الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال رضي الله عنه ــ ومن خطه نقل الإمام العلامة شمس الدين أبو عبد الله محمد بن محمد بن المحب المقدسي، ومن خطه نقلت ــ:
الحمد لله ربِّ العالمين.
فصل
إذا استأجر أرضًا لينتفع بها، فتعطلت منفعتُها المستحَقَّة بالعقد، سقطت الأجرة، مثل أن يستأجر أرضًا للزرع فتَغْرَق ولا يمكن الزَّرع فيها، وكذلك إذا أصابتها آفةٌ غير ذلك من الآفات مَنَعت من الزَّرع، ففي مثل هذا تَسْقُط الأجرة إذا لم يتمكَّن المستأجرُ من الانتفاع بشيءٍ منها باتفاق الأئمَّة
(1)
.
وإن ازدَرَعها ثم حصلت آفةٌ سماويةٌ تَلِفَ بها الزَّرع، مثل الجراد الذي يأكل جميع الزَّرع، فهنا يتلفُ
(2)
الزَّرع من مال المستأجر؛ فإنه ملكُه، ولكن هل عليه الأجرة فيه؟ قولان للعلماء، أصحُّهما: أنه
إذا تعطَّلت المنفعةُ المستحَقَّة كلُّها سقطت الأجرة كلُّها
؛ لأن هذه الآفة فوَّتت المنفعة المستحَقَّة بالعقد، وتعذَّر معها انتفاع المستأجر بشيءٍ من الأرض؛ فإن المقصود بالعقد ليس مجرَّد البَذْر، بل المقصود نباتُ الزَّرع، وكمالُ نباته حتى يمكن حصادُه.
وإن كانت الآفة السَّماوية فوَّتت بعض المنفعة، بأن أكل الجرادُ بعض الزَّرع، فإنه يقال: كم قيمة منفعة هذه الأرض لو سَلِمَت من هذه الآفة؟ وكم قيمتها مع حصول هذه الآفة؟ فيُنْظَر تفاوتُ ما بينهما فيُحَطُّ عن المستأجر
(1)
انظر: "المغني"(8/ 28، 29).
(2)
مهملة في الأصل.
من الأجرة المسمَّاة بقِسْط ذلك.
وإن كانت الآفة عطَّلت المنفعة بالكلية، فإنه يُحَطُّ عنه جميعُ الأجرة، ولا يستحقُّ المؤجِّر شيئًا من الأجرة؛ فإن المنفعة المستحَقَّة بالعقد لا بدَّ فيها من بقاء الزَّرع حتى يتمكَّن من حصاده، فإذا حصلت آفةٌ منعت من بقاء الزَّرع فيه فهو كما لو منعه من نباته وأبلغ؛ فإنه هنا تَلِف مالُ المستأجر أيضًا، لكن من غير تفريط من المؤجِّر، فلهذا قيل:"الزَّرع يتلفُ من ضمان المستأجر، والمنفعة تتلفُ من ضمان المؤجِّر"
(1)
، فتسقط الأجرة التي آجر بها الأرض تعديلًا بينهما.
ومن قال: إن المستأجر تجبُ عليه الأجرة مع ذهاب زرعه، فهو نظير أن يقال: بل المؤجِّر يجبُ عليه ضمان زرع المستأجر؛ لأن تلفَ مال المستأجر في أرضه، كما لو غَرَّه. وكلا القولين ظلم، والعدل ما تقدَّم.
ونظير هذا: لو استأجر خانًا أو حمَّامًا، فجاء عدوٌّ منع الناسَ من سكنى تلك الأرض والانتفاع بذلك، فإنه لا أجرة مع ذلك
(2)
.
وليس ذلك بمنزلة ما لو سرق بعضُ اللصوص مالَه؛ فإن هذا لم تتعطَّل به المنفعة، إذ يمكنُ منعُ الأرض من اللصِّ، فالمستأجر هنا مفرِّطٌ في استيفاء المنفعة، فهو كما لو نبت الزَّرع وجاء بعض اللصوص سَرَقه، وليس هو عذرًا غالبًا، فهذا لا يمنع وجوبَ الأجرة.
وليس هذا كما لو تعذَّر على المستأجر وحده الانتفاع، كما لو احترق
(1)
انظر: "المغني"(6/ 178، 181).
(2)
انظر: "مجموع الفتاوى"(30/ 311).
مالُه؛ فإن المنفعة هنا باقية، ولكن تعذَّر على هذا المعيَّن استيفاؤها، بخلاف الآفة التي يتعذَّر معها الانتفاعُ على كلِّ أحد، والله أعلم
(1)
.
(1)
انظر: "مجموع الفتاوى"(30/ 257 - 263، 288 - 302)، و"جامع المسائل"(1/ 229 - 241).