الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تمهيد
تبيّن فيما سبق أن الله عز وجل أرسل سيدنا عيسى عليه السلام إلى بني إسرائيل ليزيل تشددهم، ويكِّمل ويتمم لشريعة سيدنا موسى عليه السلام، فأتبعه فريق وخالفه فريق آخر ويا ليت من اتبعه منهم قد التزموا بما أمره الله عز وجل مثلما فعل الحواريون الذين ناصروه واعتدلوا في اعتقادهم به فآمنوا أنه بشر رسول من عند الله عز وجل فقال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ} (1).
ومن المؤسف أن الذين ادعوا أنهم نصارى قد انحرفوا في اعتقادهم في الله سبحانه وتعالي وفي سيدنا عيسى عليه السلام وتلوثت عقائدهم بكثير من العقائد الوثنية متأثرين بعقائد الشعوب التي خالطوها، من هذه الانحرافات العقائدية أنهم اتخذوا رجال الدين عندهم أربابًا من دون الله فقال تعالى:{اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} (2).
وانحرفوا عن عقيدة التوحيد الخالص الذي جاء به عيسى عليه السلام وغيره من الرسل فجعلوا الله ثالث ثلاثة فقال تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ} (3).
وقد اشتهر هؤلاء بالمثلثة وتنص عقيدتهم على أن عيسي ابن الله وتارة يقولون هو الله ويقولون الله الأب، والله الابن والله الروح القدس، وتأصلت فيهم عقيدة التثليث جيلًا بعد جيل إلى الآن، وغالوا في سيدنا عيسى عليه السلام فقال الله تعالى:{لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (4).
(1) سورة الصف الآية: (14).
(2)
سورة التوبة الآية: (31).
(3)
سورة المائدة الآية: (73).
(4)
سورة المائدة الآية: (17).
وليس ذلك فحسب بل اضطهدوا عيسى عليه السلام وأرادوا قتله كما قتلوا غيره من الأنبياء، وادعوا كذبًا أنهم قتلوه وبعد القتل صلبوه وقد نفي القرآن الكريم ذلك وأبطل مزاعمهم فقال تعالى:{وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا} (2).
وزعموا أن هذا الصلب يكفر عنهم خطاياهم التي ارتكبوها فهو المخلِّص والفادي وأن الذنوب لا تُغفر إلا إذا اعترف الخاطئ أمام القسيس وقدم القرابين وصكوك الغفران، وأصبح للكنيسة سلطان على النصارى لا يجب عليهم مخالفته ومن خرج عليها يرمونه بالهرطقة وغير ذلك من القضايا التي جعلوها أساسًا للاعتقاد عندهم بل وضعوا من خلال المجامع المقدسة -في زعمهم- قانونًا يجمع الطوائف المسيحية في صيغة إيمانية واحدة.
ولعلماء المسلمين على مر العصور جهود قيمة في نقد هذه العقائد لا سيما -فترة البحث- ولقد أسسوا نقدهم لتلك العقائد على المعايير التالية:
1 -
بيان استحالة ما يدعون عقلًا.
2 -
بطلان ما يدعون من عقائد لوقوع التناقض بينها وبين غيرها من العقائد الصحيحة.
3 -
معارضهَ مزاعمهم الباطلة لنصوص أخرى في الكتاب المقدس.
4 -
رد التأويل الفاسد للنصوص إلى التأويل الصحيح بما لا يخالف أصلًا من أصول التوحيد أو يتضمن فسادًا في العقيدة.
5 -
التسليم الجدلي لما يدعيه النصارى استدراجًا لهم في إبطال دعواهم.
وفي هذا الفصل يتضح جيدًا كيف طبق العلماء هذه المعايير أثناء نقدهم للعقيدة النصرانية على النحو التالي:
(1) سورة التوبة الآية: (30).
(2)
سورة النساء الآية: (157).