الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حكم العزل خوفًا على صحة المرأة من الحمل
مداخلة: يسأل السائل فيقول: ما حكم العزل لرجل عزل نفسه حتى لا يكون ذلك عبئ عليه، ولكن هو يستطيع الإصراف على أهل بيته وأولاده ولكن زوجته تخاف الحمل نظرًا لمرضها أثناء الحمل يؤثر عليها.
الشيخ: عفوًا السؤال الأول: لماذا يعزل؟ أول السؤال.
مداخلة: نعم، ما حكم العزل لرجل عزل نفسه ..
الشيخ: ما معنى: عزل نفسه .. ما يعني؟
مداخلة: يعني: باختياره والله أعلم ..
الشيخ: لماذا عزل؟
مداخلة: خوف مرض الزوجة أو ..
الشيخ: لا، بالنسبة للمرأة جاء في البيان؛ لأنها تخشى على نفسها المرض ..
مداخلة: نعم، هو والله أعلم يريد أن يفسر يعني:
…
لا أعزل من أجل أني لا أستطيع أن أصرف على الأولاد إن أتوا، أستطيع أن أصرف ولكن أعزل من أجل مرض المرأة.
الشيخ: على كل حال لكل سؤال جواب .. قبل الجواب عن هذا السؤال لا بد من مقدمة وجيزة تتعلق بحكم العزل في الإسلام، العزل في الإسلام أقل ما يقال فيه: إنه مكروه، وأعني ليس التحريم وإنما الكراهة، والكراهة تجامع في تعبير العلماء الجواز، فقد يكون الأمر جائزًا وهو مكروه، لكن إذا كان حرامًا فلا يكون جائزًا، الجواز مع التحريم لا يجتمعان، أما الجواز مع الكراهة فيجتمعان.
أخذنا جواز العزل من حديث جابر رضي الله عنه الذي أخرجه الشيخان في صحيحيهما عنه قال: «كنا نعزل والقرآن ينزل» ، هذا الحديث في الوقت الذي يعطينا
حكم جواز العزل يعطينا قاعدة هامة جدًا قل من يتنبه لها من الناس، هذه القاعدة هي أنه إذا وقع أمر في عهد النبوة والرسالة ولم يأت نهي عنه فهو دليل الجواز؛ ذلك لأنه لو كان منهيًا عنه لنزل الحكم بالنهي عنه في القرآن أو في بيان الرسول عليه الصلاة والسلام الذي مما خوطب به في القرآن:{وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] فإذًا: قول جابر: كنا نعزل والقرآن ينزل، فيه إشارة أنه ما دام كنا نفعل ذلك ولم ينزل في القرآن حكم بذلك فمعناه أنه يجوز، لهذا كان هذا الحديث دليلًا على جواز العزل؛ لأن الله من فوق سبع سماوات قد أقر عمل هؤلاء الصحابة ولم ينههم عن ذلك.
لكننا قلنا بالإضافة إلى الجواز بأنه مكروه، من أين يأتي هذا الحكم الإضافي على الجواز؟ هذا يأتي من ملاحظتنا لحديث رائع جدًا قلما يتعرض له بذكر بعض الذين يسألون عن هذه المسألة، ذاك الحديث هو قوله عليه الصلاة والسلام:«تزوجوا الودود الولود فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة» تزوجوا الودود الولود، لم؟ قال عليه السلام:«فإني مباه» وبلفظ: «مكاثر بكم الأمم يوم القيامة» فالذي يعزل عن زوجته لا شك أنه في ذلك لا يحقق رغبة نبيه هذه، الذي يعزل عن زوجته لا يحقق رغبة نبيه صلى الله عليه وسلم هذه وهي المباهاة والمفاخرة بأمته على سائر الأمم يوم القيامة.
وفي هذا الحديث تنبيه هام جدًا لخطورة ما شاع وذاع وملأ الأسماع في هذا العصر مما يسمونه بتحديد النسل أو تنظيم النسل، فهذا ينافي الشرع الإسلامي منافاة لهذا التوجيه النبوي الكريم، هو يريد منا أن نكثر من نسلنا لنحقق بذلك رغبةً من رغبات نبينا صلوات الله وسلامه عليه كما جاء في الحديث السابق، وعلى العكس من ذلك حينما ننظم زعمنا أو نحدد زعمنا لا يستحضر أحدنا أبدًا هذه الرغبة النبوية الكريمة لا سيما إذا ما جعل التحديد أو التنظيم نظامًا عامًا يفرض من دولة ما على شعب مسلم ما، هناك الطامة الكبرى؛ لأن المسألة تهون حينما يرتكب هذه المخالفة لرغبة النبي صلى الله عليه وسلم من فرد تهون هذه المشكلة، أما إذا صارت مشكلة تبنتها الدولة .. تبناها الشعب فهناك تحقيق لرغبة لأعدائنا الذين يحيطون بنا من كل
مكان الذين لا يستطيعون وهذا من فضل الله ورحمته بنا أن يقضوا القضاء المبرم على الأمة المسلمة لما بارك الله في عددهم، ولذلك فهم يخططون كما ترون في كثير من تصرفاتهم تخطيطًا بعيد المدى جدًا جدًا.
وهم مع الأسف الشديد قد أوتوا صبرًا وقد أوتوا جلدًا بحيث أنهم يخططون إلى ما بعد خمسين سنة، هذا الشعب المسلم يبلغ مثلًا مائة مليون، فليكن بعد خمسين سنة خمسين مليون، وعلى ذلك فهم ينظرون إلى بعيد وبعيد جدًا، تحقيقًا للمثل العربي القديم: من لم ينظر في العواقب ما الدهر له بصاحب، فنحن حينما نتبنى التنظيم والتحديد المستوردين من بلاد الكفر والضلال الذين لا يؤمنون بما عندنا من أن المسلم إذا عني بتربية أولاده كان له أجرهم وكان له مكاتبهم الأخروية تسجل له أيضًا وهو في قبره كما قال عليه الصلاة والسلام:«إذا مات الإنسان» وفي رواية: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له» انظروا كيف ينبغي أن تختلف النتائج باختلاف العقائد، فالكفار لا يوجد عندهم إيمان بالآخرة كما جاء في القرآن الكريم:{قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] فهم لا يؤمنون بالآخرة ولا يؤمنون بأنهم إذا عنوا بتربية الولد أو البنت فلهم أجرهم من بعد وفاتهم وموتهم، أما المسلم فيختلف عنهم اختلافًا جذريًا.
فهو إذا رزق ولدًا تعلمون أنه يترتب عليه أن يقوم بعبادات لا يحلم بها الكفار فضلًا عن أن يؤمنوا بها، فهو ساعة ولادة وليده يؤمر أمر ندب أن يؤذن في أذنيه .. أن يسمعه تكبير الله أكبر وهو في أول سقوطه وخروجه إلى هذه الحياة الدنيا، ثم لا أطيل في ذلك: ترتب تسميته في اليوم السابع وقص شعره والتصدق بوزنه فضةً أو ذهبًا، ثم الذبح عنه المسمى بالعقيقة وهكذا، كل هذه فضائل ودرجات تكتب لهذا الوالد بسبب ولده، هذا شيء لا يؤمن به الكفار.
من هذا القبيل أيضًا وهو أمر هام: يقول الرسول عليه الصلاة والسلام فيما
أخرجه البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من مسلمين - أي: زوجين - يموت لهما ثلاثة من الولد إلا لن تمسه النار إلا تحلة القسم» فأنئوني بعلم هل عند الكفار مثل هذا الفضل الذي بشرنا به نبينا صلى الله عليه وسلم؟ لا، ولذلك هم يقتصرون على أن يربوا ولدًا أو ولدين وثالثهم كلبهم! هذه تربيتهم وهذا شأنهم من تمتعهم في حياتهم الدنيا، لا يبتغون من وراء ذلك ثواب الآخرة وأن يدخر لهم مثل هذا الأجر:«لن تمسه النار إلا تحلة القسم» ولذلك هذه الفضائل كلها إنما تتوفر بتحقيق الرغبة النبوية الكريمة وهي: «تزوجوا الودود والولود فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة» .
بعد هذا التفصيل ولعلي ما أطلت به عليكم أقول جوابًا عن السؤال السابق: إذا كان هناك ضرورة بالنسبة للمرأة ولا أتصور الضرورة بالنسبة للرجل أبدًا إلا على تحقيق رغبة الجاهلية الأولى التي قال الله عز وجل في القرآن فيها: {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ} [الإسراء: 31] الرجل لا يوجد له عذر أبدًا فيما أن يفاول هو من عنده يفرض ذلك على زوجه تحديد النسل وإنما هذا أو تنظيمه، وإنما هذا يمكن أن يتصور فقط بالنسبة للزوجة وذلك بإشارة من طبيب مسلم حاذق، يقول مثلًا لزوجه بأن زوجتك هذه إذا استمرت في الحمل فحياتها في خطر، حينذاك لا أقول: تحدد النسل التحديد شر من التنظيم؛ لأن التنظيم من معانيه أنه سيتابع الولادة أما التحديد فكما قلنا: ثالثهم كلبهم، انتهى الأمر عندهم إلى هاهنا، هذا منهج كافر لا يؤمنون بالقضاء والقدر فإذا نظم الإنسان أو حدد نسله كأنه آمن بأن هذا الولد الأول وهذا الثاني سيعيشان ما عاش أبواهما لا يفترضان أبدًا أن الله عز وجل قد يقبض الولد الأول والثاني ويبقيان كأنهمالم يرزقا نسلًا، ثم يحاولان أن يتداركا ما فاتهما وهيهات هيهات، وكما قيل: في الصيف ضيعت اللبن.
إذًا: إنما يجوز تحديد النسل للزوجة للضرورة التي يقدرها الطبيب الحاذق المسلم، هذا نهاية الجواب.
(أسئلة وفتاوى الإمارات - 1/ 00: 27: 29)