المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌مسائل مختلفة - جامع المسائل - ابن تيمية - ط عطاءات العلم - جـ ٨

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌فصول وقواعد(من مسوّدات شيخ الإسلام ابن تيمية)

- ‌الفاتحة نصفها ثناء وذكر، ونصفها دعاء ومسألة

- ‌كل واحدٍ من اسمي الذكر والدعاء يتناول الآخر

- ‌ الدعاء يُراد به دعاء العبادة ودعاء المسألة

- ‌الناطق بلفظ الثناء والذكر له ثلاثة أحوال:

- ‌ الشهادةَ على الناس مختصةً بهذه الأمة

- ‌ أخذ المال وصرفَه في مواضعه خيرٌ من تركه حيث لا ينفع

- ‌عمدتهم إما شبه قياسية أو ذوقية

- ‌ حجتهم تقليد كبيرٍ في أنفسهم

- ‌التلاوة تجمع معنى التدبر والاتباع ومعنى السماع

- ‌ جماع الخير في القرآن والإيمان

- ‌الهدى يدخل فيه العلم النافع، ودين الحق يدخل فيه العمل الصالح

- ‌المنحرف إما المبتدع في دينه، وإما الفاجر في دنياه

- ‌ البدع أحبَّ إلى إبليس من المعصية

- ‌ صنفانِ إذا صلحوا صلح الناس: العلماء والأمراء

- ‌ الدينُ كلُّه: العلم والعدل. وضدُّ ذلك: الظلم والجهل

- ‌ تحريم المضارَّة مطلقًا

- ‌ ترجيح جانب الحسنات

- ‌ ليس في أسماء الله الحسنى اسمٌ يتضمن صفة الغضب والعذاب

- ‌ جانب الحسنات هو الراجح في خلقه وأمرِه

- ‌ الجزاء في الحسنات بأفضل أنواعها وصفاتها، بخلاف السيئات

- ‌ الهمَّ بالحسنة يُثَابُ عليه، والهمّ بالسيئة لا يُعاقَب عليه

- ‌ الإرادة الجازمة مشروطة بالعلم المفصل

- ‌الإرادة تقوى وتضعف بحسب القدرة والعجز

- ‌ الحسنات يتعدى ثوابُها فاعلَها، وأما السيئة فلا يُعاقَبُ عليها إلا فاعلُها

- ‌ التفاوت في الحسنات والسيئات يقع من ثلاثة أوجه:

- ‌ وصف المختال الفخور بأنه يبخل ويأمر الناس بالبخل

- ‌ المسالمة لمن أمر الله بمسالمتِه، والمحاربة لمن أمر الله بمحاربته

- ‌فصلُ الخطاب(4): أن "الحدَّ" له عدة معانٍ تَرجِع إلى أصلين:

- ‌أما الحدُّ المركب من الجنس والفصل فلا يجوز في حق الله

- ‌أحدهما: اشتمال ذلك على أداء الواجبات وترك المحرَّمات

- ‌ الثاني: تضمُّنُها نهي المهجور وتعزيره وعقوبته

- ‌ أيهما أفضل؟ كثرة الركوع والسجود أو طول القيام

- ‌ فعلَ الإنسانِ وسائرِ الحيوان إما حركةٌ وإما صوتٌ

- ‌السماع الشرعي

- ‌كل وعد ووعيدٍ في القرآن فهو ترغيب وترهيب

- ‌ لا يتم ذلك إلّا بدفع المكروه

- ‌باعتبار القوى الثلاث كانت الأمم الثلاث المسلمون واليهود والنصارى

- ‌جنس القوة الشهوية: الحبُّ، وجنس القوة الغضبية: البغض

- ‌الحبُّ والبغض هما الأصل

- ‌الربيع هو المطر المُنبِت للربيع

- ‌الحياةُ والنورُ جماعُ الكمال

- ‌ المقصود هو العلم، وطريقه هو الدليل

- ‌الأنبياء جاءوا بالإثبات المفصل والنفي المجمل

- ‌ العلم بالعدم يحصل بواسطة العلم بالموجود

- ‌ العلم بالموجود وصفاته هو الأصل

- ‌ العلم بالسلوب لا يَستقلُّ في المسائل والأحكام، ولا في الوسائل والأدلة

- ‌ المطلوب بالنهي: هل هو نفسُ العدم أو الامتناع الذي هو أمر وجودي

- ‌معاد الأرواح والأبدان جميعًا

- ‌الأول كلام الله وكلام رسله وأنبيائه وخلفائهم

- ‌ الأصوات المثيرة للوجد والطرب

- ‌ أصل الصابئة الحروف والأصوات المجملة المشتركة

- ‌الأصل فيها أنها غير مشروعة ولا مأمور بها

- ‌ هذه الهداية والرئاسة كاملة العلم، ليس فيها نقص علمي

- ‌ أنها كاملة الرحمة

- ‌ أنها كاملة القدرة والسلطان، فإن ناصرها ومؤيدها هو الله

- ‌ تلازمَ العلم التام والعمل

- ‌ الأجسام ليست متماثلةً

- ‌لا يجوز حملُ نصوص الكتاب والسنة وكلام السلف على اصطلاحٍ حادثٍ

- ‌ الشهادة ركن في الخطب الواجبة

- ‌ لابُدَّ في الخطبة من ذكرِ الله وذكرِ رسوله

- ‌ المقصود بالشهادة سلبَ ألوهيةِ ما سوى الله عن القلب

- ‌من بدع ضلالهم وكفرهم

- ‌منشأ التلبيس

- ‌حكاية المناظرة في الواسطية

- ‌الإيمان قولٌ وعمل

- ‌ صفة العلو هل هي صفة كمال

- ‌فصلأصل الإيمان والهدى ودين الحقهو الإيمان بالله ورسوله

- ‌سورة البقرة جماعها في تقرير الرسالة

- ‌الإيمان بالله ورسوله هما المقصود والوسيلة

- ‌الإيمان بالله وباليوم الآخر غايتانِ، والإيمان بالرسل والعمل الصالح وسيلتان

- ‌يجبُ ردُّ جميع ما تنازعوا فيه إلى الله والرسول

- ‌فصلوصف الله أفضلَ أهل السعادة بالإيمانوالهجرة والجهاد

- ‌فصلفي الكلام على النِّعم، وهل هي للكفار أيضًا

- ‌ هذه اللذات تارةً تكون بمعصيةٍ

- ‌ الأعمال بخواتيمها

- ‌ التنعُّم العاجل ليس بنعمةٍ في الحقيقة

- ‌ وصف المؤمنين بأنهم صابرون في البأساء والضراء وحين البأس

- ‌من لم يتصف بحقيقة الإيمان هو إما قادرٌ وإمّا عاجز

- ‌ حال كثير ممن يُشبِه اليهودَ من المتفقهة والمتكلمة

- ‌فصل في آية الربا

- ‌ حكم الخطاب هل يثبت في حق المسلم قبل بلوغ الخطاب

- ‌ أصل الربا هو الإنْسَاء

- ‌ الربا نوعان: جلي وخفي

- ‌ربا النَّسَاء من الجليّ

- ‌ تنازع السلف والخلف في ربا الفضل

- ‌ما حرم لسدِّ الذريعة أبيح للمصلحة الراجحة

- ‌أواني الذهب والفضة وصيغتها محرمة

- ‌ مسألة «عَجِّلْ لي وأَضَعُ عنك»

- ‌الربا البيّن الذي لا ريب فيه هو ربا النسيئة

- ‌ إذا اجتمع ربا الفضل والنَّساء في جنس واحدٍ حرم

- ‌الفرق بين الحيل وسدّ الذرائع

- ‌النظر إلى الأجنبية

- ‌فصلفي أنه ليس في القرآن لفظة زائدة لا تفيد معنى

- ‌فصلفي توبة قوم يونس

- ‌هل هي مختصة بالقبول دون سائر من يتوب

- ‌ العذاب نوعان: عذابٌ يتيقن معه الموت، وعذاب لا يتيقن معه الموت

- ‌عذابُ الله ثلاثة أنواع:

- ‌المفسرون من السلف يُفسِّرون المعنى، لا يتكلمون في دلالة العربية؛ لأن العربية عادتهم وطبعُهم

- ‌ كل مَنْ تابَ قبلَ الرفع إلى الإمام لم يقم عليه [الحدّ]

- ‌ البدعة أحبُّ إلى إبليس من المعصية

- ‌مسألةعن رجل يزعم أنه شيخٌ ويتوِّب الناسويأمرهم بأكل الحيَّة

- ‌ من أمرَ مُريديه بدخول النار فهو شيخٌ ضالٌّ مبتدع

- ‌ لا يوجد من هؤلاء إلا من هو خارجٌ عن الكتاب والسنة

- ‌ لا يجوز طاعة مخلوق في معصية الخالق، والويل لمن اتبع الأكابر فيما خرج عن سنن المرسلين

- ‌مسألة في الحضانة

- ‌ الحضانة للأم ما لم تتزوج

- ‌ تصرف الولي في بُضْع وليته كتصرفه في مالها

- ‌مسائل مختلفة

الفصل: ‌ ‌مسائل مختلفة

‌مسائل مختلفة

ص: 425

سئل الشيخ أبو العباس أحمد ابن تيمية عمن تُصِيبه جنابةٌ، والماء يضرُّه، أو يكون مجروحًا، فهل يجوز له أن يصلي أو يقرأ القرآن؟ وما قدرُ المدة التي يصلي فيها ويقرأ؟ وهل نُقِل عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء من ذلك أو عن السلف الصالح؟

فأجاب:

الحمد لله، إذا أصابته جنابةٌ وكان عادمًا للماء، أو يخاف الضررَ باستعماله، بحيث يجوز له التيمم من الحدث الأصغر، فإنه يتيمم للحدث الأكبر وهو الجنابة، كما يتيمم للحدث الأصغر، في مذهب الأئمةِ الأربعة وجماهير الصحابة وسائرِ أئمة المسلمين. وقد دلَّ على ذلك آيتان من كتاب الله: آية النساء

(1)

وآية المائدة

(2)

، وعدة أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:

حديث عمار بن ياسر الذي في الصحيحين

(3)

لما أجنبَ هو وعمر، فتمرَّغ عمارٌ كما تتمرَّغ الدابةُ ظانًّا أن التراب كالماء في الفعل فيَعُمُّ البدن، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:«إنما كان يكفيك هكذا» ، وضربَ بيديه الأرضَ ضربةً واحدةً، فمسحَ بهما وجهَه وكفَّيه.

(1)

رقم (43).

(2)

رقم (6).

(3)

البخاري (338) ومسلم (368).

ص: 427

وحديث عمران بن الحصين الذي في الصحيح

(1)

في نومهم عن صلاة الفجر في غزوة خيبر، وكرامة النبي صلى الله عليه وسلم في تكثير ماء المزادة، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى رجلًا معتزلًا من القوم لم يُصلِّ قال:«يا فلان! ما منعَك أن تصلِّيَ معنا؟» فقال: إني كنتُ جُنبًا، فأخبرَه أن الصعيد الطيب يكفيه. ثم لما أُتِي بالماء أعطاه قَدَحًا فاغتسلَ.

وحديث أبي ذر في التيمم من الجنابة، وفيه:«إن الصعيدَ الطيب طَهورُ المسلم، ولو لم يجد الماءَ عشرَ سنين، فإذا وجدتَ الماءَ فأمِسَّه بَشْرَتَك، فإن ذلك خير»

(2)

.

وحديث عمرو بن العاصي لما بعثَه النبي صلى الله عليه وسلم أميرًا في غزوة ذات السلاسل، وأصابتْه الجنابة في ليلةٍ باردةٍ فخشيَ مضرَّةَ الاغتسال، فتيمم وصلَّى بأصحابه وهو جنب، وذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فأقرَّه عليه

(3)

.

وحديث صاحب الشجَّة الذي أفتاه بعضُ الناسِ بالاغتسال حتى مات، فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال:«قَتلوه قَتلَهم الله، هَلَّا سألوا إذ لم يعلموا؟ فإنما شِفاء العِيِّ السؤالُ»

(4)

.

(1)

البخاري (344) ومسلم (682).

(2)

أخرجه أبو داود (332، 333) والترمذي (124) والنسائي (1/ 171). وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

(3)

أخرجه أبو داود (334، 335). وهو حديث حسن.

(4)

أخرجه أبو داود (336) عن جابر بن عبد الله. وله شاهد من حديث ابن عباس أخرجه أبو داود (337) وابن ماجه (572). وهو حديث حسن بشواهده.

ص: 428

وقد رُوي عن عمر بن الخطاب وابن مسعود منعُ الجنب من التيمم، ولكن خالفهما جمهور الصحابة والتابعين. وإذا تنازع السلف في شيء رُدَّ ذلك إلى كتاب الله وسنة رسوله، فوجدَ الأئمةُ الكتابَ والسنة قد دلَّ على مذهب الجمهور، فاستقرَّت أقوال الأئمة على ذلك.

وإنما تنازعوا في حدّ الضرر الذي يُبيح التيمم، فالجمهور يقولون: إذا خاف مرضًا، أو كان مريضًا فخافَ زيادة المرض بزيادة الألم، أو يضرُّه البردُ. هذا هو الصواب، كما قالوا مثل ذلك في فطْر المريض ونحو ذلك، وهو مذهب مالك وأحمد وأبي حنيفة والشافعي في قولٍ، وفي قولٍ قال: هو أن يخاف هلاكَ نفسِه أو بعضِ أعضائه.

وتنازعوا أيضًا فيمن يتيمم لخشية البردِ، هل عليه إعادة؟ فقيل: يُعيد في الحضر والسفر، كقول الشافعي. وقيل: لا يُعيد فيهما، كإحدى الروايتين عن أحمدَ وقولِ غيره. وقيل: يُعيد في الحضر دون السفر، كقول الشافعي وأحمد. والصحيح قول الأكثرين أنه لا إعادةَ في الحضر ولا في السفر.

واتفقوا على أن من تيمم لعدم الماء في السفر أو للمرض أو الجرح أنه لا يُعيد، ولم يأمر الله ولا رسوله أحدًا بفعلِ الصلاة مرتين مع كونه فعلَها على الوجه الذي أمر به أولًا، بل قال النبي صلى الله عليه وسلم:«أينهاكم عن الربا ويقبله منكم؟»

(1)

.

(1)

أخرجه أحمد (4/ 441) وابن خزيمة (994) وابن حبان (1461) عن الحسن عن عمران بن حصين. والحسن لم يسمع من عمران، فهو منقطع.

ص: 429

وتفريقُ من فرَّق بين العذر النادر والمعتاد فرقٌ ضعيف، وإنما قاسوه على الحائض التي تُؤمَر بقضاء الصوم الذي لا يتكرر، ولم تُؤمَر بقضاء الصلاة التي تتكرر، فقالوا: ما يتكرر من الأعذار كالصلاة، وما لم يتكرر كالصوم. وهذا قياس ضعيف فإن الحائضَ لا تُؤمَر بالصوم أولًا وبقضائه ثانيًا، وإنما تُؤمَر بصومٍ واحد كما يُؤمر الطاهرُ بصومٍ واحد، ولكن أُمِرتْ بالصوم في غير وقتِ الحيض. وأما الصلاة فإن كل يومٍ وليلةٍ فيه صلوات خمس واجبة، فلو أُمِرتْ بالقضاء لكانت مأمورةً في أمر واحدٍ بعشرِ صلوات، وهذا خلاف الواجب.

فهؤلاء إذا أمروا المعذور بالصلاة مرتين فقد أمروه بعشر صلواتٍ في زمن القضاء، وهو خلاف الأصل الذي قاسوا عليه. فعُلِمَ أن المشروع في الحائض حجةٌ عليهم لا أنه حجة لهم. وقد قال الله تعالى:{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:«إذا أمرتكم بأمرٍ فأتوا منه ما استطعتم»

(1)

.

فمن فَعَلَ الصلاةَ كما يستطيع فلا إعادةَ عليه، ولم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم أحدًا من أهل الأعذار بصلاتين قطُّ، فالأمر بذلك ذريعة إلى الترك، فإن المعذور حَسْبُه أن يفعلها مرةً، فإذا أُمِر بها مرتين أفضَى إلى الترك. وقد أمر الله بالصلاة في شدة الخوف رجالًا وركبانًا، وهي من الأعذار

(1)

أخرجه البخاري (7288) ومسلم (1337) عن أبي هريرة.

ص: 430

النادرة، ولم يأمر بالإعادة، بل نفس صلاة الخوف الخفيف التي فعلها النبي صلى الله عليه وسلم بإزاء العدو، وهي في غالب الأمور من الأعذار النادرة، وفيها أمورٌ تخالف صلاة الاختيار، مثل استدبار القبلة، والعمل الكبير في الصلاة، ومفارقة الإمام قبل السلام، وغير ذلك، ولم يكن فيها إعادة.

وكل من جازت له الصلاةُ فرضًا أو نفلًا جازت له القراءةُ باتفاق المسلمين، فإن الصلاة أكمل وأفضل وأوجب من مجرد القراءة، وشروطها أشد، فإذا جاز الأشد فالأسهل أولى. ولهذا يقرأ القرآن طاهرًا ومحدثًا، إلى القبلة وغيرها، قائمًا وقاعدًا ومضطجعًا، لابسًا وعاريًا، حاملًا للنجاسة ومجتنبًا لها، والصلاة بخلاف ذلك. وإنما اشتركا في الجنابة، فإن الجنب لا يقرأ القرآن عند الأئمة الأربعة وجمهور العلماء، وأما إذا جازت له الصلاة بالتيمم فرضًا ونفلًا فالقراءة أولى داخلَ الصلاةِ وخارجَ الصلاة. وليس لذلك زمنٌ مقدَّرٌ، بل لا يزال يعبد الله بالتيمم، كما يعبده بالوضوء والغسل، حتى يزول العذرُ المبيحُ للتيمم. والله أعلم.

ص: 431

مسألة

في رجل دخل في الصلاة وقد أحرم الإمام، ثم ركع الإمام، وقد قرأ الرجل بعض الفاتحة، ولم يتبع الإمام في الركوع حتى قرأ بقية الفاتحة، فقام الإمام من الركوع وسجد، فأتى الرجل بالركوع ولحقَ الإمام معتقدًا أن الركعة لا تتم إلا بإتمام الفاتحة.

الجواب:

أما المسبوق الذي دخل في الصلاة حين أمكنه، ولم يتسع وقت قيامه لقراءة الفاتحة، فإنه يركع ولا يُتِمُّ قراءة الفاتحة باتفاق الأئمة المتبوعين، وإن كان فيه خلاف فهو شاذ

(1)

. وأما إذا أخَّر الدخول في الصلاة مع إمكانه حتى قصر القيام، [و] كان القيام متسعًا لقراءة الفاتحة ولم يقرأها، فهذا تجوز صلاته عند جماهير الأئمة. وأما الشافعي فعليه عنده أن يقرأ وإن تخلف عن الركوع، وإنما تسقط قراءتها عنده عن المسبوق خاصة. فهذا كان حقه أن يرجع مع الإمام، ولا يُتم القراءة، لأنه مسبوق باتفاق الأئمة، فإذا تخلف عن الإمام متأوّلًا ظانًّا أن ذلك هو الواجب لم تبطل صلاته، كما يتخلف لنسيان [أو] لنومٍ أو زحمة.

ثم مذهب الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين في المتخلف المعذور مثل هذا إذا أمكنه أن يأتي بما تخلَّف عنه ويلحق الإمام، وقد

(1)

هذه الكلمة غير واضحة في الأصل.

ص: 432

سبقه بركنٍ أو اثنين أو ثلاثة، وهو مدركٌ للإمام في تلك الركعة= أن صلاته تصح، فتصح صلاة هذا وهذا، كما أنه لو زاد في صلاته ركعةً نسيانًا لم تبطل، وكذلك لو زادها متأولًا جاهلًا لم تَبطُلْ، فالمخطئ في هذا الباب كالناسي. والله أعلم.

ص: 433

مسألة

في رجلٍ أدرك الصلاة مع [إمام] من المسلمين، لا يعلم فيه ما يمنع الائتمام، فلم يصلِّ معه، فقال له رجل: صَلِّ مع هذا، فقال: أنا لا أصلي إلا خلف من يكون من أهل مذهبي. فما حكم هذا الرجل؟

وفي رجلٍ سئل عن مذهبه فقال: مذهبي اتباع الكتاب والسنة، فقال له قائل: لابد لكل أحدٍ من التقليد بأحد

(1)

هذه المذاهب الأربعة، فقال: أنا لا أتقيد بأحد هذه المذاهب الأربعة، وإنما أتقيد بالكتاب والسنة. فقال له: أنت مَارِقٌ. فما يجب عليه؟

وفي رجلٍ عُرِض عليه حديثٌ صحيح، فأنكره وقال: لو كان صحيحًا لما أهمله أهلُ مذهبنا، لم ينقلوه، فلو كان صحيحًا لما خفي على إمامنا. فما حكمُ هذا الكلام.

الجواب

هذا الكلام محرم في دين المسلمين، وقائله يستحقُّ العقوبة التي تزجرُه وأمثالَه، فإنه ليس من أئمة المسلمين من قال: إن صلاة المسلم لا تسوغ إلا خلفَ من يوافقُه في مذهبه المعين الذي انتسب إليه، إذ هؤلاء الأئمة الأربعة ومن قبلهم وبعدهم من سلف الأمة كانوا يصلون خلف من يوافقهم على مذهبهم ومن يخالفهم فيه. وإنما تنازع العلماء في

(1)

كذا في الأصل، والأولى أن يكون: التقيد بأحد أو التقليد لأحد، كما سيأتي (ص 441، 442).

ص: 434

مسائل: مثل إذا فعل الإمام ما يُبطِل الصلاةَ في مذهب المأموم دون مذهب الإمام، مثل من يوجب البسملةَ إذا صلى خلف من لا يقرؤها، ومن يتوضأ من الدم والرُّعاف والقيء، إذا صلى خلفَ من احتجم أو رُعِفَ ولم يتوضأ لأن ذلك مذهبه، ونحو هذه المسائل. فهذه فيها قولان.

ومع هذا فالصحيح الذي عليه جمهور الفقهاء أن صلاة المأموم صحيحة، لأن ما فعله الإمام إن كان صوابًا فقد أحسنَ، وإن كان خطأً فقد غفرَ الله له خطأه، كما قال:{رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286]. والمأموم يعلم أنه متأوِّلٌ في ذلك، ليس هو متعمدًا لذلك، فتكون صلاته صحيحة.

وفي صحيح البخاري

(1)

عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يُصلُّون لكم، فإن أصابوا فلكم ولهم، وإن أ خطأوا فلكم وعليهم» . وما زال الصحابة والسلف يصلي بعضهم خلف بعض مع تنازعهم في المذاهب. وتكلم العلماء أيضًا في الإمام إذا كان من أهل الفجور والبدع، وفيه تفصيل ونزاع لم يقله أحدٌ من المسلمين.

ثم إن أراد بذلك أن يوافقه على مسائل الاجتهاد الخارجة عن الصلاة، فهذا غاية الجهل. وإن أراد موافقته على مسائل الصلاة لم ينضبط أمره، وإن الطائفة الواحدة من أصحاب أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد

(1)

برقم (694) عن أبي هريرة.

ص: 435

متنازعون في واجبات الصلاة ومبطلاتها. فمن التزم هذا القول لزِمَه أن لا يصلي بعض أهل المذهب الواحد خلف بعضٍ، حتى لايصلي أبو يوسف ومحمد خلف أبي حنيفة، ولا ابن القاسم وابن وهب ونحوهما خلف مالك، ولا بعض أصحاب الشافعي وأحمد خلفهما.

وقد قال بعض المتأخرين: إنه لابد أن ينوي المصلي أداءَ الواجب في تفاصيل الصلاة، وإنه إذا فعل ما يُوجبه المأموم دونَه ولم يَنوِ أنه واجبٌ لم يصحَّ الاقتداء به. وهذا قول محدَثٌ في الإسلام، لا أصل له عن أحدٍ من السلف. وما زال المسلمون يصلُّون ولا يُميِّزون هذا التمييز، لا اعتقادًا ولا نيةً، وكيف يمكن هذا والنزاع في واجباتها ومُبطِلاتها من أصعب مسائل الفقه، فكيف يُكلَّف كل مُصلٍّ أن يحرم باعتقادٍ لا يعلم دليله؟ ومن احتاط، فإذا ما اشتبه عليه واجب هو أو مستحب؟ وترك ما اشتبه أحرامٌ هو أم لا؟ فقد استبرأ لعِرضِه ودينِه. فكيف يُذمُّ مثل هذا؟

وأما إن كان هذا القائل أراد [بقوله]«مذهبي» مذهبًا مبتدعًا في الأصول ما يخالف الكتاب والسنة، كمذهب الرافضة والمعتزلة والخوارج ونحوهم، فهذا ضالٌّ من وجهين: من جهة اعتقاد الباطل، ومن جهة امتناعه عن الائتمام بمن يعتقد الحق. وهكذا فعل أهل الأهواء بأئمة المسلمين، كما فعلت الخوارج بعلي رضي الله عنه، ابتدعوا بدعًا ما أنزل الله به من سلطان، وطعنوا مع هذا على من خالفهم من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان، حتى آلَ الأمرُ بهم

ص: 436

إلى تكفير الجمهور وقتالهم، فهؤلاء أهل التفرق والاختلاف والأهواء. قال الله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} إلى قوله: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105) يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} [آل عمران: 102 - 106]، قال ابن عباس: تبيضُّ وجوه أهل السنة والجماعة، وتسودُّ وجوه أهل البدعة والفرقة

(1)

.

ومثل هؤلاء قد ذمَّهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم غاية الذم، بل أمر بقتالهم، مع وصفه لهم بالعبادة، حيث قال:«يَحقِرُ أحدكم صلاتَه مع صلاتهم، وصيامَه مع صيامهم، وقراءتَه مع قراءتهم، يقرأون القرآن لا يُجاوِز حناجرهم، يَمرُقون من الإسلام كما يَمْرُق السهم من الرميَّة، أينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجرًا عند الله لمن قتلَهم يوم القيامة»

(2)

.

فمن اعتقد ما يخالف الكتابَ والسنة، وذَمَّ الموافقَ للكتاب والسنة، ودخلَ في الفرقة والاختلاف لأجل ذلك، فهو من جنس هؤلاء.

وإن كان هذا القائل التزمَ بعض مذاهب الأئمة المشهورين كمذهب

(1)

انظر: تفسير ابن كثير (2/ 747).

(2)

جمع المؤلف بين حديثي أبي سعيد الخدري وعلي بن أبي طالب: والأول عند البخاري (5058) ومسلم (1064). والثاني عند البخاري (5057) ومسلم (1066).

ص: 437

أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد، فهذا إذا فعل ما يَسُوغ له لم يكن له أن يُنكِر على غيرِه إذا فعلَ أيضًا ما يسوغُ له، فإنه لم يقل أحدٌ من المسلمين: إنه يجب على الأمة كلها اتباعُ واحدٍ بعينه من هؤلاء الأربعة ولا من غيرهم، بل اتفقوا على أنه لا يجب طاعة أحدٍ في كل شيء إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو الذي فرض الله على الخلق اتباعَه وطاعتَه مطلقًا، فعليهم تصديقه في كل ما أخبر به عن الله، وطاعته في كل ما يأمر به.

وأما العلماء رضي الله عنهم فتجب طاعتُهم فيما يأمرون به من طاعة [الله] ورسوله. وعلى الجاهل أن يسألهم ويتعلم منهم ويرجع إليهم في دينه، وله أن يسأل هذا العالم وهذا العالم، ليس عليه أن يقتصر في السؤال والاستفتاء في جميع الدين على واحدٍ بعينه.

لكنْ تَنازعَ المتأخرون من أصحاب الشافعي وأحمد وغيرهما: هل على العامي أن يلتزم مذهبَ واحدٍ بعينه من الأئمة المشهورين، بحيث يأخذ بعزائمه ورُخَصِه، على وجهين، والمشهور الذي عليه الأكثرون من [أصحاب] الشافعي وأحمد وجمهور أهل العلم [أنه لا يجب]

(1)

في كل شيء، كما أنه ليس له أن يقلد في كلّ مسألة بمن يوافق غرضه، وليس له أن يقلّد في المسألة الواحدة إذا كان الحق له مَن لا يقلده إذا كان الحق عليه، بل عليه باتفاق الأئمة أن يعدل بين نفسه وغيره في الأقوال، فإذا اعتقد وجوبَ شيء أو تحريمَه اعتقد ذلك عليه وعلى من يماثله.

(1)

هنا في الأصل كلمات غير واضحة.

ص: 438

مثال ذلك شفعة الجوار، فإن للعلماء فيها قولين مشهورين، فمن اعتقد أحد القولين فقد قال بقول طائفة من علماء المسلمين، وليس لأحدٍ ثبوتُ الشفعة إذا كان هو الطالب، وانتفاؤها إذا [كان] هو المطلوب، كما يفعله الظالمون أهلُ الأهواء، يتبعون في المسألة الواحدة هواهم، فيوافقون هذا القول تارةً وهذا أخرى متابعةً للهوى لا مراعاة للتقوى.

وقد ذمَّ الله من يتبع الحق إذا كان له، ولا يتبعه إذا كان عليه، كما في قوله تعالى:{وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (48) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ} إلى قوله: {وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} [النور: 48 - 52].

وإذا كان جماهير العلماء لا يُوجبون على أحدٍ أن يلتزم قولَ شخصٍ بعينه غيرِ الرسول في كل شيء، إذْ في ذلك تنزيلُ ذلك الشخص منزلة الرسول، وليس لأحدٍ أن يُنزِل أحدًا منزلةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل قد قال الصِّدِّيق الذي هو أفضل الخلق بعده:«أطيعوني ما أطعتُ الله، فإذا عصيتُ الله فلا طاعة لي عليكم»

(1)

. فالرجل إذا اتبع قولَ بعض الأئمة في مسألة، وقول آخر في مسألة أخرى، إمَّا لظهور دليل ذلك له، وإما لترجيح بعض العلماء الذين يَسُوغ له تقليدُهم قولَ هذا في هذه وقولَ

(1)

أخرجه ابن إسحاق كما في سيرة ابن هشام (2/ 660، 661). قال ابن كثير في البداية والنهاية (9/ 415): هذا إسناد صحيح.

ص: 439

هذا في هذه= لم يكن على فاعلِ ذلك ملامٌ، ولم يكن ذلك الذي التزمَ قولَ واحدٍ بعينهِ أحسنَ حالًا منه، بل هذا أحسنُ حالًا من ذلك، لأن الأئمة الذين تُوُفُّوا كأبي حنيفة ومالك والشافعيّ وأحمد وغيرهم لا يمكن كثيرًا من العامة بل ولا أكثرهم أن يعرفوا مراتبَهم في العلم والدين، بل الخاصة من العلماء الذين لا هوى لهم قد يتعذر عليهم كثير من ذلك، فكيف لمن يتبع الظن وما تهوى الأنفس؟

وجمهورُ من اتبع الواحدَ من هؤلاء إنما اتبعه من جهة دين العادة، لا من جهة دين العبادة، فإن الرجل ينشأ على مذهب أبيه أو مالكه أو أهل مدينته أو أهل خِطّته ونحو ذلك، ثم يحب ذلك وينتصر له تارةً بعلمٍ وتارةً بلا علمٍ، وتارةً مع حُسنِ النية وتارةً مع فسادها. ومن المعلوم أن الله قد ذمَّ في القرآن من يتبع دينَ الآباء ويَدَعُ دينَ ما أنزل الله على الرسول، فقال تعالى:{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ} [البقرة: 170].

وإذا كان كذلك فثقةُ المقلِّد بمن يثِقُ بعلمه ودينه من أهل العلم في ترجيح قولٍ على قولٍ أعظمُ من ثِقَتِه بترجيح ما يقوله [بعض القا] ئلين مطلقًا على ما يقوله الآخر، وكذلك ثقةُ المستدلّ [بما يقتضيه] الدليلُ أعظم من ثقته بذلك. فمن كان قادرًا على الاستدلال الذي يُوصله إلى معرفة الحق في أعيان المسائل كانت هذه الطريقُ خيرًا له، [و] هي الواجبة عليه دون تقليدِ شخصٍ واحدٍ في كل شيء، ومن يكن قادرًا على

ص: 440

التقليد، فالتقليد المفضل لمن يثق بعلمِه ودينه أقوى من التقليد العام المتضمن لفضلِ شخصٍ مطلقًا، مع أن هذا العالم ينفع إذا لم يكن أخصَّ منه. فمن علم أنه أعلمُ وأدْيَنُ كانتِ الثقةُ بأقواله أقوى، إذا لم يعلم رجحان أحد القولين. وتقليدُ الأعلم والأدين إما واجبٌ وإما مستحبٌّ.

وجماعُ هذا الأصل أن الله تعالى يقول: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16]، فمن كان من أهل الإيمان واجتهد في طاعة الله ورسوله علمًا وعملًا فلا ملامَ عليه، بل يغفر اللهُ له خطأه، ويُثيبه على صوابه.

وقد ظهر بما ذكرناه أن قول القائل: «لابد لكل أحدٍ من التقليد لأحد هذه [المذاهب] الأربعة» هو قول طائفة من أصحاب الشافعي وأحمد، لكن الجمهور على خلافه، فإن هذا لا يجب على كل أحد. ومن قال:«أنا متقيدٌ بالكتاب والسنة» لم يجز لأحدٍ أن يقول له: أنت مارِقٌ، ومن قال له ذلك أُدِّبَ على ذلك؛ فإن المروقَ هو الخروج، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في صفة الخوارج:«يَمرُقون من الإسلام كما يَمرُقُ السهمُ من الرميَّة»

(1)

. وهؤلاء المارقون مَرَقُوا من السنة وخالفوا الجماعة، فمن تقيَّد بالكتاب والسنة كان متبعًا لا مبتدعًا، ومطيعًا لا عاصيًا.

ثم الكتاب والسنة يُوجِب عليه طاعةَ الله ورسولِه في كل وقتٍ وحينٍ، ومن أطاع الله ورسولَه دائمًا بحسب استطاعته كان من أولياء الله المتقين.

(1)

سبق تخريجه.

ص: 441

وقول القائل: «أنا لا أتقيد بأحد هذه المذاهب الأربعة» إذا أراد بذلك أي: لا أتقيَّدُ بواحدٍ بعينِه دون الباقين، فقد أحسن في هذا الكلام، بل هذا هو الصواب. وإذا أراد: أني لا أتقيد بها كلِّها بل أخالفُها، فهذا هو مخطئٌ في الغالب قطعًا، إذ الحق لا يخرج عن هذه المذاهب الأربعة في عامة الشريعة، ولكن تنازع العلماء: هل يخرج عنها في بعض المسائل؟ على قولين، كما قد بُسِط ذلك في غير هذا الموضع.

وكثيرًا ما يترجح قولٌ من الأقوال، ويظن الظانُّ أنه خارج عنها، ويكون داخلًا فيها، فيكون كلٌّ من القائلين معذورًا باعتبار نظره. لكن لا ريبَ أن الله لم يأمر الأمّة

(1)

باتباع أربعة أشخاص دون غيرهم، هذا لا يقوله عالم، وإنما هذا كما يقال: أحاديث البخاري ومسلم، فإن الأحاديث التي رواها الشيخان وصححاها قد صححها من الأئمة ما شاء الله، بل جمهورها اتفق أهل العلم بالحديث على صحته، فإخراجها لذلك دليلٌ على أنه قد صححه أئمة الحديث، لا أنه مجرد قول شخصٍ يُفيد العلم بصحة الحديث. فهكذا عامة ما يوجد

(2)

من أقوال الصحابة والتابعين أو أكثر ذلك يوجد في مذاهب الأربعة.

وأما من عُرِض عليه فأنكره، وقال: «لو كان

(3)

.

(1)

في الأصل: الأئمة.

(2)

في الأصل: يجد.

(3)

ها هنا انتهى الموجود من هذه الفتوى في الأصل.

ص: 442

مسألة

في جماعة حنفية لهم إمام شافعي يصلّي بهم مدةً، فهل تصحُّ صلاتُهم خلفه أم لا؟ وهل يجب على فاعل ذلك التعزير؟

الجواب

صلاة المسلمين بعضهم خلفَ بعضٍ مع تنازعهم في موارد الاجتهاد هو الذي [عليه] سلف الأمة وأئمتُها، من غير خلافٍ بينهم في ذلك، فما زال الصحابة والتابعون يُصلِّي بعضُهم خلفَ بعضٍ، مع تنازعهم في كثير من مسائل الصلاة وغيرها. فإذا فعل الإمام ما يسوغُ فيه الاجتهاد اتبعه فيه المأمومُ، وإن كان هو لا يراه، مثل أن يصلي مَنْ لا يرى القنوت خلفَ مَنْ يقنت، فإنه يصلي خلفه ويتبعه في القنوت في أصح قولي العلماء. وكذلك من يَصِلُ الوتر خلفَ من يفصله، أو من يفصِله خلفَ من يَصِلُه، فإنه يصلي متبعًا لإمامه. وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«إنما جُعِل الإمام ليؤتمَّ به»

(1)

، [و] قال:«لا تختلفوا على أئمتكم»

(2)

.

ولهذا مضت السنة واتفقَ المسلمون على أن المأموم يفعل لأجل

(1)

أخرجه البخاري (805، 1114) ومسلم (411) عن أنس بن مالك. وفي الباب عن غيره من الصحابة.

(2)

أخرجه مسلم (432) عن أبي مسعود.

ص: 443

الائتمام ما لا يسوغ له أن يفعله منفردًا، كالمسبوق إذا أدرك الإمامَ راكعًا كبَّر وركع معه، واعتدَّ له بالركعة، وإن أدركه ساجدًا كبَّر وسجَد معه، ولم يَعتدَّ له بها، ثم إنه يتشهَّدُ عقيب الأوتار، ولو فعل ذلك منفردًا عمدًا سجد بالاتفاق. وكذلك لو سَها المأموم دون الإمام لم يسجد لسهوه، ولو سها إمامه دونَه سجد لسهوِه لأجل المتابعة.

وقد تنازع العلماء فيما إذا صلى باجتهاده فترك ما هو واجب عند المأموم، أوفعلَ ما هو محرم عند المأموم، كالشافعي والحنبلي على قولٍ، فصلَّى خلف المالكي الذي لا يقرأ البسملة، أو المالكي والشافعي إذا خرج منه دمٌ ولم يتوضأ، فصلَّى خلفه حنفي أو حنبلي يرى الوضوء من ذلك، [وأمثال]

(1)

هذه المسائل. فهذا إذا تيقَّنه المأموم ففي صلاته قولانِ مشهوران للعلماء، والنزاع في ذلك في مذهب الشافعي وأحمد وأبي حنيفة. وأما مذهب مالك فما أعلم فيه نزاعًا أنه يصح الصلاة خلفه. وهذا هو الصحيح المشهور عن أحمد في مسائل الاجتهاد التي تعارضت فيها النصوص. وكذلك الشافعي، وقد ثبت عنه أنه كان يصلي خلف المالكية، وهو يعلم أنهم لا يقرأون البسملة، وأبو يوسف صلَّى خلف هارون الرشيد، وقد احتجم وأفتاه مالك أنه لا يتوضأ.

وقد دلَّ على ذلك ما رواه البخاري في صحيحه

(2)

عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه

(1)

هنا بياض في الأصل بقدر أربع كلمات.

(2)

برقم (694) عن أبي هريرة.

ص: 444

قال: «يصلُّون لكم، فإن أصابوا فلكم ولهم، وإن أخطأوا فلكم وعليهم» . فصرَّح أن الإمام إذا أخطأ كان خطؤه عليه دون المأموم. وغاية هذه المسائل أن يكون الإمام فيها مخطئًا، وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن خطأه عليه دون المأموم.

وبهذا يظهر الجواب عن قولهم: «إن المأموم يعتقد بطلانَ صلاة الإمام، فإذا علم بطلانَ صلاتِه كانت صلاتُه خلفه كالصلاة خلفَ من لا صلاة له، كالمحدِث المتعمد الصلاة مع حدَثِه» . فإن هذا القياس خطأ وذلك أن المأموم يعلم أن الإمام مجتهد، إن أصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر، وخطؤه مغفورٌ له، وإذا كان يعلم أنه لا إثمَ عليه فممتنعٌ أن يعتقد بطلانَ صلاته. وإن كان هو يرى بطلان صلاة نفسه، كما أنه لو فعل ما يعلم تحريمه أو ما يرى وجوبه، قدحَ ذلك في دينه وعدلِه، ولو فعل ذلك من هو مجتهد يسوغ له الاجتهاد لم يقدح ذلك في دينه وعدله.

وأما أكثر من يترك واجبًا في نفس الأمر أو يفعل محرمًا في نفس الأمر، ولم تكن قد قامتْ عليه الحجةُ، فلا يثبت في حقِّه حكم الوجوب والتحريم؛ لأن الله يقول:{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: 15].

ولو قيل لهذا المأموم: أنت تقول في هذا الإمام: «إن صلاته باطلة، بمنزلة من صلَّى بغير وضوءٍ وهو يعلم ذلك بخبثِه وفسقِه» ، فيقول: لا. ويقال له: هو مأجور على هذه الصلاة مُثابٌ عليها، قد برئت ذمته من

ص: 445

الطلب [بها] أو هي ثابتة في [ذمته] عليه إعادتها؟ فإن قال بالثاني فقد خالف إجماع الفقهاء، وإن قال بالأول بطلَ قوله.

ويقال له: من صلى ..........

(1)

ولم يُبسمِلْ مثلًا متأوِّلًا، يَلقَى اللهَ لقاءَ من أقام الصلاةَ أو لقاءَ من لم يُصلِّ صلاةً أصلًا؟ فإن قال بالثاني فقد كفر، وإن قال بالأول عُلِمَ أن من فعل ذلك فهو مقيم الصلاة.

ويقال له: من لم يُصلِّ أصلًا هل يكون وليًّا لله؟ فإن قال: نعم، كان ضالًّا، وإن قال: لا، قيل له: فهل في هؤلاء أولياء لله؟ فإن قال: نعم، عُلِمَ أن صلاتهم صحيحة لأجل التأويل والاجتهاد.

وسِرُّ المسألة أن ما تركوه إن لم يكن واجبًا في نفس الأمر فلم يتركوا واجبًا، وإن كان واجبًا فقد سقط عنهم باجتهادهم الذي استفرغوا فيه وُسْعَهم، وبلغوا فيه إلى حدٍّ يَعجِزون معه عن معرفة الوجوب، فسقط عنهم ما عَجَزوا عن معرفته، كما أسقطوا بالعجز عن فعله حينئذٍ، فيكونون قد فعلوا الواجبَ، فتكون صلاتهم صحيحة. وقد قال الله تعالى في القرآن في الدعاء المستجاب:{رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286]، إذ قد ثبت في الصحيح

(2)

: أن الله استجاب هذا الدعاء للنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين. وإذا كان الله قد رفع المؤاخذة عن المخطئ لم تَبطُلْ صلاتُه، كما لا يُؤاخَذ به.

(1)

هنا كلمتان لم أستطع قراءتهما.

(2)

أخرجه مسلم (125) عن أبي هريرة، و (126) عن ابن عباس.

ص: 446

وطردُ هذا إن كان ناسيًا بحدثِه، ثم علمه بعد الصلاة، فإنه لا إعادة على المأمومين عند مالك والشافعي وأحمد، كما رُوي عن عمر وعثمان وغيرهما. ونظير هذا سقوطُ الوضوءِ عمن عجز عنه لعدم الماء أو لضرورة، إذا صلَّى بالتيمم فإنه يصحُّ أن يأتمَّ به المتوضئ عند الجماهير، كمالك والشافعي وأحمد وأبي حنيفة وأبي يوسف، لحديث عمرو بن العاص لما صلَّى بأصحابه في غزوة ذات السلاسل، وفعلَه ابنُ عباس أيضًا. والله أعلم.

ص: 447

مسألة

في إمام مُدْمنِ الخمر، هل تصح الصلاة خلفه أم لا؟ وما صفة مُدمن الخمر؟ هل هو الذي لا يتركه دائمًا، أو من يكون أكثر أوقاتِه مخمورًا، أو من ينوي بقلبه أنه متى حصلَ خمرٌ شربَه؟

الجواب

من شرب الخمرَ يومًا ثم لم يشربْها إلى شهر، ومن نيتُه أنه إذا قدرَ عليها شرِبَها فهو مُصِرٌّ عليها ليس بتائبٍ منها. وكذلك من اعتادَ شربَها كما يشرب أمثالُه الشرابَ فهو مُدمِنٌ عليها وإن لم يكن مخمورًا أكثرَ أوقاتِه، فإن اعتياد الخمر كاعتياد اللحم، من الناس من يأكله كل يوم، ومنهم من يأكله يومًا ويومًا، ومنهم من يأكله في الأسبوع مرةً أو مرتين. وكلُّ هؤلاء مُدمنون.

ولا يجوز أن يُولَّى لا المُصِرُّ ولا المدمن إمامةَ الصلاة، لكن إذا ولّاه القادرُ الذي لا يمكن منازعتُه الصلاةَ صَلَّى خلفه ما يحتاج منه إلى الصلاة معه، كالجمعة وكالجماعة التي لا يقوم بها غيرُه. وأما إذا أمكن الصلاةُ خلفَ البَرِّ على الوجه المشروع فهو أولى من الصلاة خلفَ الفاجر. والله أعلم.

ص: 448

سُئِل شيخنا تقي الدين أحمد ابن تيمية رحمه الله

عن رجلٍ اشترى جاريةً كافرةً، فأسلمتْ، فأعتقَها وتزوَّجها، فأنجبتْ منه ولدًا، ثم ماتت، ولم تكن تعرف تُصلِّي، ولم تكن صلَّت في الإسلام. فأين تكون من زوجها إن كان من أهل الجنة؟ وهل يتعارفون ويتساءلون؟ أو أن أحدهما يعذَّب والآخر في راحة، وهل العذاب على النفس والبدن والروح أم على واحدٍ دون الآخر؟

فأجاب

الحمد لله. إن ماتت قبل أن تعرفَ الصلاةَ تجبُ عليها بحسب حالها، وكانت مؤمنةً بأن دينَ محمد صلى الله عليه وسلم هو الحق، ولو أمرها الرسول صلى الله عليه وسلم بالصلاة لصلَّت، فهذه حكمها حكمُ أمثالِها ممن آمن وجهلَ بعضَ شرائعِ الإسلام، وهذا ممن يُرجى له الجنة. وإن دخلَ زوجُها الجنةَ فهي زوجتُه في الجنة، وإن لم يدخل أحدُهما لم يُغنِ عنه دخولُ الآخر الجنةَ، بل أهل الجنة في النعيم، وأهل النار في الجحيم، ولو كانا أخوين شقيقين أو زوجين، أو كان بينهما غير ذلك من الأسباب.

وإذا مات الميتُ وكان من أهل الجنة تلقَّاه أهلُ الجنة، ويسألونه عما يَعرِفونه من الأحياء، ما فعلَ فلانٌ؟ فيقول: على حال حسنة. وما فعلَ فلان؟ فيقول: قد تزوج. وما فعلَ فلان؟ فيقول: ألم يأتِكم؟ فيقولون: لا، فيقول: ذُهِبَ به إلى أمّه الهاوية. والأعمالُ التي تعرض على أقاربهم من الأحياء.

ص: 449

والنعيم والعذاب للروح والبدن جميعًا، فالروح تَنعَم وتُعذَّب مفردةً، وينعم ويُعذّب البدن بواسطة الروح إذا شاء الله. وتفصيل هذا مبسوطٌ في موضع آخر

(1)

.

(1)

انظر: مجموع الفتاوى (4/ 282 - 299).

ص: 450

سئل الشيخ رحمه الله ما صورته:

ما تقول السادة العلماء أئمة الدين ــ رحمهم الله أجمعين ــ في عرب البادية، الذين كلَّ سنةٍ يَقصِدون إلى قربِ الحجاز في أهلهم وبيوتهم وجميع مالهم، وقتٌ يَجِدِّون في السَّير، ووقتٌ يُقيمون، ووقتٌ يكون سيرُهم سهلًا، فهل يَحِلُّ لهم قصرٌ في جميع ذلك أو في شيء منه؟ أو قصرٌ في وقتٍ دون وقت فيما يحل؟ وهم كلَّ عامٍ يكون هذا دأبهم، في كل سنة يكون مدة رحيلهم ثمانية شهور أو تسعة شهور، وجميع مقامهم في الشام كلَّ عام ثلاثة شهور، وإن كثر أربعة. أفتونا وبينوا رحمكم الله تعالى.

فأجاب الشيخ رحمه الله تعالى بما صورته:

الحمد لله. هؤلاء إذا سافروا من أهليهم في جهادٍ أو سفر إلى السلطان أو لحملِ حنطةٍ أو غير ذلك قَصَروا الصلاة، وأما إذا كانوا مع أهليهم يطلبون الماء والمرعَى، أيَّ موضعٍ وجدوه أصلحَ لهم أقاموا به لم ينتقلوا منه إلى غيره، فهذا هو مقامهم فلا يقصرون الصلاة. مثل ذلك مثل ما يكونون منتقلين بأرض الشام أو أرض نجد، وإذا ارتحلوا من الشام إلى نجد سفرًا مستمرًّا من غير إقامةٍ كانوا مسافرين أيضًا. والله أعلم.

ص: 451

سئل شيخنا رضي الله تعالى عنه في مسائل:

1 ــ إحداها:

فيمن قتل النفسَ التي حرَّمَ الله بغير الحق، وتمكن أولياء المقتول من القَوَد، ويعفو أولياءُ المقتولِ عنه، أو يصالحوه على شيء دون الدية الشرعية، هل يعود المقتول يطالب في الآخرة أم لا؟

فأجاب:

الحمد لله. نعم يطالب المظلوم المقتول حقَّه من الظالم القاتل في أحد قولي العلماء، والله أعلم. كتبه أحمد ابن تيمية.

2 ــ ومنها:

ما تقول برجلٍ كثير الحسنات كثير السيئات، فهل تُكتب حسناته وسيئاتُه؟ أم يُذهِبُ بعضُهن بعضًا؟

فأجاب:

تُكتَب حسناته وسيئاته، والله تعالى يَزِنُ هذه بهذه، فإن رجَحَت الحسناتُ دخل الجنة، والله أعلم. كتبه أحمد ابن تيمية.

3 ــ ومنها:

ما يقول سيّدنا في اليتيم والأرملة، هل هما من أهل الزكاة أم لا؟

فأجاب:

إذا كانا من الفقراء والمساكين أُعْطُوا من الزكاة، وهما أحقُّ مِن غيرهما.

ص: 452

4 ــ ومنها:

ما يقول سيّدنا بمن يَستمني بيده، هل هو زنا أم لا؟ وماذا يجب عليه إذا فعلَ ذلك؟

أجاب:

هذا حرام يُعزَّر صاحبُه، لكن إذا اضطُرَّ إلى ذلك وخشيَ العنَتَ، مثل أن يخاف المرضَ أو الزنا، ففيه قولانِ للعلماء.

5 ــ مسألة:

وما يقول سيدنا في التين هل يجب عليه عُشْرٌ أم لا؟

فأجاب:

نعم، التين يُعشر في أظهر قولي العلماء. كتبه أحمد ابن تيمية.

6 ــ مسألة:

وما يقول سيّدنا بمن يأكل الحرام ويترك الصلاة، هل يجوز أن يُعطَى الزكاةَ أم لا؟

فأجاب:

يُستتاب، فإن التزم أن يُصلِّي أُعطِيَ من الزكاة، وإن امتنع من الصلاة لم يُعطَ، والله أعلم. كتبه أحمد ابن تيمية.

ص: 453

7 ــ مسألة:

وما يقول سيّدنا في المسافر إذا نزلَ في موضع وهو يعلم أنه يُقيم فيه عشر ليالٍ وأكثر، فهل يجوز له أن يَقصُر ويجمع؟ أو يُتِمّ؟

فأجاب:

السنة للمسافر أن يقصر الصلاةَ ركعتين ركعتين إلا المغرب، والجمع إذا احتاج إليه، وإذا كان المسافر نازلًا فالسنةُ أن يَقصُر ولا يجمع إلّا إذا احتاج إلى ذلك، وإذا كان لا يدري كم يُقيم فإنه يَقصُر أبدًا، وإن عَلِمَ أنه يُقيم عشرًا أو خمسة عشر ففيه قولان للعلماء، أظهرهما أنه يَقصُر أيضًا، والله أعلم. كتبه أحمد ابن تيمية. (صورة خطه في المواضع كلها).

فصل

إذا أقرَّ الأب في ملكٍ كان له بأنه ملكٌ لأولادِه بناءً على أنه وهبَه لهم، فله أن يرجعَ في هذه الهبة. وإذا كان الإقرار مطلقًا، فادعى أنهم إنما ملكوه بطريق الهبة لا بطريق المعاوضة، فالقول قولُه مع يمينه في ذلك، وله أن يرجع في الهبة، فإن الأصل عدمُ العِوَض، وقد جرت العادة بأن التمليك يكتب إقرارًا، والله أعلم. كتبه أحمد ابن تيمية.

ص: 454