الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
(1)
قاعدة: قد عُرِف أن النفس بل وكل حيّ له قوتان: قوة الحب وقوة البغض، وهاتان القوتان جنسان عاليان تحتهما أنواعٌ، ولهما توابعُ تختلف أسماؤها وأحكامُها، مثل الشهوة والغضب اللذين للحيوان مطلقًا، ومثل الطمع والرجاء والرغبة التابع للحب، والخوف والفَرَق والرهبة التابع للبغض، فإن الحي لا يرغب ويرجو إلّا ما يحبُّه ويشتهيه، ولا يخاف ولا يرهَب إلّا ما يبغضه وينفر عنه.
قال الله تعالى: {وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ} [الإسراء: 57]، وقال:{تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا} [السجدة: 16]، وقال:{وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا} [الأنبياء: 90].
و
كل وعد ووعيدٍ في القرآن فهو ترغيب وترهيب
وتخويف وترجيةٌ، فإن النعيم محبوبٌ للحيّ، والعذاب مكروه له. والرجاء والخوف يتعلق بالمحبوب والمكروه قبل وقوعه، وكل منهما مركب من قوة علميةٍ وهو تجويز الوقوع، وعمليةٍ وهو الحب والبغض.
ومن ذلك اللذة والفرح والسرور والنعيم، فإنه متعلق بحصولِ المحبوب واندفاع المكروه، والألمُ والغمُّ والحزنُ والعذابُ فإنه متعلق
(1)
بجانبه بخط المؤلف: "وقد ذكرت طرفًا مما يتعلق بذلك في غير هذا الموضع في الوجهة أمامه".
بحصولِ المكروه واندفاعِ المحبوب. فالحبّ والشهوة كالسبب الفاعل في المطلوبات، والفرح واللذة كالعلة الغائية.
ومن ذلك أن الإرادة والرحمة والصلاة على الشيء من جنس المحبة، والكراهة والغضب واللعنة من جنس البغض. وكذلك الحسد ــ الذي هو كراهة النعمة وتمنِّي زوالِها ــ من جنس البغض، يخالف الغبطةَ التي قد تُسمَّى حسدًا، وهي محبةٌ لمثل نعمةِ الغير، فإنها من جنس المحبة، ولهذا حُرِّم الأول دون الثاني، وشُرِعَ الثاني في العلم والمال المُنْفَقَينِ في سبيل الله.
ومن ذلك أن المغفرة ودفع المكروه والرحمة فعلٌ لمحبوب، ومن ذلك أن الموالاة والمصادقة والمؤانسة والمعاشرة ونحو ذلك هي من توابع المحبة، والمعاداة والمجانبة والمواحشة والمهاجرة هي من توابع البغض. ولهذا قال صلى الله عليه وسلم:"من أحبَّ لله وأبغض لله وأعطى لله ومنعَ لله فقد استكمل الإيمان"
(1)
؛ لأن هاتين القوتين في القلب الذي هو يملك الحسد والعطاء والمنع في المال، فإذا كان جميع الأفعال في النفس والمال لله صار العبد كلُّه لله، وذلك هو كمال الإيمان.
واعلم أن المقصود بالقصد الأول هو فعل المحبوب، وهو عبادة
(1)
أخرجه أبو داود (4681) عن أبي أمامة الباهلي، وإسناده حسن. وأخرجه أحمد (3/ 438، 440) والترمذي (2521) عن معاذ الجهني، وقال الترمذي: حديث حسن.