الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث نقد موقف العهد القديم من الكتب المقدسة
لقد أثبت علماء المسلمين - فترة البحث - انحراف اليهود في عقيدة الإيمان بالكتب المقدسة، فالدكتور / عبد الراضي محمَّد في كتابه "التطرف اليهودي" تأتي وقفته النقدية لتوضح مدى التطرف في الكتب المقدسة بطريقة منهجية وقد أكد نقده ببيان وجهة نظر النقاد من أهل الكتاب ليكون ذلك حجة قوية عليهم في إثبات التحريف الذي يزعمون عدم وجوده في كتبهم. فيقول:
أنزل الله تبارك وتعالى على رسله الذين أرسلهم إلى بنى إسرائيل كتبا لهدايتهم وإرشادهم، وذلك كصحف إبراهيم وزبور داود وتوراة موسى وإنجيل عيسى عليهم الصلام آجمعين وقد تطرف اليهود في تلك الكتب واتخذ تطرفهم ثلاثة محاور:
أولها: إنكار بعض الكتب وتكذيبه كما فعلوا مع الإنجيل والقرآن.
الثاني: تحريف بعضها الآخر وذلك كما فعلوا في التوراة وكتب الأنبياء "العهد القديم".
الثالث: ابتداع كتب جديدة والزعم أنها من عند الله كالتلمود (1).
ولقد أسهمت الدراسات النقدية لعلماء المسلمين - فترة البحث - في تفصيل هذه المحاور الثلاثة وتفنيد هذه العقيدة من خلال الأمور التالية:
1 -
المقابلة بين النسخ المتعددة.
2 -
الاستناد إلى النصوص التي تؤكد أن اليهود غير مأمونى الجانب على ما في أيديهم من كتب.
3 -
الاسترشاد بآراء النقاد من أهل الكتاب مما يشكل حجة قوية عليهم.
المحور الأول: إنكار الإنجيل والقرآن وتكذيبهما:
بداية تأتى محاولة الباحثة / سميرة عبد الله في دراستها النقدية للمحور الأول وهو موقف اليهود من - الإنجيل والقرآن - لتؤكد ما قرره علماء المسلمين من أن اليهود يؤمنون بأسفار أنبيائهم الذين جاءوا بعد سيدنا موسى عليه السلام أما ما أَنزل على سيدنا عيسى وسيدنا محمَّد صلي الله عليه وسلم فلا يعترفون بها (2).
(1) انظر: التطرف اليهودي تاريخه - أسبابه - علاماته د عبد الراضي محمد ص 50، 52 مكتبة التوعية الإِسلامية طـ الأولى 1993 - 1413.
(2)
انظر: جهود الإمامين ابن تيمية وابن القيم في دحض مفتريات اليهود أ/ سميرة عبد الله بكر بناني ص 276 طـ / معهد البحوث العلمية وإحياء التراث الإسلامى مكة المكرمة 1418 هـ.
وبينت في دراستها مدى الارتباط الوثيق بين الإيمان بالرسل وبين ما أنزل الله عليهم من كتب فتقول:
(إيمان اليهود بالإنجيل والقرآن الكريم المنزلين بعد التوراة كما هو ثابت بالنص الإلهى القاطع في القرآن الكريم، يرتبط ارتباطًا وثيقًا بموقفهم من الرسولين الكريمين المنزلين عليهما وهما سيدنا عيسى وسيدنا محمد عليهما أفضل الصلاة والتسليم فلما كانت اليهود لا تؤمن بنبوتهما ورسالتيهما مع إعلان الحقد والكره والعداوة لهما ولأتباعهما لذا فهم ينكرون الإنجيل والقرآن الكريم)(1).
وبناءً على ذلك يقول أ/ أحمد إدريس. عن موقف اليهود من العهد الجديد: (اليهود يؤمنون بأن العهد القديم أو التوراة وحدها هي كلام الله ولا يعترفون بالعهد الجديد أما المسيحيون فيعتبرون العهد القديم كتاب الشريعة والعهد الجديد عهد الفضل والكفارة)(2).
ويلاحظ أنه لم يكتف اليهود بإنكار الإنجيل المنزل على سيدنا عيسى عليه السلام ورفضه كرسول وعدم الاعتراف به فحسب، بل عمدوا إلى الأناجيل الحاضرة وحرفوها إضافة للتحريف الذي أحدثه بولس اليهودي في النصرانية حيث قلبها رأسًا على عقب نكاية في المسيحيين وكراهية لهم. فقد برهن ل/ أحمد عبد الوهاب في كتابه:"إسرائيل حرفت الأناجيل" على ما فعلته إسرائيل في الأناجيل الحاضرة وأوضح أنها حرفتها لتخدم أغراضها وتساندها في سلوكها وتصرفاتها في الوقت الحاضر وقد اتبع في ذكره للتحريفات النقد العلمي القائم على:
1 -
المقابلة بين النسخ: فقد قابل بين النسخة المعتمدة من الأناجيل وبين النسخة الإسرائيلية إلى حرفها اليهود.
2 -
إظهار التحريفات المتعلقة باليهود ومزاعمهم. فقد ركز في نقده على إظهار أوضح التحريفات التي لها صلة مباشرة باليهود ليدلل على ما يخدم الغرض الموضوع من أجله الكتاب وهو "اختراع أسطورة السامية وعدم معاداة اليهود.
3 -
التفصيل بعد الإجمال وسار في سرده للتحريفات على الطريقة الاجمالية في ذكر ما تشتمل عليه الترجمة من تحريفات في كل إنجيل على حدة فأحصي عددها الإجمالي ثم فصل القول في بعض النماذج من هذه التحريفات.
وهو في نقده هذا يكشف المخططات اليهودية التي تهدف إلى الحفاظ على الهوية اليهودية والتميز العنصري للشعب اليهودي فجاء نقده في هذا الكتاب نقدًا مبنياً على أسس علمية واضحة. وقد التزم فيه بالحيدة التامة والموضوعية. وقال إن عملية التحريف سارت على خطة عامة منها ما يلي (3):
(1). جهود الامامين ص 277.
(2)
تاريخ الإنجيل والكنيسة: أ/ أحمد إدريس، ص 61 ط دار حراء للنشر والتوزيع - مكة المكرمة -. بدون.
(3)
انظر: إسرائيل حرفت الأناجيل واخترعت أسطورة السامية ل/ أحمد عبد الوهاب ص 45 ط مكتبة وهبة ط 2 - 1417 هـ -1997 م.
1 -
محو كلمة "يهود" من أسفار العهد الجديد واستبدالها بكلمات أخرى مثل مواطنى ولاية اليهودية - وفيهم اليهود وغير اليهود -؛ واستبدلوها بكلمة "الرعاع" أو المنعزلين أو العامة.
2 -
محو ما يتعلق بالشعب اليهودي باعتباره جماعة دينية ترتبط بـ "الناموس" و "المجمع" ويقوم على رأسها "الشيوخ""ورؤساء الكهنة". ففى النسخة الإسرائيلية نجد "الناموس" قد استبدل بـ "الكتاب المقدس" واستبدل "المجمع" بالمحكمة، والشيوخ بالمتشرعين، ورؤساء الكهنة بالقسس أو الكهنة.
3 -
التخلص من كلمة "الصلب" وما يشتق منها واستبدلوا كلمة "صلبه" بكلمة خذه أو أبعده أو انفه أو "شنقه".
4 -
محو الفقرات التي تلقى مسئولية دم يسوع على اليهود وأولادهم من بعدهم واستبدالها بكلمات أخرى تحمِّل المصلوب وزر دمه المراق.
5 -
تحميل الرومان مسئولية حادث الصلب بعد تخليص اليهود منه، وذلك بتحريف الفقرات التي تلصق تلك المسئولية باليهود أو بالشعب اليهودي وإلصاقها بالحاكم الروماني بيلاطس (1). وغير ذلك من الأمور إلى ساقها ل/ أحمد عبد الوهاب.
أما أ/ مصطفي السعدني في كتابه "الفكر الصهيوني والسياسة اليهودية" قد أرجع سبب فشل اليهود في حمل رسالة التوحيد إلى العالم بسبب أنانيتهم وفهمهم الخاطئ للألوهية وأنهم يعتبرون أنفسهم أمة متميزة عن باقي الأمم والإله لهم وحدهم دون غيرهم، وقد فشلوا مرد ثانية بسبب عصيانهم المتكرر وتمردهم فعوقبوا بالتشرد في أنحاء العالم ومن أسباب فشلهم أيضًا رفضهم رسالة السيد المسيح عليه السلام (2).
يوم صرخ اليهود أمام بيلاطس قائلين: "ليس لنا ملك إلا قيصر"(3) ويوم أن قالوا: "دمه علينا وعلى أولادنا"(4).
حكموا على أنفسهم بالهلاك وتحقق قول الإنجيل: "هو ذا بيتكم يترك لكم خرابا"(5). ورفضهم لرسالة المسيح بالطبع يترتب عليه رفض الكتاب الذي أنزله الله عليه. فاليهود لم يعترفوا بسيدنا عيسى عليه السلام كرسول وبالتالي لم يعترفوا بما أنزل عليه من عند الله أما عن موقف اليهود من القرآن الكريم:
فالدكتور / المطعني في كتابه: "افتراءات المستشرقين". بين مزاعم اليهود حول القرآن فعرض مقولتهم الباطلة ثم نقدها نقدًا علميًا قائمًا على:
1 -
المقابلة بين أصول الإيمان في التوراة والإنجيل والقرآن.
2 -
نقد بعض الأجزاء التشريعية مثل الربا وغيرها.
3 -
المقابلة بين القصص النبوي في التوراة والإنجيل والقرآن.
(1) هو: وال أقامته الحكومة الررمانية نائبا أو حاكما على اليهودية لسنة 29 مسيحية واستمر حكمة إلي ما بعد صعود المسيح (قاموس الكتاب المقدس ص207، 208).
(2)
انظر: الفكر الصهيوني والسياسة اليهودية أ/ مصطفى السعدني ص 118 - 120.
(3)
يوحنا: (19/ 15) بالحكم صلب يسوع.
(4)
من: (27/ 25) أمام بيلاطس.
(5)
متى: (23/ 38) يسوع يرثي أورشليم.
فيقول: إنهم يقولون: إن القرآن صياغة جديدة لما ورد في التوراة أو العهد القديم ولما ورد في الإنجيل (الأناجيل) أو العهد الجديد ومعنى هذا عندهم أن القرآن الكريم ليس له مصدر سماوي مستقل، ويقولون إن سيدنا محمدًا صلى الله عليه وسلم استقى فكرة القرآن من أهل الكتاب يهودًا ونصارى (1).
ثم ينتقد د/ المطعني هذه الأوهام ويفندها بناءً على المعايير السابقة فيقول: مهما يكن من أمر فإن دعوى المستشرقين هذه محض افتراء وأدلة زيفها وبطلانها أكثر من أن تحصى منها: أن واقع القرآن يختلف تمامًا عن واقع التوراة والإنجيل وتفصيل ذلك على سبيل المثال: في أصول الإيمان يختلف القرآن عن كل من التوراة والإنجيل في عقيدة التوحيد فهي في القرآن الركيزة الأولى والله فيها موصوف بكل كمال ومنزه عن كل نقص وقد مر اليهود في حياتهم بمرحلتين كانوا في الأولي موحدين وفي الثانية مشركين ودلالة ذلك في التوراة تسمية الله "إلوهيم" جمع "إله" وقد مر تفصيل ذلك في المبحث الأول من هذا الفصل.
والقرآن لا يفرق بين الرسل في وجوب الإيمان بهم وبما أنزل عليهم من حيث المبدأ واليهود لا يؤمنون إلا برسلهم، والقرآن يدعو إلى الإيمان باليوم الآخر في معظم سوره والعمل له والتوراة تخلو تمامًا من هذه العقيدة - باستثناء بعض الإشارات إليه كما سيأتي تفصيل ذلك في مبحث عقيدة الإيمان باليومِ الآخِر - وغيرِ ذلِكَ مِن القضايا (2)
وعقيدة التوحيد في الأناجيل معدومة فالله عندهم ثلاثة، ونسبوا لله سبحانه الصاحبة والولد وجردوه من سلطان الألوهية ووضعوا ذلك السلطان في يد عيسى عبد الله ورسوله وفي بعض الأناجيل وصف للرسل الذين سبقوا عيسى عليه السلام بأنهم لصوص وقتلة والإيمان النصراني يفرق بين الرسل فيؤمن ببعض ويكفر ببعض فكيف يستقيم القول بأن القرآن صياغة جديدة للتوراة والإنجيل صاغه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من المعلومات إلى تلقاها عن أهل الكتاب (3).
أما عن التشريع فإن الأناجيل تكاد تخلو منه لأنها عبارة عن تصوير حياة المسيح من خلال وجهة نظر كاتبيها، والتشريع التوراتي لا صلة له بالتشريع القرآني مثل الربا فهي حرام فيما بينهم حلال إذا أخذوها من غيرهم وفي القرآن الربا محرمة بجميع صورها حتي ولو كان التعامل بين المسلم ويهودي أو نصراني أو غيرهما والقصص القرآني يتشابه مع القصص التوراتي في بعض الأمور إلا أنه يختلف عنه كثيرا فهو بين النقص تارة والاضطراب تارةً أُخرى (4).
(1) انظر: افتراءات المستشرقين على الإسلام "عرض ونقد": د/ المطعني، ص 13.
(2)
المرجع السابق ص 13، 14 بتصرف.
(3)
افتراءات المستشرقين: د/ المطعني، ص14 ولمزيد من التفصيل انظر: موسوعة مقدمات العلوم والمناهج: أ/ أنور الجندى، 5/ 177 - 181.
(4)
المرجع السابق، ص 15، 16.