الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وينتقد أ/ عبد الله الترجمان، هذا الأمر الذي يسهل الخطايا وارتكاب الذنوب بعرض صيغة ذلك الاعتراف على العقل ويحاججهم بنفس ما يفعلون ليصل إلى بطلانه فيقول: إن هذا لم يأمركم به عيسى عليه السلام وتلاميذه لم يقروا له ذنبًا قط وهو أقرب على قولهم لمغفرة الذنوب من جميع القسيسين، والقسيس لا شك عندكم في أنه بشر مثلكم فمن الذي يغفر له ذنوبه فإن قلتم البابا يغفر له ذنوبه فمن الذي يغفر للبابا ذنوبه (1).
وخلاصة هذه المسألة: أن القسيس بشر يخطئ ويصيب والبابا بشر يخطئ ويصيب وإن ادعوا العصمة وبالتالي فإن القائم بهذه المهمة والمخول له هذه السلطة يحتاج إلى من يغفر له ذنوبه فمن هو إذن الذي يغفر الذنوب لكل البشر؟ لا شك أنه رب البشر سبحانه وتعالى {وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ} (2).
سابعًا: العشاء الربانى أو الإيمان بالقربان:
وهو: استحالة الخبز إلى جسد المسيح واستحالة الخمر إلى دم المسيح ويوضح ذلك أ/عبد الله الترجمان فيقول: (إن دين النصارى في قربانهم كفر، وهو أن يعتقدوا على فطيرة من خبز إذا قرأ عليها القسيس بعض الكلمات أنها ترجع في تلك الساعة جسد عيسى وإذا قرأ بعض الكلمات على كأس خمر فإنه يصير في تلك السماعة دم عيسى، وكل كنيسة بها قسيس كبير يقوم بها فيجئ قسيس كل كنيسة في كل يوم بفطيرة صغيرة وزجاجة خمر ويقرأ عليها عند صلاته فيعتقد النصارى أن الفطيرة صارت جسد عيسى والخمر صار دمه)(3).
وعن طريق المقابلة بين النصوص في القضية الواحدة من الأناجيل الأربعة أثبت العلامة البغدادي، وأ/ عبد الله الترجمان وجود الاختلاف بين الأناجيل ووقوع التناقض في النصوص التي يستند عليها النصارى في مسألة العشاء الرباني وذكرا دليلهم عليها وهو:
1 -
قول متى: "إن عيسى جمع الحواريين يومًا قبل موته وتناول خبزه وكسرها وناولهم كسرة لكل إنسان وقال لهم كلوا هذا جسمي ثم ناولهم خمرًا وقال لهم اشربوا هذا دمى"(4).
(1) انظر: تحفة الأريب: ص 98 - 99 بتصرف واختصار.
(2)
سورة آل عمران جزء من الآية: (135).
(3)
تحفة الأريب: ص 93 - 94.
(4)
متى: (26/ 26 - 28) عشاء الرب.
2 -
وعبارة مرقس وإن كانت قريبة من عبارة متى لكن بينهما اختلاف وهي: "ولما كان المساء جاء مع الاثنى عشر، وفيما هم متكئون يأكلون، قال يسوع الحق أقول لكم: إن واحدًا منكم يسلمني: الآكل معى، فابتدأوا يحزنون ويقولون له واحدًا فواحدًا: هل أنا؟ وآخر: هل أنا؟ فأجاب وقال لهم: هو واحد من الاثنى عشر، الذي يغمس معى في الصحفة إن ابن الإنسان ماض كما هو مكتوب عنه، ولكن ويل لذلك الرجل الذي به يسلم ابن الإنسان، كان خيرًا لذلك الرجل لو لم يولد وفيما هم يأكلون أخذ يسوع خبزًا وبارك وكسر وأعطاهم وقال: "خذوا كلوا هذا هو جسدى، ثم أخذ الكأس وشكر وأعطاهم فشربوا منها كلهم وقال لهم:"هذا هو دمى الذي للعهد الجديد. الذي يسفك من أجل كثيرين الحق أقول لكم: إنى لا أشرب بعد من نتاج المكرمة إلى ذلك اليوم حينما أشربه جديدًا في ملكوت الله"(1).
3 -
وحكاية لوقا في هذه القصة فيها تقديم وتأخير فإنه قال فيها: "ولما كانت الساعة واتكأ والاثنى عشر رسولًا معه وقال لهم" شهوة اشتهيت أن آكل هذا الفصح معكم قبل أن أتألم لأني أقول لكم: إلى لا آكل منه بعد حتى يكمل في ملكوت الله ثم تناول كأسًا وشكر وقال: "خذوا هذه واقتسموها بينكم؛ لأنى أقول لكم: إني لا أشرب من نتاج المكرمة حتى يأتي ملكوت الله وأخذ خبزًا وشكر وكسر وأعطاهم قائلًا: هذا هو جسدي الذي يبذل عنكم"(2).
وقد انتقد العلامة صاحب الفارق، هذه القصة ببيان الاختلاف والتناقض فيها فيقول:(إن ما أدرجه لوقا هنا لم يذكره متى ومرقس فإما أن يكون أنفت شهامتهما أن يذكرا كلامًا لا معنى له أو قصرت أفهامهما عن سر هذا الوحى الذي ذكره لوقا وعلى كلا التقديرين لا مخلص للمسيحى الذي يدعى أن هذا الاختلاف والتناقض إلهامى)(3).
وقال أيضًا: "ذكر الكأس ثانيًا من زياداته -لوقا- ولا يضرنا ذلك ولكن لنا عليه اعتراض في قوله: "الذي يُسفك عنكم" وذلك إما أن يكون المراد عموم النصارى أو التلاميذ المخاطبين خاصة وأيًا ما كان فهو مناقض قول يوحنا: أنه صلب نفسه عن كافة الناس ومخالف لقول مرقس ومتى أيضًا: لأنهما قالا:
(1) لوقا: (22/ 14 - 19) عشاء الرب.
(2)
الفارق: ص 353.
(3)
المرجع السابق: نفس الصفحة.
"الذي يسفك من أجل كثيرين" أي لبعض النصارى وزاد المترجم من عنده على مرقس: "لمغفرة الخطايا" ومعلوم أن بين هذه العبارات الأربعة تفاوتًا بعيدًا، والنصارى اتخذوا هذه القصة أساس دينهم فقد أسس هذا الدين على شفا جرف هار (1).
ويؤكد أ/عبد الله الترجمان وجود هذا الاختلاف بين الأناجيل في هذه القصة فيقول: "إن يوحنا الذي كان حاضرًا لعيسى حتى رُفع لم يذكر شيئًا من خبر الخبز والخمر في إنجيله، وهذا من الاختلاف الذي يدلّ على كذب متى ونقله للمحال والبهتان"(2).
أضف إلى ذلك محاججة الترجماني للنصارى بالعقل في هذه المسألة وبين أن ما يدعونه من خبر الخبز والخمر في العشاء الرباني محال من ناحية العقل فيقول: (النصارى يعتقدون أن كل جزء من أجزاء فطيرة كل قسيس هو عيسي عليه السلام بجميع جسده في طوله وعرضه، وعمقه هو هو ولو بلغت أجزاء الفطيرة مائة ألف جزء لكان كل جزء منها عيسى، فيقال لهم: إن جسد عيسى كان طوله عشرة أشبار مثلًا وعرضه شبرين وعمقه شبرًا، والفطيرة التي يقرأ عليها القسيس ما يمكن أنه تكون ثلاثة أشبار فكيف يكون جسد طوله عشرة أشبار وعرضه شبران وعمقه شبر في شيء طوله ثلث شبر، هذا محال في كل عقل سليم، وهم يجيبون عن هذا بأن المرآة تكون قدر الدرهم والإنسان يرى فيها أكبر الأبراج والمباني العالية إذا قابلها بذلك، وهي أكبر منها بأزيد من ألف مرة، فيقال لهم إن الذي يرى في المرآة عرض لا جوهر وأنتم تعتقدون أن جوهر عيسى وعرضه جميعًا في تلك الفطيرة، وهذا محال في العقل)(3).
ومن خلال ردود أ/ عبد الله الترجمان النقدية على هذه المسألة يتضح لدي الباحث أنه اتبع في جهوده النقدية للعشاء الرباني:
1 -
محاورة النصارى حول ما يعتقدون بالأدلة العقلية.
2 -
طرح الافتراضات الجدلية والتسليم لهم فيما يدعون ثم الإجابة عليها بما ينقضها ويبطلها.
(1) الفارق: ص 353.
(2)
تحفة الأريب: ص 94.
(3)
السابق: ص 95.
وخلاصة ما سبق:
1 -
الاختلاف بين الأناجيل في القصة الواحدة.
2 -
وقوع الزيادات في أحد الأناجيل في هذه المسألة.
3 -
وقوع التناقض في هذه المسألة من خلال المقابلة بين النصوص.
4 -
تحويل الخبز إلى جسد المسيح والخمر إلى دم المسيح أمر لا يقبله عقل سليم.
5 -
وبناءً على ما سبق يتبين بُطلان دعوى أن الأناجيل كُتبت بإلهام.