع المحرم أن تحج إذا أمنت، لأن حجها مع من تأمنه أرجح من تفويت الحج. وقوله:«حُجَّ مع امرأتك»
(3)
دليلٌ على أنه إذا أمكن سفرُها مع محرم لم تخرج وحدَها جمعًا بين المصلحتين، وأما إذا دار الأمرُ بين تفويتِ الحج وبين سفرِها بلا محرم سفرًا آمنًا كان حصولُ الحج أصلَحَ لها، فإن حصول الفساد في دينها إذا سافرت وحدَها، وهذا في طريق الحج نادر، ومع من تأمنُه معدوم، بخلاف سفرها بلا محرم لتجارة
(1)
في قصة مشهورة أخرجها البخاري (2661) ومسلم (2770) عن عائشة.
(2)
انظر: الاستيعاب (4/ 1953، 1954).
(3)
أخرجه البخاري (5233) ومسلم (1341) من حديث ابن عباس.