الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أما العلامة رحمة الله الهندي قد تناول قضية التحريف في العهد القديم بالشرح والبيان وبين أن التحريف قسمان لفظي ومعنوى وقال إن القسم الثاني لا نزاع بيننا وبين المسيحيين فيه لأنهم يسلمون صدوره عن اليهود في العهد العتيق في تفسير الآيات، الشيخ هي إشارة في زعمهم إلى المسيح، وفي تفسير الأحكام إلى هى أبدية عند اليهود، أما القسم الأول ينكره علماء البروتستانت إنكارًا شديدًا (1).
والملاحظ على المؤلفات النقدية لعلماء المسلمين أنها قد استفادت كثيرًا من الطريقة النقدية التى قام بها العلامة الهندي في إظهار الحق ولا أكون مبالغًا حينما أقول إن معظم العلماء في العصر الحاضر يعتمدون عليه في أغلب القضايا لا سيما قضية التناقض والتحريف فهو المرجع الذي لا غني عنه للباحثين في الأديان.
وأمام إنكار علماء البروتستانت للتحريف اللفظي في العهد القديم والجديد قد اجتهد العلامة رحمة الله الهندي في إثبات وجوده في الكتاب المقدس بقسميه الزيادة والنقصان وقد اتبع في نقده:
أولًا: طريقة المقابلة بين النسخ التعددة والمعتبرة عند اليهود والنصارى:
وقال إن النسخ المشهورة للعهد العتيق عند أهل الكتاب ثلاث نسخ:
1 -
العبرانية وهي المعتبرة عند اليهود وجمهور علماء البروتستانت.
2 -
اليونانية وهي الشيخ كانت معتبرة عند المسيحيين إلى القرن 15 من القرون المسيحية.
3 -
السامرية وهي المعتبرد عند السامريين وهذه النسخة هى النسخة العبرانية لكنها تشتمل على سبعة أسفار من العهد العتيق فقط (2).
ثانيًا: الاستشهاد بما يقوله النقاد الغربيون من تعليقات نقدية على النصوص:
وعن طريق المقابلة بين هذه النسخ في النص الواحد في قضية ما من بين القضايا المتعددة في العهد القديم يظهر التحريف جليًا سواءً أكان هذا التحريف بتبديل الألفاظ أم بزيادتها ونقصانها.
وقد أورد العلامة رحمة الله الهندي في كتابه ما يدل على وجود التحريفى اللفظي بالتبديل في التوراة فذكر إحدى وثلاثون شاهدًا على ذلك أذكر منها بعض الأمثلة خشية الإطالة:
1 -
في العبرانية نص يقول: "فإذا عبرتم الأردن فانصبوا الحجارة التي أنا اليوم أوصيكم في جبل عيبال وشيدوها بالجص تشييدًا"(3). وهو في النسخة السامرية يقول: "فانصبوا الحجارة التي أنا اليوم أوصيكم في جبل جرزيم"(4)، وعيبال وجرزيم جبلان متقابلان كما يفهم من الآية 12، 13 من الإصحاح 27 تثنية وكما يفهم من الآية 29 من الإصحاح 11 من تثنية - فيفهم من النسخة العبرانية أن موسى عليه السلام أمر ببناء الهيكل أعني المسجد على جبل عبيال ومن النسخة السامرية أنه أمر ببنائه على جبل جرزيم وبين اليهود والعبرانيين والسامريين سلفًا وخلفًا نزاع مشهور وتدعي كل فرقة منهما أن الفرقة الأخرى حرفت التوراة في هذا المقام وكذلك علماء البروتستانت" (5).
(1) إظهار الحق: (2/ 205).
(2)
انظر: المرجع السابق (2/ 205).
(3)
تثنية: (27/ 4) والنص في النسخة الحالية "حين تعبرون الأردن تقيمون هذه الحجاره التى أنا أوصيكم بها اليوم".
(4)
تثنية: (27/ 3) المدبح علي جبل عيبال
(5)
إظهار الحق: (2/ 209).
2 -
النص في العبرانية يقول: "ونظر بئرًا في الحقل وثلاثة قطعان غنم رابضة عندها لأن من تلك البئر كانت تشرب الغنم وكان حجر عظيم على فم البئر فقالوا ما نستطيع حتى تجتمع الماشية"(1) فقد حدث تحريف في لفظيّ قطعان غنم، الماشية والصحيح لفظ الرعاة بدلهما كما في النسخة السامرية واليونانية والترجمة العربية (2).
3 -
وقع في أخبار الأيام الأول 9/ 35 في النسخة العبرانية "وكان اسم أخته معكاة" والصحيح أن يكون لفظ الزوجة بدل الأخت (3).
وقد استدل العلامة رحمة الله الهندي على ذلك بما قاله بعض مفسري الكتاب المقدس حيث قال: وقع في النسخة العبرانية لفظ الأخت، وفي اليونانية واللاتينية والسريانية لفظ الزوجة وتبع المترجمون هذه التراجم (4).
أما عن إثبات وجود التحريف بالزيادة في العهد القديم فقد ذكر العلامة الهندي ستة وعشرون شاهدًا على وجود هذا النوع من أنواع التحريف اللفظى في العهد القديم منها:
1 -
وقع في سفر التكوين 22/ 14 زيادة والنص يقول: "كما يقال في هذا اليوم في جبل الله يجب أن يتراءى الناس "ولم يطلق على هذا الجبل جبل الله إلا بعد بناء البيت الذي بناه سليمان عليه السلام بعد أربعمائة وخمسين سنة من موت موسى عليه السلام وقال إن هذه الجملة إلحاقية باعتراف مفسرى الكتاب القدس (5).
2 -
جاء في الآية 2 من سفر التثنية الإصحاح 23 ما نصه: "لا يدخل ابن زنىً جماعة الرب حتى الجيل العاشر" وهذا الحكم لا يمكن أن يكون من جانب الله، وما كتبه موسى عليه السلام وإلا يلزم أن لا يدخل داود عليه السلام ولا آباؤه إلى فارص في جماعة الرب لأن داود بطن عاشر من فارص كما يفهم من الإصحاح الأول من إنجيل متى، وفارص ولد الزنا كما في الاصحاح الثامن والثلاثين من سفر التكوين ومفسرى الكتاب المقدس حكموا بأن هذه الألفاظ "وحتى الجيل العاشر إلحاقية"(6).
3 -
جاء في ذيل الآية 9/ 4 من سفر يشوع: "إلى هذا اليوم هناك"، وأمثالها وقعت في أكثر أسفار العهد العتيق والأغلب أنها إلحاقية، فحكموا بإلحاق هذه الجملة، وإلحاق كل جملة تكون مثلها في العهد العتيق (7).
أما عن التحريف بالنقصان فقد أثبت العلامة رحمة الله الهندي - وقوعه في العهد القديم وأورد على ذلك خمسة عشر شاهدًا منها:
1 -
جاء في سفر الخروج (2/ 22) ما نصه: "فولدت ابنا فدعا اسمه جرشوم لأنه قال: كنت نزيلًا في أرض غريبة" ولكن هذا النص في الترجمة اليونانية واللاتينية وبعض التراجم القديمة في آخر الآية المذكورة هذه العبارة: "وولدت أيضًا غلامًا ثانيا ودعا اسمه العازر فقال: من أجل أن إله أبي أعانني وخلصني من سيف فرعون" فقال الفسرون: لا توجد هذه العبارة في نسخة من النسخ العبرانية (8).
(1) تكوين: (29/ 2 - 8) يعقوب يصل إلى فدان آرام.
(2)
إظهار الحق: (2/ 210).
(3)
المرجع السابق: (2/ 210).
(4)
انظر: المرجع السابق نفس الجزء ونفس الصفحة ولمزيد من التفصيل يراجع: إظهار الحق: (2/ 210 - 220).
(5)
انظر: المرجع السابق (2/ 225).
(6)
إظهار الحق: (2/ 229).
(7)
المرجع السابق: نفس الجزء والصفحة.
(8)
المرجع السابق: (2/ 247).
2 -
جاء في سفر العدد (10/ 6) ما نصه: "وإذا ضربتم هتافًا ثانية ترتحل المحلات النازلة إلى الجنوب. هتافا يضربون لرحلاتهم" وتوجد في آخر هذه الآية في الترجمة اليونانية هكذا "وإذا نفخوا مرة ثالثة يرفع الخيام الغريبة للارتحال وإذا نفخوا مرة رابعة يرفع الخيام الشمالية للارتحال" فالمتن العبراني هاهنا ناقص باعتراف المفسرين (1).
3 -
جاء في سفر التكوين (7/ 17) في النسخة العبرانية ما نصهُ: "وكان الطوفان أربعين يومًا على الأرض" وهذه الجملة في كثير من النسخ اللاتينية وفي الترجمة اليونانية هكذا: "وكان الطوفان أربعين يومًا وليلة على الأرض" وعلى ذلك فالنص في العبرانية ناقص (2).
هذا بالنسبة للعلماء القدامى كابن تيميه وابن القيم والمحدثين كالعلامة رحمة الله الهندي أما بالنسبة للعلماء المعاصرين وكيفية تناولهم لاثبات التحريف في العهد القديم فبقراءة متأنية لما وقع تحت يدي من مؤلفات نقدية معاصرة يتضح لي من خلال الاستقراء والتتبع لتلك الجهود النقدية أن دراسة هؤلاء العلماء الأفاضل قامت على النقد العلمى في إثبات الحقائق وإقامة الحجة على من يدعى سلامة الكتاب المقدس من التحريف وإن كانت لم ترتق إلى مستوى دراسات القدامى من العلماء إلا أنها محاولات جادة وجهود قيمة في هذا الميدان من هؤلاء على سبيل المثال ل/ أحمد عبد الوهاب، د/ أحمد حجازي السقا ود/ محمد دياب
…
وغيرهم.
أما م/ أحمد عبد الوهاب، في كتابه:"اختلافات في تراجم الكتاب المقدس". قد سار على نهج العلامة رحمة الله الهندي في مقابلته بين النسخ والتراجم المتعددة للكتاب القدس والتي أثبت من خلالها وجود الاختلاف الواضح بين النسخ وأكد أن هناك شواهد وفيرة على أن الكتبة غيروا بقصد أو بدون قصد في الوثائق والأسفار التي كان عملهم الرئيسى هو كتابتها أو نقلها وأرجع ذلك إلى الأسباب التالية:
1 -
الخطأ في القراءة أو في سماع بعض الكلمات أو في هجائها.
2 -
الخطأ في التفريق بين ما يجب فصله من الكلمات وما يجب أن يكون تركيبًا واحدًا.
3 -
النسيان أثناء النسخ "الكتابة" فقد كانوا ينسخون الكلمة أو السطر مرتين وأحيانًا ينسون كتابة كلمات بل فقرات بأكملها.
4 -
التغيير فى النص عن عمد فتغييرهم في النص الأصلي عن قصد قد مارسوه مع فقرات بأكملها حين كانوا يتصورون أبها مكتوبة خطأ في صورتها التي بين أيديهم.
5 -
الحذف أو الزيادة كما كانوا يحذفون بعض الكلمات أو الفقرات أو يزيدون على النص الأصلي فيضيفون فقرات توضيحية.
(1) انظر: إظهار الحق (2/ 247).
(2)
انظر: المرجع السابق (2/ 246).
6 -
طول فترة الكتابة فقد طالت الفترة التي كتبت فيها النصوص الحالية ونقلتها أجيال متعددة من الكتبة والنساخ من القرن 11 ق. م إلى القرون الأولى ق. م وأخذت صورتها النهائية في القرن الأول الميلادي.
7 -
أخطاء النساخ الذين نقلوا من ترجمة إلى ترجمة أخرى (1). ثم ذكر ل/ أحمد عبد الوهاب أمثلة على هذه الاختلافات التي وجدت في تراجم الكتاب المقدس منها:
ما حدث في أول الوصايا العشر في التراجم المتعددة. تقول ترجمة الكتاب المقدس للبروتستانت: "تكلم الله بجميع هذه الكلمات قائلًا: "أنا الرب إلهك الذي أخرجك من أرض مصر من بيت العبودية لا يكن لك آلهة أخرى أمامي (2) وبهذا تقول التراجم الإِنجليزية والفرنسية ولا يكن لك آلهة أخرى أمامي" لكن ترجمة الكتاب المقدس للكاثوليك وترجمة التوراة للكاثوليك تقول: "ولا يكن لك آلهة أخرى تجاهى" فإذا كان هناك داع لتعديل الترجمة التي تقول: "لا يكن لك آلهة أخرى أمامى" فلتكن: "لا يكن لك آلهة أخرى إلا أنا" وهذا يتفق مع الصيغة الفرنسية الأخيرة (3).
وبالنسبة لمحاولة د/ أحمد حجازي السقا - النقدية التي تضمنها كتابه نقد التوراة فإنه في هذا الكتاب سار على طريقة العلامة رحمة الله الهندي في الاستدلال على وقوع التحريف في التوراة فبين كيف تتم عملية التحريف خصوصًا فيما يتصل بالنص الذي يشير إلى ظهور نبي من وسط إخوتهم وأنه يكون مثل موسى عليه السلام وقام بالرد على زعمهم الفاسد في تأويلهم لهذا النص بأن المقصود بهذا النبي هو المسيح الذي ينتظرونه وأنه لم يكن عيسى عليه السلام ولا نبينا صلى الله عليه وسلم، وبين بالأدلة العقلية والنقلية أن المقصود بهذا النبى الذي يكون مثل موسى هو رسولنا صلي الله عليه وسلم ثم بين أنواع التحريف التى وقعت في العهد القديم وحسم الخلاف الذي دار بين العلماء في نوعية هذا التحريف (4).
ود/ محمد أحمد دياب، في كتابه "أضواء على اليهودية" ناقش قضية التحريف في إشارات سريعة وانتهى إلى حقيقة هامة وهي: أن التحريف اللفظى والمعنوي كلاهما واقع في التوراة، وأنها كتب غير متواترة، فالتوراة التى كتبها موسى عليه السلام وأخذ العهد والميثاق على بئ إسرائيل بحفظها (5).
تقول: فعندما كمل موسى كتابة كلمات هذه التوراة في كتاب إلى تمامها أمر موسى اللاويين حاملى تابوت عهد الرب قائلًا: خذوا كتاب التوراة هذا وضعوه بجانب تابوت عهد الرب إلهكم ليكون هناك شاهدًا عليكم: لأنى عارف تمردكم ورقابكم الصُّلبة، هو ذا وأنا بعد حي معكم اليوم، قد صرتم تقاومون الرب فكم بالحري بعد موتي، اجمعوا إلىّ كل شيوح أسباطكم وعرفاءكم لأنطق في مسامعهم هذه الكلمات وأشهد عليكم السماء والأرض، ولأنى عارف أنكم بعد موتي تفسدون وتزيغون عن الطريق الذي أوصيكم به، ويصيبكم الشر في آخر الأيام، لأنكم تعملون الشر أمام الرب حتى تغيظوه بأعمال أيديكم (6).
(1) انظر: اختلافات في تراجم الكتاب المقدس ل/ أحمد عبد الوهاب ص 19 - 21.
(2)
خروج: 20/ 1 - 2 الوصايا العشر.
(3)
المرجع السابق: ص 34، 35.
(4)
يظر: نقد التوراة د/ السقا ص 143 - 183.
(5)
انظر: أضواء على اليهودية د/ محمد أحمد دياب ص 132.
(6)
تثنية: (31/ 24 - 29) التنبؤ بتمرد شعب إسرائيل.