الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الواحد يُنشَد البيت المجمل والبيت الكفري. والله سبحانه أعلم وأحكم.
ومما يتعلق بهذا أن
أصل الصابئة الحروف والأصوات المجملة المشتركة
، كما فعله ابن سينا متكلم الصابئة في الإسلام في كتبه الصابئية «كالإشارات» ، فإنه افتتحها بالكلام في المجمل والمشترك وهو المنطق، وختمه بالعبادة والسماع للصوت المطلق المشترك. كما يتكلمون في علم الموسيقى، وهو الصوت المجمل المشترك، فالحروف المنطقية المجملة والأصوات النغمية المجملة هي دين الصابئة، لا تُوجِب الإسلامَ ولا تحرِّمه، ولا تأمر به ولا تنهى عنه، وقد تنفع تارةً وتضر أخرى. و
الأصل فيها أنها غير مشروعة ولا مأمور بها
. والله أعلم.
فصل
في بعض الشرح والتقرير لقاعدة السنة والجماعة وقوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: 59]، فإن هذه الآية تتضمن الأمر بالسنة والجماعة، فإن قوله:{وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} هو الجماعة، وقوله:{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} هو السنة.
قد قرَّرتُ في غير هذا الموضع أن الدين أمر ضروري لبني آدم، لا يمكن أن يعيشوا في الدنيا إلا بدينٍ يتضمن أمرًا ونهيًا؛ لأن الإنسان لابدَّ أن يَجتلِبَ إلى نفسه المنفعةَ ويدفعَ عنها المضرَّة، وهذا هو الأمر والنهي، وهو الدين العقلي الذي لا ينكره أحدٌ.
ثم إن كثيرًا من جلب منافعه ودفع مضارِّه لا يتمُّ به وحدَه، بل لابدَّ من التعاون على ذلك من بني آدم، فإن أصل جلب المنفعة له: الطعام، وأصل دفع المضرة عنه: اللباس المتصل، وهو الثياب والجُنَّة، والمنفصل وهو السكن. ولهذا امتنَّ الله في سورة النحل بنعمِه المتضمنة للمطاعم والملابس من النوعين، فقال تعالى:{وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (5) وَلَكُمْ فِيهَا} إلى قوله: {هُوَ الَّذِي
أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ} [النحل: 5 ــ 10].
فذكر في أول السورة أصول النعم، كما قال:{وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} [النحل: 18]، وذكر في أثنائها من اللبن والعسل والأكنان والظلال والخيام ووقاية البأس والحرّ ما هو كمال النعم وتمامها، ولذلك قال:{كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ} [النحل: 81]. ولهذا ــ والله أعلم ــ ذكر في أول السورة ما يُدفِئ فيدفع البرد، وذكر في أثنائها ما يدفع الحرَّ والبأسَ، فإن البرد يَقتُل والحرّ يؤذي، وقد يُمكِن الإنسانَ أن يعيش في البلاد الحارَّة بلا لباسٍ عيشًا ناقصًا، كما قد يَسلَم في الحرب بلا سرابيل، وأما البلاد الباردة فلا يعيش فيها الإنسان إلّا بما يُدفِئه. وكذلك سكن البيوت وبيوت الأنعام كل ذلك من تمام النعمة.
وإذا كان ابن آدم مضطرًّا إلى الطعام واللباس، والواحُد لا يقدر أن يصطنع جميع حاجته من الطعام واللباس، كان حاجته إلى مثله ضرورية، فيكون اجتماعُهم ضروريًّا، وإذا اجتمعوا فلابدَّ من واحدٍ يكون هو مبدأ حركتهم فيما يأتونه ويَذَرونه من جلب المنافع ودفع المضار، فكانت الإمارة فيهم ضرورية. ولهذا أوجب النبي صلى الله عليه وسلم في
السفر أن يؤمِّروا أحدهم
(1)
، وهو أقلُّ جماعةٍ في أدنى اجتماع، فصارت الجماعة في حقهم رحمةً والفرقةُ عذابًا.
وإذا كانت الجماعة والإمارة فيهم ضرورية لجلب المنفعة ودفع المضرة، والمنفعةُ لا تُجتلَب إلّا بأموالٍ، والمضرة لا تندفع إلا بقوة، ومن المضرة ما يُعادي بني آدم من السباع وغيرها، وفي طباع بعضهم من البَغْي والعدوان ما يُوجِب أنه إن لم يُدفَعْ وإلَّا ضرَّ الباقين= كانوا مضطرين إلى رعاية الأموال ودفع الأعداء، وكانوا أيضًا في بقاء جنسهم مضطرين إلى النكاح، وإذا مات الميتُ منهم وكلُّهم محتاجٌ إلى ماله فلابدَّ من سببٍ يُوجِب تخصيصَ أحدهم.
ولابدَّ لهم أيضًا من دينٍ وإلاهٍ تعبُده قلوبُهم، يجتلبون منه المنفعة ويستدفعون به المضرَّة، فإن هذا من الضروريات اللازمة لهم، فإن أحدهم يحتاج إلى ما هو خارجٌ عن قدرته، فلا بدَّ له من إلاهٍ يَطلُب ذلك منه.
فهذه الأمور وأمثالُها لو وُكِلَ فيها كلُّ واحدٍ إلى رأيِه
(2)
.
(1)
أخرجه أبو داود (2608) والبيهقي في السنن الكبرى (5/ 257) عن أبي سعيد الخدري، وأخرجه أبو داود (2609) والبيهقي (5/ 257) عن أبي هريرة. وإسنادهما حسن.
(2)
كذا في الأصل، ولعل المؤلف كتب العبارة وأراد أن يشطب عليه فلم يفعل، وسيأتي ما يفيد المعنى.
وكذلك هم متحركون بأرواحهم حركةً دائمة، فلابدَّ لهم من إ لاهٍ صمدٍ هو إلههم الذي هو معبودهم ومنتهى حركاتهم وإراداتهم.
فثبت بذلك أنهم محتاجون إلى الاجتماع، وبعضهم محتاج إلى بعض لجلب المنفعة ودفع المضرة، ومحتاجون إلى ما يطلبون منه الحوائج الخارجة عن قدرتهم، وهو ربهم، وإلى إ لاهٍ هو الغاية والنهاية التي لها يعبدون، ولها يصلون ويسجدون، وإليها يصمدون ويقصدون، وهو إلاههم.
وذلك كله لا يقوم إلّا برأسٍ يُعلِّمهم ويأمرهم، ويُقيمهم على سنة وقانون في أنواع الحاجات ومقاديرها، وأنواع المنافع ومقاديرها، فإن ذلك إن لم يُضبَط لهم وإلّا انتشر الأمرُ وفسدَتْ أحوالُهم. وهذا الأمر لما كان ضرورةً في جميع بني آدم أُلْهِمُوه كما أُلْهِموا الأكلَ والشربَ والنكاحَ. فلابدَّ لكل طائفةٍ من سيّدٍ مُطاعٍ ورئيسٍ وإمام، وإن تنوعت أسماؤه ومراتبُه، إمّا مَلِك وإما أمير وإما شيخ وإما مُفتٍ وإما قاضٍ وإما مقدَّم وإما رئيس قرية، إلى غير ذلك من الأسماء. وكل طائفة فلابدَّ لها من أن توالي أولياءها وتعادي أعداءها.
فمعلومٌ بالعلم اليقين أن السيد المطاع الذي بعثه الله وأنزل إليه من الهداية والعلم والكلام ما يَصلُح به الناسُ أحقُّ بأن يُتَّبع ويُطاع ويُوالَى وليُّه ويُعادى عدوُّه، وهم رُسُل الله المبعوثون إلينا لوجوه:
أحدها: أن هدايتهم وإرشادهم وأمرهم ونهيهم هو هداية الله