الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذا الذي قررناه في العلم والقول في الأحكام والأدلة يجيء مثلُه في القصد والعمل في المقاصد والوسائل، فمن غلبَ عليه في ذلك الوجودُ في المقاصد والأعمال كانت طريقته أنفعَ ممن غلبَ عليه العدمُ فيهما، فالوجود راجح على العدم في نفسه وفي علمه وذكره وقصدِه والسعي إليه.
وكذلك أيضًا في القدرة والسمع والبصر وسائر الصفات، لكن لابدَّ من نفيٍ وعدمٍ يدفع عن الوجود ما يَضُرُّه ويُفسِده، وإلّا فَسَد. فهذا هذا، والله سبحانه وتعالى أعلم.
ولهذا إذا ترك المؤمن شيئًا من المكروهات فلابدَّ أن يكون تركُه لإرادة أمرٍ موجود، فيتركه لوجهِ الله وإرادةِ ثوابه، أو للخوف من العقاب الذي يضرُّه. ولهذا اختلف الناس في
المطلوب بالنهي: هل هو نفسُ العدم أو الامتناع الذي هو أمر وجودي
؟ والتحقيق أن كلاهما
(1)
مطلوبٌ للناهي، لكن فائدة الوجود وجودية، وفائدة العدم عدمية.
وقد اتفق الفقهاء على تعليل النفي بالنفي كتعليل الإثبات بالإثبات وتعليل النفي بالإثبات، فإن الوجود قد يقتضي عدمَ أشياء. أما تعليل الوجودِ بالعدم ففيه خلاف، وأصحابنا جوَّزوه، لأن النفي يتضمن الوجود ....
(2)
.... وقد يقال: إرادة العدم تقتضي وجودًا ..... والله أعلم.
(1)
كذا في الأصل بالألف، وهو من أسلوبه المعروف في كتبه بخطه.
(2)
الكلمات في مواضع النقط مبتورة.
فصل عظيم المنفعة
في أمر المعاد
وذلك أن مذهب أهل السنة والجماعة ما دلَّ عليه الكتاب والسنة، واتفق عليه سلفُ الأمة وأئمتُها: الإيمانُ بالقيامة العامة التي يقوم الناس فيها من قبورهم لربّ العالمين، ويَجزِي العبادَ حينئذٍ ويحاسبهم، ويُدخِل فريقًا الجنةَ وفريقًا النارَ، كما هو مبيَّن في الكتاب والسنة.
والإيمان مع ذلك بنعيم القبر وعذابه، وبما يكون في البرزخ من حينِ الموت إلى حين القيامة من نعيم وعذاب، فالإنسان منذُ تُفارِق روحُه بدنَه هو إما في نعيم وإما في عذاب؛ فلا يتأخر النعيم والعذاب عن النفوس إلى حين القيامة العامة، وإن كان كمالُه حينئذٍ، ولا تبقى النفوس المفارقة لأبدانها خارجةً عن النعيم والعذاب ألوفًا من السنين إلى أن تقوم القيامة الكبرى. ولهذا قال المغيرة بن شعبة
(1)
: أيها الناس! إنكم تقولون: القيامة، القيامة، وإنه من ماتَ فقد قامت قيامتُه.
واسم «الساعة» في السُنة قد يَرِد ويُراد به انقراضُ القرن وهلاكُ أهلِه، كما ذكر ذلك البغوي
(2)
وغيره، وهو مذكور في أحاديث
(1)
أخرجه الطبري في تفسيره (23/ 468، 469) من طريق زياد بن علاقة عنه، وعزاه السخاوي في المقاصد الحسنة (ص 428) إلى الطبراني.
(2)
لم أجد كلام البغوي في التفسير وشرح السنة، وانظر: مفردات القرآن للراغب (ص 113) وفتح الباري (11/ 364).