الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نقد سند الأسفار الخمسة:
أَتبع علماء المسلمين- فترة البحث في نقدهم لسند العهد القديم المنهج العلمى القائم على:
وضع السند موضع الشك وعدم التسليم بصحته إلى أن يتبين خلاف ذلك من خلال البحث والدراسة، والتحقق من صحة السند ونسبته إلى قائلة، وهل تصح نسبة هذه الأسفار إلى سيدنا موسى عليه السلام أم أنه يوجد انقطاع في سندها، واللجوء إلى هذا المنهج نتيجة طبيعية لذلك الاضطراب الحاصل في تحديد من هو مصنف هذه الأسفار وكذا الاضطراب الحاصل في تحديد زمن التصنيف وفي الصفحات التالية أبين الرؤى النقدية لعلماء المسلمين حول سند الأسفار الخمسة وغيرها من خلال الجهود المتميزة التى قام بها العلامة. رحمة الله الهندي (1) ود / على عبد الواحد وافي (2)، ود / بدران محمد بدران، كما يلي:
فيقول العلامة رحمة الله الهندي إن التوراة المنسوبة إلى سيدنا موسى عليه السلام ليست هى التوراة الحقيقية المنزلة من عند الله سبحانه وتعالى وأورد الأدلة التى تؤكد ما يقول فذكر عشرة أمور تثبت عدم صحة هذه النسبة وأكتفي هنا بذكر أوضح الأدلة التى استند عليها في ذلك وهي:
1 -
تشهد عبارات التوراة أن كاتبها غير موسى وهذا الذي هو غير موسى جمع هذا الكتاب من الروايات والقصص المشتهرة بين اليهود، ثم ميز بين هذه الأقوال فما كان في زعمه قول الله أو قول موسى أدرجه تحت قال الله أو قال موسى، وعبر عن موسى في جميع المواضع بصيغة الغائب، ولو كانت التوراة من تصنيفات موسى عليه السلام لكان عبر عن نفسه بصيغة المتكلم ولا أقل من أن يعبر في موضع من المواضع؛ لأن التعبير بصيغة المتكلم يقتضى زيادة الاعتبار، والذى يشهد له الظاهر مقبول ما لم يقم على خلافه دليل قوى ومن ادعى خلاف الظاهر فعليه البيان (3) ".
2 -
لا أحد يقدر أن يدعى نسبة بعض الآيات وبعض الإصحاحات إلى موسى عليه السلام؛ بل إن بعض الآيات تدل على أن مؤلف هذا الكتاب لا يمكن أن يكون قبل داود عليه السلام بل يكون إما معاصرًا له أو بعده .. وعلماء المسيحية يقولون بالظن ورجما بالغيب أنها من ملحقات نبي من الأنبياء وهذا القول مردود؛ لأنه
(1) هو العلامة رحمة الله بن خليل الرحمن الهندي الحنفى نزيل الحرمين، باحث عالم بالدين والمناظرة جاور بمكة وتوفي بها له كتب كثيرة منها: إظهار الحق مطبوع، التنبيهات في إثبات الاحتجاج إلى البعثة والحشر والميقات، ولد سنة 1233 في جمادى الأولي الموافق 1818م من شهر مارس بحى "دربار كان" في مدينة "كيرانة" التابعة لمحافظة مظفر ناجار" في الهند (انظر: الأعلام- للزركلي - 3/ 18 طبعة دار العلم للملايين، مقدمة مناظرة الهند الكبرى في علم مقارنة الأديان تقدم د / أحمد حجازي السقا ط- مكتبة الإيمان بالمنصورة.
(2)
هو: من علماء الأزهر الأفاضل الذين أثروا المكتبة الإسلامية بمؤلفاتهم القيمة منها: الأسفار المقدسة، واليهودية واليهود، حقوق الإنسان في الإسلام وغير ذلك من المؤلفات في الأدب واللغة والسياسة والاقتصاد والاجتماع وله مؤلفات باللغات الأجنبية منها نظرية اجتماعية في الرق والفرق بين رق الرجل ورق المرأة، وتقلد مناصب عديدة منها: عميد كلية التربية بجامعة الأزهر، ووكيل آداب القاهرة سابقًا، وعضو المجمع الدولي لعلم الاجتماع (انظر: الأسفار المقدسة ص 1، ص 205 - 212.
(3)
إظهار الحق 1/ 86 وانظر: نقد التوراة د / أحمد حجازي السقا ص 67، 77.
مجرد ادعاء منهم بلا برهان؛ لأنه ما كتب نبي في كتابه أني ألحقت الآية الفلانية في الإصحاح الفلاني من السفر الفلاني ولا كتب أن غيري من الأنبياء ألحقها، ولم يثبت ذلك الأمر بدليل آخر قطعى أيضًا
…
ومجرد الظن لا يغنى فما لم يقم دليل قوى على الإلحاق تيهون هذه الآيات والإصحاحات أدلة كاملة على أن كتاب موسى عليه السلام هذا ليس من تصنيفاته (1).
وقد تناول د/ على عبد الواحد وافي، سند الأسفار الخمسة بالنقد العلمى الموضوعى مبينا تاريخ تأليفها فقال:(أهم أسفار العهد القدبم هى أسفار القسم التي ينسبها اليهود إلى موسى عليه السلام ويعتقدون أنها بوحى من الله وأنها تتضمن التوراة: ولكن ظهر للمحدتين من الباحثين من خلال ملاحظة اللغات والأساليب التى كتبت بها هذه الأسفار وما تشتمل عليه من موضوعات وأحكام وتشريع، والبيئات الاجتماعية والسياسية التى ينعكس فيها- ظهر لهم من ملاحظة هذا كله- أنها قد ألفت في عصور لاحقة لعصر موسى عليه السلام بأمد غير قصير وعصر موسى عليه السلام يقع على الأرجح حوالى القرن الرابع عشر أو الثالث عشر قبل الميلاد)(2).
وفي إطلالة نقدية سريعة يذكر د/ بدران محمد بدران في كتابه ما يقوله أهل الكتاب عن كاتب التوراة الأمر الذي أوقعهم في شرك ونقدهم من واقع كلامهم لا من خارجه فيقول: "يقول أهل الكتاب إن كاتب التوراة هو موسى عليه السلام حسب النص الذي يقول: "كتب موسى هذه التوراة وسلمها للكهنة بنى لآوى .. حاملى تابوت عهد الرب
…
ولجميع شيوخ إسرائيل" (3).
وفي تحليله للصيغ اللغوية الواردة في هذا النص يبرهن د / بدران على أن سيدنا موسى عليه السلام لم يكتب هذه التوراة لأن ما ورد فيها من صيغ لغوية مثل "كتب موسى وصعد موسى وأوصى موسى" وغير ذلك من الصيغ التي تشعر بأن شخصا آخر غيره هو القائل- تثبت خطأ ما يدعون من نسبة نصوصها إلى سيدنا موسى عليه السلام.
(1) انظر: إظهار الحق 1/ 86 بتصرف بالحذف، ولمزيد من التفصيل في هذة الأدلة فقد ساق العلامة رحمة الله الهندي مجموعة كبيرة من الآيات وبين أنها إلحاقية وليست من كلام موسى عليه السلام منها ما يلي: تكوين 36/ 30، تثنية 3/ 4، عدد 32/ 40، تكوين 22/ 14، تثنية 2/ 12، 3/ 11، عدد 21/ 3، خروج 16/ 35، عدد 21/ 14، يشوع 4/ 9، 10/ 13، 34، قضاة 1/ 10 - 15،، صموئيل الأول 6/ 19، انظر: إظهار الحق 1/ 223 - 232).
(2)
الأسفار المقدسة في الأديان السابقة للإسلام أ. د/ علي عبد الواحد وافي ص 4.
(3)
تثنية: (31/ 9) - قراءة التوراة.
ومن يدقق في هذا النص جيدًا يدرك للوهلة الأولى أن موسى عليه السلام لم يكتب مثل هذا الكلام لأنه لو كتبه ما قال: "وكتب موسى
…
" هذا شيء.
والشيء الثانى: أن هذا النص موجود في (تثنية 31) ويتكون هذا السفر من أربعة وثلاثين إصحاحًا .. فمن كتب بقية الإصحاح الحادي والثلاثين وبقية الإصحاحات المكونة لهذا السفر؟.
الشىء الثالث: أن النصوص التالية للنص السابق تقول: "أمرهم موسى (1)
…
" كما يقولون إن الله خاطب موسى بعد النص السابق عدة مرات "وقال الرب لموسى (2) " وغيرها. وهذا يثبت أن موسى عليه السلام لم يكتب هذه الآية وما بعدها وهنا يرد الشك، والشك في آية واحدة فقط كفيلة بأن تهدم الكتاب كله (3)، ويقول د/ علي عبد الواحد وافي: عن الأسفار الخمسة:
(إن معظم سفري التكوين والخروج قد ألف حوالي القرن التاسع قبل الميلاد، وأن سفر التثنية قد ألف في أواخر القرن السابع قبل الميلاد وأن سفري العدد واللاويين قد ألفا في القرنين الرابع والخامس قبل الميلاد أى بعد النفي البابلى (وهو إجلاء بنى إسرائيل إلى بابل سنة 587 قبل الميلاد) وأنها جميعًا مكتوبة بأقلام اليهود، وتتمثل فيها عقائد وشرائع مختلفة تعكس الأفكار والنظم المتعددة التى كانت سائدة لديهم في مختلف أدوار تاريخهم الطويل) (4).
هذا .. وقد قام علماء المسلمين بالتحقق من نسبة الأسفار الخمسة إلى كاتبيها، بأدلة من العهد القديم، ويمكن تناول جهودهم في نقد نسبتها إلى سيدنا موسى عليه السلام كما يلي:
1 -
أدلة من سفر التكوين.
2 -
أدلة من سفر الخروج.
3 -
أدلة من سفر العدد.
4 -
أدلة من سفر التثنية.
5 -
أدلة من سفر اللاويين.
بين علماء المسلمين من خلال نصوص العهد القديم أن الأسفار الخمسة مشكوك في نسبتها إلى موسى عليه السلام وبالتالى يضعف من قيمتها الدينية. الأمر الذي يؤدى إلى رفع القداسة عنها باعتبار أنها ليست وحيًا من عند الله سبحانه وتعالى. وقد وقف العلماء أمام كل سفر من هذه الأسفار وغيرها وقفة نقدية على أسس علمية قوية مبينين مواطن التحريف فيها عن طريق تحليل الألفاظ الدخيلة عليها أو المنقوصة منها أو المبدلة فيها.
(1) تثنية: (31/ 10) - قراءة التوراة.
(2)
ثنية: (31/ 14، 16) التنبؤ بتمرد شعب إسرائيل، (32/ 48) - الرب ينبئ موسى بموته علي جبل نبو.
(3)
التوراة: "العقل. العلم. التاريخ" د/ بدران محمَّد بدران، ص 34.
(4)
الأسفار المقدسة: ص 4، مرجع سابق.
وسهل على العلماء كشف الزيف والباطل في كتبهم وتمكنوا من إثبات كذبهم وافتراءاتهم على الله عز وجل وعلى الأنبياء وغير ذلك من أمور. وفي الصفحات التالية أعرض كل سفر على حدة مبينًا المواطن إلى وقف أمامها العلماء وقفات نقدية تثبت عدم صحة نسبتها إلى موسى عليه السلام.
فيقول د / السقا: (إن التوراة المتداولة مع اليهود والنصارى ليست هى التى تركها موسى عليه السلام بل هى قد كتبت بعد عصر الملوك، بعد استيلاء بنى إسرائيل على أرض "كنعان (1) واتخاذهم أورشليم (2) عاصمة للمملكة" (3).
وقد ساق العلامة الهندي ستة وعشرين دليلا تؤكد أن هذه الأسفار الخمسة- ليست من تصنيف موسى عليه السلام ووافقه في معظم هذه الأدلة د/ السقا (4) وزاد عليها أدلة أخرى وربما يضيف بعدًا نقدجديدًا زيادة على ما ذكره العلامة الهندي في بعض الأدلة، إلا أنه يؤخذ عليه المحاكاة والتقليد لكثير من القضايا إلى طرقها العلامة الهندي، وأذكر هنا أبرز الأدلة إلى ذكرها كل من العلامة الهندي، د/ السقا.
(1) هى: الأرض إلى سكنتها ذرية كنعان، وقد استولي عليها العبرانيون فيما بعد وكانت حدودها الأصلية مدخل حماة إلى الشمال وبادية سوريا والعرب إلى الشرق وبادية العرب إلى الجنوب وساحل البحر المتوسط إلى الغرب وبعد أن افتتحها العبرانيون أطلق عليها اسم " أرض إسرائيل والأرض المقدسة وأرض الموعد وأما اسم فلسطين كان يطلق في الأصل على الساحل الذي يقطنه الفلسطينيون (قاموس الكتاب المقدس ص 789)
(2)
هى: عاصمة يهوذا وفلسطين السياسية لزمن طويل كما أنها مدينة مقدسة عند اليهود والمسيحيين والمسلمين، معناها أساس السلام وتسمي بيت المقدس، والقدس الشريف (قاموس الكتاب المقدس ص 129 - 135).
(3)
نقد التوراة: د / أحمد حجازي السقا، ص 61 ط مكتبة الكليات الأزهرية 1976م.
(4)
هو: أحمد حجازي أحمد السقا، ولد في قرية ميت طريف مركز دكرنس بالدقهلية في 23/ 9 /1940 م. حصل على الإبتدائية الازهرية سنه 1958 م، والإعدادية العامة سنه 1960 م والثانوية الأزهرية المعادلة سنه 1963 م من معهد المنصورة والماجستير والدكتوراه من أصول الدين بالقاهرة. (انظر: خاتمة كتاب نقد التوراة، د/السقا).