الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
كل واحدٍ من اسمي الذكر والدعاء يتناول الآخر
، فالداعي لله ذاكرٌ له، وهذا ظاهر، والذاكر لله داعٍ له أيضًا، كما يقال:«أفضل الدعاء يومَ عرفة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير»
(1)
، ودعاء الكرب:«لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ربّ العرش الكريم»
(2)
. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «دعوة ذي النون: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، ما قالها مؤمنٌ إلا فرَّج الله عنه»
(3)
.
وكتاب «الدعاء» للطبراني مشتمل على أنواع الأذكار، والفقهاء يسمُّون الأذكار التي في الصلاة أدعية، فيقولون ــ كابن بطة ــ: ما كان من الدعاء ثناء على الله، وما كان مسألةً للعبد.
(1)
أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (4072) عن أبي هريرة، وضعَّفه البيهقي في السنن الكبرى (5/ 117) وابن عدي في الكامل (4/ 1600).
(2)
أخرجه البخاري (6345، 6346)، ومسلم (2730) عن ابن عباس.
(3)
أخرجه بهذا اللفظ ابن السني في عمل اليوم والليلة (344) عن سعد بن أبي وقاص بإسنادٍ ضعيف جدًّا. وأخرجه أحمد (1/ 170) والترمذي (3505) والنسائي في «عمل اليوم والليلة» (565) بلفظ: «لم يدعُ بها مسلمٌ ربَّه في شيء قطُّ إلّا استجاب له» . وإسناده حسن، وصححه الحاكم (1/ 505) ووافقه الذهبي.
وهذا كما أن لفظ «الصلاة» في اللغة بمعنى الدعاء. وقال ابن مسعود
(1)
: ما دُمتَ تذكرُ الله فأنتَ في صلاةٍ، ولو كنتَ في السوق. فلفظ الصلاة يتضمن الثناءَ والدعاء، كما قال الله:«قسمتُ الصلاةَ بيني وبين عبدي نصفين»
(2)
.
فأما الذكر فهو مصدر ذكَرَ يذكرُ ذِكرًا، وهذا يقال في الخبر الذي هو الثناء، وأما الطلب والسؤال فلأن فيه ذكر المسؤول المدعو فيُطلَق عليه الذكر.
وأما إطلاق لفظ الدعاء على الثناء وذكر الله فلوجوه:
أحدها: أن المُثنِي يتعرض لرحمة الله من جلب المنفعة ودفع المضرة، فصار سائلًا بحالِه وإن كان مُثنيًا بقالِه. وهذا جواب سفيان بن عيينة
(3)
، واستشهد بحديث مالك بن الحويرث
(4)
وشعر أمية بن أبي
(1)
ذكره الشيخ في مجموع الفتاوى (14/ 215) واقتضاء الصراط المستقيم (1/ 94)، ونسبه إلى أبي الدرداء في مجموع الفتاوى (32/ 232).
(2)
أخرجه مسلم (395) عن أبي هريرة.
(3)
رواه ابن عبد البر في التمهيد (6/ 43 ــ 45). وانظر: مجموع الفتاوى (10/ 245).
(4)
في التمهيد (6/ 44): «مالك بن الحارث» . وهو الصواب، وهو تابعي ثقة، روى عنه منصور الحديثَ القدسي:«إذا شغلَ عبدي ثناؤه عليَّ عن مسألتي أعطيتُه أفضل ما أعطي السائلين» . وذكر سفيان إسناده إليه. أما «مالك بن الحويرث» فهو صحابي ولم يُروَ عنه حديث في هذا المعنى.
الصلت
(1)
.
وتحقيق ذلك أن الثناء
(2)
المتضمن لمعرفة المسؤول وجوده ورحمته، يُورث اللجأَ إليه والافتقارَ إليه والرغبةَ إليه، أعظمَ بكثيرٍ مما يُوجِبُه مجردُ السؤالِ الخالي عن تلك المعرفة والحال. وهكذا الأمر من جانب المعطي، فإن معرفته بحال المُعطَى وصفاتِ استحقاقِه تُوجِب إعطاءَه أعظمَ مما يكون بمجرد السؤال باللسان. ولهذا يكون إظهارُ الفاقةِ والفقرِ إلى الله والحاجةِ والضرورةِ فقط أبلغَ من سؤال شيء معين.
فهذا في إخبار العبد بحالِ نفسِه وإقراره بذلك واعترافِه نظيرُ إخبارِه بصفات ربه وثنائه عليه ومدحِه له، وكلاهما خبرٌ يتضمن الطلب. وهذا نوع واسعٌ من الكلام، وهو الخبر المتضمن للطلب، كما أن الطلب يتضمن الخبر.
وهذا الوجه يتضمن وجهين:
أحدهما: أن الثناء والإخبار كلّه لفظُه لفظ الخبر ومعناه الطلبُ والسؤال حقيقة عرفية، كما يقول الابن لأبيه: أنا جائع، ويقول السائل
(1)
قوله في ديوانه (ص 332) والحماسة (2/ 395، 396):
أأطلبُ حاجتي أم قد كفاني
…
حياؤك إن شِيْمتَك الحياءُ
إذا أثنى عليك المرء يومًا
…
كفاه من تعرُّضِه الثناءُ
(2)
في الأصل: «الدعاء الثناء» . ولعل الشيخ نسي الضرب على «الدعاء» .