الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة، يقال لهم: أحيوا ما خلقتم». ثم قال: «إن البيت الذي فيه الصور لا تدخل الملائكة» .
وفي رواية للبخاري عنها قالت: حشوت وسادة للنبي صلى الله عليه وسلم فيها تماثيل كأنها نمرقة، فقام بين البابين، وجعل يتغير وجهه، فقلت: ما لنا يا رسول الله؟ قال: «ما بال هذه الوسادة» ؟ قالت: قلت: وسادة جعلتها لك لتضطجع عليها، قال:«أما علمت أن الملائكة .... » زاد الشافعي: قالت: فما دخل حتى أخرجتها.
قلت: وهذا الحديث يدل أيضاً على مثل ما دل عليه الحديث الذي قبله من تحريم الصور غير المجسمة، وفيه فائدة أخرى وهي كونها سبباً لمنع الملائكة من دخول البيت ولو كانت ممتهنة.
(غاية المرام في تخريج أحاديث الحلال والحرام)(ص 79 - 80)
أحاديث تحريم التصوير تشمل الصور المجسمة وغير المجسمة
«وفي الحديث عن الله تعالى: «ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي؟ فليخلقوا ذرة فليخلقوا شعيرة» متفق عليه. صحيح.
وفي الحديث دليل كما في الأحاديث السابقة على تحريم التصوير غير المجسم، بدلالة العموم، وهو الذي فهمه راويه أبو هريرة، قال ابن بطال:«فهم أبو هريرة أن التصوير يتناول ما له ظل، وما ليس له ظل، فلهذا أنكر ما ينقش في الحيطان» .
نقلته من «فتح الباري» «10/ 324» .
(غاية المرام في تخريج أحاديث الحلال والحرام)(ص 80)
تحريم تعليق الصور المجسمة وغير المجسمة
«روى مسلم عن زيد بن خالد الجهني عن أبي طلحة الأنصاري قال: سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب ولا تماثيل، قال: فأتيت عائشة، فقلت: إن هذا يخبرني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا تماثيل» فهل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر ذلك؟ فقالت: لا
…
ولكن سأحدثكم ما رأيته فعل: رأيته خرج في غزاته، فأخذت نمطاً فسترته على الباب، فلما قدم فرأى النمط عرفت الكراهية في وجهه، فجذبه «النمط حتى هتكه أو قطعه، وقال: «إن الله لم يأمرنا أن نكسو الحجارة والطين» .
قالت: فقطعنا منه وسادتين وحشوتهما ليفاً، فلم يعب ذلك علي».
صحيح. دون قول عائشة «لا» فإنه شاذ أو منكر، فقد أخرجه مسلم «6/ 157 - 158» وكذا أبو عوانة: في مستخرجه «8/ 252 - 2 - 259/ 1» والروياني في مسنده «ق 181/ 1» والهيثم بن كليب في مسنده «ق 124/ 2» من طريق سهيل بن أبي صالح عن سعيد بن يسار أبي الحباب، مولى بني النجار، عن زيد بن خالد الجهني به.
قلت: وهذا إسناد جيد، لكن سهيل بن أبي صالح، قال الحافظ في التقريب:«صدوق تغير حفظه بآخره، روى له البخاري مقروناً وتعليقاً» .
وأورده الذهبي في الضعفاء، وقال:«ثقة. قال ابن معين: ليس بالقوي» .
قلت: وقد استنكرت من حديثه هذا قوله: «فهل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر ذلك؟ فقالت: لا» فإن السيدة عائشة رضي الله عنها قد سمعت ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقيناً، أخرج ذلك عنها الشيخان وغيرهما في حديث النمرقة المتقدم «122» قالت في آخره: ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن البيت الذي فيه الصور لا تدخله الملائكة» .
فإن قيل: لعل عائشة أنكرت سماعها للنص الذي ذكر لها عن أبي طلحة بتمامه أي بزيادة «كلب» ؟
والجواب: أنها قد سمعته منه صلى الله عليه وسلم بهذه الزيادة أيضاً، فقد أخرج مسلم
«6/ 155 - 156» عن عائشة أنها قال: واعد رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام في ساعة يأتيه فيها، فجاءت تلك الساعة، ولم يأته، وفي يده عصا، فألقاها من يده، وقال:«ما يخلف الله وعده ولا رسله» ثم التفت فإذا جرو كلب تحت سريرة، فقال:«يا عائشة متى دخل هذا الكلب ههنا؟ » فقالت: والله ما دريت، فأمر به فأخرج، فجاء جبريل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«واعدتني فجلست لك فلم تأت» فقال: «منعني الكلب الذي في بيتك، إنا لا ندخل بيتاً فيه كلب» .
وأخرجه أبو عوانة أيضاً «8/ 253/2 - 254/ 1» والطحاوي في مشكل الآثار «1/ 377» وأحمد «6/ 142 - 143» .
إذا تبين هذا، فلا شك في وهم من نسب إلى عائشة رضي الله عنها أنها قال أنها لم تسمع الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس في إسناده من هو أحرى بنسبة الوهم إليه، من سهيل بن أبي صالح لما عرفت من الكلام فيه.
«تنبيه» : دل حديث عائشة الذي ذكره المصنف على أمرين:
الأول: تحريم تعليق الصور، وذلك لهتكه صلى الله عليه وسلم للنمط، ومعلوم أن الهتك إتلاف المال، وهو لا يجوز إلا في المحرم زجراً وترهيباً.
والآخر: كراهة ستر الجدر بالستائر، ولو كانت غير مصورة، لقوله صلى الله عليه وسلم:«إن الله لم يأمرنا بان نكسو الحجارة والطين» .
وهذا هو الذي يتبادر من الحديث بأدنى تأمل. وهو الذي فهمه العلماء من قبل كما شرحته في «آداب الزفاف» ص «ص 119» .
وأما المؤلف حفظه الله، فقد اختلط الأمران عليه، فجعلهما شيئاً واحداً، وحمل قوله صلى الله عليه وسلم المذكور على الستائر التي عليها الصور، وبناء عليه استدل به على كراهة تعليق الصور كراهة تنزيه، ولم يلتفت إلى دلالة الهتك التي أشرت إليها آنفاً، ولا إلى دلالة قوله صلى الله عليه وسلم:«إن الله لم يأمرنا .. » المطلق، ومعنى ذلك أنه لا يرى شيئاً في ستر
الجدر بغير الصور، ثم نتج من ذلك أن عزا إلى بعض الأئمة ما لم يقله بل هو خلاف قوله، فقال عقب الحديث:
«ولا يؤخذ من الحديث أكثر من الكراهة التنزيهية لكسوة الحيطان ونحوها بالستائر ذات التصاوير.
قال النووي: وليس في الحديث ما يقتضي التحريم؛ لأن حقيقة اللفظ: أن الله لم يأمرنا بذلك، وهذا يقتضي أنه ليس بواجب ولا مندوب، ولا يقتضي التحريم».
قلت: إنما قال النووي ذلك عن الأمر الآخر أعني ستر الجدر بالستائر، لا في الصور، وإن قوله فيها صريح بالتحريم، وقد نقلت كلامه في ذلك عند الحديث «134» وأكد ذلك في شرحه لهذا الحديث مفرقاً بين الأمرين، مصرحاً بتحريم الأول، وكراهة الآخر، فقال:
«وقولها: «هتكه» هو بمعنى قطعه وأتلف الصور التي فيه، وقد صرحت الروايات المذكورات بعد هذه بأن هذا النمط كان فيه صور الخيل، ذوات الأجنحة، وأنه كان فيه صورة، فيستدل به لتغيير المنكر باليد، وهتك الصور المحرمة، والغضب عند رؤية المنكر.
وأما قوله حين جذب النمط وأزاله: «إن الله لم يأمرنا بأن نكسو الحجارة والطين» فاستدلوا به على أنه يمنع من ستر الحيطان، وتنجيد البيوت بالثياب، وهو منع كراهة تنزيه لا تحري.
هذا هو الصحيح.
وقال الشيخ أبو افتح نصر المقدسي، من أصحابنا: هو حرام، وليس في هذا الحديث ما يقتضي تحريمه؛ لأن حقيقة اللفظ أن الله تعالى لم يأمرنا بذلك .. ».
(غاية المرام في تخريج أحاديث الحلال والحرام)(ص 85 - 87)