الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرد على من يفرق بين الصورة اليدوية والفوتوغرافية
الشيخ: سبحان الله! ثم يتساءلون: أين المضاهاة؟ الحقيقة أن العقل اليوم العقل الذي أقام الله عز وجل حجة به على عباده وصل إلى مرتبة من الجحود مرتبة رهيبة جداً، كان عندنا وأنا في المدرسة الابتدائية في دمشق معلم الرسم كان يجلس في الفسحة على كرسي واللوح والطبشور بيده، والطلاب يلعبون في الساحة فينادي أحدهم: تعال فلان. يقف أمامه ينظر إليه هكذا نظرة، يأخذ الطبشورة بيده في لحظات ويجد صورة هذا الطفل أو هذا التلميذ واضحة في اللوح.
إنسان آخر إذا أخذ صورة هذا التلميذ أيهما تكون أشد مضاهاة لخلق الله آلأولى أم الأخرى؟
مداخلة: أحسن الله إليك يا شيخ!
الشيخ: لا شك أن الصورة الفوتغرافية أشد مضاهاة لخلق الله عز وجل من الصورة اليدوية؛ لأن الصورة اليدوية قد لا يحيط الرائي بها من كل جوانب الإنسان المصور.
أما الصورة الفوتغرافية هي أدق ما تكون -جزاك الله خير- تصويراً فالمضاهاة هنا أقوى بكثير وأظهر من الصورة اليدوية.
ثم أن التصوير الفوتغرافي هذا أصبح سبباً واضحاً جداً للانتشار بين المسلمين بصورة لا يكاد يخلوا بيت من أهل التصوير، ثم تستعمل هذه الأجهزة في تصوير ما لا يجوز باتفاق المسلمين، بينما التصوير اليدوي لا يتيسر للمصور هذه الدائرة الواسعة، فهذا جمود في منتهى الجمود أن يقال أن التصوير الفوتغرافي الذي يسهل ما لا يمكن تصويره عادة، في الصور اليدوية أن يقال: هذه الصورة اليدوية محرمة والصورة الفوتغرافية مباحة، وأنا كما يقال إن أنسى فلن أنسى.
كنت مرة قادماً من حلب بعد جولتي الشهرية التي كنت معتادها فصحبني
شاب ويبدو لي أنه شاب مسلم ملتحي على قلة اللحى في ذاك الزمان، في الطريق أثار هذه المسألة أن فيه بعض العلماء يقولوا: إن التصوير الفتوغرافي يجوز، فقلت له: هذه ظاهرية عصرية، ظاهرية عصرية أي: جمود يشبه جمود بعض علماء الظاهر على بعض المسائل، ومثلت له هذه الصورة الخيالية فقلت له: زعموا بأن شيخاً فاضلاً زار تلميذاً له في داره فلما جلس وإذا أمامه صورة الشيخ معلقة في صدر المكان فتكلم الشيخ مع تلميذه منكراً عليه تعليقه لصورة شيخه في صدر المكان وأثنى عليه خيراً من حيث دينه وصلاحه وحرصه على العلم، فما كان من الطالب هذا إلا أن بادر وأزال الصورة.
راحت أيام وجاءت أيام ثم زار تلميذه مرة أخرى وإذا به يفاجأ الشيخ بأن الصورة لا تزال في مكانها فأنكر عليه كما أنكر عليه في المرة السابقة، فأجاب التلميذ يا أستاذ نحن تعلمنا منك أن الصورة المحرمة هي الصورة اليدوية، أما الصورة الفوتغرافية فهي جائزة، فتلك كانت صورة يدوية لذلك تجاوبت معك، أما هذه فصورة فوتغرافية، فربت على كتفه وقال: بارك الله فيك.
فهذه أليست ظاهرية مقيتة، الصورة هي هي لكن إحداهما صورت بالقلم واليد وأخذت جهداً جهيداً حتى خرجت صورة، أما هذه ففي الآلة التي كب على إبداعها عشرات العلماء المتخصصين حتى وصلوا إلى هذه الضغطة من الزر وإذا الصورة تخرج كأبدع ما يمكن أن يكون هذه جائزة، أما الأولى فهي محرمة، هذه ظاهرية عصرية مقيتة يستحي ابن حزم لو كان في زمانه اليوم أن يقع في مثلها، وقد وقع هو في بعض ما يضحك كما يقال: الثكلى، لقد فسر حديث أبي هريرة رضي الله عنه في الصحيحين:«نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البول في الماء الراكد» فقال -هو-: فلو أنه بال في إناء ثم أراق ما في الإناء في الماء الراكد جاز؛ لماذا؟ لأنه لا يصدق عليه لغة أنه بال في الماء الراكد، وهذا صحيح من حيث ملاحظة الألفاظ؛ لأن هذا الرجل الثاني بال في الوعاء الفارغ ما بال في الماء الراكد، لكن بعدما بال في الإناء الفارغ أراق هذا البول في الماء الراكد هذا جاز، لكن النتيجة يا جماعة واحدة.
مداخلة: لا هذه أخس.
الشيخ: نعم؟
مداخلة: النتيجة الثانية أخس من الأولى.
الشيخ: أخف من أي ناحية؟
مداخلة: أخس أخس.
الشيخ: أخس.
يعني: هذا كالاحتيال على الأحكام الشرعية، فاليوم نرى هذه المصيبة تتجدد في مظاهر وصور أخرى منها قضية التصوير الشمسي مباح أما التصوير اليدوي فهو حرام؟
السائل: [وما هي علة التحريم]؟
الشيخ: أولاً للعلماء تعليلان لتحريم الشارع الحكيم الصور، التعليل الأول هو الذي سمعتموه المضاهاة؛ لأنه منصوص عليه في الحديث:«إن أشد الناس عذاباً يوم القيامة هؤلاء المصورون يضاهون بخلق الله» وما هي المضاهاة التي جاء في هذا الحديث قرام صورة على ستارة، كلنا يتصور تماماً أن هذه الصورة ليست بتلك الدقة، صورة القلم أدق بلا شك، مع ذلك الرسول عليه السلام أطلق على الذي صور الصورة على الستارة؛ بأنه يضاهي خلق الله، فما بالك بالذي يصور بالريشة والقلم والدهان و .. و .. و .. إلى أخره، فما بالك بمن يصور في هذه الفوتغرافية هذه، لكن العلماء ذكروا علة أخرى، وهي أن نهي الشارع الحكيم عن التصوير فيه علة أخرى وهي سداً لذريعة حتى لا تعود الجاهلية الأولى إلى عبادة الأصنام وعبادة التماثيل كما وقع لقوم نوح عليه السلام الذين قالوا حينما دعاهم نوح للتوحيد وإلى عبادة الله وحده لا شريك له: تناصحوا بينهم زعموا وقالوا:
مداخلة: {لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ .. }
الشيخ: {لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} .
يقول ابن عباس كما في صحيح البخاري وتفسير ابن جرير وغيرهما هؤلاء الخمسة كانوا عباداً لله صالحين فلما ماتوا جاءهم الشيطان بصورة ناصح أمين فأوحى إليهم أن يجعلوا قبورهم في أفنية دورهم لكي يتذكروا أعمالهم الصالحة، التاريخ يعيد نفسه، الأصنام التي بدأت منذ عشرات السنين وبدأت تنتشر الآن في كثير من البلاد العربية التي كانت خالية فيها هذه الأصنام لماذا ذكر بهؤلاء الأطفال وليتهم كانوا كذلك أطفالاً وإنما أكثرهم أو عملاء لأجانب وفساق إن لم يكونوا كفاراً، فالشيطان سن بقول نوح عليه السلام أن يجعلوا قبور هؤلاء الخمسة الصالحين في أفنية دورهم بحجة أن هذا يذكرهم بأعمالهم فيقتدون بهم فيها، وتركهم جيلاً من الزمان ثم عاد إليهم وقال: قد تذهب قبور هؤلاء الصالحين بسبب من أسباب العوامل الطبيعية كالسيول والرياح والأمطار ونحو ذلك ولذلك فهو نصحهم بأن يتخذوا أصناماً فاستجابوا ثم تركهم أيضاً برهة من الزمن، ثم أوحى إليهم: أنكم تعلمون أن هؤلاء كانوا عباداً لله صالحين فما ينبغي أن تدعو أصنامهم في مكان عادي وإنما عليكم أن تضعوه في أماكن رفيعة محترمة، ففعلوا أيضاً ثم جاء الجيل الأخير فعكفوا على عبادتها.
وهكذا يتسلسل الشر كما قيل: وما معظم النار إلا من مستصغر الشرر، ومعلوم في الشرع أن من حكمة الله عز وجل أنه يحرم أشياء هي لا شيء فيها ولكن يخشى أن تؤدي إلى ما فيه كل ضرر، وهذا من باب تحريم الوسائل التي تؤدي إلى غايات محرمة.
من أجل ذلك حرم الرسول عليه السلام التصوير وقطع شأفته دون تفريق بين تصوير المجسم، تصويري المجسم، وهذه فلسفه مع الأسف يجنح إليها بعض الكتاب المعاصرين اليوم ويحملون كل الأحاديث التي جاءت في تحريم التصوير مطلقاً يحملونها على التماثيل المجسمة.
يعطلون الأحاديث الصريحة كمثل قرام مع عائشة والمرفقة التي كان يرتفق فيها
الرسول عليه السلام وفيها صورة هذه ليس مجسمة، مع ذلك حملوا الأحاديث المطلقة في التحريم على الصور المجسمة، وليتهم وقفوا عند هذا فقيدوا أيضاً قولهم بأنه إذا كانت هذه التماثيل من .. يخشى أن تعبد من دون الله فهذا هو المحرم فقط.
أما إذا كانت الزينة لكذا فلا بأس بذلك، وهكذا ما يمضي يوم إلا كما قال عليه السلام:«والذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم» .
«ما من عام إلا والذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم» نعم.
فإذاً تحريم الصور ليس له علة إلا واحدة وهي المضاهاة بل هو أيضاً من باب سد ذريعة، ونحن نشاهد اليوم أنه لما فتحوا باب التصوير عم الفساد وصارت الصور من كل لون، من كل جنس، بواسطة هذه الآلة الخفيفة الحمل والتي قد توضع في الجيب.
وأذكر جيداً أنني ناقشت بعض الإخوان المسلمين قديماً منذ ثلاثين سنة فاحتج بأن هذه الآلة لم تكن يومئذ معروفة؛ ولذلك فحمل الأحاديث عليها هو توسيع معنى هذه الأحايث أكثر مما تتحمل، هكذا زعم، ولما ذكرته بأن الذي يقول:«كل مصور في النار» ويقول: «لعن الله المصورين» ليس رجلاً عادياً من أمثالنا حتى نقول هو يعني: الصور المعروفة فقط، بل هذا رسول الله الذي وصفه الله عز وجل بقوله:{وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى* إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3، 4]، فهو يعني: ما يقول: كل مصور في النار، سواء كان هذا مصور يصور بالإزميل ريشة الحداد النحات ونحو ذلك أو يصور بأي طريقة أخرى فهو مصور، ما اقتنع بذلك فجئته بالمثال التالي، قلت له: فما رأيك بهذه الأصنام التي تخرج الآن بالمآت بل بالألوف المؤلفة في كبسة زر جهاز ضخم جداً يصب النحاس في مكان فيخرج ماذا؟ بصورة سبع أو كلب أو امرأة راقصة كما تجدون على بعض الطاولات هذا ما نحت على الطريقة التي كانت في عهد الرسول عليه السلام هذه كالآلة المصورة كبسة زر فقط، هذا ماذا ترى؟ هذا يجوز أم هو حرام، قال: لا هذا حرام.