الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإن كان بنو هاشمٍ أقربُ وأفضلُ من غيرهم، كما أن المذكور منهم في الآية رجلٌ، و
الرجلُ في الجملة أشرفُ من المرأة
.
ولم يُنْزِل الله في القرآن ذمَّ أحدٍ من الكفَّار بالنبي صلى الله عليه وسلم باسمه إلا هذا الرجل وامرأته، وفي هذا من العبرة والبيان أن الأنسابَ لا عبرة بها، بل النَّسِيبُ الشريفُ يكون ذمُّه وعقابه على تخلُّفه عما يجبُ عليه من الإيمان والعمل الصالح أشدُّ، كما قال تعالى لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم:{مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا}
[الأحزاب: 30]
(1)
.
وسبب نزولها: ما أخرجاه في الصَّحيحين
(2)
عن الأعمش، عن عمرو بن مرَّة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما: "لما نزلت {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214] ورهطَك منهم المخلصين، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صعد الصَّفا، فهتَف: يا صباحاه، فقالوا: من هذا؟ فاجتمعوا إليه، فقال: أرأيتم إن أخبرتكم أن خيلًا تخرجُ مِن سَفْح هذا الجبل، أكنتم مُصَدِّقيَّ؟ قالوا: ما جرَّبنا عليك كذبًا، قال: فإني نذيرٌ لكم بين يَدَيْ
(3)
(1)
انظر: "الجواب الصحيح"(1/ 444) ، و"منهاج السنة"(4/ 605) ، و"الصارم المسلول"(315) ، و"مجموع الفتاوى"(35/ 231).
(2)
البخاري (4971)، ومسلم (208). ووقع في الأصل متصلًا بالحاشية السابقة وموضعه هنا:"ورواه النسائي في اليوم والليلة لسفيان عن حبيب عن سعيد".
(3)
في طرة الأصل: "حاشية: تثنية اليد في القرآن: هنا، وفي {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} ، {يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ} ، {فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ} ، {إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ} ، {وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ} ".
عذابٍ شديد، فقال أبو لهب: تبًّا لك، ما جمعتَنا إلا لهذا؟! فأنزل الله:
{تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وقد تَبَّ
(1)
}، هكذا قرأها الأعمش
(2)
.
فذكر سبحانه تَبَابَ يديه، وتبابَه في نفسه، بقوله:{تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} ، والتَّبَابُ: الخَسَار، قال تعالى:{وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ} [غافر: 37]
(3)
.
وذكر أنه ما أغنى عنه لا مالُه ولا ولدُه
(4)
؛ فإن قوله: {وَمَا كَسَبَ}
(1)
في طرة الأصل هنا حاشيتان: "حاشية: الفعل يضاف إلى العضو، وإلى النفس؛ فيقال: كَذَب فُوه، وكَذَب، وبَطَشَت يدُه، وبَطَش، وسَمِعَت أذنُه، وسَمِع، وأبصَرَت عينُه، وأبصر". "حاشية: قال الفراء: وفي قراءة عبد الله: (وقد تبَّ) ، فالأول دعاء، والثاني خبر. كما تقول للرجل: أهلكك الله، وقد أهلكك. أو تقول: جعلك الله صالحًا، وقد جعلك". انظر: "معاني القرآن" للفراء (3/ 298).
(2)
قال ابن حجر في "الفتح"(8/ 503): "وليست هذه القراءة فيما نقل الفراء عن الأعمش، فالذي يظهر أنه قرأها حاكيًا لا قارئًا،
…
والمحفوظ أنها قراءة ابن مسعود وحده". وانظر: "معاني القرآن" للفراء (3/ 298) ، وتفسير الطبري (24/ 714)، و"الهداية" لمكي (12/ 8482).
(3)
في المسائل التي لخَّصها الشيخ محمد بن عبد الوهاب من كلام ابن تيمية (13/ 71 - مجموع مؤلفاته) هنا زيادة: "قال النحاس: {تَبَّتْ يَدَا} دعاءٌ عليه، {وَتَبَّ} خبر، وفي قراءة عبد الله: (وقد تب) ". وفي "مجموع الفتاوى"(16/ 602): "قال النحاس: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} دعاءٌ عليه بالخسر، وفي قراءة عبد الله: (وتب) ".
(4)
في طرة الأصل: "حاشية: {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ} ، {وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا} ، {فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} ، {فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ} ".
يتناولُ ولدَه، كما فسَّر ذلك من فسَّره من السَّلف
(1)
، وكما قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:"إن أطيبَ ما أكل الرجلُ مِن كَسْبه، وإن ولدَه مِن كَسْبه"
(2)
.
وبهذه الآية استدلَّ طائفةٌ من أصحابنا ــ كأبي حفصٍ
(3)
وغيره ــ على أن ولد الرجل مِن كَسْبه، فيجوزُ له الأكلُ منه
(4)
.
ثم أخبر أنه {سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ} ؛ فأخبر بخسارته وبعذابه، بزوال الخير وبحصول الشر.
والصِّلِيُّ: الدخول والاحتراق جميعًا، فصَالِي النار: الداخِلُ المحترقُ فيها.
(1)
أخرجه عبد الرزاق (9/ 130) عن عائشة ومجاهد وعطاء، والحاكم (2/ 539) عن ابن عباس.
(2)
أخرجه أحمد (24148) ، والنسائي (4551) ، وغيرهما من حديث عائشة رضي الله عنها ، وصححه الترمذي (1358) ، وابن حبان (4260).
وفي إسناده اختلاف. انظر: "العلل" للدارقطني (14/ 250).
وأعله الإمام أحمد بالاضطراب، كما في منتخب "العلل للخلال"(308).
والأشبه أنه اختلافٌ غير قادح، وإليه ذهب أبو حاتم وأبو زرعة، كما في "العلل" لابن أبي حاتم (4/ 246).
وله شاهدٌ من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما.
(3)
عمر بن إبراهيم بن عبد الله، أبو حفص العكبري، شيخ الحنابلة، توفي سنة 387. انظر:"طبقات الحنابلة"(3/ 291) ، و"تاريخ الإسلام"(8/ 618).
(4)
لم أقف عليه. وانظر: "المغني"(8/ 263).