الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السلوك العدواني في سفر العدد:
فخلال الفترة التي أمضاها موسى التورايى في الصحراء يدرب جماعته تدريبًا يتناسب وأفكاره العدوانية العنصرية كان دومًا يشى إلى ضرورة الانعزال وإبادة الآخرين من الأمم الأخرى والتمسك. بمبادىء يهوه الناطقة باسمه، وقد نجح موسى في زرع النزعات العدوانية في نفوس جماعته واستدل د/ على خليل بما ورد في سفر العدد والذي يروى عن غزو مديان والمجزرة التي ارتكبها أتباع موسى في هذه المنطقة والتي يعتبرها كاتب السفر بطولات وواجب ديني وتنفيذًا لأوامر الإله يهوه (1): والشاهد من قصة غزو مديان ما يلي: "وكلم الرب موسى قائلًا انتقم نقمة لبني إسرائيل من المديانيين (2) ثم تضم إلى قومك: فكلم موسى الشعب قائلًا جردوا منكم رجالًا للجند فيكونوا على مديان ليجعلوا نقمة الرب على مديان"(3).
"فتجندوا على مديان كما أمر الرب وقتلوا كل ذكر وملوك مديان قتلوهم فوق قتلاهم وسبي بنو إسرائيل نساء مديان وأطفالهم ونهبوا جميع بهائمهم وجميع مواشيهم وكل أملاكهم وأحرقوا جميع مدنهم. بمساكنهم وجميع حصونهم بالنار، وأخذوا كل الغنيمة وكل النهب من الناس والبهائم
…
، فالآن اقتلوا كل ذكر من الأطفال وكل امرأة عرفت رجلًا بمضاجعة ذكر فاقتلوهما" (4).
والواضح من النص السابق:
ظهور النزعة العدوانية التي زرعها موسى التوراتي في نفوس أتباعه حسب زعم كاتب السفر وأنه لا وجود مطلقًا للرحمة والشفقة في قلوبهم على الأطفال والنساء، ولا مجال لوجود الروح الإنسانية فيهم إذ يرتكبون هذه المجزرة البشعة وليس ذلك فحسب بل الأسر والسرقة والحرق والتخريب مما يدل على القسوة والوحشية والعدوانية المفرطة ولذلك يقول د/ على خليل في التعليق على هذه المجازر:
لقد نسى موسى أو تناسي أنه كان نزيلًا لدي المديانيين وأن زوجته مديانيه وهي: "صفورة ابنة كاهن مديان يثرون" وأن المديانيين احتضنوه وعاش في كنفهم معززًا مكرمًا
…
وهذه المجزرة كانت تأكيدًا واضحًا على سياسة الانغلاق والعنصرية والغدر والعدوان، وطريقًا سار عليه أتباعه فيما بعد ولا يزال حتى الآن المنهاج الرتيسي للحياة اليهودية (5).
(1) التعاليم الدينية اليهودية، ص 9.
(2)
هم: نسل مديان القاطنون في أرض مديان، ومديان أحد أولاد إبراهيم من قطورة (تكوين 25/ 2، 4) وقال بعضهم إن أرض مديان كانت تمتد من خليج العقبة إلى موآب وطور سيناء، وكان شعبها يتاجرون مع فلسطين ولبنان ومصر، وسكن موسى مدة في مديان، والمنطقة إلى تقع شرقى خليج العقبة تسمى الآن "مديان"(قاموس الكتاب المقدس ص 850).
(3)
عدد: (31/ 1 - 3) الانتقام من المديانيين
(4)
عدد: (31/ 1 - 17) السابق، باختصار.
(5)
التعاليم الدينية اليهودية، ص 9.
إلى جانب ما سبق ذكره فقد تتبع د/ على خليل غالبية أسفار العهد القديم مشيرًا إلى ما تحمله تلك الأسفار من الروح العدوانية واستمرارها بعد وفاة موسى فقد تسلمها يشوع من بعده ونفذها كما يريد إله بني إسرائيل ثم حمل لواءها القضاة بعد ذلك وأصبحت الأعمال العدوانية العسكرية غاية بالنسبة إليهم (1).
ثم بين ما يأمر به صموئيل النبي من الحض على العدوان والسلوك العدواني الذي نفذه شاول وجماعته بتوجيهات من صموئيل النبي أو الكاهن الذي كان يؤكد دائمًا أن الإله "يهوه" يرغب في ذلك، ثم انتقل بعد ذلك إلى بيان السلوك العدواني لأنبياء وملوك بني إسرائيل وأنهم دومًا كانوا وراء كل الأعمال العدوانية والانغلاق والتعصب والحقد تجاه الشعوب والأمم الأخرى (2).
وأما عن السلوك العدواني في بقية أسفار العهد القديم يقول: وفي الأسفار التوراتية الباقية: هوشع، صموئيل، عاموس، يونان، عوبديا، ميخا، ناحوم وحبقوق، صفنيا وحجي وزكريا وملاخى .. في هذه الأسفار نجد أيضًا الروح العدوانية التي لا تتحدث إلا عن القتل والتدمير والاستئصال والقطع والتخريب والسبي وغضب رب الجنود يهوه وتوعده الدائم بالإبادة وتهديده المستمر لشعبه الخاص إن حاول أن يتخلى عن هذه الروح العدوانية، وكل نبي من هؤلاء يشير في سفره أن يهوه سيفني الشعوب والأمم من أجل بني إسرائيل سيدمر المدن ويقتل النساء والأطفال والشيوخ وأورشليم وحدها هي الباقية ويسكب الرب روحه على كل واحد من بني إسرائيل ويحاكم جميع الأمم والشعوب بعد أن يرد سبي يهوذا وإسرائيل (3).
وقد أشار د/ بدران، د/ الهاشمي، أ/ عبد الله التل، في نقدهم للسلوك العدواني في العهد القديم- إلى مظاهر هذا السلوك المتمثل في تلك المذابح البشعة التي رصدوها من أسفار العهد القديم، واضعين هذه المظاهر في الميزان النقدي الذي اتبعوه في نقدهم للنصوص التوراتية، مبينين أنها تتنافى مع الدين الذي أساسه الرحمة، والإنسانية وتتعارض مع العقل أذكر منها على سبيل المثال ما يلي:
(1) انظر: يشوع (10، 11، 23)، قضاة (1 - 8)، انظر: التعاليم الدينية اليهودية، ص 10، 11.
(2)
انظر: صموئيل الأول: (23، 27)، صموئيل الثاني:(8، 10)، انظر: التعاليم الدينية، ص 12.
(3)
انظر: التوراة د/ بدران، ص 89 - 91، التربية في التوراة د/ الهاشمي، ص 125، 126، جذور البلاء: أ/ عبد الله التل، ص 26 - 37.