الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولذلك ذكر أن هذا سماع المؤمنين، فقال تعالى:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا} [الأنفال: 2]، وقال تعالى:{أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ} [الحديد: 16]، وقال:{اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الزمر: 23].
وأمر بتلاوته، و
التلاوة تجمع معنى التدبر والاتباع ومعنى السماع
، فقال تعالى:{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق: 1]، فهذا أول ما نزل، أمر فيه بالقراءة والصلاة. وقال:{اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ} [العنكبوت: 45]، وقال:{وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ} [الأعراف: 170]، وقال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ} [فاطر: 29]، [وقال]:{أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: 78]، وقال تعالى:{يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا} [المزمل: 1 - 2] إلى قوله: {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا} [المزمل: 8] إلى قوله: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ} [المزمل: 20] إلى قوله: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ
وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} [المزمل: 20]. وقال تعالى
(1)
وذم الذين يُعرِضون عن سماعه وتدبُّره إلى سماع غيره، فقال تعالى:{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} [فصلت: 26]، وقال تعالى:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (6) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (7)} [لقمان: 6 - 7]. هذا في لقمان، وفي الجاثية:{فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ (6) وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (7) يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (8) وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} [الجاثية: 6 - 9].
وقد روي عن طائفة من الصحابة منهم ابن عمر وابن عباس وجابر أنهم تأولوا آية لقمان في سماع الغناء
(2)
. ورُوي في ذلك حديث مرفوع، رواه الترمذي من حديث أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم
(3)
، وهي تعمُّ
(1)
بعده بياض في الأصل قدر نصف صفحة.
(2)
انظر: تفسير الطبري (18/ 535 - 538) والدر المنثور (11/ 615 - 618).
(3)
أخرجه الترمذي (1282، 3195). وقال: هذا حديث غريب، إنما يُروى من حديث القاسم عن أبي أمامة. والقاسم ثقة، وعلي بن يزيد يُضعَّف في الحديث. ورواه أيضًا أحمد (5/ 252) وابن ماجه (2168)، ولكن ليس عندهما تفسير الآية.
ذلك وغيره على ما هو مقرر في موضع آخر.
ثم ذم الذين يعرضون عن سماعه
(1)
.
وقال تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} إلى قوله: {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا (72) وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا} [الفرقان: 63 - 73]. وقد روي في ذلك آثار تنصُّ أن الغناء من ذلك
(2)
، وكذلك الأقوال المزخرفة، كقوله:{يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا} [الأنعام: 112]. فنزَّه عباد الرحمن عن حال السماعية والكلامية المبطلين، ثم قال:{وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا} [الفرقان: 73]، فوصفهم بالبصر والسمع، ليسوا صُمًّا كالمعرضين عن سماع الآيات، ولا عُمْيًا كالمعرضين عن البصر فيها. فإن أهل السمع والإصغاء الذين لا يسمعون كلام الله ويُصغون إليه وينتفعون به وإن كانوا مُصغِين إلى سماع شيء آخر، وأهل النظر والذكاء الذين لا ينظرون في كلام الله ويبصرونه وينتفعون به= أهل عمًى وإن كان لهم نظر وبصرٌ في كلام آخر.
فتدبَّر كيف وصفهم بالإقبال على كلام الله سمعًا وبصرًا، والإعراض عن الزور واللغو سمعًا وقولًا، فمن وافقهم في النعتين فهو
(1)
بعده بياض قدر سطرين.
(2)
انظر: تفسير الطبري (7/ 522) والدر المنثور (11/ 227).