الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الخامس تصور العهد القديم عن اليوم الآخر
تمهيد:
عقيدة الإيمان باليوم الآخر من العقائد الثابتة التي جاء بها الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، فقد دعا إليها موسى عليه السلام فقال تعالى:{وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى (13) إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14) إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى} (1).
وقف علماء المسلمين وقفة نقدية مع العهد القديم حول هذه القضية وبينوا فيها عدم ذكر الجزاء الأخروي فيه وأن الوارد فيه الجزاء الدنيوي فقط وبالتالى كان الاهتمام بالدنيا يحتل المقام الأول في التصور اليهودي ولذلك يقول الله عز وجل: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ} (2) أي حياة كانت بصرف النظر عن نوعية هذه الحياة وشرعيتها ولذلك يجتهد اليهودي في إفناء حياته في المتع والشهوات ولو على حساب الآخرين فإذا جاء الموت فلا حياة بعد ذلك كما يدَّعون.
ويمكن حصر جهود علماء المسلمين حول نقد عقيدة اليوم الآخر في العهد القديم تحت العناصر التالية:
(1)
غلبه ذكر الجزاء الدنيوي على الأخروي فى نصوص العهد القديم.
(2)
خلو العهد القديم من ذكر اليوم اللآخر باستثناء بعض الآيات.
(3)
الأسباب وراء خلو العهد القديم من ذكر اليوم الآخر.
(4)
بدايه ظهور عقيدة البعت واليوم الآخر وتطورها.
(1) تغليب ذكر الجزاء الدنيوي على الأخروي فى العهد القديم:
عند التأمل في هذا العنصر واستزجاع المراحل التاريخية التى مر بها بنو إسرائيل يلاحظ تغليب الناحية المادية على الجانب الروحي عندهم ولذلك يري د/ أحمد غلوش:
أن هذه الفكرة المادية - غلبة الجزاء الدنيوي على الأخروي - هى التى أوحت للفكر اليهودي أن يأتى اليهود إلى فلسطين على أساس أنها جنة اليهودي ومتعته، وبقى اليهود على هذا الاتجاه حتى صار جزءًا من معتقدهم العام يعيشون له وبه والسعيد فيهم من تمكن من العيش في فلسطين وكل من لم يتمكن من ذلك يعيش متعلقًا بها مشتاقًا إليها وفي عزمه أن يأتى إليها يومًا من الأيام (3).
(1) سورة طه الآيات: (13 - 15).
(2)
سورة البقرة الآية: (96).
(3)
انظر: دراسات في الأديان د/ أحمد غلوش ص 116 بتصرف يسير.
وبتحليل هذه الرؤية النقدية يتبين للباحث أن د/ غلوش قد غاص داخل النفسية اليهودية وحلل ميولها من خلال قرائته للواقع اليهودي المعاصر قراءة متأنية وبناءً على ذلك أسس رأيه السابق في هذا الموضوع.
ويري د/ صفوت مبارك:
أنه لا يوجد في التوراة التي بين أيدينا اليوم ذكر لليوم الآخر وما فيه بل إن الذي يقرأها يتبين له أن الجزاء فيها دنيوي بحت فمن آمن وعمل صالحًا فإنه يثاب على ذلك وثوابه إنما يكون في هذه الحياة الدنيا؛ ومن كفر وعصى فإنه يعاقب على ذلك وعقابه إنما يكون في هذه الحياة الدنيا، أما الآخرة فلا توجد إشارة إليها من قريب أو بعيد، أما فيما يتعلق بالثواب على الإيمان والعمل الصالح فهو أيضًا دنيوي (1).
وذكر د/ صفوت أدلة كثيرة تدل على ذلك منها ما يلي: "وإن سمعت سمعًا لصوت الرب إلهك لتحرص أن تعمل بجميع وصاياه التي أنا أوصيك بها اليوم يجعلك الرب إلهك مستعليًا على جميع قبائل الأرض
…
مباركًا تكون في المدينة ومباركًا تكون فى الحقل .. ومباركًا تكون فى دخولك ومباركًا تكون في خروجك" (2).
وما جاء في سفر اللاويين "إذ سلكتم في فرائضي وحفظتم وصاياي وعملتم بها أعطى مطركم في حينه وتعطى الأرض كلتها وتعطى أشجار الحقل أثمارها .. فتأكلون خبزكم للشبع وتكونون في أرضكم آمنين
…
وأسير بينكم وأكون لكم إلها وأنتم تكونون لي شعبا" (3).
وأما فيما يتعلق بالعقوبة التي يعاقب الرب بها العصاة الذين يخالفون أوامره ووصاياه، فيلاحظ أنها كلها كوارث ومصائب ونوازل دنيوية وليس من بينها أي عقاب أخروي (4) ذكر أدلة كثيرة تدل على ذلك منها:
(1)
"ولكن إن لم تسمع لصوت الرب إلهك
…
تأتي عليلث جميع هذه اللعنات وتدركك ملعونًا تكون في المدينة وملعونًا تكون في الحقل ملعونة تكون سلتك ومعجنك ملعونة تكون ثمرة بطنك وثمرة أرضك
…
ملعونًا تكون في دخولك وملعونًا تكون في خروجك" (5).
(2)
"لكن إن لم تسمعوا لي ولم تعملوا كل هذه الوصايا
…
فإني أسلط عليكم رعبًا وسلاً وحمىً تفني العينين وتتلف النفس وتزرعون باطلاً زرعكم فيأكله أعداؤكم
…
أطلق عليكم وحوش البرية
…
وأصير مدنكم خبر به" (6).
(1) انظر: مدخل لدراسة الأديان ص 138، 139 بتصرف يسير.
(2)
تثنية: (28/ 1 - 17) بركات الطاعة.
(3)
الإصحاح: (26/ 3 - 12) مكافأة الطاعة.
(4)
مدخل لدراسة الأديان ص 138، 139.
(5)
تثنية: (28/ 15 - 19) لعنات العصيان.
(6)
لاويين: (26/ 14 - 31) عقوبة العصيان.