الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد قصد الداعيَ بعضُ الناس في امرأة لم تبلغ وقد تزوجت أمُّها، وأقرب الأقارب إليها عمّها مولاهم، ولا ريب أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل
الحضانة للأم ما لم تتزوج
، فإذا تزوجت بأجنبي فلا حضانة لها، بخلاف ما لو تزوجت بقريب من البيت، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما تحاكم إليه علي وزيد وجعفر في ابنة حمزة بن عبد المطلب، وكان النبي صلى الله عليه وسلم لما اعتمر عمرة القضية تعلقت بعلي، فقال علي لفاطمة: دونك ابنة عمك. فلما قدموا إلى المدينة تحاكم فيها الثلاثة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال علي: ابنة عمي، وأنا أحق بها، يعني لأني أنا أخذتها من مكة. وقال جعفر: ابنة عمي، وخالتها تحتي، وكان جعفر مزوجًا بخالتها. وقال زيد: ابنة أخي لأن المؤاخاة كانت بين زيد وحمزة. فقضى بها النبي صلى الله عليه وسلم لجعفر، وقال:"الخالة أمٌّ"، ثم طيَّب أنفس الثلاثة، فقال لعلي:"أنت مني وأنا منك"، وقال لجعفر:"أشبهتَ خَلْقي وخُلُقي". وقال لزيد: "أنت أخونا ومولانا"
(1)
.
فهذه الخالة لما كانت مزوجة بابن عم الجارية لم ينتزعها منها. وقال لامرأة أخرى لما نازعت مطلِّقَها في حضانة ولدها: "أنتِ أحقُّ به ما لم تنكحي"
(2)
. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "عمُّ الرجل صِنْو أبيه"
(3)
. ورُوي
(1)
أخرجه البخاري (4251) عن البراء بن عازب.
(2)
أخرجه أبو داود (2276) عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. وهو حديث حسن.
(3)
أخرجه مسلم (983) عن أبي هريرة، وأخرجه الترمذي (3762) عن عبد المطلب بن ربيعة، وقال: هذا حديث حسن صحيح.
"العمُّ والدٌ في كتاب الله"
(1)
. قال الله تعالى عن يعقوب: {إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ} [البقرة: 133]. وإسماعيل إنما كان عمَّه. وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الخالة أم" فكذلك العم أب، فالحضانة لهذا العمّ الذي هو بمنزلة الأب في كتاب الله وسنة رسوله. والمسلمون متفقون على ذلك، وقد قال الله تعالى:{وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} [الأنفال: 75].
وهم يطلبون مساعدة الأمير على إيصال الحق إلى مستحقيه وتسليم هذه الجارية إلى من هو أحق بها في كتاب الله وسنة رسوله وإجماع المسلمين.
هذا أمرها في الحضانة. وأما النكاح فإذا كانت تُؤثِر أن تتزوج ولها إذن صحيح، فالأمير أحسن الله إليه يعلم حكم الله ورسوله، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم:"الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تُستأذن في نفسها وإذنها صماتها"
(2)
، وقال صلى الله عليه وسلم:"لا تُنكَح البكر حتى تُستأذن، ولا الأيم حتى تُستأمر"
(3)
. وقال الله تعالى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 232] نزلت
(1)
أخرجه سعيد بن منصور عن عبد الله الورَّاق مرسلًا. وانظر: السلسلة الصحيحة (1041).
(2)
أخرجه مسلم (1421) من حديث ابن عباس.
(3)
أخرجه البخاري (5136) ومسلم (1419) من حديث أبي هريرة.
في معقل بن يسار لما منع أخته أن تتزوج بزوجها الذي كان طلقها واحدة
(1)
.
وروى الترمذي
(2)
عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يا علي! ثلاث لا تؤخرهن: الصلاة إذا أتت، والجنازة إذا حضرت، والأيم إذا وجدتَ لها كفؤًا". فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن الأيم إذا وُجِدَ لها كفؤٌ أن لا تُؤخَّر. ولهذا خطب إلى الحسين بن علي بعض بنات أخيه وهو يتعرَّق لحمًا، فزوَّجه إيَّاها قبل أن يأكل لحم العرق طاعةً للحديث الذي رواه أبوه عن جدّه.
وإذا كان قد أمر بأن الأيم لا تؤخر عن وجود الكفؤ، وأمر أن لا تزوج إلا بإذنها، فدلت النصوص على أنه يجب على الولي أن يزوج المرأة إذا طلبت منه أن يزوجها بمن عيّنتْه إذا كان كفؤًا، وألا يزوجها بغيره، والولي هو العم، وهو موافق على ذلك.
ولهذا أجمع المسلمون على أن الولي لا يجوز له عضلُ المرأة إذا طلبت النكاح من كفؤ، وأنها لا يُجبِرها مَن سوى الأب والجد إذا كان لها إذن، وفي الأب والجد تفصيل ليس هذا موضعه.
(1)
أخرجه البخاري (5331) عن معقل بن يسار.
(2)
برقم (171، 1075). وأخرجه أيضًا أحمد (1/ 105). قال الترمذي: هذا حديث غريب حسن. وضعفه الحافظ ابن حجر في الدراية (2/ 63) لجهالة سعيد بن عبد الله الجهني. وصححه أحمد شاكر في شرحه على الترمذي (1/ 321).
وهم قد طلبوا من الأمير المعاونة على ذلك باطنًا وظاهرًا، لما في ذلك من البر والقربة الذي أمر الله به ورسوله. والله يُوفق الأمير لصالح القول والعمل. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وعلى من تحيط به عنايتكم، وعلى سائر الإخوان. والحمد لله وحده، وصلى الله على محمد وآله وسلم تسليمًا.
(كتبه محمد بن الحاج عبد الله، والحمد لله رب العالمين، من كلام شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية رضي الله عنه، في الحكم في تزويج البنت اليتيمة وغيرها، واستشهاده على ذلك بالأحاديث النبوية):
الرَّحِيمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ بِسْمِ
ربِّ يَسِّر برحمتك يا كريم يا عظيم
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تُنكَح الأيم حتى تُستأمر، ولا تُنكَح البكر حتى تُستأذن"، قالوا: يا رسول الله! وكيف إذنها؟ قال: "أن تسكت". رواه البخاري ومسلم
(1)
.
وعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الأيم أحقُّ بنفسها من وليها، والبكر تستأذن في نفسها، وإذنها صُمَاتها". وفي رواية: "والبكر يستأذنها أبوها في نفسها، وصمتها إقرارُها". رواه مسلم في صحيحه
(2)
.
(1)
سبق تخريجه.
(2)
سبق تخريجه.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: سألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجارية يُنكِحُها أهلُها أتُستأمر أم لا؟ فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعم، تستأمر". قالت عائشة: فقلت له: فإنها تستحي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"فذلك إذنُها إذا هي سكتت"
(1)
.
وعن خنساء بنت خِذام أن أباها زوَّجها وهي ثيب، فكرهت ذلك، فأتت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فردَّ نكاحه، رواه البخاري
(2)
.
قال الشيخ الإمام المفتي تقي الدين أبو العباس أحمد ابن الشيخ للإمام العالم شهاب الدين عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيمية رضي الله عنه كاتبُ الخط المنقول منه هذه الأحاديث: فالمرأة لا ينبغي لأحد أن يزوجها إلا بإذنها كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم، فإن كرهت ذلك لم تُجبَر على النكاح إلا الصغيرة البكر، فإن أباها يزوجها ولا إذن. وأما البالغ الثيب فلا يجوز تزويجها بغير إذنها، لا للأب ولا لغيره، بإجماع المسلمين. وكذلك البكر البالغ ليس لغير الأب والجد تزويجها بدون إذنها بإجماع المسلمين. وأما الأب والجد فينبغي لهما استئذانها.
واختلف العلماء في استئذانها هل هو واجب أو مستحب، والصحيح أنه واجب. ويجب على ولي المرأة أن يتقي الله فيمن يُزوِّجها به، وينظر في الزوج هل هو كفؤ أم غير كفؤ، فإنه إنما يُزوجها لمصلحتها لا لمصلحته، وليس له أن يزوجها
(1)
أخرجه البخاري (5137) ومسلم (1420).
(2)
برقم (5138، 6969).