الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المرحلة الثانية:
التسليم الجدلي بصحة ما استدلوا به عن نصوص مجاراة للخصم ولكن هذه الأدلة لا تدل على أن سيدنا عيسي عليه السلام إله عند تفسيرها تفسيرًا يتناسب مع طبيعتها كوحى سماوي مقدس- كما يدعون- (1).
2 -
التناقض والتعارض بين نصوص الأناجيل في هذه القضية: فإن كانت هناك أدلة يحتج بها النصارى على ألوهية المسيح -كما يدعون- فإن هناك نصوصًا أخرى من الأناجيل تثبت أن المسيح عليه السلام ما هو إلا بشر رسول أرسله الله عز وجل إلى بني إسرائيل ويعتريه ما يعترى البشر ويحتاج إلى ما يحتاج إليه البشر.
ولذلك يقول د/ عبد العظيم المطعنى، وهو يبين موقف الأناجيل من دعوى تأليه المسيح (2): لقد ورد في الأناجيل نصوص كثيرة تدل على أن عيسى إنسان في مواضع متعددة منها:
أ- "لماذا تفكرون بالشر في قلوبكم
…
ولكن لتعلموا أن لابن الإنسان سلطانًا على الأرض أن يغفر الخطايا" (3).
ب- "جاء ابن الإنسان يأكل ويشرب فيقولون: هو ذا إنسان أكول شريب خمر"(4).
ج- "منذ الآن يكون ابن الإنسان جالسًا عن يمين قوة الله"(5).
د- "ولكنكم الآن تطلبون أن تقتلونى وأنا إنسان قد كلمكم بالحق الذي سمعه من الله"(6).
ويقول أيضًا: تعددت النصوص التي تصف المسيح عليه السلام بأنّه نبي مرسل من هذه النصوص ما يلي:
1 -
"من يقبلكم يقبلني ومن يقبلني يقبل الذي أرسلنى من يقبل نبيًا باسم نبى فأجر نبي يأخذ"(7).
2 -
"ومن قبلنى فليس يقبلنى أنا؛ بل الذي أرسلنى"(8).
3 -
إن هذا هو بالحقيقة النبي الآتى إلى العالم" (9).
(1) انظر: مشكلات العقيدة النصرانية: ص 99 - 102.
(2)
انظر: الإِسلام في مواجهة الاستشراق: د/ المطعني، ص 399.
(3)
متى: (9/ 2 - 6) شفاء مشلول.
(4)
متى: (11/ 16) يسوع ويوحنا المعمدان.
(5)
لوقا: (22/ 69) استهزاء الحراس.
(6)
يوحنا: (8/ 40) أبناء إبراهيم.
(7)
متى: (10/ 40) إرسال الاثنى عشر.
(8)
مرقس: (9/ 37) من هو الأعظم؟.
(9)
يوحنا: (6/ 14) إشباع الخمسة آلاف رجل.
ثم وقف د/ المطعني مع هذه النصوص وقفة نقدية فاحصة قال فيها: إن المفاد الوحيد الذي تشير إليه النصوص المتقدمة ينحصر في هذين الوصفين:
1 -
المسيح إنسان.
2 -
المسيح نبي مرسل.
ولا نزاع في هذين الوصفين؛ بل هما المعتقد الصحيح في عيسى عليه السلام وهما يفيدان قطعًا أن المسيح ليس إلهًا، إذ لو كان إلهًا فلن يكون إنسانًا ولا ابن إنسان، ولو كان إلهًا فلن يكون نبيًا ولن يكون رسولًا وها هو يقول:"الذي أرسلنى" فمن هو الذي أرسله؟ "هو الله" وهل الله يرسل "الله" مثله
…
ثم قرر في نهاية بيانه هذا: أن الأناجيل خلت من أي كلمة تُشير إلى أنه قال عن نفسه إنه إله (1).
وقد خصص أبو الفضل المالكي السعودى في كتابه بابًا في إثبات نبوته ورسالته بما أظهر من معجزاته، وقال إن اليهود والنصارى ارتكبوا في شأنه تناقضًا واضحًا وكانوا فيه على طرفي نقيض، فاليهود رموه بالكذب والسحر واستخدام الشياطين في تحقيق أغراضه، والنصارى لم يعترفوا به نبيًا؛ بل قالوا بألوهيته وبنوته لله وأنه خلق العالم وغير ذلك من مخالفات وأباطيل.
وقد سار الشيخ رحمه الله في إثبات نبوة سيدنا عيسى عليه السلام ورسالته وفي نقده لعقائد النصارى على ما يلي:
1 -
الالتزام بالمنهج العلمي في الرد على النصارى ونقد عقائدهم وإبطال مزاعمهم.
2 -
يغلب على نقده المنهج التحليلي للنصوص لبيان ما تهدف إليه في ضوء ما تحتمله ألفاظها دون مغالاة أو شطط.
3 -
طرح الافتراضات الجدلية استدراجًا للخصم فيما يدعي ثم التدرج به إلى التسليم والاعتراف بالخطأ، وبالتالي إبطال ما يدعو إليه.
4 -
يستدل على نقده للقضايا المختلفة بمعنى النص دون أن يذكر النص نفسه، وقد قام الأستاذ الدكتور / بكر زكي عوض بذكر هذه النصوص في الهامش مما يدلّ على تمكن فضيلته من معرفة ما تهدف إليه هذه المعاني من نصوص، فله جهد طيب في تحقيق هذا الكتاب.
هذا: وقد ساق الشيخ المسعودى جملة أدلة تؤكد نبوة سيدنا عيسى عليه السلام ورسالته منها: "من قبلكم وآواكم فقد قبلنى وآوانى ومن قبلنى فإنما يقبل من أرسلنى"(2).
(1) انظر: الإسلام: د/ المطعني، ص 403.
(2)
انظر يوحنا: (10/ 40 - 42) إرسال الاثني عشر.
وقال حول هذا الدليل الذي ورد في يوحنا: فهذا يوحنا حبيب المسيح يشهد أن المسيح لم يدع سوى الرسالة وأن من يقبل منه فإنما يقبل من الله الذي أرسله ويذكر أن الله غيره وأن الرب سواه وأنه رسول من عند الله (1). بل إن الأناجيل تصرح يأن عيسي وهو يُقاد إلى خشبة الصلب كان يدعو ويقول: إلهى إلهى لماذا تركنني (2)، فكيف يكون إلهًا وله إله آخر؟ (3).
ومما يؤكد بشرية سيدنا عيسي عليه السلام أن الصورة التى رسمتها له الأناجيل ليست إلا صورة إنسان لا تتوفر فيه صفات الألوهية فالله عليم خبير لا يخفى عليه شىء والمسيح ليس كذلك (متي 24/ 36)، ومرقس (13/ 32) والله معبود وسميع الدعاء والمسيح عابد يدعو لله (متي 11/ 25) والله حي لا يموت والإنجيل ينص على أن المسيح ظل ميتًا ثلاثة أيام (متى 17/ 23) والله لا تدركه الأبصار والمسيح كانت تدركه الأبصار وظل محدودًا في رحم أمه فترة حملها به والله لا ينام والمسيح ينام (لوقا 8/ 23 - 24) والله قادر والمسيح غير قادر (يوحنا 5/ 30) وغير ذلك من الأوصاف وثبت من خلالها أن المسيح لم يدع الألوهية أو البنوة لله تعالى (4).
3 -
رد التفسير الخاطئ للنصوص التى استدل بها النصارى وحملوها على حقيقتها والتزموا بالتطبيق الحرفى لها. فقام علماؤنا الأجلاء بتوجيه النظر إلى أن المقصود من هذه النصوص المعنى المجازى وليس المعنى الحقيقى لها، مع عرض هذه الدعوى وتلك المقولات الباطلة على العقل. فمثلًا يقول النصارى: إن "عيسى" إله ويروجون لهذه المقولة بأمرين لا ثالث لهما:
الأوّل: ولادته من أم من غير أب.
الثاني: قيامه بمعجزات لم تُعرف لغيره (5).
(1) المنتخب الجليل: ص 190.
(2)
متى: (27/ 46) الموت.
(3)
الإسلام في مواجهة الاستشراق: ص 403.
(4)
انظر: تاريخ الإنجيل والكنيسة: أ/ أحمد إدريس، ص 36، 37 بتصرف يسير.
(5)
انظر: الإسلام: د/ المطعنى، ص 376.