الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثالثًا: نقد عقيدة التثليث بأدلة من الكتاب المقدس:
أولًا: أدلة من العهد القديم:
فقد أورد د / السقا في كتابه أقانيم النصارى ما يبطل عقيدة التثليث بأدلة من العهد القديم تثبت وتصرح بأن الله واحد لا شريك له في ملكه وأنه هو وحده خالق السموات والأرض وأنه هو وحده يحيى ويميت وهو على كل شيء قدير
…
(1).
وقد ذكر هذه الأدلة ولم يناقشها لوضوح الدلالة فيها على نفي التثليث من هذه الأدلة:
1 -
"اسمع يا إسرائيل الرب إلهنا رب واحد فتحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل قوتك ولتكن هذه الكلمات التي أنا أوصيك بها اليوم على قلبك وقصها على أولادك (2)
…
إلخ هذه الوصية.
2 -
"احمدوا الرب لأنه صالح لأنّ إلى الأبد رحمته احمدوا إله الآلهة لأنّ إلى الأبد رحمته احمدوا رب الأرباب لأنّ إلى الأبد رحمته الصانع العجائب العظام وحده لأنّ إلى الأبد رحمته (3).
ثانيًا: أدلة من العهد الجديد:
أما أدلة العهد الجديد استدل بها العلامة رحمة الله الهندي والألوسى ود/ السقا، وغيرهم وناقشوها مناقشة علمية منها ما يلي:
1 -
جاء في إنجيل يوحنا: "وهذه الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقى وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته" يوحنا (17/ 3).
وقد نقد العلامة رحمة الله الهندي بهذا النص إدعاء النصارى في قولهم بالتثليث ورد عليهم من خلال رؤيته التفسيرية لهذا النص فقال: بين عيسى عليه السلام أن الحياة الأبدية عبارة أن يعرف الناس أن الله واحد حقيقى وأن عيسي عليه السلام رسوله، وما قال أن الحياة الأبدية أن يعرفوا أن ذاتك ثلاثة أقانيم ممتازة بامتياز حقيقى وأن عيسى إنسان وإله أو أن عيسى إله مجسم ولما كان هذا القول في خطاب الله في الدعاء حينما رفع رأسه إلى السماء وقال:
(1) انظر: أقانيم النصارى، ص 77.
(2)
تثنية: (6/ 4 - 9) أحب الرب إلهك.
(3)
مزمور: (136/ 1 - 6) بدون.
"قد حضرت الساعة وآمنوا أنك أرسلتني" فلا احتمال هنا للخوف من اليهود ولا سيما وقد قال قد حضرت الساعة، فلو كان اعتقاد التثليث مدار النجاة لبيئه ولما قال:"الإله الحق وحدك" ولما فرق بين المرسل والمرسل وإذا ثبت أن الحياة الأبدية هى اعتقاد التوحيد الحقيقى لله وحده واعتقاد الرسالة للمسيح، فضدهما يكون موتًا أبديًا وضلالًا سرمديًا بالبداهة؛ لأنّ التوحيد الحقيقي ضد التثليث الحقيقى وكون المسيح رسولًا ضد لكونه إلهًا لأنّ التغاير بين المرسل والمرسل إليه ضروري، وتبعه في رأيه العلامة الألوسي ود/ السقا، وكل منهما أيده فيما ذهب إليه (1).
2 -
ما جاء في إنجيل مرقس: "فجاء إليه واحد من الكتبة الذين كان سمعهم يتساءلون ونظر إجابته لهم حسنة، فسأله أي وصية أول الكل؟ فأجابه يسوع: إن أول كل الوصايا اسمع يا إسرائيل الرب إلهنا إله واحد هو. وتحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل نيتك ومن كل قوتك هذه أولى الوصايا والثانية هى مثلها أن تحب قريبك كنفسك ليس وصية أخرى أعظم من هاتين، فقال له الكاتب جيدًا يا معلم، قلت بالحق أن الله واحد وليس آخر غيره"(مرقس 12/ 28 - 34).
يقول العلامة الألوسي ردًا علي المثلثة بعد أن ساق هذا الدليل الدامغ على وحدانية الله عز وجل وبإقرار المسيح عليه السلام يقول: (فعلم أن أولى الوصايا أن يعتقد الإنسان ان إلهه واحد حقيقى، لا ثلاثة ممتازة بامتياز حقيقى)(2).
وبالنظر في الرؤية التحليلية للعلامة رحمة الله الهندي لهذا النص الذي يبطل دعوى التثليث بدلالاته الواضحة على الوحدانية بلا أدني شك يتبين:
1 -
عمق الفهم الذي يتمتع به العلامة الهندي ودرايته الواسعة وعلمه الغزير بالكتاب المقدس وقضاياه المختلفة.
2 -
ربطه بين النصوص ربطًا جيدًا يؤكد ما يتميز به عن باقى النقاد من سهولة الاستشهاد على القضايا التى يعالجها في كتابه كأنه يحفظ النمو جيدًا بأماكنها في الكتاب المقدس.
3 -
الموضوعية الفائقة في جميع ما يتعلق بالموضوع الواحد من نصوص تؤكد رؤيته إذا كان يريد إثبات شىء ما أو نفيه.
(1) إظهار الحق: 2/ 343، الجواب الفسيح: 1/ 196، وأقانيم النصارى: ص 77 - 78.
(2)
الجواب الفسيح: 1/ 197.
فيقول العلامة الهندي بعد أن استدل بالنص السابق من مرقس: (12/ 28 - 34) وفي الإصحاح الثاني والعشرين من إنجيل متى في قوله: بعد بيان الحكمين المذكورين هكذا: "بهاتين الوصيتين يتعلق الناموس والأنبياء" فعلم أن أول الوصايا الذي هو مصرح به في التوراة وفي جميع أسفار الأنبياء وهو الحق وهو سبب قرب الملكوت، أن يعتقد الناس أن الله واحد ولا إله غيره ولو كان اعتقاد التثليث مدار النجاة لكان مبينًا في التوراة وجميع أسفار الأنبياء لأنه أول الوصايا ولقال عيسى عليه السلام: أول الوصايا: الرب واحد ذو أقانيم ثلاثة ممتازة بامتياز حقيقى، لكنه لم يبين في سفر من أسفار الأنبياء صراحة ولم يقل عيسى عليه السلام هكذا فلم يكن مدار النجاة، فثبت أن مدارها هو اعتقاد التوحيد الحقيقي لا اعتقاد التثليث، وهوسات التثليثيين باستنباطه من بعض آيات أسفار الأنبياء لا يتم على المخالف لأنّ هذا الاستنباط خفى جدًا مردود بمقابلة النص) (1).
وملخص ما ارتآه العلامة الهندي حول إبطال التثليث بهذا الدليل السابق ومن خلال تحليله له يتضح لدي الباحث ما يلي:
أ- عدم ورود التثليث في التوراة لا صراحة ولا ضمنًا.
ب- خلو أسفار الأنبياء أيضًا من هذه العقيدة التثليثية.
ج- لم يصرح به عيسى عليه السلام على فرض صحة الأناجيل ونسبتها إليه- لم يصرح بالتثليث أو بما يدلّ عليه من قريب أو بعيد.
د- ورود ما يدلّ صراحة على التوحيد الحقيقي في التوراة والإنجيل.
3 -
ما جاء في إنجيل مرقس: "وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بها أحد ولا الملائكة الذين في السماء ولا الابن إلا الآب" مرقس (13/ 32).
وقد حلل العلامة الهندي هذا النص ووافقه في رؤيته التحليلية العلامة الألوسي ود/ السقا كذلك فيقول: (هذا القول ينادي على بطلان التثليث لأنّ المسيح عليه السلام خصص علم القيامة بالله ونفى عن نفسه كما نفي عن عباد الله الآخرين وسوى بينه وبينهم في هذا، ولا يمكن هذا في صورة كونه إلهًا سيما إذا لاحظنا أن الكلمة وأقنوم الابن عبارتان عن علم الله وفرضنا اتحادهما بالمسيح وأخذنا هذا الاتحاد على مذهب القائلين بالحلول أو على مذهب اليعقوبية القائلين بالانقلاب فإنه يقتضى أن يكون الأمر بالعكس ولا أقل من أن يعلم الابن كما يعلم الآب ولما لم يكن العلم من صفات الجسد فلا يجرى عليه في عذرهم المشهور أنه نفى عن نفسه باعتبار جسميته فظهر أنه ليس إلهًا لا باعتبار الجسمية ولا باعتبار غيرها)(2).
(1) إظهار الحق: 2/ 344.
(2)
المرجع السابق: 2/ 345، انظر: الجواب الفسيح: 1/ 197، 198.
وحول هذا النص الذي يثبت بشرية المسيح عليه السلام ويبطل ما زعمه النصارى عن التثليث يقول الشيخ عبد الله الترجمان بعد أن استدل بالنص السابق (مرقس 13/ 32) هذا إقرار من عيسى عليه السلام بأنّه ناقص علم حتى عن الملائكة وأن الله تعالى هو المنفرد بعلم الساعة وقيامتها، وأن عيسى عليه السلام لا يعلم إلا ما علمه الله تعالى (1).
وغير ذلك من الأدلة التي ذكروها وتدل دلالة واضحة على التوحيد الحقيقى ونفي التثليث وأنه ممتنع ومستحيل في ذات الله سبحانه وتعالى (2).
والإمام ابن تيميه في محاوراته العقلية التي يبطل بها دعوى التثليث يرد على النصارى فيقول: إنهم يجمعون بين النقيضين عندما يقولون نحن نلعن من قال إنه الأب والأب هو الخالق ونلعن من قال هو الأب الخالق ومن قال ليس هو الخالق فيقول لهم إنكم بذلك تجمعون بين النقيضين: فتلعنون من جرد التوحيد بلا شرك ولا تثليث ومن أثبت التثليث مع انفصال كل واحد عن الآخر؛ وتجمعون بذلك بين متناقضين أحدهما حق والآخر باطل وكل قول يتضمن جمع النقيضين (إثبات الشيء ونفيه) أو رفع النقيضين (الإثبات والنفي) فهو باطل (3).
ومن مظاهر تناقضهم أيضًا: "زعمهم أن كلمة (الله) التي يفسرونها بعلمه أو حكمته وروح القدس التي يفسرونها بحياته وقدرته هي صفة له قديمة أزلية لم يزل ولا يزال موصوفًا بها ويقولون مع ذلك: إن الكلمة هى مولودة منه فيجعلون علمه القديم الأزلي متولدًا عنه، ولا يجعلون حياته القديمة الأزلية متولدة عنه، وقد أصابوا في أنهم لم يجعلوا حياته متولدة عنه لكن ظهر بذلك بعض مناقضاتهم وضلالهم بأنّه أنواع كثيرة فإنه إن كانت صفة الموصوف القديمة اللازمة لذاته يقال: إنها ابنه وولده ومتولد عنه، ونحو ذلك فتكون حياته أيضًا ابنه وولده ومتولدًا عنه وإن لم يكن كذلك فلا يكون علمه ابنه ولا ولده ولا متولدًا عنه
…
فعلم أن القوم في غاية التناقض في المعاني والألفاظ وأنهم مخالفون للكتب الإلهية كلها ولما فطر الله عليه عباده من المعقولات التي يسمونها نواميس عقلية ومخالفون لجميع لغات الآدميين وهذا مما يظهر به فساد تمثيلهم" (4).
(1) تحفة الأريب في الرد على أهل الصليب: أ/ عبد الله الترجمان الأندلسي، ص 84.
(2)
لمزيد من التفصيل انظر: إظهار الحق: 2/ 345 - 350، الجواب الفسيح: 1/ 198 - 200 وانظر: تحفة الأريب في الرد على أهل الصليب: ص 84 - 88، وأقانيم النصارى ص 78 - 81.
(3)
الجواب الصحيح: 3/ 177، 178، بتصرف 3/ 188 - 189 باختصار.
(4)
المرجع السابق: 3/ 162 - 193 بتصرف.