الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
8 - الظهور:
وتأتي نهاية الأحداث التفصيلية لتوضح ظهور المسيح - في زعمهم - على هيئته وما هو العدد الذي ظهر لهم ورأوه وهذا تنتهي أحداث الصلب كما صورتها الأناجيل الأربعة، وما زال أ/علاء أبو بكر، في تميزه لعرض عقيدة الصلب ينفرد بسرد الأحداث جملة وتفصيلًا ونقدًا وتحليلاً رائعًا أثبت من خلاله بُطلان هذه العقيدة بناءً على ما تحتويه من مخالفات ومغالطات كثيرة وبناءً على الاختلافات التي لا تُحصى بين الروايات الإنجيلية.
والنص الذي يحمل معنى ظهور المسيح جاء في مرقس ما نصه:
"وبعد ما قام باكرًا في أول الأسبوع ظهر أولاً لمريم المجدلية التي كان قد أخرج منها سبعة شياطين، فذهبت هذه وأخبرت الذين كانوا معه وهم ينوحون ويبكون فلما سمع أولئك أنه حي وقد نظرته لم يصدقوا وبعد ذلك ظهر بهيئة أخرى لاثنين منهم وهما يمشيان منطلقين إلى البرية وذهب هذان وأخبرا الباقين فلم يصدقوا أولاً هذين، وأخيرًا ظهر لأحد عشر وهم متكئون ووبخ عدم إيمانهم وقساوة قلوبهم لأنهم لم يصدقوا الذين نظروه وقد قام. وقال لهم: إذهبوا إلى العالم أجمع وأكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها
…
ثم إن الرب بعد ما كلمهم ارتفع إلى السماء وجلس عن يمين الله" مرقس: (16/ 9 - 20).
والجدول التالي يوضح مدى ما وقع بين الأناجيل من اختلاف في مسألة ظهور المسيح:
مرقس - لوقا - متى - يوحنا
مرقس: الظهور الأول: لمريم المجدلية (16 - 9).
لوقا: لاثنين كانا منطلقين إلى قرية عمواس (24 - 13).
متى: لمريم المجدلية ومريم الأخرى (28 - 9).
يوحنا: لمريم المجدلية (20 - 14).
=
مرقس: الظهور للتلاميذ: حدث مرة واحدة (16 - 14).
لوقا: حدث مرة واحدة (24 - 36).
متى: حدث مرة واحدة (28 - 16).
يوحنا: حدث ثلاث مرات (20 - 19، 26/ 21 - 1).
=
مرقس: الظهور للتلاميذ: في الجليل (16 - 7).
لوقا: في أورشليم (24/ 33 - 36).
متى: في الجليل (28 - 10).
يوحنا: في أورشليم (20/ 19 - 26) بحيرة طبرية (21 - 1)
=
مرقس: وقت صعود السماء: يوم نشوره.
لوقا: يوم نشوره (بعد 40 يوم في سفر الأعمال 1 - 3).
متى: يوم نشوره.
يوحنا: بعد اليوم التاسع من نشوره (20 - 26، 21 - 1).
=
مرقس: من أعطى الأمر لمريم أن تخبر التلاميذ: (الملك الشاب)(16 - 7).
لوقا: يُفهم من تذكير الرجلين (المَلَكين) لهن (24/ 5 - 9).
متى: الملاك (28 - 7).
يوحنا: عيسى نفسه (20 - 17).
=
مرقس: رد فعل مريم عند رؤية عيسى عليه السلام: لم يكن هناك رد فعل غير طبيعي (16 - 10).
لوقا: لم يلتق يسوع بمريم بالمرأة.
متى: أمسكتا بقدميه وسجدتا له (28 - 9).
يوحنا: وقالت له: ربوني - الذي تفسيره يا معلم - قال لها يسوع: لا تلمسيني (20/ 16 - 17).
=
مرقس: مكان نقطة انطلاق المسيح: الجبل
لوقا: من بيت عنيا (24 - 50).
متى: (محل اجتماعهم) حيث العلية التي كانوا يجتمعون فيها في أورشليم.
يوحنا: لم يذكر أنه صعد.
مرقس -لوقا -متى -يوحنا
مرقس: ماذا قال لهم: اذهبوا إلى العالم أجمع وأكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها) (16 - 15).
لوقا: فأقيموا في أورشليم إلى أن تلبسوا قوة في الأعالي (24 - 49) وفيما هو مجتمع معهم أوصاهم أن لا يبرحوا من أورشليم، بل ينتظروا موعد الأب (أعمال الرسل 1 - 4).
متى: اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم (28 - 19).
يوحنا:-
=
مرقس: وأما هم فخرجوا وكرزوا في كل مكان (16 - 20).
لوقا: فسجدوا له ورجعوا إلى أورشليم بفرح عظيم، وكانوا كل حين في الهيكل يسبحون ويباركون الله (24/ 52 - 53).
متى:-
يوحنا:-
ذكر د/سعد الدين صالح، جملة من الاختلافات بين الأناجيل في مكان ظهور المسيح بعد قيامته من بين الأموات هي ما يلي:
- فمتي يذكر أنه ظهر في الجليل.
- ولوقا يذكر أنه ظهر في أورشليم.
- ومرقس يقول: إنه ظهر بين تلاميذه.
- ويوحنا يذكر أنه ظهر في اليهودية والجليل معًا.
فما أبعد اليقين عن أخبار فيها مثل هذا الاختلاف (1)
ويتعجب أ/ محمَّد رشيد رضا من زعمهم بقيامة المسيح فيقول:
1 -
إذا كان المسيح أخبر تلاميذه بأنّه بعد قيامته سيسبقهم إلى الجليل، وأمرهم بالذهاب إلى هناك لكي يروه فلماذا إذًا ظهر لهم في أورشليم كما يقول لوقا ويوحنا في نفس اليوم الذي قام فيه؟.
2 -
ما الحكمة في إرسالهم إلى الجليل ليروه هناك، مع أنه ظهر لهم مرارًا في أورشليم؟ وما الداعى لذلك؟ وهو الذي أمرهم أن لا يبرحوا أورشليم حتى يحل عليهم روح القدس.
(1) مشكلات العقيدة النصرانية: ص 161، ولمزيد من التفصيل حول الاختلافات في مسألة ظهور المسيح، يُراجع: المسيحية الحقة: من ص 342 - 351.
3 -
هل ظهوره لهم في الجليل كان بعد ظهوره لهم في أورشليم أم قبله؟ فإن كان بعده فلماذا شكوا فيه؟، بعد أن كان أقنعهم بذلك في أورشليم، ..... ، وإن كان قبله فمتى ذهبوا إلى الجليل إذن؟ مع العلم بأن الجليل يبعد عن أورشليم مسيرة ثلاثة أيام على الأقل وقد نصت الأناجيل على أنهم رأوه في أورشليم في نفس يوم قيامته من القبر. فهل يُعقل أنهم ذهبوا إلى الجليل ورأوه هناك ثم رجعوا في نفس ذلك اليوم؟ وإن كان السبب في الشك أن هيئته كانت تتغير بعد القيامة مرارًا فلماذا كان ذلك؟ وما الحكمة في هذا التضليل؟ وإذا كانت هيئته قابله للتغيير والتبديل بعد القيامة وقبلها كما يُفهم من الأناجيل، وكان له القدرة على الاختفاء عن أعين الناس والمرور في وسطهم بدون أن يروه والإفلات من أيديهم، فكيف إذًا يجزمون بأن اليهود صلبوه وأنهم عرفوه حقيقة وأمسكوه؟ مع أن نفس التلاميذ كانوا يشكون فيه لكثرة تغير هيأته وتبدلها، وهم أعرف الناس به وأقربهم إليه وأكثرهم اختلاطًا به، فأية غرابة إذًا قلنا أن اليهود لم يعرفوه وأخطأوه كما أخطأته مريم المجدلية وظنته البستاني (1).
ويناقش د/ سعد الدين صالح، مسألة قيامة المسيح مرة أخرى ويقول إنها أوهام وباطلة كما يلي:
4 -
فمن الباطل الذي أوردوه ادعاؤهم أنه قبر ثلاثة أيام وأنه استمر معهم أربعين يومًا، وأنه سوف يحاسب الخلق. فهذا كلام لا دليل عليه والأدلة الصادقة تُبطله وتدمغه فلم يقبر عيسى وإنما نجاه الله في ليلة الصلب ورفع إلى ربه.
5 -
وأما ادعاؤهم أنه هو الذي سيحاسب الخلق فهو ادعاء باطل يرفضه العقل الصريح لأول وهلة، فكيف يترك الله أمر الحساب لعيسى ويقف هو موقف المتفرج وما دوره حينئذ؟.
6 -
وأما حديثهم عن تعدد القيامات والمحاسبات فهو حديث يثير العجب.
7 -
وأما حديثهم عن ما بعد الموت فهو يتعارض تمامًا مع صميم العقيدة النصرانية في أن عيسي بصلبه قد تحمل عن الناس خطاياهم وطهرهم من الذنوب والآثام فما قيمة المطهر الذي يوضعون فيه بعد الموت؟ (2).
(1) عقيدة الصلب والفداء: ص 82 - 83.
(2)
انظر: مشكلات العقيدة النصرانية ص 175 - 178.
8 -
أما الحق الوحيد الذي تحدث عنه النصارى
…
فهو حديثهم عن المجيء الثاني لعيسى وإن كانوا قد اختلفوا وتباينوا في كيفيته وكيفية إقامته لملكوته هل هو ملكوت أرضي واقعي أو ملكوت سماوي، كما أنهم اختلفوا في موعده وزمانه ولم يصلوا إلى رأي قاطع حتى جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وكشف لهم الحقائق فقد أخبر الرسول الكريم أن عيسى عليه السلام سوف ينزل في آخر الزمان، وأنه سوف يكسر الصليب ويريق الخمر ويقتل المسيخ الدجال ويقيم الملة العوجاء وينزل بشريعة الإِسلام (1). فقد جاء في الحديث:(الأنبياء إخوة لعلات أمهاتهم شتي ودينهم واحد)(2)، وفي حديث آخر:(والذي نفسى بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكمًا مقسطًا فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد)(3).
وقد أورد العلامة البغدادي، عشرين دليلًا عقليًا أثبت من خلالها بُطلان دعوى صلب المسيح (4) وقد تضمنها النقد التفصيلي السابق من خلال ردود علمائنا الأجلاء.
وخلاصة القول في قضية صلب المسيح ما يلي:
1 -
بُطلان الاستدلال من الأناجيل على هذه العقيدة التي جعلوها أساس دينهم وذلك لأنها كتب مشكوك في صحتها ولم يتم التحقق بعد ممن كتبوها وبالتالى فهي دعوى خالية عن الدليل.
2 -
بُعد الزمن الذي كُتبت فيه الأناجيل عن زمن الإنجيل الأصلي كما تقدم بيانه في نقد سند العهد الجديد يؤكد افتراء أصحاب الأناجيل هذه العقيدة من عند أنفسهم.
3 -
وعلى سبيل التسليم الجدلي لهم فيما يدعون من صلب المسيح فإنه من خلال مناقشة العلماء لهذه العقيدة ونقدهم لأحداثها تبيّن وجود التعارض بين الروايات وكثرة الاختلافات بين النصوص داخل تلك الروايات وكثرة التناقض بين ما حدث فيها من وقائع وبالتالي فإن أمرًا مثل هذا يحدث فيه كل هذه المخالفات والمغالطات كفيل برده وبُطلانه وبالتالي انتفاء القداسة عن تلك الأناجيل وأيضًا انتفاء صلب المسيح عليه السلام.
4 -
اتبع علماؤنا الأجلاء في أغلب نقدهم لهذه العقيدة طريقة الجدال بالتي هى أحسن لتلك النصوص التي يزعمون أنها مقدسة وتفنيدها وتفسيرها تفسيرًا صحيحًا بناءً على الأدلة النقلية والعقلية والشواهد التاريخية.
(1) انظر: مشكلات العقيدة النصرانية: ص 181.
(2)
أخرجه البخاري في كتاب الأنبياء: باب واذكر في الكتاب مريم: 4/ 203.
(3)
أخرجه مسلم في كتاب الإيمان: باب نزول عيسي بن مريم حاكمًا بشريعة نبينا محمَّد برقم، 242، 1/ 135.
(4)
قال معد الكتاب للشاملة: الحاشية غير موجودة في أصل الرسالة، وانظر كلام البغدادي في كتابه الفارق بين المخلوق والخالق (ص286).