الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني نقد سند الأناجيل الأربعة
لعلماء المسلمين جهود قيمة حول سند الأناجيل الأربعة وفي نظرتهم النقدية لها بينوا هل لهذه الأناجيل سند متصل أم أنها منقطعة السند؟ وهل يا ترى تصح نسبتها إلى المسيح عليه السلام أم أن الأمر بخلاف ذلك؟ هذا ما سنعرفه فى الصفحات التالية:
من أين جاءت الأناجيل؟
أجمع العلماء على أنه لم يثبت تاريخيًا أن المسيح عليه السلام خلف وراءه إنجيلًا مكتوبًا ولهذا فإن ما كتب على لسان المسيح أو عنه إنما هو من عمل التلاميذ والحواريين ومن إليهم (1).
أولاً: إنجيل متى:
يقول صاحب كتاب الفارق (2): اتفقت كلمة النصارى على أن متى من الحواريين الاثنى عشر وقالوا: إن إنجيله أول ما بشر به بعد رفع المسيح بثمانية أعوام وكان باللغة العبرانية وهذا مذهب القدماء كافة والكثير من المتأخرين ودلل على كلامه بشواهد كثيرة من كتب علمائهم (3).
وقيل: إن مؤلف إنجيل متى يهودي ولا شك
…
يفهم اليهود ويتعاطف مع تطلعاتهم كرجل يهودي المولد (4)
وقيل: (إن متى أحد تلاميذ المسيح الاثنى عشر ويسميهم المسيحيون رسلًا، وقد كان قبل اتصاله بالمسيح من جباة الضرائب للرومان في كفر ناحوم من أعمال الجليل، وكان اليهود ينظرون إلى الجباة نظرة ازدراء؛ لأنها تحمل صاحبها على الظلم أو العنف والعمل فيها معين للدولة الرومانية المغتصبة التى تحكم البلاد بغير رضا أهلها (5).
تاريخ التدوين والترجمة:
اختلف العلماء فى تحديد الزمن الذي دون فيه إنجيل متى وهذا الاختلاف دليل واضح على التشكيك في صحة هذا الإنجيل.
فيقول فضيلة الإمام / أبو زهرة عن إنجيل متي:
(لا شك أن جهل تاريخ التدوين، وجهل النسخة الأصلية التي كانت بالعبرية، وجهل المترجم وحاله من صلاحٍ أو غيره، وعلم بالدين واللغتين التى ترجم عنها والتي ترجم إليها كل هذا يؤدي إلى فقد حلقات في البحث العلمي)(6)
(1) المسيح في القرآن والتوراة والإنجيل د/ عبد الكريم الخطيب ص 15 ط/ دار المعرفة بيروت- طـ 2 - 1396 هـ 1976م.
(2)
وهو: عبد الرحمن بن سليم بن عبد الرحمن بن الباجه جى زادة: بحاثة حنفى من أعيان العراق موصلى الأصل ولد وعاش ومات ببغداد كان رئيسًا للمحكمة التجارية وانتخبته نائبا في المجلس العثماني صنف الفارق وذيله (الأعلام للزركلى 3/ 307).
(3)
الفارق بين المخلوق والخالق ص 35.
(4)
انظر: المسيح في مصادر العقائد المسيحية ل م/ أحمد عبد الوهاب ص57 مع الحذف.
(5)
محاضرات في النصرانية أبو زهرة ص 47، 48، الأسفار المقدسة: د/ وافي، ص 79، التعصب الصليبي: د/ عمر عبد العزيز القرشى، 2/ 27.
(6)
المرجع السابق: أبو زهرة ص 46.
ثم يعود الإمام أبو زهرة (1) ويقول: إن متي كتب إنجيله بالعبرانية، وأشهر النسخ كانت باليونانية ولكن موضع الخلاف في تاريخ تدوينه وفيمن ترجمه إلى اليونانية، فقال البعض إنه كُتب قبل خراب أورشليم وقيل كتب ما بين سنة 60 وسنة 65 من الميلاد وقيل ما بين عامى 85 و 90 وقيل كتب سنة 37 أو 38 أو 41 أو 43 أو 48 أو 61 أو 62 من الميلاد (2) ويؤيده في ذلك كثير من النقاد المسلمين (3).
وبناءً على هذا الاختلاف الواضح في تاريخ التأليف يتساءل العلامة أحمد ديدات فيقول: (وإذا لم نقدر أن نعزى هذا الإنجيل وننسبه إلى الحواري متى فكيف نذعن له ونقبله على أنه كلام الله)؟ (4).
إضافة إلى ما سبق يؤكد صاحب الفارق: (أن إنجيل متى كان بالعبرانية لا اليونانية، وأن نسخته الأصلية فقدت ثم ظهرت ترجمتها ولم يعلم إلى الآن كيف ترجم هذا الإنجيل؟، ومن هو المترجم وما هو حاله في القوة والضعف في الدين؟ وهل هو من المسيحيين أو اليهود أو غيرهم؟ وإذا كان كذلك فكيف تجزمون بهذا الإنجيل وتتخذونه دستورًا مقدسًا ترجعون إليه في عقائد الدين وأصوله، وكيف جزمتم بأنه لمتى وأنتم لا تعلمون الذي ترجمه؟ ولا تدرون هل أدخل فيه من الضلالات ما لايرضى به متى ولا المسيح)(5).
ثم يوجه صاحب الفارق أصابع الاتهام إلى اليهود وما يحتمل أنهم قد فعلوه في إنجيل متى طارحًا افتراضًا عقليًا مؤداه أن اليهود وراء ترجمة هذا الإنجيل فيقول: (ولم لا يحوز أن تكون النسخة العبرانية قد وقعت في يد أحد اليهود أو الدخلاء في المسيحية فترجمها بما وافق غرضه ولائم هواه ودس فيها من العقائد ما يغضب الجبار ويوجب الخلود فى النار)(6).
(1) هو: محمَّد بن أحمد أبو زهرة أكبر علماء الشريعة الإسلامية في عصره ولد بالمحلة الكبرى وتربى في الجامع الأحمدى وتعلم بمدرسة القضاء الشرعي وتولى تدريس العلوم الشرعية والعربية ثلاث سنوات وبدأ اتجاهه إلى البحث العلمى في كلية أصول الدين 1933م وعين أستاذا محاضرا بالدراسات العليا في الجامعة 1935م من مؤلفاته/ محاضرات في النصرانية، وأصول الفقه، والخطابة. وغيرها. توفى بالقاهرة (الأعلام للزريكلى 6/ 25، 26).
(2)
محاضرات في النصرانية: ص 46.
(3)
الإسلام والأديان "دراسة مقارنة" د / مصطفى حلمي ص 198 طبعة دار الدعوة - ط1 - 1411 هـ 1990م.
(4)
هل الكتاب المقدس كلام الله؟ أحمد ديدات ص 155 ترجمة الشيخ/ إبراهيم خليل أحمد ودراسة تحليلية وتقديم د/ نجاح الغنيمى ط / 1 دار المنار 1410 هـ 1989م.
(5)
الفارق بين المخلوق والخالق ص 37، 38.
(6)
المرجع السابق ص 38.