الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وملخص القصة:
يذكر سفر التكوين أن الرب قد ظهر ليعقوب في صورة إنسان صارعه حتى الفجر ولم يتمكن الرب من هزيمة يعقوب إلا بعد أن كسر حق فخذه
…
(1). ثم يعقب العلامة الهندي على هذا النص تعقيبًا مختصرًا جاء فيه:
وهذا المصارع كان ملكًا لما عرفت، وإذا لم نقل ذلك يلزم أن يكون إله بني إسرائيل في غاية العجز والضعف حيث صارع يعقوب الذي هو مخلوقه إلى الفجر ولم يغلبه إلا بالحيلة (2).
ومثله قال الإمام الألوسي وأكد أن الذي ظهر ليعقوب عليه السلام ملك من الملائكة وليس غير ذلك (3)
ثالثًا: يفعل الشيء ثم يرجع عنه "البداء
":
يقول د/ صفوت مبارك:
يشير العهد القديم إلى أن الرب يريد فعل الشىء ثم يرجع عنه ويغير إرادته وهو ما يسمى بالبداء ففى سفر الخروج حديث عن غضب الرب على بني إسرائيل بسبب عبادتهم للعجل وأنه أراد أن يفنيهم ثم رجع عن ذلك وندم لما تضرع له موسى:
"قال الرب لموسى: رأيت هذا الشعب وإذا هو شعب صلب الرقبة فاللآن اتركني ليحمى غضبي عليهم وأفنيهم فأصيرك شعبًا عظيمًا
…
ارجع عن حمو غضبك واندم على الشر بشعبك
…
فندم الرب على الشر الذي قال إنه يفعله بشعبه (4) " (5).
رابعًا: يفعل الشيء ثم يندم على فعله:
وضع علماء المسلمين أيديهم على نصوص في العهد القديم تنسب للرب سبحانه الندم على خلقه للإنسان حين كثر فساد بني آدم في عهد نوح واستدلوا بالنصوص التالية:-
1 -
"فحزن الرب أنه عمل الإنسان في الأرض وتأسف في قلبه"(6).
2 -
"فندم الرب على الشر الذي قال أنه يفعله بشعبه"(7).
وغير ذلك من النصوص وما أكثر ما يتندم الرب في اعتقاد اليهود (8).
وقد تنوعت تعليقات النقاد من علمائنا الأجلاء على هذه النصوص يقول د/ المطعني. بعد ما استدل بالنص الأول: "لم تتورع نصوص التوراة المقدسة في زعمهم أن تنسب الندم والتحسر إلى "الرب" والندم والتحسر المنسوبان إلى "الرب" في التوراة هما الندم والتحسر المعروفان للناس في الحياة. فالرب يندم ويتحسر على خلق شيء من خلقه ثم تكون عاقبة الخلق على غير ما يريد (9).
(1) انظر: القصة كاملة في: تكوين: (32/ 24 - 31) يعقوب يصارع مع الله.
(2)
إظهار الحق (1/ 321).
(3)
الجواب الفسيح لما لفقه عبد المسيح - الألوسى (1/ 175).
(4)
انظر: خروج: (32/ 9 - 14) العجل الذهبي.
(5)
مدخل لدراسة الأديان د/ صفوت مبارك ص 117.
(6)
تكوين: (6/ 5 - 7) الطوفان.
(7)
خروج: (32/ 14) العجل الذهبى.
(8)
يراجع صموئيل الأول: (15/ 10 - 11 - 35)، حزقيال:(32/ 12 - 14، مزامير: (106/ 40 - 44).
(9)
الإسلام في مواجهة الاستشراق د/ المطعني ص 191.
وينتقد صاحب كتاب انزعوا قناع بولس: هذا النص قائلًا:
إن نسبة الحزن والتأسف إلى الله تعالى؛ لأن شر الإنسان قد كثر هو قول جاهل مخرف لا يعرف الله؛ لأنه يصفه بالجهل في عدم معرفته لما سيكون عليه حال الإنسان بعد خلقه، وهذا في حق الله تعالى محال وهو من الكفر المحض ولذا جاء القرآن الكريم مدويًا بأن الله خلق الإنسان والكون بعد أن قدر كل شىء أزلًا فقال تعالى:
ويعلق د/ بدران على هذه القضية خلق الله للإنسان وندمه عليها بقوله:
بعد ما ندم إله إسرائيل على خلقه للإنسان عاد وندم من جديد لأنه فكر مثل هذا التفكير لأنه ظهر له أن الإنسان طيب وليس شريرًا، ندم الرب لأن نوحًا ذبح له الذبائح وحرقها وصعدت رائحة الشواء للسماء فتنسمها الرب وفي هذا يقول سفر التكوين:
"وبني نوح مذبحًا للرب وأخذ من كل البهائم الطاهرة ومن كل الطيور الطاهرة وأصعد محرقات على المذبح فتنسم الرب رائحة الرضا وقال الرب في قلبه لا أعود ألعن الأرض أيضًا من أجل الإنسان"(3).
ثم ينتقد هذا النص متعجبا مما تقول التوراة:
هكذا صورك كتبة التوراة يا إله إسرائيل تندم لأنك خلقت الإنسان ثم تعود فتندم لأنك ندمت أنك خلقت الإنسان، صوروك بصورة الإله المرتشي لمجرد أن نوحًا أحرق لك بعض البهائم والطيور وصعدت رائحة الشواء لك في السماء .. ندمت .. لأنك عرفت أن الإنسان طيب وليس شريرًا كما تصورت وظهر ندمك في أنك جعلت الأرض خصبة له طول العام ونوعت الجو خلقت البرد والحر والصيف والشتاء فعل كل هذا من أجل رائحة الشواء إلى تنسمها .. ألهذا السبب يكثر الإسرائيليون من حرق الذبائح (4).
(1) سورة الأنعام الآية: (59)
(2)
أ/ أحمد زكى ص 14.
(3)
تكوين: (8/ 20 - 22) بدون. وانظر: التوراة د/ بدران ص 46.
(4)
المرجع السابق نفس الصفحة
وتقول الباحثة سميرة عبد الله بعد أن استدلت بالنصوص السابقة:
(وهذا كله يتنافى مع التقدير الحكيم لما يشاء ويتعارض مع العلم السابق لأفعاله وإرادته لما يريد ويقدح في ربوبيته إذ كيف يكون ربا من كان جاهلاً والله عز وجل يقرر أنه العليم الحكيم فيقول تعالى: {إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} (1)(2).
ويرى الدكتور/ عبد الوهاب المسيرى. من خلال تحليله لنصوص التوراة أن التصور اليهودى للإله تصور مردود لايقبلهُ عقلٌ ولادين لأنهُ تصورٌ خاطئى ينافى جلال الربوبية والألوهية على حد سواء.
وبعد أن استدل بنص من سفر الخروج: يقول "فالآن اتركني ليحمى غصبى عليهم وأُفنيهم"(3) قال:
إن العهد القديم يطرح رؤىً متناقضة للإله تتضمن درجات مختلفة من الحلول بعضها أبعد ما يكون عن التوحيد، وتتبدى الحلولية في الإشارات العديدة إلى الإله التي تصفه ككائن يتصف بصفات البشر فهو يأكل ويشرب ويتعب ويستريح ويضحك ويبكى غضوب متعطش للدماء يحب وببغض متقلب الأطوار يلحق العذاب بكل من ارتكب ذنبًا سواء ارتكبه عن قصد أو غير قصد ويأخذ الأبناء والأحفاد بذنوب الآباء بل يحس بالندم ووخز الضمير (4).
وعلى ضوء ما سبق فإن ما نسبه اليهود للرب من الندم والجهل وغير ذلك يقدح في مقام الربوبية، ويتنافى مع خصائصها المشار إليها في تعريفها في بداية المبحث، كما يدل على بدائية تلك العقول التي تفكر بهذه الطريقة وتصور الخالق سبحانه هذه الصور البشرية المحضة.
ومن خلال تلك الرؤى النقدية المتنوعة لعلماء المسلمين حول نظرة العهد القديم للربوبية يتضح ما يلي:
1 -
اجتهاد علماء المسلمين في بيان التناقض والتعارض بين نصوص العهد القديم في هذه الخاصية.
2 -
التزامهم بالموضوعية التامة في مناقشتهم لتوحيد الربوبية.
3 -
والاعتقاد الصحيح في هذا الجانب من جوانب التوحيد، أن يعتقد الإنسان بأن الله عز وجل هو الفاعل الحقيقي لكل شيء في هذا الوجود، فهو سبحانه الخالق الرازق المحيى المميت الذي بيده القدرة على النفع والضر إلى غير ذلك من أفعال، والخروج على هذا الاعتقاد انحراف وشرك نهى الله عز وجل عنه في كثير من الآيات منها قوله تعالى:{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} (5)، وقوله تعالى:{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} (6)
(1) سورة يوسف جزء من الآية: (100).
(2)
جهود الإمامين ابن تيميه وابن القيم ص 93 - 94.
(3)
خروج: (32/ 10 - 13) العجل الذهبى.
(4)
موسوعة اليهود واليهودية: د/ المسيرى 5/ 65 بتصرف.
(5)
سورة البينة، الآية:(5).
(6)
سورة النحل، الآية:(36).