الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذا قول القونوي والتلمساني وابن سبعين وغيرهم ممن لا يجعل له وجودًا متميزًا عن وجود مخلوقاته، بخلاف قول ابن العربي الذي يجعل له وجودًا متميزًا، ويقول: إن ذلك الوجود فاض على الممكنات. فهذا القول أمثل، ولهذا هو عند الاتحادية أبعد عن التحقيق. هذا إذا اقتصروا على عبادة الوجود المطلق، وأما إن عبدوا الوجود كلَّه المطلق والمعيَّن كما هو قول التلمساني والبلياني وابن سبعين فقد أشركوا به جميعَ الكائنات المطلق والمعين. وهذا القول الثالث أخسُّ أقوالهم، وهو عند غالبهم عين التحقيق.
و
من بدع ضلالهم وكفرهم
أنهم يسمُّون هذا توحيدًا وحقيقةً، ويزعمون أن كبار العارفين إنما أشاروا في توحيدهم وتحقيقهم إلى ذلك، ومعلوم أن هذا جامع لكل شركٍ، فهو أعظم شركًا وأكفر كفرًا من كل شركٍ وكفرٍ.
و
منشأ التلبيس
أن المُشرِك بين شيئين لابدَّ أن يُسوِّي بينهما في شيء يُشركهما فيه، فيتحدانِ فيه، كما قال الكفار:{إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (97) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 97، 98]. فمن أشرك بالله شمسًا أو قمرًا أو كوكبًا جعله شريك الله في العبادة والإلهية، فاتحدا في الألوهية والعبادة فهو موحِّدٌ للقدر المشترك بينهما عنده. ولذلك كل من قاس شيئًا بشيء وشبَّه شيئًا بشيء، فلابدّ أن يتحد الفرع والأصل المشبَّه والمشبَّه به في معنًى يجمعهما، فهو يشرك فيه توحيد المشترك، ليس فيه
توحيد الواحد الذي أشرك به غيرَه.
وهؤلاء الفرعونية القرامطة لما أشركوا بالله سائر المخلوقات في الألوهية، وقالوا: إن ذلك الوجود المشترك هو الله وهو المعبود، صاروا موحدين الوجود المشترك قائلين بأن وحدة الوجود المشترك هي وحدة الله، وليس هذا توحيد الله الذي أشركوا به خلقَه، وإنما هو توحيدٌ للمشترك بينه وبين خلقه. وكل مشركٍ في العالم فهو موحد هذا التوحيد الشركي الكفري، لكن هؤلاء جمعوا كلَّ شرك.
وأما توحيد الله الذي يستحقه على عباده والذي بعث به رسلَه وأنزلَ به كتبَه، فهو توحيده نفسه وإخلاص الدين له، لا توحيد المشترك بينه وبين خلقه. ولهذا كان هذا التوحيد جامعًا لكل تَلْحيدٍ، فإن المسلمين سمَّوا القرامطة ملاحدة، وهؤلاء حقيقة قولهم هو قول الملاحدة الإسماعيلية النصيرية القرامطة الفرعونية النمرودية، وأما مشركو العرب والصابئة الفلاسفة ونحوهم فأحسنُ حالاً من هؤلاء، ولا حُسْنَ في شيء من الشرك، وإنما الغرض أن هؤلاء أكفرُ من ثلاثة أوجهٍ:
من جهة أنهم أشركوا به جميعَ الموجودات.
ومن جهة أنهم جعلوا المخلوقات هي إياه، وأولئك اعترفوا بأن شركاءهم ملكُه وأنهم ليسوا إياه، وهؤلاء جعلوها إياه وجزءًا منه.
ومن جهة أنهم أنكروه وكذّبوا بوجودِه، حيث جعلوه الوجود المطلق أو وجود المخلوقات.
وهذا الثالث لا يجيء على قول ابن عربي، فإنه يقول: إن له وجودًا وإنه فاض على الممكنات. وإنما يجيء على قول القونوي الذي يقول: هو الوجود المطلق، وعلى قول التلمساني [والبلياني] وابن سبعين الذين يقولون: هو عين الموجودات، فإن التلمساني والبلياني وابن سبعين ما عندهم وجودٌ إلّا عين الحق، فلم يفرقوا بين الوجود المطلق والمعين، ولا بين الوجود والماهيات.
وأما القونوي فيفرق بين المطلق والمعين، وعنده أن الله هو الوجود المطلق لا المعين.
وأما ابن عربي فعنده أن وجود الحق قائم بنفسه، وأن ماهيات الممكنات أزلية، كقول من يقول من المعتزلة وغيرهم والشيعة: إن المعدوم الممكن شيء. وزاد عليهم بأنه فاض عليها وجود الحق، فوجودها وجودُه، لا أن ماهيتها ماهيته.