الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأنكرتُ على من ينقل هذا عن العلماء المشهورين في القرآن.
وقُرئ ما ذُكِر في العقيدة في مسألة القرآن من «أن القرآن كلام الله منزَّلٌ غير مخلوقٍ، منه بدأ وإليه يعود» ، كما اتفق عليه السلف، وذكرت لفظًا أن الجمع في قولهم: القرآن هو الحرف والصوت أو ليس بحرفٍ ولا صوتٍ كلاهما بدعةٌ حدثت بعد المئة الثالثة، لم يتكلم الإمام أحمد ولا غيرُه من الأئمة بهذا التركيب نفيًا ولا إثباتًا. وذكرتُ أن لي جوابًا من سنين عن هذه المسألة
(1)
.......
(2)
وأحضرتُه في المجلس الثاني: أن الله تكلم بالقرآن حقيقةً، وهذا لا خلافَ فيه بين المسلمين، وأن هذا القرآن الذي يقرؤه المسلمون هو كلام الله حقيقةً؛ لأن الكلام إنما يضاف حقيقةً إلى من قاله مبتدئًا لا إلى من قاله مبلِّغًا مؤدّيًا. وذكر بعض الحاضرين أن هذا أول شبهةٍ كانت عندهم، وأن هذا تخليصٌ لهذا الموضع.
وفي الاعتقاد: «أن الدين و
الإيمان قولٌ وعمل
، قول القلب واللسان، وعمل القلب واللسان والجوارح». فقال بعض الحاضرين: إذا ذُكِر أن هذا اعتقاد الفرقة الناجية كان فيه دلالة أن من لم يعتقد هذا يكون من الهالكين، وكثير من العلماء يقول: إن الإيمان هو التصديق.
فقلت: مع أن هذا السؤال لا يَرِدُ؛ لأني إنما قلت: إن الدين والإيمان
(1)
انظر: مجموع الفتاوى (12/ 582 ــ 598).
(2)
هنا كلمات مبتورة.
قول وعمل، وهذا متفقٌ عليه لا خلافَ أن مجموع الدين والإيمان قول وعمل، لكني قلتُ: أنا ذكرتُ اعتقاد السلف المنقول عن الصحابة والتابعين، ومذهبُهم الثابت عنهم أن الإيمان قولٌ وعمل. وليس من خالفَ القولَ الصحيح الذي يعتقده أهل العلم باجتهادٍ أو تأويلٍ يكون هالكًا، كسائر من يخالف بعض الأحاديث الصحيحة لاجتهادٍ سائغٍ، فإن المجتهد المصيب له أجرانِ، والمجتهد المخطئ له أجرٌ. وقد ذكرتُ في الاعتقاد أن أهل السنة لا يكفّرون أهلَ الذنوب الكبائر مع شمول نصوص الوعيد لهم، لجواز أن يغفر الله لهم ويتوبوا، أو يكون لهم حسنات ماحيةٌ، أو لشفاعة فيهم، أو رحمة الله لهم، وإن كنا نُطلق بأن أهل النجاة هم أهل طاعة الله.
وكان في الاعتقاد أن ما ذُكر في القرآن من أنه استوى على عرشه، وأنه مع عباده، كلاهما حقٌّ على حقيقته لا يحتاج إلى تحريف، ولكن يُصانُ عن الظنون الكاذبة، وأن ما ذُكِر في الكتاب والسنة وحُكِم من قربه ومعيته لا ينافي ما ذُكِر من عُلوِّه وفوقيته، فإنه سبحانه ليس كمثله شيء في جميع نُعوتِه، وهو عليٌّ في دنوِّه قريبٌ في عُلوِّه.
فأنكر بعض الجماعة لفظ الحقيقة، فقلت: قد حكى أبو عمر ابن عبد البر في «التمهيد»
(1)
إجماع أهل السنة على أن هذه الآيات والأحاديث تُجرى على الحقيقة لا على المجاز. وذكرتُ أيضًا ما حكاه
(1)
(7/ 145).
الخطابي
(1)
وأبو بكر الخطيب
(2)
وغيرُهما أن مذهب السلف إجراء آيات الصفات وأحاديث الصفات على ظاهرها مع نفي الكيفية والتشبيه عنها. وذلك أن الكلام في الصفات فرعٌ على الكلام في الذات، يُحتذَى فيه حَذْوُه ويُتَّبع فيه مثالُه، فإذا كان معلومًا أن إثبات الذات إثباتُ وجودٍ لا إثباتُ كيفيةٍ، فكذلك إثبات الصفات إثبات وجودٍ لا إثبات كيفيةٍ. فلا نقول: إن معنى اليد القدرة، ولا أن معنى السمع العلم، ولا نُشبِّهها بأيدي المخلوقين وأسماعهم ونجعلُها جوارحَ وأدواتٍ للفعل.
وفي الاعتقاد: أنه «فوق سماواته على عرشِه، عَليٌّ على خلْقِه» .
فسأل بعض الحاضرين عن لفظ الفوق، فقلت: هذا اللفظ في كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وذكرتُ حديثَ العباس بن عبد المطلب
(3)
وهو في الاعتقاد، وفيه:«والعرشُ فوقَ ذلك، والله فوقَ عرشه، وهو يعلم ما أنتم عليه» .
فقال بعضهم: نقول: «فوق العرش» ولا نقول: «فوق السماوات» . فقلت: المعنى واحدٌ، مع أن في الحديث أيضًا «فوق السماوات» .
فانقضى المجلس على أن أكتب جوابَ هذه الأسولة، ثم طُلِب تأخير ذلك إلى يوم الجمعة.
(1)
في معالم السنن (7/ 122).
(2)
في الصفات (ص 48) ضمن مقدمة «مختصر العلو» .
(3)
أخرجه أبو داود (4723) والترمذي (3320) وابن أبي عاصم في السنة (577) وابن خزيمة في التوحيد (ص 101 ــ 102) من حديث العباس بن عبد المطلب، وفي إسناده عبد الله بن عميرة، قال البخاري: لا يُعلم له سماع من الأحنف. وقال الذهبي: مجهول. ومع ذلك قال الترمذي في هذا الحديث: «حسن غريب» .
قلتُ: كلُّ من نقلَ مذهبَ السلف من أهل الحديث والمالكية والشافعية والحنبلية وغيرهم، مثل أبي سليمان الخطابي
(1)
وأبي بكر الخطيب
(2)
وأبي بكر الإسماعيلي
(3)
وأبي عثمان الصابوني
(4)
والقاضي أبي يعلى
(5)
وأبي عمر ابن عبد البر
(6)
وأبي محمد البغوي
(7)
صاحب «شرح السنة» وأبي القاسم التيمي
(8)
صاحب «الترغيب والترهيب» وخلق كثير، نقلوا نحو ذلك. فلفظُ بعضهم: أن مذهب السلف إجراؤها على ظاهرِها، ولفظ بعضهم: حملُها على ظاهرِها، ولفظُ بعضهم: إمرارُها على ظاهرها. وبعضهم يقول: حملُها على الحقيقة دون المجاز. وبعضهم يصرّح عنهم بإثبات ما دلَّت عليه من الصفات، كما نقله الأشعري
(9)
وابن خزيمة
(10)
والبيهقي
(11)
وسيف
(1)
في معالم السنن (7/ 122).
(2)
في الصفات (ص 48).
(3)
في اعتقاد أئمة الحديث (ص 49، 50).
(4)
في عقيدة السلف أصحاب الحديث (ص 28).
(5)
في إبطال التأويلات لأخبار الصفات (1/ 43).
(6)
في التمهيد (7/ 145).
(7)
في شرح السنة (1/ 170).
(8)
في الحجة في بيان المحجة (1/ 91 ــ 92، 174 ــ 175، 287 ــ 288).
(9)
في الإبانة (ص 8)، ومقالات الإسلاميين (ص 290، 294 ــ 295).
(10)
في كتاب التوحيد.
(11)
في الأسماء والصفات (ص 453).
الدين الآمدي
(1)
. وقد نقل لفظ الحقيقة عن السلف وأهلِ السنة أبو عمر ابن عبد البر وأبو القاسم التيمي الأصفهاني وأبو عبد الله القرطبي في تفسيره، وقال
(2)
: لم يُنكر أحدٌ من السلف الصالح أن الله استوى على عرشِه حقيقةً.
وكلهم يقول: «مع نفي الكيفية والتشبيه عنها» ، ويقولون: إذا كانت ذات الله ثابتةً حقيقةً وأسماؤه على ظاهرها مع أنا لا نعلم كيفية ذاتِه وصفاتِه، فكذلك صفاته، إذ العلم بكيفية الصفة فرع على العلم بكيفية الموصوف، فإذا قال السائل: كيف صفاتُه؟ فقُلْ: كيف هو في ذاته؟ فإذا قال: لا أعلَمُ كيفيةَ ذاتِه، فقُلْ: لا أعلَمُ كيفيةَ صفاتِه.
ونقلَ طائفةٌ منهم القاضي عياض
(3)
وغيره أن مذهب السلف إمرارُها كما جاءت مع العلم أن الظاهر غير مراد.
قلتُ: يُجمَع بين النقلينِ بأن «الظاهر» لفظ مشترك، فالذي نقلَ نفيَه نفَى ما يظهر لبعض الناس من التشبيه بصفات المخلوقين، وما يقتضي نقصَ الخالق تعالى، مثل أن يقال: ظاهر قوله «في السماء» أن السماء تَحْوِيه أو تَحْمِله. ولا ريبَ أن هذا الظاهر لهذا غير مراد، فإن الله سبحانه وتعالى لا يحتاج إلى مخلوقاته ولا يَحصُره شيء، سبحانه وتعالى. بل
(1)
في غاية المرام (1/ 135 ــ 136).
(2)
الجامع لأحكام القرآن (7/ 219).
(3)
انظر: إكمال المعلم (1/ 567، 2/ 465).
قد {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} [البقرة: 255]، وهو الذي {يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا} [فاطر: 41]، {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر: 67]. فمن قال: إنه محتاج إلى ما يَحِملُه ويُقِلُّه، أو أنه في شيء يُحيط به ويُظِلُّه، فهو ضالٌّ مضلّ.
والذين نقلوا إثباتَه أرادوا به ما هو الظاهر اللائق بجلالِ الله تعالى الذي لا يقتضي نقصًا ولا حدوثًا. كما أنهم اتفقوا على أن هذا هو الظاهر في حياته وعلمه وسمعه وبصره وقدرته وإرادته، واتفقوا على أنه موجودٌ حقيقةً حيٌّ حقيقةً عليمٌ حقيقةً قديرٌ حقيقةً متكلمٌ حقيقة، إلى غير ذلك من أسمائه وصفاته وجرتْ بحوثٌ فيها.
وقد قيل: إن هذه الأسماء مثل لفظ الوجود وغيره هل هو يُطلق على الواجب والممكن بطريق الاشتراك اللفظي أو التشكيك أو التواطي؟
فقلت: إن المقصود يحصل على كل قول.
وقيل: لفظ العلو والفوقية لا يُفهم منه إلّا الفوقية المختصة بالمخلوق، كفوقية السلطان على السرير.
فقلتُ: بل لفظ العلو والفوقية كلفظ الحياة والعلم والسمع والبصر ونحو ذلك من الصفات، فإنه وإن وُصِف الله بها ووُصِف بها العبد وهي