الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
في ثواب الحسنات والسيئات
والكلام في نوعين: أحدهما في
ترجيح جانب الحسنات
، والثاني في مقادير الحسنات ومقادير السيئات.
أما الأول فإن الله سبحانه وتعالى كما أخبر عنه نبيُّه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "سبقتْ رحمتي غضبي ــ وفي روايةٍ: غلبتْ رحمتي غضبي ــ وقد كتب ذلك في كتاب، فهو موضوع عنده فوق العرش"
(1)
. وأخبر عن نفسه في كتابه أنه قال: {كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [الأنعام: 12]، كما أخبر عنه رسوله أنه حرَّم الظلمَ على نفسه، وجعلَه محرَّمًا بين عبادِه
(2)
.
وقد دلَّ القرآن على ذلك في مثل قوله: {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ} [الحجر: 49، 50]، وفي مثله قوله:{اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة: 98]، فجعل المغفرة والرحمة داخلةً في أسمائه التي وصف بها نفسه، وأما شدّة العقاب وألم العذاب فإنما هو من عوارضِ مفعولاته، ولهذا
ليس في أسماء الله الحسنى اسمٌ يتضمن صفة الغضب والعذاب
، ولا
(1)
أخرجه البخاري (7553، 7554) ومسلم (2751) عن أبي هريرة.
(2)
أخرجه مسلم (2577) عن أبي ذر.
في صفاته صفة تقتضي ذلك، لكن إذا أخبر عن ذلك أتى بالقول العام الشامل له ولغيره، أو حذف فاعله، أو أضيف إلى المخلوق. وأما الرحمن والرحيم والغفور والحليم والكريم ونحو ذلك فكثير في أسمائه.
وإنما جاء في القرآن: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ} [آل عمران: 4]، ولم يقل:"منتقم" كما تقوله طائفة ممن تكلم في الأسماء الحسنى، واستدلوا بحديث الترمذي
(1)
الذي رواه الوليد بن مسلم، فإن المحققين من الحفاظ يعلمون أن ذلك العدد ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما هو مما أدرجه الوليد بن مسلم في روايته عن شعيب
(2)
. كما أن ابن ماجه
(3)
لما روى الحديث أيضًا من طريق محمد بن سيرين عن أبي هريرة، ذكر فيه
(4)
من حديث عبد الرحمن
(1)
برقم (3507)، وقال:"وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا نعلم في كثير من الروايات ذكر الأسماء إلّا في هذا الحديث. وقد روى آدم بن أبي إياس هذا الحديث بإسناد غير هذا عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر فيه الأسماء، وليس له إسناد صحيح". وأخرجه أيضًا من طريق الوليد بن مسلم: ابن حبان (808) والطبراني في الدعاء (111) والحاكم في المستدرك (1/ 16) والبيهقي في السنن الكبرى (10/ 27).
(2)
انظر الأسماء والصفات للبيهقي (ص 8) وتفسير ابن كثير (4/ 1517) وفتح الباري (11/ 215 ــ 217).
(3)
برقم (3860) من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة.
(4)
برقم (3861). قال في الزوائد: إسناده ضعيف، لضعف عبد الملك بن محمد الصنعاني الراوي عن زهير بن محمد. ثم إن رواية أهل الشام عن زهير بن محمد غير مستقيمة، وعبد الملك هذا من صنعاء دمشق لا صنعاء اليمن.
الأعرج عن أبي هريرة عدد الأسماء على خلاف ذكر الوليد بن مسلم.
وإذا جاء في أسمائه الضار والنافع، والخافض والرافع، والمُعِزُّ والمُذِلُّ، والمعطي والمانع، فإنما تقال مقترنةً مزدوجةً، لا يُفرَدُ الضار عن النافع، ولا المانع عن المعطي؛ إذ المقصود بيان عموم فعلِه وشمولُ عدلِه وفضلِه.
وجاء في القرآن: {بِيَدِكَ الْخَيْرُ} [آل عمران: 26]، وفي القرآن:{أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ} [السجدة: 7]، وفي القرآن:{صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} [النمل: 88]، وفي حديث الاستفتاح الصحيح
(1)
: "والخير بيديك، والشرُّ ليس إليك"، فالشر في القرآن إما أن يضاف إلى الرب أو لا، فإن أضيف إليه كان بطريق العموم فقط، وإن لم يُضَف إليه فإما أن يُحذف فاعله أو يضاف إلى السبب.
فالأول كقوله: {خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الأنعام: 102]، وقوله:{فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ} {وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ} [الأنعام: 125]، وقوله:{رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2]، وقوله:{يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا} [البقرة: 26]، وقوله: {أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ
(1)
أخرجه مسلم (771) عن علي بن أبي طالب.
الْعَذَابُ الْأَلِيمُ} [الحجر: 49، 50]، وقوله: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ
…
} الآية [النساء: 13]، {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ
…
} الآية [النساء: 14]، وقوله:{فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا} [الكهف: 82]. وهذا كثير، إما أن يجمع الاسم والقول العام للنوعين، وإما أن يفصل نوعي الخير والشر من الآلام وأسبابها.
وأما إضافته إلى السبب فكقوله: {مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ} [الفلق: 2]، وقوله:{وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [الشعراء: 80]، وقوله:{فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا} [الكهف: 79]، وقوله:{إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} [يوسف: 53]، وقوله:{هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ} [القصص: 15] ونظائره.
وأما حذف الفاعل فكقوله: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7]، وقول الجن:{وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا} [الجن: 10]. وهذا مثل قول الصحابة كأبي بكر وعمر وابن مسعود وغيرهم
(1)
: "فإن يكن صوابًا فمن الله، وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان،
(1)
أخرجه عبد الرزاق في المصنف (19191) وسعيد بن منصور في السنن (591 ــ تفسير) وابن أبي شيبة في المصنف (11/ 415، 416) والطبري في تفسيره (6/ 475، 476) والبيهقي في السنن الكبرى (6/ 223) عن أبي بكر. وأخرجه أحمد (1/ 431، 4/ 279) وأبو داود (2116) والنسائي (6/ 122، 123) عن ابن مسعود. وأخرجه الطحاوي في مشكل الآثار (9/ 214) والبيهقي في السنن (10/ 116) عن عمر. وانظر: تلخيص الحبير (4/ 195).