الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ب - افتراءات العهد القديم على سيدنا نوح عليه السلام
-:
1.
زعموا أنه سكر حتى تعرى والنص يقول: "وابتدأ نوح يكون فلاحًا وغرس كرمًا وشرب من الخمر فسكر وتعرى داخل خبائه (1).
2.
زعموا أن نوحًا عليه السلام يلعن كنعان بن حام لذنب لم يقترفه بل وقع فيه والده عن غير قصد فأبصر حام أبو كنعان عورة أبيه وأخبر إخوته خارجًا فأخذ سام ويافث الرداء ووضعاه على أكتافهما ومشيا إلى الوراء، وسترا عورة أبيهما ووجهاهما إلى الوراء، فلم يبصرا عورة أبيهما فلما استيقظ نوح من خمره علم ما فعل به ابنه الصغير، فقال ملعون كنعان. عبد العبيد يكون لإخوته وقال:"مبارك الرب إله سام وليكن كنعان عبدًا لهم، ليفتح الله ليافث فيسكن في مساكن سام، وليكن كنعان عبدًا لهم (2) "(3).
ج - جهود العلماء في الرد على هذا الافتراء:
ينتقد د/ بدران هذا الافتراء الذي افترته التوراة على سيدنا نوح عليه السلام فيقول متسائلًا: لماذا أسكرته التوراة؟ وما أهمية ذكر مثل هذه الواقعة في كتاب مقدس. وأجاب على ذلك بقوله قد يرجع السبب في هذا: إظهار الحقد الدفين في قلوبهم تجاه الفلسطينيين وهذا تشويه لصورة سيدنا نوح عليه السلام (4).
ويرد ل. م/ أحمد عبد الوهاب على هذا الزعم بقوله:
من الواضح أن هذه أول بذرة لما يعرف بـ "السامية" باعتبارها عرقًا جنسيًا يتعالى عن بقية البشر، ولو كانوا أخوة "أبناء أب واحد" وإذا كان علماء اليوم على إدراك تام بأن الحديث عن السامية لا يعني مدلولًا عرقيًا، وإنما يمكن أن يعطى مفهومًا لغويًا بمعنى أن الشعوب التي عاشت في منطقة الشرق الأوسط تكلمت لغات بينها أواصر قربى وتعرف بمجموعة اللغات السامية - نسبة إلى سام بن نوح - (5).
وثمة تساؤل يلح عن الظلم الفادح الذي أصاب كنعان بسبب تصرف نُسب إلى أبيه حام، إذ من الواضح أن كنعان برئ تمامًا من كل خطية تورثه اللعنة والعبودية أو حتى ما هو أقل منهما بمراحل كاللوم والتقريع. وإذا كان هناك من يدان فهو بلا شك شخص آخر غير كنعان وأبيه حام (6).
(1) تكوين: (9/ 20 - 21) أولاد نوح.
(2)
تكوين (9/ 22 - 27) السابق.
(3)
وينظر: جهود الإمامين ص 386، 411.
(4)
التوراة: د/ بدران ص 48.
(5)
النبوة والأنبياء ل. م/ أحمد عبد الوهاب ص 33، والمنجد في اللغة والأعلام، ص 346 - 347.
(6)
المرجع السابق ص 33، 34.
ويعلق د/ عبد الراضي محمد على هذه التهمة التي ألصقت بنوح عليه السلام ويأخذ عليها أنه كيف يؤخذ الابن بذنب أبيه فيقول: (والعجيب أن الذي أذنب بالنظر إلى عورة أبيه هو حام أبو كنعان، والذي عوقب باللعنة ابنه كنعان، وأخذ الابن بذنب الأب خلاف العدل وهذا وجه آخر من وجوه التطرف اليهودي)(1).
ويتعجب د/ الهاشمي أيضًا في نقده لهذه الفرية فيقول: (لم هذه اللعنة؟! إنها يجب أن تنصب أولًا على من يسكر ويتعرى وهو نوح عليه السلام -في زعمهم- لا على من يرى عورة السكران المتعري! والرائى هو حام الأب والملعون هو كنعان الولد الثالث لحام وهل تُستجاب دعوة السكران المتعري؟ وكيف يكون النبي كذلك؟)(2).
(ثم لو صحت اللعنة وقبلت فلم لم تقع على الرائي وهو حام -الأب- وتقع على ولده كنعان الذي لم ير العورة؟ إنه الخبث والدهاء في الوقيعة، بل الغباء في الاتهام، لأن كنعان أبو العرب وذريته الكنعانيون هم سكنة فلسطين الأصليون والشرعيون وأعداؤهم التقليديون في فلسطين طيلة تواجدهم فيها حتى زمن أوسع مملكة لهم فيها: "مملكة داود وسليمان عليهما السلام" لذا لا بد لليهود في توراتهم من استبعاد ذرية حام -الكنعانيين - ومن يحمل عليهم من المصريين والسودانيين والأحباش والعرب جميعهم ملعونون في توراتهم من غير أي سبب إلا ليكون العرب الكنعانيون أعداء تقليديين قدماء ومعاصرين لهم في فلسطين)(3).
وبناءً على ما سبق
فإن ما ادعاه العهد القديم في حق سيدنا نوح عليه السلام هو من الأباطيل والخرافات إذ كيف يتصور أن نبي الله يشرب الخمر حتى يسكر ويتعرى ثم بعد أن يفيق ويعلم ما حدث يفرق بين أولاده فيدعو على كنعان ويبارك سام ويافث، وقد تبين من خلال نقد العلماء أن الدافع وراء تفضيل سام ويافث هو كراهية الفلسطينيين والعرب عمومًا لأن كنعان أبو العرب وهذا تتم عندهم أفضلية النسل الأعجمى على النسل العربي وقد فند العلماء هذه الأكاذيب وبرؤا ساحة نبي الله نوحًا عليه السلام الذي أخبر الله عز وجل بأنه كان نبيًا يوحى إليه فقال تعالى:{إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ} (4) وكان رسولًا يدعو إلى التوحيد ويحذر من أهوال يوم القيامة فقال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} (5). وقال تعالى: {قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا} (6). وغير ذلك من الآيات إلى تبين مقام سيدنا نوح عليه السلام في القرآن الكريم (7)
(1) التطرف اليهودي د/ عبد الراضى ص 32.
(2)
فلسطين في الميزان د/ الهاشمي ص 112.
(3)
المرجع السابق ص 112.
(4)
سورة النساء الآية: (163).
(5)
سورة الأعراف الآيتان: (59)
(6)
سورة نوح الآية: (5).
(7)
انظر: النبوة والأنبياء: ص 34 - 36.