الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ} [النمل: 40، لقمان: 12].
وأمر بذكر نِعَمِه في غير موضعٍ من القرآن، كقوله:{وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ} [المائدة: 7]، {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ} [البقرة: 231]، {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ} [آل عمران: 103].
وأمر بني إسرائيل بذكر نعمه، مثل قوله:{يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} الآية [البقرة: 40].
وأيضًا، فإنه ذكر أن ضدَّ الشكر الكفر
(1)
، والكفرُ أكبر الكبائر، وهذا يقتضي أن الشكر
…
(2)
الإيمان، فمن لم يشكر فهو كافر، وهكذا من لم يكن عنده شيءٌ من الشكر فهو كافر
(3)
.
*
الأصل الثاني:
أن يعرفَ الإنسانُ أن الإيمان والعمل الصالح من نعم الله عليه، بل ذلك أجلُّ نعم الله عليه، وإنما حصل ذلك بسبب إرسال الرُّسل، وإنزال الكتب، ونقل الأمة ذلك، فما كلُّ أحدٍ يعرفُ هذا، وأما من
(4)
يشهدُ ما في الإيمان من نعمة الدنيا، كجاهه وماله، فهذا لم يَشْكُر على الإيمان، بل
(1)
في قوله تعالى: {وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ} . وانظر: "درء التعارض"(8/ 496).
(2)
بياض في الأصل بمقدار كلمتين.
(3)
انظر تحرير هذا في مناظرة شيخ الإسلام لابن المرحِّل في بحث الحمد والشكر، في "العقود الدرية"(145 - 156)، و"مجموع الفتاوى"(11/ 135 - 145).
(4)
الأصل: "وانما". والمثبت أقوم، إلا أن يكون في الكلام سقط.
على دنيا حصلت بالإيمان.
قال الله تعالى: {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ} إلى قوله:
{وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ} [الأنعام: 52 - 53].
فأولئك المستضعفون عرفوا قدرَ النعمة بالإيمان والقرآن، وأما أولئك الملأ فكان ذلك عندهم ضررًا وشرًّا، يُبغِضونه ولا يحبُّونه، فكيف يُتَصَوَّر أن يَشْكُروا على ما هو عندهم من المكروهات المذمومات التي لا يَدْخُل فيها إلا جاهلٌ ضالٌّ؟!
ولهذا قال الله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا} [إبراهيم: 28]، قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "هم الأفجَران
(1)
من قريش: بني عبد مناف
(2)
، وبني مخزوم"
(3)
.
والآية تتناول هؤلاء وغيرهم من الذين بدَّلوا نعمةَ الله - وهي محمدٌ ــ والقرآنَ كفرًا، فجعلوا هذه النعمة التي هي من أعظم النعم مصيبةً على من دخل فيها أعظمَ المصائب، وكان شرُّ الناس عندهم من تابعَ محمدًا صلى الله عليه وسلم، يسعون في قتله وحبسه، أو نفيه وهجره، أو منعه ما يحتاجُ إليه، يمنعون نفعَه بكلِّ طريق، ويوصلون إليه الضرر بكلِّ طريق؛ لظنِّهم أنه دخل فيما يضرُّهم
(1)
الأصل: "الأحزاب". تحريف.
(2)
كذا في الأصل، وهو وهمٌ أو سبق قلم. والصواب: بني أمية، كما في المصادر التالية.
(3)
أخرجه عبد الرزاق في تفسيره (1/ 342، 2/ 242)، وابن جرير (13/ 670، 673، 675)، وغيرهما. انظر:"الدر المنثور"(8/ 547 - 549).