الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويؤكد د/ المطعني، على ما ذهب إليه شيخ الإِسلام من تحليل عقلى منطقى في رده على تأليه النصارى لسيدنا عيسى عليه السلام فيقول ردًا على النصارى في استدلالهم:
أنتم متفقون معنا بأن آدم أبا البشر عليه السلام قد خلقه الله من "تراب" من غير أب ولا أم بيولوجيين فهو إذن أحق أن يكون إلهًا
…
وتقرون معنا بأن حواء "أم البشر" خلقها الله من آدم، ولا أم لها باتفاق، هذا إذا اعتبرنا آدم جدلًا- أبًا لحواء-، مع رفض هذا الفهم عقيدة وواقعًا. حواء مخلوقة من ذكر بلا أنثى مع أن طبيعة "التولد" تكون من ذكر وأنثى، وأنتم حين تخلف عنصر "الذكورة" في خلق عيسى اعتبرتم ذلك "التخلق" دليل التأليه، فعليه يلزمكم حعسب مقاييسكم أن تمنحوا حواء درجة الألوهية، ولكنكم مع هذا لم تقولوا بألوهية آدم ولا بألوهية حواء وهذا دليل بُطلان قولكم وكل مولود من غير أب فهو إله وما دامت المقدمة باطلة عقلًا وواقعًا لزم على بُطلانها بُطلان النتيجة، فعيسى إذن غير إله (1).
مناقشة العلماء للأمر الثاني: وهو قيامه بمعجزات لم تُعرف لغيره:
هناك جهود قيمة في إبطال ما يدعيه النصارى من أن المسيح عليه السلام قام بمعجزات لم تُعرف لغيره، ويستدلون بها على ألوهيته، يبرز في مقدمة هذه الجهود ما قام به العلامة رحمة الله الهندي وتبعه في ذلك صاحب كتاب الجوهر الفريد وكذلك د/ المطعني. وبينوا أن عيسى عليه السلام لم يكن وحده الذي تحققت على يديه المعجزات؛ بل غيره من الرسل أيضًا أيدهم الله بمعجزات كثيرة.
فيقول العلامة رحمة الله الهندي: الاستدلال بمعجزاته على ألوهيته، استدلال ضعيف؛ لأنّ من أعظم معجزاته إحياء الموتى مع قطع النظر عن ثبوته وعن أنه يفهم عن هذا الإنجيل المتعارف تكذيبه وأن عيسى عليه السلام بحسب هذا الإنجيل ما أحيا إلى زمان الصلب إلا ثلاثة أشخاص، وأحيا حزقيال ألوفًا كما هو مصرح به في الإصحاح 37 من سفره، فهو أولى بأن يكون إلهًا، وأحيا إيلياء ميتًا كما هو مصرح به في الإصحاح 17 من سفر الملوك الأوّل وأحيا اليسع أيضًا ميتًا كما هو مصرح به في سفر الملوك الثاني
…
وغير ذلك من معجزات أجراها الله على يد أنبيائه ورسله (2). واعتراف المسيح عليه السلام بعدم اقتداره على فعل الشىء من نفسه إلا ما علمه الله وأن كل شىء دُفع له من الله وأن الأعمال التى أعطاها الله إياها هى بعينها إلى عملها لتشهد له بأن الله أرسله (3).
(1) الإسلام: د/ المطعني ص 377، 378.
(2)
انظر: إظهار الحق: 2/ 358، المنتخب الجليل: المسعودى، ص 201 - 205، الإسلام: د/ المطعني، ص 386.
(3)
انظر: الجرهر الفريد، ص 92.
وقد رصد م / الطهطاوى، الأسباب التى أدت إلى ظهور هذه العقيدة ومتى ظهرت، والأدلة التى استند عليها النصارى ثم ناقشها مناقشة عقلية متبعًا في ذلك تحليل النصوص تحليلًا منطقيًا يتفق مع العقل والمنطق ورد دعواهم وأبطلها بالأدلة من الأناجيل المختلفة.
وبين أن هذه الأناجيل تحمل بين طيات نصوصها عوامل هدم ما تحمله من أفكار باطلة فيقول:
1 -
إن ما ورد في الأناجيل من نصوص يدعون أنها تشير إلى ألوهية المسيح، لا يمكن أن يعتبر دليلًا على مثل هذا الأمر الخطير وهو اعتبار المسيح إلهًا، وبخاصة إذا اتضح أن هذه الأناجيل من صنع متى ويوحنا أو من صنع الأجيال المتعاقبة، ونسبت إليهم؛ لأنّ الصلة بين إنجيل عيسى المسيح عليه السلام وهذه الأناجيل مقطوعة، والصلة بين هذه الأناجيل والذين نُسبت إليهم تكاد تكون مقطوعة أيضًا (1).
2 -
أن كلمة ابن الله أو قول "هذا ابنى الحبيب" لو صح هذا أو ذاك لما كان دليلًا قط على ألوهية المسيح، فإنه استعمال مجازى معناه التكريم والطاعة ونظيره إطلاق الأناجيل على العصاة أنهم أبناء الشيطان مع أنهم أبناء آدم والغرض من ذلك أنهم يطيعون الشيطان كطاعة الأبناء للآباء (2) وغير ذلك من الأدلة التى ساقها م / الطهطاوى وتبين خطأ استناد النصارى عليها في تأليه المسيح.
وأما عن إسهامات صاحب الفارق في إبطال ألوهية المسيح يقول: إن تعميد يوحنا المعمدان -ابن زكريا- للمسيح يناقض زعمهم بأنّه إله وحكاية مجىء المسيح إلى يوحنا المعمدان تقول: "حينئذ جاء يسوع من الجليل إلى الأردن إلى يوحنا ليعتمد منه ولكن يوحنا منعه قائلًا: أنا محتاج أن أعتمد منك، وأنت تأتي إليّ، فأجاب يسوع وقال له: "اسمح الآن لأنه هكذا يليق بنا أن نكمل كل بر" حينئذ سمح له فلما اعتمد يسوع صعد للوقت من الماء وإذا السموات قد انفتحت له فرأى روح الله نازلا مثل حمامة وآتيًا عليه، وصوت من السموات قائلًا: "هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت" (3).
(1) النصرانية والإِسلام م / الطهطاوي ص40.
(2)
المرجع السابق ص 41. ولمزيد من التفصيل تراجع ص 41 - 43.
(3)
متى: (3/ 13) معمودية يسوع المسيح، انظر:(قاموس الكتاب المقدس، ص 1106).
ويعلق صاحب الفارق على هذا النص منتقدًا ما يشتمل عليه فيقول: (إن المسيح بشر مخلوق لله تعالى، وأنه قبل أن يأتى إلى يوحنا المعمدان لم يكن الوحي ينزل عليه، وأن أول ما نزل عليه الوحي بواسطة روح الله جبريل؛ لأنّ الله تعالى سماه بذلك كما تشهد به كتبهم وأول ما بلغه عن الله تعالى أنه هو الابن الحبيب الذي به كان سرور الله تعالى ولكن أبي هذا المترجم إلا أن يدلس في كل ما يكتبه حيث أسند الكلام إلى غير جبريل عليه السلام (1).
أما عن الرؤية النقدية للدكتور / السقا، حول عقيدة تأليه المسيح عليه السلام فإنه قد أَتبع فيها المنهج التحليلى للنصوص حيث قام برد التفسير الخاطئ الذي يفسره النصارى لنصوص الأناجيل، وفسرها تفسيرًا صحيحًا يتفق وطبيعة المسيح عليه السلام وأذكر هنا بعض النماذج توضح ما قام به من جهد في إبطال ألوهية المسيح. حيث يعرض مقولة النصارى ثم يعقب عليها بالرد وبيان بطلانها.
1 -
مما يدلّ على أن المسيح في الأزل مع الأب قوله: "والآن مجدني أنت أيها الأب عند ذاتك بالمجد الذي كان لي عندك قبل كون العالم لأنك أحببتنى قبل إنشاء العالم"(2).
الرد: لو كان المسيح في الأزل مع الأب للزم عليه أن يكون هو إلهًا مستقلًا عن الإله الأب، وهذا لا يقول به الأرثوذكس الذين يقولون إن عيسى هو الله نفسه، وهذا التعبير كناية عن أن الله قدر وجود عيسى عليه السلام في الأزل كما يقدر وجود أي إنسان (3).
2 -
مما يدلّ على أن المسيح كان في السماء ونزل إلى الأرض قوله لليهود: "أنتم من أسفل أما أنا فمن فوق، أنتم من هذا العالم أما أنا فلست عن هذا العالم"(4).
الرد: معني الكلام أنتم تعيشون في اللذات الجسدية، أما أنا فأعيش في عالم الروح، أنتم في عالم الأرض تريدون أن تعيشوا أما أنا ففى عالم السماء مقصودى وقد قا
ل المسيح هذا القول بالنسبة لجميع تلاميذه: "لو كنتم من العالم لكان العالم يحب خاصته ولكن أنكم لستم من العالم؛ بل أنا اخترتكم من العالم لذلك يبغضكم العالم"(5). لقد سوى بينه وبين تلاميذه في عدم الكون من هذا العالم؛ فلو كان هذا مستلزمًا للألوهية للزم أن يكونوا كلهم آلهة (6).
(1) الفارق بين المخلوق والخالق: ص 55.
(2)
يوحنا: (17/ 5، 24).
(3)
أقانيم النصارى: د/ أحمد حجازي السقا، ص 114 ط / دار الأنصار القاهرة / 1397 هـ / 1977 م.
(4)
يوحنا: (8/ 23) أنا هو نور العالم.
(5)
يوحنا: (15/ 19).
(6)
أقانيم النصارى: ص 115.
3 -
يقولون: إن عيسي إله؛ لأنه كان معصومًا من الخطأ بدليل قوله لليهود: "من منكم يبكتنى على خطية"(1).
الرد: لو كانت العصمة من الخطية سببًا في أن يكون الإنسان إلهًا لكان جميع الرهبان والراهبات عند النصارى آلهة؛ لأنهم يدعون عصمتهم من الخطأ ولكان جميع الباباوات خلفاء بطرس وبولس ومرقس آلهة؛ لأنهم يدعون عصمتهم من الخطايا أيضًا، وقد شهد الكتاب المقدس لبعض الأنبياء بالبر والصلاح فلماذا لم يجعلوهم آلهة؟ (2). وغير ذلك من الأدلة التى فسرها النصارى تفسيرًا خاطئًا، ورد عليهم د/ السقا، ونقدها وفسرها تفسيرًا صحيحًا يتفق مع العقل.
إضافة إلى ما سبق فإن أظهر شىء وقف عليه النقاد المسلمون - فترة البحث - أن المسيح عليه السلام لم يدع الألوهية ولكنه دعا إلى التوحيد وهذا يبطل مزاعمهم في حق المسيح عليه السلام. وأكد ذلك أ/ إبراهيم خليل أحمد، في كتابه فقال:"في إنجيل لوقا سأله رئيس قائلًا: أيها المعلم الصالح ماذا أعمل لأرث الحياة الأبدية فقال له يسوع: لماذا تدعونى صالحًا ليس أحد صالحًا إلا واحد هو الله"(3).
لقد حرص المسيح على أن ينفى عن نفسه صفة الصلاح ويردها إلى الله وحده فكيف يُقال بعد ذلك أن المسيح إله أو ابن إله؟ بل أكثر من هذا نجد في إنجيل مرقس "فجاء واحد من الكتبة وسمعهم يتحاورون فلما رأى أنه أجابهم حسنًا سأله: أية وصية هى أول الكل؟ فأجابه يسوع أن أول كل الوصايا هى اسمع يا إسرائيل: الرب إلهنا رب واحد"(4) فلم يدع المسيح أنه إله يُعبد لكن موقفه أمام الله كموقف كل بنى إسرائيل ولقد نادى المسيح عليه السلام بالتوحيد صراحة، فجاء في إنجيل يوحنا:"وهذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته"(5) وغير ذلك من الأدلة التي ساقها أ/ إبراهيم خليل، وتدل صراحة على عبودية المسيح لله رب العالمين ودعوته للتوحيد الخالص وأيده في ذلك جميع علمائنا الأجلاء في تناولهم لمناقشة ألوهية المسيح (6).
(1) يوحنا: (8/ 46) أبناء إبليس.
(2)
أقانيم النصارى: ص 115.
(3)
الإصحاح: (18/ 18 - 19) الشاب الغني.
(4)
الإصحاح: (12/ 28 - 29) الوصية العظمي.
(5)
الإصحاح: (17/ 3).
(6)
يُراجع: مناظرة بين الإِسلام والنصرانية لمجموعة من علماء المسلمين والنصرانية، مقال أ/ إبراهيم خليل أحمد، ص 193، نظرة في كتب العهد الجديد وعقائد النصرانية د/ محمَّد توفيق صدق، ص 172، الفارق بين المخلوق والخالق، ص 122، والجواب الفسيح للألوسي، 1/ 196، الجوهر الفريد: ص 118.