الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقوله: {وَامْرَأَتُهُ حمَّالةُ
(1)
…
الْحَطَبِ (4) فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ} لا يخلو:
* إما أن يكون "امرأته" معطوفًا على الضمير في قوله: {سَيَصْلَى} هو {وَامْرَأَتُهُ حمَّالةُ
…
الْحَطَبِ}.
* أو يكون جملةً مبتدأة.
لكن الأول أرجح؛ لانتظام الكلام بذلك.
و
العطفُ على الضمير المرفوع مع الفصل عربيٌّ فصيح
، كقوله:{هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ} [الأحزاب: 43]، وقوله تعالى:{أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ} [التوبة: 3]، وغير ذلك.
ويكونُ قوله: {حمَّالةُ الْحَطَبِ} صفة، والأنسب بما تقدَّم أن يكون ذلك متصلًا بما قبله، أي: وامرأته حمَّالةُ الحطب الذي يكون وقودًا لتلك النار، كما قال تعالى:{إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} [الأنبياء: 98]، وقد قُرِئ:{حطبُ جَهَنَّمَ}
(2)
، وقال تعالى:
{فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ
(1)
كذا قرأ أبو عمرو، وهي قراءة المصنف وأهل الشام لعهده، وبها يستقيم سياق كلام المصنف.
(2)
قراءة شاذة، رويت عن علي وعائشة وابن الزبير وغيرهم. انظر:"المحتسب" لابن جني (2/ 67) ، ومختصر في شواذ القرآن لابن خالويه (93).
لِلْكَافِرِينَ} [البقرة: 24]، وقال تعالى:{قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}
[التحريم: 6].
{فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ} ، والجِيد: العُنق
(1)
،
والمَسَد: اللِّيف. وإذا كان في الرَّقبة حبلٌ من ليفٍ لأجل الحطب الذي يحمله كان ذلك زيادةً في العذاب؛ لأن الليف خشنٌ مؤذي.
وذِكْرُه في الآخرة {فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ} نظيرُ قوله: {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ} [الحاقة: 30 -
32]، وقوله تعالى:{إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ (71) فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ} [غافر: 71 - 72].
فهذا الكلام
(2)
:
* إما أن يكون وصفًا لحملها الحطبَ الذي يوقدُ به في الدنيا، كما يظنُّه من يظنُّه.
(1)
في طرة الأصل: "حاشية: قال ابن جرير: يقول: في عنقها. والعرب تسمي العنق جِيدًا، ومنه قول ذي الرمة:
فعيناك عيناها ولونك لونها
…
وجيدك إلا أنها غيرُ عاطل
ذِكْر من قال ذلك: حدثني يونس، أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: {فِي جِيدِهَا حَبْلٌ} قال: في رقبتها". تفسير الطبري (24/ 722).
(2)
يعني قوله تعالى: {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4) فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ} .
فيقال: هي لم تكن كذلك، وليس في ذلك ذمٌّ لها
(1)
؛
فإن هذا عملٌ مباح، وقد كان يفعله طائفةٌ من خيار هذه الأمة، كعبد الله بن سَلَام
(2)
، وأبي هريرة
(3)
، وسلمان الفارسي
(4)
، مع كونهما كانا أميرَين، وكذلك ثبت في الصَّحيح أن أهل الصُّفَّة كانوا يحتطبون
(5)
، وفي الصَّحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لأن يأخذ أحدكم حبلَه على ظهره فيحتطبَ خيرٌ له من أن يسأل الناسَ، أعطَوْه أو مَنَعُوه"
(6)
.
* وإما أن يكون مثلًا لنميمتها في الدنيا، فيكون وصفًا لعملها السَّوء؛ فإن كلام النمَّام يُوقِدُ القلوبَ، ويُضْرِمُ النار فيها، كما يفعلُ الحطبُ في النار، فتكون حمَّالةً لحطب القلوب والنفوس.
وهذا قد يقال: إن غايتَه أن يكون نِمَامةً، وذنبُها أعظمُ من ذلك. وقد قال:{فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ} ، وحملُ النميمة لا يوصفُ بذلك.
(1)
ضعَّفه بنحو ذلك الثعلبيُّ في "الكشف والبيان"(30/ 473).
وقال ابن قتيبة في "تأويل مشكل القرآن"(160): "وقال بعض المتقدمين: كانت تعيِّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفقر كثيرًا، وهي تحتطب على ظهرها بحبلٍ من ليفٍ في عنقها! ولست أدري كيف هذا؟! لأن الله عز وجل وصفه بالمال والولد".
(2)
أخرجه أحمد في "الزهد"(1025) ، والضياء في "المختارة"(9/ 454).
(3)
أخرجه أبو داود في "الزهد"(284) ، وأبو نعيم في "الحلية"(1/ 384).
(4)
أخرجه ابن سعد في "الطبقات"(4/ 81، 82).
(5)
في "صحيح البخاري"(4090) من حديث أنس رضي الله عنه أن القراء من الأنصار كانوا يحتطبون في النهار، وفي "صحيح مسلم"(677) أنهم كانوا يحتطبون، ثم يبيعونه، ويشترون به الطعام لأهل الصفة. وانظر:"مجموع الفتاوى"(11/ 44).
(6)
أخرجه البخاري (1470) ومسلم (1042) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
* وإما أن يكون وصفًا لحالها في الآخرة، كما وصفَ حال بَعْلِها
(1)
، فهو سيصلى
(2)
نارًا ذات لهب، وهذه تحمل
(3)
الحطبَ في عنقها بحبلٍ
(4)
مِن مسَد، فتَسْجُر به النارَ عليه؛ فإنها في الدنيا كانت هي المعينةَ له على الكفر وعداوة النبي صلى الله عليه وسلم، فتكون في الآخرة كذلك.
ويكون قوله: {حمَّالةُ الْحَطَبِ} اللام لتعريف المعهود؛ لأن
(5)
النار تستدعي حطبًا، فذِكْرُ صِليِّ النار يقتضي حطبَها، فقيل: امرأتُه حمَّالةُ الحطب.
ويكون هذا [كما] في قوله: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ} [الصافات: 22].
ويكون في هذا عبرةٌ لكلِّ متعاوِنَيْن على الإثم والعدوان، وإن كانا شَرِيفَيْ النَّسب، قريبَيْن في النَّسب إلى أفضل الخلق؛ أنهما خاسران لا يقدران مما كَسَبا على شيء، وأنهما معذَّبان في الآخرة بما احْتَقَباه من الإثم.
ويكون المذكورُ في القرآن من حال الزَّوجين قد عَمَّ الأقسام الممكنة، وهي أربعة:
1 -
فإن الزوجين إما أن يكونا سعيدَيْن، كإبراهيم الخليل وأهل بيته، ومحمد صلى الله عليه وسلم وأهل بيته.
(1)
الأصل: فعلها. وهو تحريف.
(2)
الأصل: فهي ستصلى. تحريف.
(3)
الأصل: لحمل. تحريف.
(4)
الأصل: حبل. تحريف.
(5)
الأصل: ان. تحريف.
2 -
وإما أن يكونا شقيَّيْن، كأبي لهبٍ وامرأته حمَّالة الحطب.
3 -
وإما أن يكون الزوجُ سعيدًا والمرأة شقيَّةً، كنوحٍ ولوطٍ عليهما الصلاة والسلام.
4 -
وإما بالعكس، كفرعون وامرأته.
قال تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (10) وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [التحريم: 10 - 11]، ثم ذكر من لا زوجَ لها، فقال:{وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ} .
فحمَّالةُ الحطب: المرأة التي أعانت زوجَها على معاصي الله، وامرأةُ نوحٍ وامرأة لوط: المرأة التي عصت زوجَها في طاعة الله، وامرأةُ فرعونٍ ممن عصت زوجَها في معصية الله.
وهذا الوصفُ المذكور في امرأته مستقيم، سواءٌ كان قوله:{وَامْرَأَتُهُ} معطوفًا أو مبتدأ.
وإذا كان معطوفًا وقولُه {حمَّالةُ الْحَطَبِ} صفةً لها = استقام أن يُفَسَّر حملُ الحطب بحمل النميمة والذنوب في الدنيا، وحملُ الوقود في الآخرة؛ فإن جزاء الآخرة من جنس عمل العبد في الدنيا، فمن كان له لسانان في الدنيا
كان له لسانان من نارٍ يوم القيامة
(1)
، ومن سأل الناسَ وله ما يُغْنِيه جاءت مسألتُه خُدوشًا أو خُموشًا أو كُدوحًا في وجهه يوم القيامة
(2)
، ولا تزال المسألةُ بأحدهم حتى يلقى الله يوم القيامة وليس في وجهه مُزْعَة لحم
(3)
.
وقوله تعالى: {فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ} بيانٌ لاستمكان الحطب على ظهرها، ولزومه إياها؛ فإن كلَّ عاملٍ يلزمُه عملُه، كما قال:{وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا} [الإسراء:
13]، وقال تعالى:{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} [فاطر: 18].
فلما كانت في الدنيا تحملُ إلى زوجها ما تُضْرِمُ به نار الفتنة في قلبه وقلبها من الكلام حتى يَعْظُمَ كفرُه، متقلِّدةً ذلك في عنقها = كانت يوم القيامة حاملةَ الوقودِ الذي تُضْرَمُ به عليهما النار.
(1)
أخرجه البخاري في "الأدب المفرد"(1310) ، وأبو داود (4873) ، والدارمي
(2806)
وغيرهم من حديث عمار بن ياسر رضي الله عنه مرفوعًا. قال علي بن المديني: إسناده حسن. انظر: "تهذيب الكمال"(29/ 482). وصححه ابن حبان (5756)، وحسنه العراقي في "المغني عن حمل الأسفار" (1052). وله شواهد كثيرة. انظر:"الروض البسام"(3/ 355 - 358).
(2)
أخرجه أحمد (3675) ، وأبو داود (1626) ، والترمذي (657) ، وابن ماجه
(1840)
وغيرهم من حديث ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعًا بإسناد ضعيف.
انظر: "السنن الكبرى" للنسائي (2384) ، و"العلل" للدارقطني (5/ 215) ، و"تنقيح التحقيق"(3/ 157).
(3)
أخرجه البخاري (1474) ، ومسلم (1040) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
قال ابن إسحاق في "السيرة"
(1)
لما ذكر مُهَاجَر من هاجر من الصَّحابة إلى الحبشة، قال: "فلما رأت قريشٌ أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نزلوا بلدًا أصابوا فيه أمنًا وقرارًا، وأن النجاشيَّ قد منع من لجأ إليه منهم، وأن عمر قد أسلم، وكان هو وحمزة بن عبد المطلب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وجعل الإسلامُ يَفْشُو في القبائل = اجتمعوا وائتمروا أن يكتبوا كتابًا يتعاقدون فيه على بني هاشم وبني المطلب، على أن لا يُنْكِحوا إليهم، ولا يُنْكِحوهم، ولا يبيعوهم شيئًا، ولا يبتاعوا منهم.
فلما اجتمعوا لذلك كتبوا في صحيفة، ثم تعاهدوا واتفقوا على ذلك، ثم علَّقوا الصحيفة في جوف الكعبة توكيدًا على أنفسهم.
فلما فعلت ذلك قريشٌ انحازت بنو هاشمٍ وبنو المطلب إلى أبي طالب بن عبد المطلب، فدخلوا معه في شِعْبه، واجتمعوا إليه، وخرج من بني هاشمٍ أبو لهبٍ عبد العزى بن عبد المطلب إلى قريش، فظاهَرَهُم
(2)
".
قال: "وحدثني حسين بن عبد الله
(3)
أن أبا لهب لقي هندَ بنت عُتْبة بن ربيعة حين فارق قومَه وظاهَرَ عليهم قريشًا، فقال: يا ابنة عُتْبة، هل نَصَرْتُ
(1)
انظر: "دلائل النبوة" لأبي نعيم الأصبهاني (631) ، و"السيرة" لابن هشام (1/ 375) ، و"الروض الأنف"(3/ 282). وليس في القطعة المطبوعة من سيرة ابن إسحاق.
(2)
في طرة الأصل إشارة إلى أن في نسخة: "وظاهرهم عليه"، وهي كذلك في رواية أبي نعيم الأصبهاني لسيرة ابن إسحاق في "دلائل النبوة"(632).
ثم كتب: "من مغازي الأموي: قال ابن إسحاق: فحدثني حسين بن عبد الله، عن عكرمة، عن ابن عباس: أنه ما كان أبو لهب إلا من كفار قومه، ما هو إلا
…
حتى خرج منا حين تحالفت قريشٌ عليه، وظاهرهم".
(3)
الحسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس بن عبد المطلب.
اللاتَ والعزَّى، وفارقتُ من فارقَهما وظاهَرَ عليهما؟ فقالت: نعم، فجزاك الله خيرًا يا أبا عُتْبة
(1)
".
قال ابن إسحاق: "وحُدِّثتُ أنه كان يقول في بعض ما يقول: يَعِدُني محمدٌ أشياء لا أراها، يزعمُ أنها كائنةٌ بعد الموت، فماذا وضع
(2)
في يديَّ بعد
(3)
ذلك؟! ثم ينفخُ في يديه، ويقول: تبًّا لكما، ما أرى فيكما شيئًا مما يقول محمد! فأنزل الله فيه:{تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} ".
قال عبد الملك بن هشام
(4)
: " {تَبَّتْ} : خَسِرت. والتَّباب: الخسَار
(5)
. قال حبيب بن خِدْرة الخارجيّ، أحد بني هِلال بن عامر بن صَعْصَعة:
يا طيبُ إنا في معشرٍ ذهبَت
…
مَسْعاتُهم في التَّبار والتَّببِ
(6)
(1)
في طرة الأصل: "حاشية: له كنيتان غلبت عليه إحداهما، وبنوه: عتبة، ومعتب، ودرَّة، لهم صحبة". انظر: "جمهرة أنساب العرب" لابن حزم (72) ، و"مختصر سيرة النبي صلى الله عليه وسلم " لعبد الغني المقدسي (98) ، و"ذخائر العقبى" للمحب الطبري (414).
(2)
كتب الناسخ في الأصل فوقها بخط صغير: "وقع"، وفوقها: خ. أي في نسخة أخرى.
(3)
كتب الناسخ فوقها كذلك بخط صغير: "من"، وفوقها: خ. فتكون العبارة: "فماذا وقع في يدي من ذلك". وفي "دلائل النبوة" لأبي نعيم (632): "فماذا وضع في يدي من ذلك". والمثبت من الأصل موافقٌ لسيرة ابن هشام.
(4)
"السيرة" لابن هشام (1/ 377).
(5)
"السيرة": "الخسران".
(6)
لم أجده في مصدر آخر، وقد فات إحسان عباس في جمعه لشعر حبيب بن خدرة في "شعر الخوارج"(210 - 215).
وذكر قصة الشِّعْب، قال: "ورسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك يدعو قومه ليلًا ونهارًا، وسرًّا وجهارًا، مُبادِيًا بأمر الله، لا يتَّقي فيه أحدًا من الناس.
فجعلت قريشٌ حين منعه الله تعالى منها، وقام عمُّه وقومُه من بني هاشمٍ وبني المطلب دونه، وحالوا بينهم وبين ما أرادوا من البطش به = يهمزونه، ويستهزؤون به، ويخاصمونه.
وجعل القرآنُ ينزل في قريشٍ بأحداثهم
(1)
، وفي من نصَب لعداوته، منهم من سُمِّي لنا، ومنهم من نزل فيه القرآنُ في عامَّة من ذكَر الله من الكفَّار.
فكان ممن سُمِّي لنا من قريشٍ ممن نزل فيه القرآن
(2)
: عمُّه أبو لهب بن عبد المطلب، وامرأته أمُّ جميلٍ بنتُ حرب بن أمية، حمَّالةُ الحطب، وإنما سمَّاها الله:"حمَّالة الحطب" لأنها كانت ــ فيما بلغني
(3)
ــ تحملُ الشَّوكَ فتطرحُه على طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يمرُّ، فأنزل الله فيها:{تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2) سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ (3) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4) فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ} "
(4)
.
(1)
كذا في الأصل وعامة المصادر. أي: بأفعالهم. ووقع استعمالها بهذا المعنى في مواضع أخرى من السيرة. انظر: (2/ 182، 184).
(2)
في طرة الأصل: "في مغازي الأموي: ممن كان يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم ، ويستهزئ به، ويخاصمه".
(3)
الأصل "يبلغني". والمثبت من "السيرة" وعامة المصادر، وهو المعهود من كلام ابن إسحاق.
(4)
"السيرة" لابن هشام (1/ 380).
قال عبد الملك بن هشام: "الجِيد: العُنق.
قال أعشى بن قيس بن ثعلبة:
يوم تُبْدِي لنا قَتِيلةُ عن جيـ
…
ـدٍ أسيلٍ تَزِينُه الأطواقُ
(1)
وجمعُه: أجياد.
والمَسَد: شجرٌ يُدَقُّ كما يُدَقُّ الكتَّان، فتُفْتَل منه حبال.
قال النابغة الذبياني:
مقذوفةٍ بدَخِيس النَّحْض بازِلُها
…
له صَرِيفٌ صَرِيفُ القَعْو بالمَسَد
(2)
وواحدُه
(3)
: مَسَدَة".
قال ابن إسحاق: "فذُكِر لي أن أمَّ جميلٍ "حمَّالةَ الحطب" حين سمعت ما نزل فيها وفي زوجها من القرآن، أتت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وهو جالسٌ في المسجد عند الكعبة، ومعه أبو بكرٍ الصِّديق رضي الله عنه، وفي يدها فِهْرٌ من حجارة، فلما وقفت عليهما أخذ اللهُ ببصرها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا ترى إلا أبا بكر، فقالت: يا أبا بكر، أين صاحبك؟ فقد بلغني أنه يهجُوني، وتالله لو وجدتُه لضربتُ بهذا الفِهْر فاه، أما والله إني لشاعرة:
(1)
الأصل: "الأطراف"، وهو تحريف. والبيت في ديوان الأعشى (209) ، ومعاجم اللغة (تلع).
(2)
ديوان النابغة (16) ، يصف ناقته. وفسَّر الصَّريف في طرة الأصل، فقال: صوت.
(3)
واحدُ المسد. وفي "السيرة": "وواحدته". وكلاهما جائز.
مُذَمَّمًا عَصَيْنا
وأمرَه أَبَيْنا
ودينَه قَلَيْنا
ثم انصرفَتْ. فقال أبو بكر: يا رسول الله، أما تراها رأتكَ؟! فقال: ما رأتني، لقد أخذ اللهُ ببصرها عني"
(1)
.
قال ابن هشام: "قولها: "ودينَه قَلَيْنا" عن غير ابن إسحاق".
قال ابن إسحاق: "وكانت قريشٌ إنما تسمِّي رسولَ الله صلى الله عليه وسلم: مُذَمَّمًا، ثم يسبُّونه ويهجُون مُذَمَّمًا.
فكان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يقول: ألا تعجبون لِمَا صرفَ الله عني من أذى
(1)
"السيرة" لابن هشام (1/ 382). وأخرج الخبر من غير طريق ابن إسحاق: الحميدي (325) - ومن طريقه ابن أبي حاتم في "التفسير"(10/ 3472) ، وأبو نعيم في "دلائل النبوة"(294) -، وأبو يعلى (53) ، والأزرقي في "أخبار مكة"(1/ 316) ، وغيرهم من حديث سفيان بن عيينة، عن الوليد بن كثير، عن ابن تدرس، عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما ، وصححه الحاكم (2/ 361) ولم يتعقبه الذهبي، ولا بأس بإسناده إن سلم من إرسال ابن تَدْرُس، وهو أبو الزبير المكي محمد بن مسلم بن تَدْرُس، كما بينه الحافظ ابن حجر في "إتحاف المهرة"(16/ 848).
وله شاهدٌ من حديث ابن عباس رضي الله عنهما ، أخرجه البزار (15) ، وأبو يعلى (25، 2358) ، والدارقطني في "الأفراد"(2368 - أطراف الأفراد لابن طاهر) ، وأبو نعيم في "دلائل النبوة"(293) ، وغيرهم، وصححه ابن حبان (6511) ، وخرجه الضياء في "المختارة"(292) ، وحسنه ابن حجر في "الفتح"(8/ 738).
قريش؟! يسبُّون ويهجُون مُذَمَّمًا، وأنا محمد"
(1)
.
انتهى ما ذكره شيخ الإسلام
(1)
"السيرة" لابن هشام (1/ 382). وهو في صحيح البخاري (3533) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.