الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسألة:
هل يجوز لوليِّ الأمر أن يُستفتَى
؟
فأجاب رضي الله عنه: لا يجوز أن يُستفتَى إلا من هو أهلٌ للفتيا، وهو يفتي بعلمٍ وعدل
(1)
. وأما من يفتي بلا علم، أو يفتي بما يَعْلَمُ الحقَّ بخلافه، فلا يجوز استفتاؤه، كما لا يجوز استقضاؤه.
بل الحاكم قد تنازع الناسُ فيه: هل يجوز أن يولَّى العدلُ الذي لا يعلم، ثم يستفتي العلماء، ويحكم بما يفتونه فيه؟ على قولين
(2)
.
والعلماء لهم في
شروط القاضي
ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه يشترط فيه أن يكون من أهل الشهادة فقط. وهذا قول أبي حنيفة
(3)
.
والثاني: أنه يشترط فيه الاجتهاد. وهذا قول الشافعي وكثيرٍ من أصحاب الإمام أحمد
(4)
.
وقد جوَّز كثيرٌ من المتأخرين من أهل هذا القول أن يولَّى غيرُ المجتهد للضرورة
(5)
.
والقول الثالث، وعليه يدلُّ كلام الإمام أحمد وغيره: أنه يولَّى الأمثلُ
(1)
انظر: "الفروع"(11/ 113)، و"الاختيارات" للبعلي (481).
(2)
انظر: "روضة القضاة" للسمناني (1/ 59)، و"الأحكام السلطانية" للماوردي (90).
(3)
انظر: "بدائع الصنائع"(7/ 3)، و"فتح القدير"(7/ 256).
(4)
انظر: "أدب القضاء" للماوردي (1/ 637)، ولابن أبي الدم (277)، و"الإشراف" للقاضي عبد الوهاب (2/ 955)، و"المغني"(14/ 14، 15).
(5)
انظر: "الوسيط" للغزالي (7/ 291)، و"الذخيرة"(10/ 16).
فالأمثل بحسب الإمكان، وليس لذلك حدٌّ، حتى لو قُدِّر أنه لم يوجد إلا فاسقان، وُلِّي أقلُّهما شرًّا وأكثرهما نفعًا، وكذلك لو لم يوجد
(1)
إلا مقلِّدان، وُلِّي أعدلُهما وأعرفُهما بالتقليد
(2)
.
ولو وُجِد مجتهدان وُلِّي أفضلُهما، إن لم يكن الأفضل مشغولًا بما هو أفضل من القضاء.
ولهذا لما أرسَل الخليفة إلى الإمام أحمد وزيرَه يسأله عن قضاة الأمصار، لمن يولِّي منهم ولمن يعزل، وكتب له أسماءهم، أمره بتولية ناسٍ، وعَزْل ناسٍ، وأمسك عن آخرين وقال: لا أعرفهم
(3)
.
وكان في من أمَر بتوليته من فيه نقصٌ في علمه، وقال: إن لم يولُّوا هذا ولَّوا مكانه فلانًا، وهذا خيرٌ منه
(4)
.
وأما الإفتاء، فعامة الفقهاء يشترطون فيه العلم، لا يقتصرون فيه على مجرَّد أهلية الشهادة، فكيف يجوز استفتاء من لا يَعْلَم ما يفتي به؟!
*
…
*
…
*
(1)
الأصل: "يجد". ولعله من سهو الناسخ.
(2)
انظر: "الفروع"(11/ 107)، و"الاختيارات" للبعلي (481).
(3)
انظر: "تاريخ بغداد"(3/ 596، 7/ 97، 16/ 410)، و"مناقب الإمام أحمد" لابن الجوزي (252، 253).
(4)
انظر: "المسودة"(926).
وسئل رضي الله عنه: أيُّما أفضل: العالم العامل، أو المجاهد المخلص؟
فأجاب رضي الله عنه: إن الله تعالى قال في كتابه: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13].
وثبت في الصَّحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل: أيُّ الناس أكرم؟ فقال: "أتقاهم"
(1)
.
فأيُّ الرجلين كان أتقى لله فهو أكرمُ على الله.
والله جعل عباده المنعَم عليهم أربعة أصناف، فقال تعالى:{وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ} [النساء: 69].
فالصِّدِّيق أفضلُ من الشَّهيد الذي ليس بصِدِّيق، والشَّهيد أفضل من الصَّالح الذي ليس بشهيد.
(1)
أخرجه البخاري (3353)، ومسلم (2378) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
وقد كتب الناسخ بعد جواب شيخ الإسلام حاشيةً لعلها كانت على طرة أصل ابن المحب في هذا الموضع، وهي:
"حاشية: في مسند الإمام أحمد: لابن لهيعة، عن الحارث بن يزيد، عن علي بن رباح، عن عقبة بن عامر رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن أنسابكم هذه ليست بسِبَابٍ على أحد، وإنما أنتم ولد آدم، طَفُّ الصَّاعِ لم تملؤوه، ليس لأحدٍ على أحدٍ فضلٌ إلا بالدين أو عملٍ صالح، حسبُ الرجل أن يكون فاحشًا بذيًّا، بخيلًا جبانًا". والحديث في "المسند"(17313)، ولا بأس بإسناده.
وقد يكون الرجل صِدِّيقًا وشهيدًا وصالحًا، كما يكون نبيًّا وصِدِّيقًا وشهيدًا وصالحًا، قال تعالى:{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا} [مريم: 41]، وقال إبراهيم صلى الله عليه وسلم:{رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} [الشعراء: 83]، وقال يوسف الصِّدِّيق صلى الله عليه وسلم:{تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} [يوسف: 101].
فإن كان العالمُ صِدِّيقًا، والمجاهدُ ليس بصِدِّيق، فالصِّدِّيقُ أفضل. وكذلك بالعكس، إن كان المجاهدُ صِدِّيقًا، وذاك ليس بصِدِّيق، فالصِّدِّيق أفضل.
ولا يكون الرجل عالمًا عاملًا بعلمه حتى يكون مجاهدًا مخلصًا، ولا يكون الرجل مجاهدًا مخلصًا حتى يكون معه علمٌ بما أمر الله به وعملٌ بما أمر الله به.
والجهاد يكون باللسان، والدعوة إلى الله، واليد. والجهاد فيه علمٌ وعمل.
فلا يتميَّز
(1)
شخصان ليس في أحدهما جهادٌ وإخلاص، ولا في الآخر علمٌ وعمل، حتى يُفصل
(2)
بينهما.
لكن قد يكون جهادُ هذا بالقتال وعملُه في ذلك أظهر، وقد يكون علمُ هذا الظاهرُ النافعُ للناس أكبر، وحينئذٍ فقد يكون هذا أفضل، وقد يكون هذا
(1)
كذا رسمت في الأصل.
(2)
مهملة في الأصل. وكلاهما محتمل: التفضيل والتفصيل.
أفضل، أيُّهما كان أتقى لله فهو أفضل.
ومن جمَع الجهاد باللسان، والدعوة، والسياسة، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون، مع العلم والعمل به، فهو أفضلُ من هذا وهذا، ومن كان أشبَه بهم فهو أفضلُ من غيره، والله أعلم
(1)
.
*
…
*
…
*
* مسألة: في رجل قال: إن العلم أفضل من القرآن.
الجواب: خيرُ الكلام كلامُ الله، وأفضلُ العلوم العلمُ الذي في القرآن، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:"إن لله أهْلِينَ من الناس"، قيل: من هم يا رسول الله؟ قال: "أهل القرآن، هم أهل الله وخاصَّتُه"
(2)
.
لكن العلمَ الذي يجبُ طلبُه على كل مسلمٍ هو ما يحتاجُ إليه في دينه، فيجب على الرجل أن يتعلَّم ما أمر الله به وما نهى عنه، وهذا العلمُ تعلُّمُه أوجبُ عليه من قراءة القرآن الذي لا يجبُ عليه، ويجبُ عليه أن يحفظ من
(1)
انظر: "مجموع الفتاوى"(28/ 577)، و"منهاج السنة"(8/ 539)، و"مفتاح دار السعادة"(220 - 223).
ولشيخ الإسلام قاعدة مفردة في المفاضلة بين مداد العالم ودم الشهيد، ذكرها ابن رشيِّق في أسماء مؤلفاته (308 - الجامع لسيرة شيخ الإسلام)، وابن عبد الهادي في "العقود الدرية"(80).
(2)
أخرجه أحمد (12292)، وابن ماجه (215) وغيرهما من حديث أنس رضي الله عنه بسند حسن، وصححه المنذري في "الترغيب والترهيب"(2/ 231)، والبوصيري في "مصباح الزجاجة"(1/ 29).
القرآن ما يصلِّي به، والله أعلم
(1)
.
*
…
*
…
*
* مسألة: في رجلين تنازعا في الجهل، فقال أحدهما للآخر: أنت جاهلٌ في الأحكام الشرعية، فقال هو: أنا جاهل
(2)
.
الجواب: إن كان هذا الرجل عالمًا بما أمر الله به ونهى عنه
(3)
فهو عالمٌ بالشريعة، وإن لم يكن عالمًا بهذا فهو جاهلٌ بذلك. وإن لم يكن عالمًا بما أمره الله به وما نهاه عنه فهو من أجهل الناس، والله تعالى أعلم
(4)
.
*
…
*
…
*
* مسألة: في جنديٍّ يريد أن يصير فقيرًا
(5)
يشتغلُ بالعبادة.
الجواب: الجنديُّ إذا اتقى الله، وقَصَد أن يَنْصُر الله ورسولَه، ويُعِين
(1)
انظر: "مجموع الفتاوى"(15/ 93، 23/ 54 - 56).
(2)
كذا في الأصل. ولعله تقريرٌ منه على جهة العناد والاستخفاف، أو يكون استفهامًا للاستنكار والتعجب.
(3)
الأصل: "بما أمره الله به ونهاه عنه". ولعله من سهو الناسخ وانتقال بصره. والمراد: العلم بمطلق أوامر الله ونواهيه، دون تقييدها بما يجب على الإنسان في خاصة أمره، فهما مقامان مختلفان، وصنيع الناسخ يوهم التسوية بينهما.
(4)
انظر: "مختصر الفتاوى المصرية"(586).
(5)
أي: صوفيًّا. وأهل الشام يسمُّون التصوف "فقرًا" والصوفية "فقراء". انظر: "اللمع" لأبي نصر السراج (26) ، و"مجموع الفتاوى"(11/ 21، 118، 195)، و"مدارج السالكين"(2/ 349)، و"عدة الصابرين"(348).
على طاعة الله، فهو أفضلُ من أن يصير فقيرًا يأكل الفُتوحَ
(1)
، ويترك الجهاد، بلا منفعةٍ للمسلمين، والله أعلم
(2)
.
*
…
*
…
*
* قال شيخ الإسلام ابن تيمية الحراني رضي الله عنه في كلامه على الكيمياء:
الكيمياء غِشٌّ، وهي تشبيهُ المصنوع من ذهبٍ أو فضةٍ أو غيره بالمخلوق، باطلةٌ في العقل، محرَّمةٌ بلا نزاعٍ بين علماء المسلمين
(3)
، ثبتت على الرُّوباص
(4)
أم لا.
ويقترنُ بها كثيرًا السِّيمياء التي هي من السحر.
والزجاج مصنوعٌ لا مخلوق.
ومن طلب زيادة المال بما حرَّمه الله عُوقِبَ بنقيضه، كالمُرابي. وهي أشدُّ تحريمًا منه.
(1)
جمع "فتح"، وهي ما تُعطاه المتصوفة من الصدقات. انظر:"المحرر الوجيز" لابن عطية (12/ 215)، و"تلبيس إبليس"(166)، و"تكملة المعاجم"(8/ 11، 13)، و"معجم اصطلاحات الصوفية" للكاشاني (152).
(2)
انظر: "مجموع الفتاوى"(28/ 26).
(3)
انظر: "مجموع الفتاوى"(29/ 368 - 388).
(4)
الروباص: إناءٌ تُصْهَر فيه المعادن، لتخلص من الشوائب، وبه يُكْشَف الزغل. انظر:"نهاية الرتبة" للشيزري (77)، و"معالم القربة" لابن الإخوة (146)، و"التعريف بمصطلحات صبح الأعشى"(102)، و"تكملة المعاجم"(5/ 231).
ولو كانت حقًّا مباحةً لوجبَ فيها خُمُسٌ أو زكاة، ولم يُوجِبْ عالمٌ فيها شيئًا.
والقول بأن قارون عَمِلها باطل.
ولم يذكرها ويعملها إلا:
* فيلسوف، كمحمد بن زكريا الرازي.
* أو اتحاديٌّ، كابن عربيّ، وصاحبه المتكلِّم في الحروف
(1)
، وابن سبعين.
* أو ملكٌ ظالم، كبني عُبيد
(2)
.
(1)
سعد الدين ابن حمُّويه (ت: 650)، متصوفٌ على طريقة أهل الوحدة، وله تصنيفٌ في حقائق الحروف، ولشيخ الإسلام رسالةٌ في الرد على بعض أتباعه. انظر:"مجموع الفتاوى"(2/ 228)، و"جامع المسائل"(4/ 387، 396)، و"تاريخ الإسلام"(14/ 644)، و"كشف الظنون"(1/ 672).
(2)
نقل هذا النصَّ بتمامه كما وقع في الأصل ابن مفلح في "الفروع"(6/ 314 - 315)، وعنه كتب متأخري الحنابلة، وأسقط اختصارًا أسماء المذكورين في الفقرة الأخيرة، فاستدركهم ابن قندس في حاشيته، وتحرَّف في المطبوعة "الرازي" إلى "الشيرازي".