الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
مسألة
(1)
سئل عنها بالشام شيخُ الإسلام أبو العباس أحمد بن تيمية الحرَّاني رضي الله عنه، قبل دخوله مصر، وسُمِعت من لفظه في رمضان سنة أربع وتسعين وستمئة:
في الأفعال الاختيارية من العباد تَحْصُل بخلق الله وبكَسْب العبد، فما حقيقة كَسْب العبد؟ وهل هو مؤثرٌ في وجود الفعل، فيصير مشاركًا للحقِّ في خلق الفعل، فلا يكون العبد شريكًا كاسبًا، بل شريكًا خالقًا؟ وإن لم يكن مؤثرًا في وجود الفعل فقد وُجِد الفعلُ بكماله بالحقِّ سبحانه، وليس للعبد في التأثير شيء، فلِمَ يُنْسَبُ إلى العبد الطاعةُ والعصيان، والكفرُ والإيمان، حتى يستحقَّ الغضبَ والرضوان؟ فكيف السُّلوك أيها الهُداة
(2)
؟
[فأجاب]:
تلخيص الجواب: أن الكسبَ هو الفعلُ الذي يعودُ منه على فاعله نفعٌ
(1)
نُشِرت هذه المسألة في "مجموع الفتاوى"(8/ 386 - 405) عن أصل كثير التحريف والسقط أشار إليه جامع "الفتاوى" في مواضع. وينفرد الأصل الذي معنا بتتمة مهمة للجواب وجدها ابن المحب بخط شيخ الإسلام، كما سيأتي، وهي الباعث الأساس لنشر المسألة ضمن هذه المجموعة، كما ينفرد بالنص على
تاريخ المسألة ومكانها
وسماعها من لفظ شيخ الإسلام، بالإضافة إلى تصحيح التحريف واستدراك السقط. وقد انتفعت بمطبوعة "الفتاوى"، وجعلت زياداتها بين معقوفين، وأشرت إلى المهم من قراءاتها وخللها، رامزًا إليها بحرف (ف).
(2)
وقعت صيغة السؤال في (ف) على نحو مختلف مطوَّل يشتمل على زيادات وعبارات إنشائية، ورد بعضها في مثاني جواب الشيخ.
أو ضرٌّ
(1)
، كما قال سبحانه:{لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} [البقرة: 286]؛ فبيَّن سبحانه أن كسبَ النفس لها وعليها، والناس يقولون:"فلانٌ كَسَبَ مالًا أو حمدًا أو شرفًا"؛ لِمَا
(2)
أنه يَنْتَفِعُ بذلك.
ولمَّا كان العباد يَكْمُلون بأفعالهم، ويَصْلُحون بها؛ إذ كانوا في أول الخلق خُلِقوا ناقصين = صحَّ إثباتُ الكسب لهم
(3)
؛ إذ كمالُهم وصلاحُهم عن أفعالهم، والله سبحانه وتعالى فِعْلُه وصُنْعُه عن كماله وجلاله، فأفعالُه عن أسمائه وصفاته، ومشتقَّةٌ منها، كما قال:"أنا الرحمن، خلقتُ الرَّحِم، وشققتُ لها من اسمي"
(4)
. والعبد أسماؤه وصفاته عن أفعاله، فيَحْدُث [له] اسمُ "العالم""الكامل" بعد حدوث العلم والكمال [فيه].
ومن هنا ضلَّت القدريَّة؛ حيث شبَّهوا أفعاله ــ سبحانه وتعالى عما يقولون علوًّا كبيرًا ــ بأفعال العباد، وكانوا هم المشبِّهة في الأفعال؛ فاعتقدوا أن ما حَسُنَ منهم حَسُنَ منه مطلقًا، وما قَبُحَ منهم قَبُحَ منه مطلقًا، بقدر عقلهم وعلمهم.
(1)
الأصل: "الذي منه على فاعليه من نفع أو ضر". وفي (ف): "الذي يعود على فاعله بنفع أو ضر". ولعل المثبت أدنى إلى الصواب. وانظر نحو هذا التركيب في "مجموع الفتاوى"(8/ 89).
(2)
(ف): "كما". تحريف.
(3)
(ف): "إثبات السبب". تحريف.
(4)
أخرجه أحمد (1686)، وأبو داود (1694)، والترمذي (1907)، وغيرهم من حديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، وقال الترمذي:"حديث صحيح".